_______________________________________________________________________________________
______________________________________________________________________________________
وصفوه بأنه أخطر جاسوس عرفه العالم بين نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 وسقوط جدار برلين وبداية تفكك الاتحاد السوفياتي 1986. ويتفق الجميع على أنه كان أحد أهم الأسلحة بيد موسكو وعميلتها ألمانيا الشرقية. وكاد يسيطر حتى على مقدرات ألمانيا الغربية بدون أسلحة دمار شامل أو ملايين الجنود لأنه كان يعرف تقريباً كل ما يجري فيها وعن طريقها ما يدور في خفايا الدوائر السياسية والاستراتيجية في بقية دول الحلف الأطلسي – يعني أوروبا الغربية بأسرها وأيضاً الولايات المتحدة. وهذه الأخيرة كانت تسعى بكل قواها إلى القبض عليه أو خطفه بأي ثمن كان ولعلها حاولت وفشلت لأن الرجل كان لا وجه له كما سمى نفسه في سيرته الذاتية. ولم يستطع أحد الاقتراب منه رغم أنه كان يسيطر من وراء الكواليس العديدة على أكثر من أربعة آلاف شخص ينفذون أوامره وتوجيهاته في كل أنحاء أوروبا ويمدونه وعن طريق حكومتهم وطبعاً موسكو بأدق تفاصيل تحركات الجانب الآخر خلال الحرب الباردة في أوروبا والساخنة خارجها التي دارت رحاها بين المعسكرين منذ هزيمة ألمانيا النازية.
_______________________________________________________________________________________
_______________________________________________________________________________________
ماركوس وولف الذي توفي أخيراً عن الثالثة والثمانين ظل رئيساً للمخابرات الألمانية الشرقية 34 عاماً وعن طريق منصبه قائداً للمخابرات في كل الدول التابعة لموسكو في أوروبا والشرق الأوسط والأقصى. وكانت لديه من الملفات والأسرار والصور والخرائط ما يعجز الباحثون حتى اليوم عن حصرها. فإذا قضى رئيس دولة صديقة أو معادية ليلة مع عشيقة كان وولف أول من يعلم. وإذا شاء أن يعرف ما دار بين رئيس دولة أو مدير مخابرات دولة أخرى ونظيره أو زائره كان أيضاً من أوائل الذين يطلعون على تقارير الاجتماع. لذلك استطاع أن ينتدب مئات ويقال ألوف العملاء الرجال الوسيمين الأذكياء والنساء الفاتنات اللامعات إلى ألمانيا وترك بعضهم نائماً عدة سنوات ليرتقي سلم الخدمة المدنية أو العسكرية حتى يأتي دوره لينفذ الأوامر ويبلغ برلين الشرقية بالمعلومات.
ولما كان على صلات وثيقة مستورة جداً بمخابرات الدول الأخرى شيوعية أو ما تسمى اشتراكية أو حتى رأسمالية كان يستطيع بالمال والنساء والرجال والوعد والوعيد أن يفعل ما يشاء. وأقول الرجال ليس لأنه استخدم الشذوذ الجنسي بالضرورة بل لأنه أرسل إلى ألمانيا الغربية بعض أوسم الشباب من الشرقية للاستيطان هناك عن طريق اللجوء –وسماهم روميو– للإيقاع بالموظفات الغربيات اللاتي يعملن في الخدمة المدنية ثم إقناعهن بتسليمه الملفات المطلوبة عن طريق الحب والغرام المزعومين. وهو أيضاً الذي أسقط حكومة المستشار ويلي برانت الذي استقال بعدما كشف أقرب الناس إليه جنتر جيلوم أسراره. ولما عرفت مخابرات الغربية العلاقة بالصدفة المحضة اضطر برانت إلى الخروج يجر أذيال الخزي مع أنه كان من الداعين إلى تقارب الدولتين والتعايش السلمي وتبادل المصالح الاقتصادية. ويُقال إن وولف ندم على نجاحه المذهل في تحطيم برانت.
_______________________________________________________________________________________
_______________________________________________________________________________________
ولد وولف في ألمانيا وهاجر صغيراً مع والديه إلى روسيا ومنها عاد إلى ألمانيا الشرقية ليخدم مخابراتها بعدما توسمت موسكو فيه مواهب كبيرة جعلته رئيساً لجهاز استخبارات «ستاسي» الألماني الشرقي الذي قيل إنه كان الأشرس من نوعه في العالم وأنه كان معلماً للجهاز الروسي المعروف بحروفه الأولى «ك. ج. ب».
ومهما حاول جاهداً التمييز بين دوره كرجل أول في المخابرات الخارجية والإدارة الداخلية لجهاز «ستاسي» إلا أن الخبراء ومذكراته تؤكد أن لا فرق بين الإدارتين فقد كان وولف أشبه برئيس كل مخابرات ألمانيا الشرقية، ومسيطراً على مخابرات الدول الأخرى الدائرة في فلك موسكو 34 عاماً لم تنته إلا بانسحاب موسكو من أوروبا الشرقية وإلقاء القبض على وولف بعدما تخلت عنه لأنها لم تعد بحاجة إلى خدماته أو معلوماته.
لكن المخابرات الأمريكية الضخمة التي كانت تتمنى اصطياده مهما بلغ الثمن قامت بزيارته عام 1990 للاستفادة من كنوز المعرفة التي ظلت غير مكشوفة حتى عن الجواسيس الأمريكيين الذين كانوا يعملون في صفوفها وفي نفس الوقت يمدون موسكو وبرلين الشرقية بالمعلومات ومنهم ألدريك إيمس – الذي انكشف بعد ذلك وقبض عليه وألقي في السجون. لكن وولف كما قيل امتنع عن مد الأمريكيين بأي معلومات قد تؤدي إلى تدمير العملاء المزدوجين ولعله كان يود التكفير عن جرائمه العديدة خلال عهده الحالك وعن الألوف من ضحاياه في كثير من البلدان خلال الحرب الباردة والساخنة التي لم تكن ترحم أحداً. كذلك امتنع عن كشف أسماء العملاء الأجانب في كتاب سيرته. فقد كان جهاز «ستاسي» جامعة تدريب وممارسة استخبارات لكل الكتلة الشرقية في العالم إذ التحق بها جيوش من العملاء الذين عادوا إلى بلدانهم الشيوعية وما شابهها لخدمتها وأيضاً للتواصل مع «ستاسي» وموسكو وتلقى الأوامر منهما والمكافآت طبعاً بشتى الأشكال والأجناس والعملات.
آخر خدمة قام بها لحكومته ولموسكو كانت إحراق أو تدمير ملايين الوثائق التي كانت في مخازن «ستاسي» مع جبال الأشرطة المسجلة والفيديو لكل ما يخطر ببال المؤرخين حالياً. ولو تركها سليمة لمدهم بمادة كفيلة بملء عدة موسوعات بل أكثر إذا استخدمت الأشرطة المدمجة التي تحتوي الواحدة منها على ملايين الكلمات والصور.
وهذا ينطبق على معظم جواسيس الكتلة الغربية الذين كانوا يخدمون دولهم في الكتلة الشرقية سيما الدولة التابعة لها مثل ألمانيا وبلغاريا وزميلاتها إذ كان وولف يتباهى بأنه كان على علم بكل واحد وواحدة منهم، وأنه كان يستخدمهم لأغراضه المعتادة بانتظام. وذلك يعني أن كل جهود المخابرات المضادة كانت تذهب سدى بل إن من المحتمل أن كافة المعلومات التي كانت تسرب خارج الكتلة الشرقية كانت تمر عبر جهاز ستاسي» والأهم منها عبر مكتب وولف.
وسيظل السؤال المهم قائماً: ماذا نالت ألمانيا الموحدة من معلومات عن طريق وولف ولم تنشرها حتى اليوم؟ هل حقاً سمحت له بالتزام الصمت التام وهو الذي كان أخطر وأعلم جاسوس في العالم لأربع وثلاثين عاماً؟ ولماذا لم يقض وولف في السجون بعد الوحدة وسقوط الشيوعية سوى أشهر معدودة؟ وهل كانت تلك الرأفة مقابل خدمات لا يعلم بها إلا عدد محدود جداً من الأحياء في ألمانيا الموحدة وربما الولايات المتحدة؟
كان العرب يقولون «لا عطر بعد عروس»، واليوم يقول الألمان «لا جاسوسية بعد مارك وولف».
_____________________________________________________________________________________
المصدر
http://www.26sep.net/newsweekarticle.php?lng=arabic&sid=30400
النهايه
_______________________________________________________________________________________