جمال كان يعين الوزراء بالرشوة
الدكتور محمد الجوادى
أجري الحوار : مصطفي عبيد لم
يكن حوارا وإنما وجبة دسمة من الأسرار والحكايات والخبايا غير
المسبوقة. فتح الدكتور محمد الجوادي نوافذ ذاكرته لتتدفق منها المعلومات
والوقائع "الملغمة"
عن عصر مبارك البائد. إن الحوار مع الرجل في هذا التوقيت لازم وضروري في
ظل محاولات شتي لإجهاض ثورة 25 يناير يتبناها فلول النظام خاصة انه
كان ومازال باحثا سياسيا ومفكرا فذا في السياسة والادب، وكان مرشحا
لوزارة التعليم أكثر من مرة في عهد الرئيس السابق.
إن ما يحكيه الرجل من وقائع فساد وتداخل للمال في السياسة لا يصدق.
فكل كلمة مفاجأة، وكل قصة فضيحة، وكل مشهد جريمة لم تعرفها مصر من
قبل.
أغرب ما قاله الدكتور الجوادي في حواره إن لديه معلومات مؤكدة أن سبعة
من الوزراء دفعوا أموالا بشكل مباشر وغير مباشر الي جمال مبارك لشراء
وزارات في حكومة 2005 . وأخطر ما حكاه أن الرئيس السادات كان لابد أن
يموت وان قتلته يستحيل أن يقتصروا علي مجموعة الإسلامبولي وحدهم،
وأن شكوك تورط مبارك أقرب للحقيقة. وأعمق ما ذكره الرجل أن مبارك لم
يكن يجيد اي شيء في العمل داخل الجيش وانه اختير نائبا بالصدفة! وأطرف
ما رواه الرجل ان والدة سوزان مبارك لم تكن انجليزية كما روجت عائلتها
وانما هي سيدة ملطية حملت الجنسية الانجليزية!
أربع ساعات متصلة في بيت جدرانه من الكتب بوسط مصر الجديدة والمعلومات
والتحليلات العميقة تنسال كمطر مفاجيء من المثقف الموسوعي الذي تخصص
في مهنة الطب، لكنه أبي أن يقنع بسماعة القلب وغاص في التاريخ وأبحر في
السياسة وعمل بالكتابة والبحث حتي ترك لنا 80 مؤلفا في السياسة
والعسكرية والسير الذاتية والعلوم والادب.
سألت الدكتور محمد الجوادي عن ثورة 25 يناير وتنبؤاته بها وتوقعاته لمستقبلها؟ - فأجاب: لم يتوقع كثيرون أن تقوم الثورة، لكن أي باحث سياسي
كان يعلم ان النظام السابق وصل لمرحلة من الضعف والترهل جعلته أضعف مما
يتصور أحد. ولقد كانت هناك عدة اختبارات للقوة لم يلتفت لها أيا من
اركان النظام السابق رغم انها كانت مثيرة للقلق. أولها صلاة التهجد بمسجد
القائد ابراهيم في رمضان الماضي والتي شارك فيها مليون شخص. لم تكن صلاة
تراويح ولا صلاة عيد وانما صلاة تهجد ولم تعبر عن التيار الديني وانما عن
مصريين عاديين يؤدون شعائر اضافية ويصل عددهم الي مليون شخص .لقد رصدت
الصحف الاجنبية تلك الواقعة غير المسبوقة من قبل في عرضها لامكانية تجميع
الناس.
وأتصور أن مجرد فكرة جمع مليون شخص كان لابد ان يثير القلق لدي
الدولة لكن أحدا لم يلتفت لذلك. لان النظام كان قد فقد معني "نظام"
وصار معظم الوزراء يتلاعنون ويتصارعون في السر والعلن ويشمتون في بعضهم
البعض، ولم يلتفت احد لفكرة ان مجموعة ما يمكنها جمع مليون شخص لموقف
معين.
ثاني الشواهد التي كانت تؤكد ان قيام الثورة قادم تمثل في قيام مجلس
الدولة برفض طلب سوزان مبارك بتعيين قاضيات سيدات في المجلس. لقد علمت
انها اتصلت ببعض قيادات المجلس وطلبت التوسع في تعيين قاضيات في المجلس،
ورفض المجلس طلبها.
ثالث الشواهد ان نسبة الفوز الفعلية لأعضاء الحزب الوطني في انتخابات
مجلس الشعب الاخيرة كانت 12 ٪ فقط لأن معظم من فازوا لم يكونوا هم
الاعضاء الفعليين للحزب في اماكنهم وهو ما يعكس مؤشرا كان ينبغي ان
يقلق القيادة السياسية، وبالطبع تقع مسئولية ذلك علي امين التنظيم
السابق احمد عز.
فضلا عن ذلك كان هناك خطأ لا يغتفر لاحمد عز حيث اختار مرشحين اثنين
او ثلاثة مرشحين في كل دائرة وهو في علم الاختبارات يبطل النتيجة تماما.
ففي النظام التعليمي اذا اختار الطالب ثلاثة اختيارات من ثلاثة اختيارات
في الامتحان تعتبر الاجابة كلها خطأ وهذا ما فعله عز.
أما تنبؤاتي بشأن مستقبل الثورة فأعتقد انها ستتكرر ربما قريبا لأن
الثورة لم تحقق جميع اهدافها وفي هذا التصور فإن الثورة القادمة ستكون
أعنف. إن بقايا النظام مازالت قائمة ومازال بعض رموز الفساد يمارسون
ادوارا خطيرة فيما يعرف بالثورة المضادة، لكنني اعتقد ان الشارع اقوي
كثيرا مما يتصور أحد.
قلت له: انت صاحب مصطلح "عسكرة الحياة المدنية". هل تتصور ان تظل المؤسسة العسكرية قابضة علي السلطة في مصر بعد مبارك؟- المؤسسة العسكرية لا يمكنها ان تحكم لان السياسة لها رجالها ومعظم
العسكريين بعيدون عن السياسة، والحياة المدنية لا تتناسب مع تنشئتهم
ودورهم الحقيقي.
باعتبارك دارسا متعمقا للتاريخ .. كيف تم اختيار مبارك نائبا للرئيس السادات؟ - لقد كان الرئيس السادات يأمن كثيرا لمبارك عندما كان قائدا للقوات
الجوية لانه بمنطقنا شخص "في حاله" وعمن يتصور أن يعينه رئيسا
لأركان القوات المسلحة بعد المشير الجمسي فرد مبارك اختر محمد علي فهمي
لأنه حرم من المنصب وقت اختيار سعد الشاذلي ثم فاته أيضا وقت اختيار الجمسي
وكان هو أقدم منهما. ووقتها كان السادات يفاضل بين مبارك وفهمي لمنصب
النائب وكان فهمي رجلا منفتحا علي الناس يذهب الي النادي ويشارك في
الحفلات واللقاءات الاجتماعية. وكان السادات يقول الكلمة لـ "فهمي"
فيعرفها كل الناس ويقول حكاية لمبارك فلا يعرفها أحد باعتباره منعزلا عن
الناس وغير اجتماعي لذلك فقد اختار مبارك. وسبب آخر أن حماة مبارك كانت
ملطية وحماة السادات كانت كذلك، وكانتا متعارفتين.
لكن الشائع عن والدة السيدة سوزان انها انجليزية ؟- هذه معلومة مغلوطة. أنا أعلم أن والدتها ووالدة جيهان السادات
ملطيتان وكان هناك كثير من المالطيين يحملون جوازات سفر انجليزية في عهد
الاحتلال البريطاني لمصر. أمهات سوزان وجيهان ليستا انجليزيتين ولكنهما
مالطيتان وبالطبع سوزان تتفوق قليلا علي جيهان السادات لان والدها
طبيب. لقد اعتدنا تصديق كل ما يقال ويروج عن زعمائنا ورؤسائنا ولا
نحاول التأكد من صحته.
ما مدي صحة واقعة اعتزام السادات التخلص من نائبه وتعيين منصور حسن مكانه؟ - القصة أن بداية الثمانينات حدثت فجوة في العلاقات بين مبارك
والسادات بسبب اداء نائب رئيس الجمهورية الذي كان متخبطا وباهتا في كثير من
الأمور وبحكم خلفية مبارك لم يكن يجيد أداء أي دور سياسي وهو ما أزعج
السادات وفكر في تغييره.
وقتها كتبت مجلة الحوادث اللبنانية (من أهم المجلات في الوطن العربي)
علي صدر صفحتها الأولي موضوعا عن الرجل القادم في مصر وهو منصور حسن
باعتباره وزيرا للاعلام ويحظي بثقة السادات وهو ما دفع البعض الي تصور
اختيار منصور حسن كنائب للرئيس في تلك الفترة، لكن يبدو ان حالة الغرور
التي تملكت منصور حسن دفعت السادات للتراجع مرة اخري وتفضيل مبارك وقد
زالت حالة الجفاء بينهما ظاهريا عندما ذهب السادات في سبتمبر 1981
للعزاء في والد مبارك. ثم كتبت نفس المجلة بعد ذلك عن حسن التهامي الرجل
القوي في مصر.
إن مبارك لم يكن يجيد عمل سياسي وأغلب الظن انه كان يتم تحريكه من
قبل عناصر اخري وأعتقد بشكل قاطع ان اعتقالات سبتمبر 1981 من تخطيط
وتدبير مبارك او من هم وراؤه لان السادات لم يفعلها من قبل في توقيتات
اكثر حدة، وفي رأيي ان المخرج الحقيقي للاعتقالات هو مبارك لان تلك
الفترة شهدت صدور قرارات عديدة تحمل اسم مبارك لانه كان مفوضا من السادات
في كثير من الشئون الداخلية. وكان السادات مجرد مؤدي دور وهذا يتناسب
مع شخصية مبارك التي كانت تدبر الجريمة في السر وتتبرأ منها في العلن.
هل لديك شكوك في تورط مبارك في اغتيال السادات؟- الشاهد في قضية اغتيال السادات ان احد تقارير الطب الشرعي الخاص
بتشريح جثة السادات اشار صراحة الي ان إحدي الرصاصات القاتلة جاءته من
الخلف. وقد سمعت هذا الكلام من طبيب شارك في الكشف علي الرئيس بعد
وفاته. وفي مثل هذه الامور فان اختفاء الادلة بعد ذلك لاشك يثير
الريبة.
ونحن لا نجزم بتورط مبارك في قتل السادات بنفسه لكن ربما علم وغض
الطرف. وأتصور ان الجريمة عملية "نظيفة" من الطراز الاول التي يمكن
كشف تفاصيلها بعد مرور سنوات طويلة. والسؤال الحقيقي: هل كان يجب
للسادات ان يموت؟ انا اقول قطعا كان يجب ان يموت لانه لم
يغير أحد تاريخ العالم مثلما فعل السادات. كان البترول بدولارين للبرميل
الواحد وعلي يديه اصبح بـ 38 دولار. وكانت القوة الاقتصادية تتركز
في الغرب فتشاركت معها الدول العربية المنتجة للنفط مثل السعودية.
وانا أعتقد ان اغتيال السادات لغز لم يحل بعد. لا يمكن ان يكون
الامر قد اقتصر علي الاسلامبولي ورفاقه. هناك دائما عملاء للاجهزة
الامنية قتلة بالفعل ويتم تكليفهم مثلما جري مع محمود عبد اللطيف في
حادث المنشية عام 1954 فقد تم الاتفاق معه لعمل التمثيلية مع الوعد
بمكافأته وتكريمه. وكان عبد الناصر قد وضع قلم حبر احمر في جيبه إحكاما
للمسرحية ليتصور الناس ان دماءه تسيل بعد اطلاق الرصاص، وقال: "أنا
الذي علمتكم العزة والحرية" وبعد التنفيذ تم التضحية بالممثل الذي أطلق
الرصاص. وأنا حققت قضية مقتل السر لي ستاك سردار الجيش البريطاني في
السودان علي يد مصريين من ابناء التنظيم السري لثورة 1919 في كتابي
العمل السري في ثورة 1919. وتتعجب كيف علمت المخابرات البريطانية ان
سير لي ستاك سيقتل وتركوه لتحقيق اهداف أكبر. هذه عملية بلغة المخابرات
نظيفة. لها جناة حقيقيون وآخرون مزيفون.
كتبت كتابا موسوعيا
عن وزراء مصر في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك. كيف كان يتم اختيار
الوزراء في عهد مبارك ؟ ومن أطولهم بقاء في منصبه؟ - معظم وزراء عهد مبارك ينطبق عليهم مصطلح "وزراء بالصدفة".
بداية اختيار مبارك للوزراء كان يتم عن طريق اختيار مساعدي الوزراء
السابقين. واذا راجعت اول عشرة وزراء اختارهم مبارك سنجدهم مساعدين
لسابقيهم في الوزارات مثل يوسف والي في الزراعة والذي كان مساعدا
للدكتور محمود داوود وزير الزراعة السابق .و في الداخلية كان اكبر شخص هو
حسن ابو باشا فأتي به وزيرا للداخلية . صفوت الشريف كان يتولي هيئة
الاستعلامات فأتي به وزيرا للاعلام وهو بالمناسبة من اطول الوزراء بقاء في
ذلك المنصب وظلت طريقة اختيار الوزراء كما هي وللاسف فإن مبارك كان احيانا
يلتقي بشخص ما صدفة ويسمعه يتحدث فيسجل اسمه وبعد سنوات يحضره
لتولي وزارة.
وأعتقد أن هناك وزراء قلائل كانت لهم انجازات عظيمة في عهد مبارك وقد
قلت من قبل لعبد الله كمال وكان يهاجم حسب الله الكفراوي إن معظم انجازات
مبارك من صنع الكفراوي خاصة تلك المتعلقة بالبنية التحتية والمدن الصناعية
والمجتمعات العمرانية الجديدة، ويليه ماهر اباظة في الكهرباء وسليمان
متولي في المواصلات وعبد الحليم ابو غزالة في الدفاع وعاطف صدقي في
الاقتصاد.
كيف تغيرت طرق اختيار الوزراء في النصف الثاني من عهد مبارك؟- تغيرت طريقة اختيار الوزراء كثيرا في السنوات العشر الاخيرة فصارت
تتدخل فيها عناصر اخري غير الرئيس مثل سوزان مبارك او جمال مبارك.
وانا عندي معلومات مؤكدة ان 7 اشخاص دفعوا اموالا لجمال مبارك في
2005 للحصول علي وزارات. وهم من يطلق عليهم بمجموعة رجال الاعمال.
وفي رأيي أن "نظيف" كان من أضعف الشخصيات التي تولت رئاسة
الوزراء، وأنا شخصيا كنت مرشحا في 2004 وزيرا للتعليم لكن ما كان
بيني وبين نظيف كان يحول ذلك وهذا من فضل ربي علي.
وأصل الحكاية ان نظيف كان وزيرا للاتصالات وصرح بأن هيئة البريد لابد من
دراسة الغائها لان معظم الناس تتعامل بالبريد الالكتروني ويومها كتبت
مقالا في جريدة الاخبار بعنوان " لو كنت مكان الوزير" وقلت إن هيئة
البريد لها وظائف عديدة اهمها صرف معاشات كبار السن والارامل وقرأ مبارك
المقال وقام بتعنيف نظيف علي ما علمت ودعاه للاستفادة من الهيئة وتعيين
رئيس متخصص لها فأتي بعلي مصيلحي وبعدها اختير مصيلحي وزيرا للتضامن.
بعد ذلك شارك جمال بقوة في اختيار الوزراء وهناك سبعة وزراء دفعوا له
اموالا بشكل مباشر وغير مباشر للتعيين في مناصب وزارية وهو ما لم يحدث في
تاريخ مصر القديم والحديث أبدا. أما سوزان فكان هناك عدد من الوزراء
معروف انهم "مسنودون" منها علي رأسهم فاروق حسني وانس الفقي وعائشة عبد
الهادي.
وكيف كانت خريطة الصراعات السياسية داخل مجلس الوزراء خلال حكومة نظيف؟- قبل ثلاث سنوات كانت هناك معركة شرسة بين خمسة من الوزراء كان كل
منهم يسعي لخلافة نظيف هم محمود محيي الدين وزير الاستثمار، ورشيد محمد
رشيد وزير التجارة والصناعة واحمد المغربي وزير الاسكان واحمد شفيق
وزير الطيران وسامح فهمي وزير البترول. وقد بذلوا كل شيء من أجل ذلك.
وكان بعضهم يحاول الحصول علي رضا امريكا باعتبارها الداعم لنظام مبارك.
وفي إحدي المرات تم تصوير احمد نظيف في قاعة كبري بأحد المؤتمرات
وهناك حشود كبيرة للتدليل علي شعبيته وارسل ذلك الي واشنطن للدعاية له،
وقد قابل الوزراء الطامحون في مقعده بحملات اعلامية وتسريبات للصحف عن
خطاياه لإقالته.
ومن القصص الطريفة ان نظيف كان لا يحب احمد جمال وزير التعليم وأراد
تغييره وإخراجه من الوزارة ولم يكن لديهم مبرر واضح فقالوا إنه
اخوان مسلمين واوعزوا لاحد الصحفيين ليكتب ذلك.
وبنفس القدر كان هناك رجال اعمال عملوا وانخرطوا في المجال السياسي
بتوجيهات امريكية مباشرة وهم عملاء مباشرون لأمريكا وجميع الساسة
والمسئولين المصريين كانوا يعرفون ذلك. ويحسبون لهم ألف حساب.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية جمال كان يعين الوزراء بالرشوة
http://www.akhbarak.net/article/2431385