سباق طويل في (ماراثون) الاتجاه المتسارع نحو التصعيد بين إيران وأمريكا، وإذا اعترف كل فريق أن لديه مناطق ضعف وقوة تجاه الآخر، فإن إيران تعتبر أن جغرافيتها الكبيرة ومراكز قواعدها داخل العراق، ولبنان، وسورية، وكذلك أفغانستان، وانتشار قواتها على مساحات هائلة، تعطيها الميزة الأكبر، مقابل شبه الانهيار للقوات الأمريكية في العراق، واستمرار تنامي طالبان في أفغانستان، وكذلك اتساع أعمال القاعدة، ونمو تيار عالمي رافض لأي خطوات حرب ضدها، تجعل أمريكا في حالة تردد، وأن ما تمارسه من ضغوط نفسية عبارة عن بالونات اختبار قد تنفجر في وجهها، لأن مسألة امتلاك تكنولوجيا نووية، هي خيار قومي يرفده تأييد وطني شامل..
أمريكا، وحتى مع ضعف إدارة الرئيس بوش، ترى أن ما تقوم به إيران يتعدى مساحة المناورة العسكرية، والمطالبة بدور إقليمي، إلى إزاحتها عن مواقع نفوذها الحساسة والتي طالما حاربت بوسائلها المختلفة الاتحاد السوفياتي كي لا يصل إلى تلك المراكز، وخاصة ما سمي بالبحار الدافئة، والتي ينصب معناها على الخليج بشكل خاص،
وتقول إن الغطاء العسكري الذي شكل الزخم المعنوي للسلطة الإيرانية، يخفي خلفه توترات داخلية عندما أشيع أن الإحصائيات أظهرت أن ما يزيد على اثني عشر مليون إيراني يقعون تحت خط الفقر، وأن هناك أثنيات وطوائف، وقوميات تتعرض للقمع والتمييز، بمعنى أن أي خلل بالسلطة سوف يفجر هذه الأوضاع، وبالتالي فقد تكون الضربات العسكرية للمنشآت الاقتصادية ومراكز القوة، وسائل قد تفرض إيقاعها على كل الواقع الإيراني، وتضعه في مهب العواصف الداخلية وفي مواجهات تخدم استراتيجيتها على المدى البعيد.. وإيران تقول إن في المنطقة مصالح حساسة ليست لأمريكا وحدها بل للعالم كله وإن أي تقدير خاطئ بتوجيه ضربة إلى إيران سوف يكون سعيراً على مواقع لا تحتاج إلا إلى عود ثقاب صغير يشعلها، وسوف تكون الدوافع الضاغطة عالمية وليست إقليمية أو حتى قارية، وإن مجلس الأمن في حالة تصويته على أي عقوبات أو الاتجاه إلى استعمال القوة، سوف يصطدم برفض روسي - صيني مما يقوض صدور أي قرار بهذا الاتجاه..
لكن أمريكا بدأت تكسب غطاءً أوروبياً، وقد رأينا كيف أصبحت فرنسا جزءاً من ترسانتها السياسية والعسكرية، وحتى معارضة بريطانيا، وبقية دول القارة تتأرجح بين عدة اتجاهات، ولكنها، في النهاية، سوف تكون ضمن الحزب الأمريكي الذي يوحدها برفض أن تحصل إيران على سلاح نووي، مهما كانت النتائج..
وعلى نفس التجاذب ترى إيران أن روسيا والصين لا يمكنهما تعريض مصالحهما للخطر وخاصة تلك الاستثمارات داخل إيران حيث إن الروس يقومون ببناء مفاعل بوشهر وهناك خبراء وعلماء، إلى جانب اتفاقات مادية لا يمكن التضحية بها، وكذلك الصين التي ترى في النفط الإيراني القريب منها، والذي يشكل جزءاً من الصراع الدائم، لها ما تستطيع أن تجعله خط مواجهة مع أمريكا، بأن تقدم على خطوة غير محسوبة النتائج..
في كل هذه الصور، نستطيع أن نقول إن الحلفاء الغربيين يستطيعون الذهاب إلى آخر نقطة حرجة مع أمريكا، حتى استعمال القوة، بينما الروس والصينيون، يستطيعون تسوية قضاياهم مع الغرب، وعدم الانسياق إلى الحرب، لأن موازين القوة تذهب إلى ذلك المعسكر قبل غيره..
http://www.alriyadh.com/2007/09/19/article280892.html