"الولايات المتحدة تهدف إلى خفض إيرادات طهران من النفط إلى الصفر، في مسعى لدفع القيادة الإيرانية إلى تغيير سلوكها في المنطقة"... توضح هذه الجملة التي قالها كبير المستشارين السياسيين في وزارة الخارجية الأمريكية براين هوك أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اختارت الحرب الاقتصادية ضد نظام طهران عوضاً عن الحرب العسكرية.
وتظهر الجملة أيضاً أن النفط الذي تُعَدّ إيران ثالث أكبر مصدر له في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك)، إذ تصدر نحو مليوني برميل من الخام يومياً، سيكون هو "وقود" الحرب القادمة.
في الثالث من يوليو، ورداً على هذه التهديدات الأمريكية، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني إن الولايات المتحدة لن تستطيع خفض إيرادات بلاده من النفط إلى "الصفر"، ولمّح إلى أن بلاده ستعطل مرور شحنات النفط من الدول المجاورة إذا مضت واشنطن قدماً في سعيها لدفع جميع الدول إلى وقف مشترياتها من النفط الإيراني، وقال: "لا معنى للسماح للدول المجاورة بتصدير النفط وعدم السماح لإيران بذلك".
وسبق أن هدد مسؤولون إيرانيون بإغلاق مضيق هرمز، وهو طريق رئيسي لشحن النفط، رداً على أي عمل عدائي أمريكي تجاه إيران. ويُعَدّ هذا المضيق أهم ممر عالمي لمرور النفط إلى العالم.
ما قاله روحاني تلميحاً تحوّل في الرابع من يوليو إلى تهديد صريح. فقد نقلت وكالات أنباء إيرانية رسمية عن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني قوله إن "الحرس الثوري الإيراني مستعد لتطبيق سياسة تمنع صادرات النفط الإقليمية إذا تم حظر مبيعات الخام الإيرانية".
تهديدات سليماني أتت في وقت تدرس فيه الإدارة الأمريكية خيار تصنيف الحرس الثوري الإيراني ضمن لائحة الجماعات الإرهابية.
وتقول مصادر مقربة من دوائر القرار إن البيت الأبيض يدرس القرار منذ أشهر وإن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يدعمه، لكن لم يتم حتى اللحظة التوصل إلى توافق نهائي بشأنه.
ويتيح مثل هذا القرار للبيت الأبيض فرصة تجميد الأصول التابعة للحرس الثوري الإيراني وفرض حظر سفر على عناصره، بالإضافة إلى فرض عقوبات جنائية بالتوازي مع العقوبات الاقتصادية الموجودة حالياً.
ما أهمية مضيق هرمز؟
لمضيق هرمز الذي يقع عند مدخل الخليج، بين عُمان وإيران، أهمية استراتيجية كبيرة، ولذلك فإن إغلاقه يتسبب بكارثة على دول الخليج وعلى مصالح دول العالم.
يومياً، تعبر هذا المضيق ما بين عشرين وثلاثين ناقلة نفط، بحمولات تصل إلى 17 مليون برميل، ما يشكل 40% من تجارة النفط العالمية، بحسب إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
ويعتبر القانون الدولي مضيق هرمز جزءاً من أعالي البحار، ولكل السفن الحق والحرية في المرور عبره، وتخضع الملاحة فيه بالتالي لنظام "الترانزيت"، ما يعني عدم فرض أية شروط على السفن التي تمر من خلاله ما دام مرورها يكون سريعاً، ولا يشكل أي تهديد للدول الواقعة حوله.
وللمضيق أهمية خاصة لدول الخليج التي تصدر نحو 90% من نفطها عن طريق ناقلات نفط تمرّ عبره. كما تأتي واردات دول الخليج من خلال سفن شحن تمر عبره، خاصة تلك القادمة من الصين واليابان وكوريا الجنوبية وسنغافورة وتايوان.
ومن الناحية العسكرية نظرياً، يمكن لإيران غلق مضيق هرمز بشكل جزئي، عبر ما تمتلكه من سفن عسكرية، وألغام بحرية وصواريخ، وزوارق للهجوم السريع.
لكن من الناحية العملية، لا يمكنها تنفيذ ذلك لفترة طويلة، خاصة وأن الولايات المتحدة ومعظم دول العالم ستكون ضد التصرف الإيراني وستعمل لحماية مصالحها البترولية في المنطقة، ولو بالقوة.
ليست مجرد تصريحات إعلامية
لا يمكن الحديث عن تصريحات هوك بخصوص "تصفير" النفط الإيراني باعتبارها مجرد تصريحات إعلامية فقط، فبلاده قامت بالفعل بخطوات عملية لتنفيذ هدفها.
وخطة الولايات المتحدة المعلنة هي إيصال حجم واردات أكبر عدد ممكن من الدول من النفط الإيراني إلى صفر في أقرب وقت ممكن.
وكثف الرئيس الأمريكي الضغط على حلفاء بلاده لوقف واردات النفط الإيراني بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي أبرمته القوى العالمية مع طهران. وحذّرت واشنطن قبل أيام حلفاءها من أنها لن تقبل باستمرار استيرادهم للنفط الإيراني بعد الرابع من نوفمبر المقبل.
وخفّض مشترون في أوروبا والهند الواردات بالفعل قبل بدء سريان العقوبات الأمريكية في الرابع من نوفمبر.
كما أن واردات كوريا الجنوبية من النفط الإيراني قد تنخفض إلى أدنى مستوياتها خلال ثلاث سنوات، في سبتمبر. وكانت كوريا الجنوبية من أكبر أربعة مشترين للخام الإيراني خلال جولة العقوبات الأخيرة على إيران، وكانت أكبر مستورد للمكثفات الإيرانية، ويقول تجار إن غيابها سيزيد من الضغوط على إيران لإيجاد مشترين آخرين.
وتقول الولايات المتحدة إن هناك طاقة إنتاجية احتياطية عالمية في سوق النفط تكفي لتغطية انخفاض إمدادات الخام الإيرانية.
وطلب ترامب من السعودية زيادة الإمدادات من أجل تعويض انخفاض الصادرات الإيرانية. وفي مقابلة مع برنامج "صنداي مورنينغ فيوتشرز ويذ ماريا بارتيرومو" الذي تبثه قناة فوكس نيوز، دعا ترامب السعودية لزيادة إنتاجها النفطي إلى مستوى قياسي جديد، وحثها على ضرورة مساعدة الولايات المتحدة على إبقاء أسعار الوقود منخفضة، في الوقت الذي تساند فيه واشنطن الرياض في صراعها مع طهران.
وقال ترامب: "يجب ألا ننسى أن الجانب السلبي الوحيد في (الانسحاب من) اتفاق إيران هو أننا نخسر الكثير من النفط، وعليهم تعويض ذلك. من هو عدوهم الأكبر؟ إنها إيران. نعم. فكروا في الأمر. إيران هي عدوهم الأكبر، ومن ثم سيتعين عليهم القيام بذلك".
وأضاف أن لديه "علاقة جيدة جداً" مع الملك السعودي وولي عهد السعودية والمحيطين بهما، وسيتعين عليهم ضخ مزيد من النفط.
وتعني تلميحات ترامب أنه يريد من الرياض أن تزيد الإنتاج إلى 12 مليون برميل يومياً، وهو ما لم تفعله المملكة من قبل.
وضخت السعودية نحو عشرة ملايين برميل يومياً في الأشهر الأخيرة، وقالت مصادر قريبة من السياسة النفطية للمملكة إنها قد ترفع الإنتاج إلى 11 مليون برميل يومياً.
ونشرت وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس) بياناً رسمياً يفيد باستعداد المملكة لاستخدام طاقتها الإنتاجية الاحتياطية من النفط "عند الحاجة للتعامل مع أية متغيرات مستقبلية في معدلات العرض والطلب على البترول وبالتنسيق مع الدول المنتجة الأخرى".
وأظهر مسح حديث قامت به رويترز أن إنتاج منظمة أوبك من النفط ارتفع في يونيو مع قيام السعودية بضخ إمدادات من الخام إلى مستوى مرتفع، في دلالة على أن أكبر بلد مصدر للنفط في العالم استجاب لمطالب الولايات المتحدة ومستهلكين آخرين بزيادة الإمدادات.
وضخت أوبك 32.32 مليون برميل يومياً من النفط في يونيو، بحسب المسح، بزيادة قدرها 320 ألف برميل يومياً عن مايو، وفي إنتاج هو الأعلى منذ يناير 2018.
وأظهر المسح أن حلفاء السعودية الخليجيين، الكويت والإمارات، لم تقتفيا أثر المملكة بعد، وأبقيتا على إنتاجهما مستقراً في يونيو.
لكن في الثالث من يوليو، قال وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي إن أوبك ستسعى للتقيد بمستويات الامتثال الإجمالية للمنظمة خلال الفترة المتبقية من عام 2018، وإن الإمارات مستعدة للمساهمة في تخفيف أي نقص محتمل لإمدادات النفط.
محاولات أوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي
وأعلن الرئيس الأمريكي في الثامن من مايو الماضي انسحاب بلاده من الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي تم التوصل إليه بين كل من روسيا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا من جهة، وإيران من جهة أخرى، عام 2015. كما أعلن ترامب، استئناف العمل بكافة العقوبات التي تم تعليقها نتيجة التوصل إلى هذه الصفقة.
لكن شركاء واشنطن الغربيين أعلنوا عزمهم على مواصلة الالتزام بشروط الاتفاق مع إيران. وقد تضغط هذه الدول على الولايات المتحدة لضمان صادرات إيران النفطية بهدف ألا تخرج الأخيرة من الاتفاق النووي.
وفي الثالث من يوليو، قال روحاني إن طهران ستبقى في الاتفاق النووي فقط إذا ضمنت باقي الدول الموقعة عليه مصالحها بعد انسحاب الولايات المتحدة. متابعاً أنه "لن تستفيد الولايات المتحدة ولا أي بلد آخر من قرار الانسحاب من الاتفاق".
وبناء على طلب إيران، يعقد وزراء خارجية الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع إيران، أول اجتماع لهم بدون واشنطن، في فيينا، في السادس من يوليو، لبحث مقترحات أوروبية لحماية الاتفاق.
اضغط هنا