الأجندة الخفية لأمريكا من الملف النووي الكوري
منذ ما يزيد عن عقدين والولايات المتحدة ترصد كل شيء في كوريا من الإبرة إلى الصاروخ وجمع المعلومات يأتي من مصادر عديدة كما أن أقمار التجسس الأمريكية لا تغادر سماء كوريا الشمالية البتة. وما حدث من تفجير نووي كوري في الآونة الأخيرة فإن الولايات المتحدة كانت على علم بذلك ولا نستبعد أنها سهلت ذلك سرا لاستغلاله فيما بعد في تطبيق أجندتها الخاصة التي عجزت عن تطبيقها حتى الآن في شرق آسيا ،فأجهزة المخابرات الأمريكية تقول منذ سنوات عديدة أن كوريا الشمالية تمتلك فعلا الأسلحة النووية وأنها قادرة على إنتاج قنبلة أو قنبلتين نوويتين كل سنة. فمدير المخابرات القومية جون نيغروبونتي يقول "إن كوريا الشمالية تزعم بأنها تمتلك أسلحة نووية، وهذا زعم نعتقد في تقييمنا أنه صحيح" ويبدو أن بوش على علم مسبق بامتلاك كوريا سلاحا نوويا وإلا كيف نفسر قوله: "الولايات المتحدة ستنظر إلى أي نقلٍ من قبل كوريا الشمالية لمواد نووية إلى دول أخرى أو منظمات إرهابية على أنه "تهديد خطير"، وستُحمل حكومة كيم "المسؤولية الكاملة لعواقب مثل هذه الأعمال" إن لم يكن هناك معلومات أكيدة للولايات المتحدة عن وجود سلاح نووي لدى كوريا الشمالية.
لقد تبنت إدارة البيت الأبيض برئاسة بوش الابن من المحافظين الجدد الخاضعين لنفوذ (اللوبي اليهودي) رسم إستراتيجية قائمة على حماية مصالح الولايات المتحدة وسخرت في سبيل ذلك مراكز بحوث عديدة لوضع سيناريوهات لكيفية تطبيق هذه الإستراتجية وعلى كان ذلك على حساب مصالح شعوب العالم ودولها وللوصول إلى تحقيق ذلك خطط راسمو السياسة الأمريكية لتكريس مفهوم "الإستراتيجية المنحازة" وفتح باب الصراعات الساخنة وافتعال الحروب.
الإستراتجية الأمريكية في شمال وجنوب شرق آسيا :
لقد عزمت الولايات المتحدة مع قدوم إدارة بوش على عودة وتثبيت حضورها العسكري في منطقة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وعدم الاكتفاء بالحضور العسكري القديم والمستمر في اليابان وكوريا الجنوبية لمصالح إستراتيجية في منطقة دول آسيان العشرة، وبهدف "تعزيز الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادي عمومًا وتقوية العلاقات العسكرية بهذه الدول بعد أن كانت الإدارة السابقة أي إدارة كلينتون تتجه إلى تقوية العلاقة الاقتصادية مع الصين فقد صرَّح مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية في 17/5/2001 بما سيكون في الخطة العامة لسياسة بوش، مؤكدًا تحولها عن الصين والتوجه نحو تقوية العلاقات مع اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا.. والفلبين وتايلاند، بالإضافة إلى سنغافورة، مع التركيز على مواجهة الصين بإعداد الدول الحليفة أولاً والصديقة ثانيًا "لمواجهة أية أزمة إقليمية كتحالف أمني وعلى شكل شراكة شاملة".
الحؤول دون حلف روسي صيني هندي :
كما أرادت الولايات المتحدة تطويق الصين وروسيا وكذلك الهند وذلك خوفا من ظهور محور صيني روسي هندي يهدد مصالح الولايات المتحدة في العالم حيث أن وزير خارجية الإتحاد السوفياتي السابق حاول أكثر من مرة إقناع بوتين في رئاسته الأولى العمل لتشكيل حلف صيني روسي هندي وأن ذلك ربما يعيد الحياة لروسيا ويعيد لها هيبتها وحضورها العالمي بعد ما فقدته بانهيار الإتحاد السوفياتي وتشير التقارير أن الولايات المتحدة أخذت هذا الوجه من قبل وزير الخارجية السابق الذكر على محمل الجد وعملت على الإحالة دونه وان احد الدوافع من احتلال أفغانستان- التي تعتبر الرابط جغرافيا بين الدول الثلاث- هو دق إسفين يحول دون إنشاء هذا المحور وفي سبيل تعزيز وجودها في آسيا الشرقية كان لا بد من اللعب بورقة كوريا الشمالية التي تربط الصين بروسيا لإقناع أحلافها بضرورة توقيع الاتفاقات العسكرية مع الولايات المتحدة من جانب ومنحها الامتيازات لوجودها العسكري من جانب آخر ، فكوريا الشمالية التي تتمتع بثقافة خاصة تقوم على المذهب الشيوعي، وتعتمد على العقيدة الكونفوشية تحاول بكل السبل تحصين نفسها ضد الاختراق الأمريكي، والذي حدث لدول الاتحاد السوفييتي السابق ودول جنوب شرق آسيا ولذلك فهي ترفض الانفتاح على دول تهدد ثقافتها ولكنها تنفتح اقتصاديا مع الدول المجاورة مع الحذر الكامل، كما أن الميل إلى توحيد الكوريتين يقف حجر عثرة في وجه الأطماع الأمريكية كان لا بد أن تكون كوريا الشمالية الفزاعة بيد الولايات المتحدة الأمريكية في وجه أحلافها في المنطقة لتحقيق مزيد من الاعتماد عليها في المجالات العسكرية واللوجستية.
كما أن من الأسباب الحقيقية والخفية التي تقف خلف هذه الهجمة الشرسة الأمريكية على الملف النووي الكوري نلخصها فيما يلي:
الحد من التعاون الكوري الإيراني والخشية على (إسرائيل) :
لقد قام كريستوفر هيل المبعوث الأميركي في المحادثات بشأن البرنامج النووي الكوري الشمالي بإلقاء الضوء على التعاون الكوري الإيراني في مجال الصواريخ حيث قال عقب إطلاق كوريا الشمالية سبعة صواريخ في الخامس من تموز من العام الجاري بينها (تايبودنغ-2) طويل المدى، إن ايرانيا واحدا أو أكثر شاهدوا إطلاق الصاروخ فيما يزيد من القلق بشأن العلاقات بين البلدين اللذين لديهما قدرات نووي مثيرة للإزعاج.
وكان معهد الشؤون الخارجية والأمن القومي قال في تقرير له أن كوريا الشمالية تعمل عن كثب مع ايران في تطوير صواريخها طويلة المدى ربما باستخدام تكنولوجيا صينية وتبني قواعد ضخمة للتحضير لنشرها، مضيفا إن "تطوير (الصاروخ) (تايبودونغ-2) جرى بالاشتراك مع ايران ومن المحتمل أن يكون قد تم استخدام تكنولوجيا صينية في تطوير محرك (تايبودونغ-2)". وتعتقد الولايات المتحدة أن هذا التعاون يتم في إطار شبكة دولية تضم باكستان جعلت من الممكن لكوريا الشمالية الفقيرة تطوير ونشر صواريخ رغم الموارد الشحيحة والتجارب المحدودة.
كما أن (اسرائيل) لا تفتأ تحرض الولايات المتحدة وتدفعها إلى تبني خيار المواجهة مع إيران وكوريا وذلك من خلال الربط بينهما. فقد صرّح عاموس يدلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية (الإسرائيلية)، في 4/27/2006 أنّ "ايران قامت بشراء صواريخ أرض – أرض من كوريا الشمالية تُعرف باسم "بي/ أم 25"، تعمل بواسطة الوقود السائل، مشيراً إلى أنّ مصدر هذا الصاروخ الاتحاد السوفييتي سابقاً، وكانت قد تمت ملاءمة النماذج الأولى منه للغواصات، والتي تعرف باسم "SSm6".حيث يصل مداها إلى 2500 كيلومتر"، على حد تعبيره، وبحسب المصادر (الإسرائيلية)، فإنّ الصاروخ لدى تطويره في روسيا كان قادراً على حمل رؤوس نووية، كما أشار المسؤول العسكري (الإسرائيلي) أنه بامتلاك إيران لهذا الصاروخ، "أصبحت قادرة على التقدم إلى الأمام في تطوير الصاروخ الإيراني "شهاب 4"، الذي يصل معدل مداه إلى 2000 كيلومتر. ما يعني تهديد (اسرائيل) بل ربما الإتحاد الأوروبي.
تطويق العداء للولايات المتحدة في شمال وجنوب شرق آسيا:
ترصد الولايات المتحدة الأمريكية ظاهرة تنامي العداء لها في شمال وجنوب شرق آسيا منذ مطلع التسعينيات وحتى الآن لا تزال موجة العداء تتنامي وتتعمق داخل تلك المجتمعات ففي اليابان مثلا كان هناك أكثر من مظاهرة ضد القواعد العسكرية الأمريكية في اليابان الحليف الأول للولايات المتحدة في المنطقة وقد امتدت هذه الظاهرة لتصل إلى كوريا الجنوبية حيث ألقى متظاهرون كوريون القنابل على قاعدة أمريكية عام 2002م كما انتشرت ظاهرة منع الأمريكيين من ارتياد المطاعم الكورية ويتهم عموم الشعب الكوري الذي تربطه بالشمال روابط الدم والقرابة واللغة والدين الولايات المتحدة في حمل كوريا الشمالية على انتهاج السياسة العدائية ضد كوريا الجنوبية، كما أن الدراسات التي جرت منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 توضح أن المشاعر المناهضة للولايات المتحدة تتزايد في اندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان، وسلسلة التفجيرات التي استهدفت الجالية الأسترالية في المطاعم لا تخرج عن هذا الإطار.
من جهة أخرى فلقد أعادت اندونيسيا بناء العلاقات مع الصين العدو النائم للولايات المتحدة منذ أن قطعت جاكرتا العلاقات عام 1967 متهمة بكين بمساندة الشيوعيين المحليين في محاولة الانقلاب عام 1965.
الحد من انتشار الحركات الإسلامية الجهادية المعادية للسياسة الأمريكية :
لقد شهدت منطقة جنوب شرق آسيا نموا سريعا للحركات الإسلامية الجهادية كالجماعة الإسلامية في اندونيسيا والتي قامت بعدة هجمات على مصالح استرالية على أراضيها التي تعتبرها الولايات المتحدة امتداد لأهدافها ونفوذها واستراتجيتها في المنطقة، كما أن انتشار (القاعدة) في كل من تايلاند وماليزيا واندونيسيا أيضا خصوصا بعدما ثبت للولايات المتحدة أن (القاعدة) كانت تخطط لهجمات سبتمبر في تايلاند وماليزيا إضافة إلى أفغانستان وباكستان وأن هناك تعاون أو محاولة من القاعدة لاستمالة الحركات الإسلامية المنتشرة في الفلبين وتايلاند واندونيسيا وماليزيا ما يجعل من الحضور الأمريكي ضروري في هذه المناطق وبالتالي تسليط الضوء على هذه الحركات واختراقها وخصوصا أنها تعتبر حاليا من أخطر الأعداء على الولايات المتحدة وبما أن اندونيسيا اكبر دولة في العالم الإسلامي والحضور الجهادي فيها قوي كان لا بد للولايات المتحدة أن تقيم علاقات عسكرية مع حكومة جاكرتا ففي عام 2001 م تم إشراك البحرية الإندونيسية مع البحرية الأمريكية القادمة من أوكيناوا وسان دياغو في تدريبات كارات المائية، وأعطت واشنطن الأولوية في سياساتها الخارجية لجاكرتا واستأنفت العام الماضي مبيعات الأسلحة التي كانت جمدت قبل سنوات على خلفية سياسية معروفة.
أما الفلبين فقد شهدت مناورات أمريكية فلبينية مشتركة منذ عام 2001 وحتى اليوم وفي هذا الصدد تعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطاب ألقاه بوش أمام جلسة مشتركة لمجلسي الشيوخ والنواب في الفلبين بالعمل مع دول جنوب شرق آسيا من أجل القضاء على ما يسمى بتنظيم (الجماعة الإسلامية) التي دمغها بأنها إرهابية والقضاء على الجماعات الأخرى المستخدمة للعنف في المنطقة، كما تعهد بوش بمساعدة الفلبين فيما سماه اقتصاص العدالة من (جماعة أبو سياف) من خلال المساعدات المالية والتدريب المقدمين من الولايات المتحدة للقوات الفلبينية.