سلام الربضي \ باحث أردني في العلاقات الدولية
من الناحية العسكريّة الإستراتيجيّة لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار الوقائع السّياسيّة والجغرافيّة من جهة والقدرات العسكريّة من جهة أخرى. فتضارب المصالح الاستراتيجيّة الإسرائيليّة مع القدرات الإيرانيّة المختلفة لا يمكن ايجاد حل عسكري له وفقاً للقاعدة العسكريّة الإستراتيجيّة الآتية: "لا يجب أن يقود المحاربون غمار الحروب من أجل تحقيق انتصار عسكري في حدّ ذاته، لأنّ هذا الأخير لا يغدو من دون تنازلات، والمكاسب هي عبارة عن انتصارات مؤقّتة ومرحليّة فقط" هذه النظرية في العلاقات الدولية والعمل العسكري هي للجنرال الألماني كارل فون كلاوسفيتز والذي يعتبر أن التوازن في العلاقات ما بين الدول هو عبارة عن فترة استراحة فقط بانتظار لحظة أكثر ملائمة للعمل، وهذا العمل ليس عملاً عسكرياً بالضرورة. وبالتالي لا بدّ من التركيز على حقيقة إستراتيجيّة مفادها أنّ الأهداف السّياسيّة هي التي تحدّد طبيعة العمل العسكري، إذ لا يمكن تصوّر عمل عسكري دون تحديد أهدافه السّياسيّة. ومن هنا يطرح السؤال :
ما هي المكاسب الإستراتيجيّة الإسرائيليّة في حال تمّت مواجهة عسكريّة مع إيران سواء أكانت محدودة أم واسعة؟
من الأرجح أنّ أي عمليّة عسكريّة فيما إذا تمّت من الناحية العسكريّة، فهي قد تعطي إيران استثماراً في السّياسة على اعتبارها بلداً معتدى عليه وبالتالي تظهر مظلوميّتها أمام العالم خاصّة العالم الإسلامي. كما أنّ هذه العمليّة العسكريّة ليست بحكم المؤكد أن تؤدّي إلى القضاء على برنامج إيران النووي أو حتى إسقاط النظام. فعسكرياً الخيارات الإسرائيليّة قائمة بالدّرجة الأولى على ضربة عسكريّة تعتمد على الطيران الإسرائيلي والمسارات المفترضة لمثل هذا الخيار تمرّ عبر كل من:
أ-الأجواء التركية.
ب-الأجواء الأردنية .
ج-الأجواء العراقية.
كل مسار جوّي يتطلّب أثماناً إقليميّة يتوجّب على إسرائيل دفعها سياسياً. فالخيار الإسرائيلي على المسار الأردني العراقي أقل كلفةً على إسرائيل من مسار تركيا، الدولة الإقليميّة الكبيرة، التي لا بدّ من مراعاة حساباتها، وكذلك مكاسبها الإستراتيجيّة القوميّة في المنطقة. ومن الناحية العمليّة، لا تستطيع الطائرات الإسرائيليّة استهداف كل المنشآت النوويّة الإيرانيّة في غارة طيران واحدة بسبب مجموعة متداخلة من العوامل المختلفة:
أوّلاً: الصّعوبات اللوجيستيّة حيث إيران تبعد أكثر من 1600 كلم عن الحدود الإسرائيليّة، الأمر الذي يفرض على الطائرات الإسرائيليّة قطع مسافة 3200 كلم ذهاباً وإيّاباً، وهو أمر مستحيل دون إمكان التزوّد بالوقود في أراضي دولة ثالثة وما يترتب عليه من أعباء سياسيّة.
ثانياً: العامل الجغرافي المتمثّل بتوزيع المنشآت النوويّة في مساحة شاسعة في إيران يزيد من صعوبة مهمّة الطيران العسكري الإسرائيلي أو إطلاق الصواريخ بعيدة المدى.
ثالثاً: إيران تملك في جعبتها أوراقاً لا يمكن لإسرائيل أن تستهين بها ومنها:
(1)-صواريخ بعيدة المدى من طراز شهاب قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي كالصاروخ شهاب 3 الذي يستطيع أن يطال العمق الإسرائيلي وبقدرة تفجيريّة عالية (رؤوس نووية).
(2)-يمكن استهداف المنشآت العسكريّة في شمال إسرائيل انطلاقاً من مواقع حزب الله في لبنان وتجربة حرب تموز 2006 أثبتت قدرات حزب الله الصاروخيّة .
(3)-إيران تمتلك ورقة سلاح النفط الذي يمكن أن تستفيد منه كورقة ضغط على المنطقة والعالم بأسره في ظل ارتفاع حاد لأسعار النفط ممّا يعرّض مصالح الدّول الصّناعيّة للخطر.
(4)-الموقع الإستراتيجي الإيراني قادر على تعطيل حركة الملاحة في الخليج العربي.
(5)-إمكانيّة إيران استهداف القوّات الأميركيّة داخل العراق بعدّة طرق وأساليب مختلفة.
(6)-إنّ العمليّة العسكريّة بالغة التعقيد ولكن تبقى واردة الحصول على الرّغم من التوازن المتبادل إلى حدٍّ ما بين الطرفين.
إيران تتمتع بموقع جيوسياسي مهم وغني بثروات طبيعية وإنسانية, وهي صاحبة نموذج سياسي يعتبر نموذجاً لحكومة دينية معاصرة يجمع بين معايير الحكومات المعاصرة وبين المبادئ الإسلامية. ويؤهل حجم الدولة الإيرانية وموقعها إلى الاضطلاع بدور قوة ينبغي أخذها في الحسبان ويمتد نفوذها إلى سوريا ولبنان والعراق وأذرييجيان إلى شمال القوقاز بالإضافة أبعادها الثقافية في كثير من دول الخليج. كذلك تتمتع بإمكانات اقتصادية لا يستهان بها خاصة في حقل الطاقة. وإيران تمتلك الدوافع والمقومات والامكانات اللازمة للعب دور مؤثر وفعال في دعم القضية الفلسطينية, وهي أحد أهم الدول الإسلامية وهذا واقعاً تفرضه الحقائق ويعترف به من قبل كل من يقرأ التاريخ ويتابع التحولات الحالية