نتابع في هذه الأيام الأوقات العصيبة التي يمر بها إخواننا في سورية والعنف الدموي الذي يتخذه النظام السوري تجاه مطالبات الشعب بالعدل والإصلاح. وكيف أن هتافات الناس البسطاء السلمية تقابل بالرصاص والدبابات والمدرعات! وكل يوم نرى العديد من المقاطع المصوّرة التي تجعل الإنسان يبكي دما من هول ما يرى من العنف والقتل هناك، هذا العنف الذي لم نره حتى من إسرائيل تجاه الفلسطينيين! ولا يذكرنا هذا الأسلوب إلا بما حصل من مجازر التطهير العرقي في البوسنة والهرسك آنذاك!
للأسف أن توقيت هذه الحركة الشعبية في سورية أتى مع انشغال العالم بالعديد من المشاكل الأخرى، مما أضعف الدعم الدولي والإقليمي للشعب السوري، إلا أنه يبدو أن النار التي يكتوي بها الشعب هناك لم تُعطهم مجالا أوسع للتفكير أو التروّي. شعب يعيش الظلم والاستبداد وكأنه يعيش في قرون الظلام، حتى الخدمات العامة (كالاتصالات والإنترنت) لم تدخل إلا بعد شقّ الأنفس خشية أن يكون للناس متّسع لرؤية ما لا يريده النظام!
الأمر المهم الذي أودّ إثارته؛ هو أين مصلحة دول الخليج والعالم العربي مما يحصل في سورية؟ وماذا تمثل سورية من حيث موقعها الجغرافي والسياسي؟
هناك حلف استراتيجي بين النظامين السوري والإيراني، وهو حلف مبني على عوامل متعددة، من أهمها توافق مصالح سياسية مشتركة، وتعتبر سورية أهم منفذ للنفوذ الإيراني في المحيط العربي، حيث من خلالها تصل إلى حزب الله في لبنان، الذي هو الآخر يشكل أهم أعمدة إيران في المنطقة، إلا أن هذا العمود قد يسقط بزوال النظام الطائفي السوري حيث بزواله ستتوقف أو على الأقل ستضعف الإمدادات الإيرانية كثيرا لعدم وجود ممر برّي آمن. كما أن سورية بحكم موقعها المهم في العالم العربي، تعتبر منفذا لإيران على جميع الدول العربية الأخرى، ومن خلالها تصل إلى ذلك المحيط، ولذلك فإن سورية تشكل أهمية كبيرة بالنسبة لإيران، ولا أعتقد أنها ستتوانى في دعم النظام السوري سواء بالسلاح أو المال، مهما كلفها ذلك.
وهذا الأمر ظاهر من خلال دعم إيران (وكذا حزب الله بالتبع) للنظام السوري بكل ما يملك، لأنها تعتبر المشكلة مسألة مصير بالنسبة لها، وتعلم إيران بأنها ستخسر الطموحات الكبيرة التي جلست ربما سنوات لتبني عليها من أجل التوسع والنفوذ في العالم العربي! ولكن بنظري أن إيران وكذا ذيولها في المنطقة (النظام السوري وحزب الله) قد انكشفوا بلا غطاء أمام العالم أجمع، وأن الشعارات التي يرفعونها ليست سوى شعارات ورقية لاستغلال البسطاء والتوسع في النفوذ والمصالح.
بالتالي؛ فإن سقوط النظام السوري أو على الأقل إضعاف الارتماء السوري تجاه إيران (بأي شكل من الأشكال، مثل إضعاف القبضة الحديدية للنظام على مقدرات وسياسات البلد من خلال الانتخابات ونحوها) يساهم في إضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، هذا النفوذ الذي تزيد عدائيته كل يوم. والشيء المضحك؛ أن النظام الإيراني يدّعي علنا أنه يدعم ويشجع الثورات الشعبية (في غير إيران وسورية بالطبع!) والدعوات إلى الحرية والإصلاح!
ولذلك فإن المصلحة السياسية والأمنية تدعو الدول العربية عموما والخليجية خصوصا إلى تبنّي موقف قوي تجاه هذا النظام السوري الدموي. وهي فرصة تاريخية لأجل الحفاظ على الكيان العربي بشكل متماسك، بعد سلسلة من النجاحات التي حققها النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة من خلال العراق وسورية. وبنظري أنه من المهم إحياء تكتلات قوية تجاه الطموح الإيراني الجامح في المنطقة، ومن أهم الفاعلين الذين يجب الاستعانة بهم هم الأتراك، واستغلال فرصة الحماس التركي لأجل منافسة الدور الإيراني.
لا شك لدي مدى استيعاب وتقدير المسؤولين في تلك الدول لأهمية هذا الأمر، خاصة بعد الدفعة القوية التي قدمها خطاب خادم الحرمين الشريفين التاريخي لسورية وسحب السفير السعودي بدمشق، وما تتالى بعده من إدانات وإجراءات سحب سفراء من الدول الخليجية والعربية. وهذا يؤكد دور المملكة العربية السعودية القيادي نحو الإصلاح ودعم الخير والأمن في كل مكان.