بقلم : واصف عريقات
"ماذا لو هزمنا" مقال للكاتب الاسرائيلي "الكسندر يعقوبسون" في صحيفة "هآرتس"، تحول لافت في ذهنية المجتمع الاسرائيلي، حيث يقارن فيه الكاتب وضع الاسرائيليين تحت الاحتلال بعد "هزيمتهم" وكيف سيواجهون ذات المعاملة التي تعامل بها اسرائيل الشعب الفلسطيني من احتلال وممارسات عقابية ويقول : "ان ما ينتظرها يشبه الاحتلال الاسرائيلي في المناطق: ادارة عسكرية وحواجز وقوانين طوارىء، وقمع شديد لمقاومة الواقعين تحت الاحتلال"و يدعو الكاتب الى ادراك معاني سلب الفلسطينيين استقلالهم وحريتهم وما ينتج عنها من معاناة.
مقال الكاتب وما دعت اليه صحيفة هآرتس من أن “على اسرائيل ان تناضل لاعادة احياء المفاوضات الدبلوماسية مع سوريا بدلا من التهديد بالحرب بهدف توقيع اتفاق سلام معها”، ينم عن استشعار للخطر المحدق باسرائيل، ولم يأت ذلك من فراغ، فهناك من أخذ يدرك من الجتمع الاسرائيلي بأن قيادات اسرائيل المتعاقبة فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها بالقوة العسكرية وفي مقدمتها فرض التسليم بواقع الاحتلال، كما وجلبت الحقد والكراهية على الشعب الاسرائيلي بسبب ما نتج عن هذا الاحتلال من خراب ودمار وخسائر على الأصعدة كافة، وفي النهاية أبقت الشعب الاسرائيلي نفسه في دائرة الخطر والخوف والقلق من المصير المجهول، عكس نفسه من خلال الكتابة عنه والحديث فيه عبر وسائل الاعلام المتعددة.سواء كان نداء هآرتس حقيقيا ام دعوة للعب على المسارات، فمن يعي هذه الحقائق يدرك أنه من الطبيعي أن لا يستمر مناخ السلام الذي قبل به العرب ومن طرف واحد متاحا الى الأبد، كما لا يمكن للشعوب تحت الاحتلال أن تقف مكتوفة الأيادي تعاني الأمرين وتنتظر الصدقة الاسرائيلية خاصة إذا ما أتيح لها المجال أن تنتقل الى الوضع الذي يجبر القيادة الاسرائيلية فيه على الرضوخ لقرارات الشرعية الدولية وانهاء الاحتلال.
القلق العميق لدى غالبية الاسرائيليين وخاصة المطلعين على الوضع الحقيقي في اسرائيل نابع من القول المأثور: تستطيع أن تضلل بعض الناس لبعض الوقت، لكن لايمكن تضليل كل الناس كل الوقت، فالفرص التي مهدت لانشاء اسرائيل ودعم احتلالها بدأت ومنذ زمن بالتلاشي، وأخذت اسرائيل تتعرى شيئا فشيئا، وتوالت على أثرها الاخفاقات، وآخرها بعد اخفاقات الحروب والسقوط الأخلاقي الذي انتج تقرير جولدستون، فضيحة دبي، ولو لم تكن القيادة الاسرائيلة كذلك لشنت عددا من الاعتداءات الحربية نتيجة لذلك وتغطية عليه، لكنها تقف حائرة مربكة وتجد نفسها مكبلة في اتخاذ قرارات العدوان.
الهزيمة التي أخذوا يتحدثون عنها ستفرض عليهم اذا ما ارتكبوا حماقة العدوان منفردين، لسبب بسيط وهو عدم قدرتهم على اقناع اي من حلفاء الأمس بالوقوف الى جانبهم ودعمهم كما كان في الماضي لانعدام ثقتهم بهم، وعندها لن يجدوا جسر الامداد الجوي لحرب رمضان 1973 أو بطاريات صواريخ الباتريوت التي نصبت في حرب الخليج، ولن يستطيعوا تدمير منظومة رادارت النقب"العيون الزرقاء" حتى لا تكون عيونا عليهم كما فعلوا مع ليبرتي عام 1967.
لكن الانتصار يأتي عبر حقن الدماء وتجنيب الشعوب شر الحروب، وهو محصور بقبولهم بالسلام، وهو في متناول يد القيادة الاسرائيلية لو أرادت ذلك، ولن تحتاج الى عناء الجهد في اقناع الآخرين في هذا الخيار، بل ستجد دعما وتشجيعا واسعين، وما زال هناك مجال لتحقيق ذلك، لكن هذا المجال ليس متاحا الى الأبد، وهنا تبرز الحاجة لمن يعي هذه الحقيقة في المجتمع الاسرائيلي من كتاب ومثقفين وخبراء ومحللين أن يواصلوا مساعيهم لاقناع قياداتهم بذلك.قيادات اسرائيل هذه تمر في ظروف صعبة ومعقدة وهي تواجه معضلة عصيبة لانها تعيش أوهام الماضي وأحلامه الوردية، وتحتاج الى من يذكرها باللذين خططوا للحرب العالمية الاولى لاسابيع وأشهر معدودة لكنها استمرت سنين طويلة مع خسائر جسيمة، وأن زمن تدمير أسلحة الجو بساعات معدودة يتبعها حروب نظيفة واحتلالات سريعة قد ولى، وأن الحسابات التي أدت للهجوم على بيرل هاربر دمرت الامبراطورية اليابانية.الفرصة الآن مواتية لهذا التذكير بمناسبة الحديث عن امكانية اجراء مفاوضات غير مباشرة بالرعاية الأمريكية، وما يجب قوله والتركيز عليه أن الذاكرة العربية والفلسطينية مزدحمة بتجارب الماضي وأن كل حديث عن المفاوضات وعن السلام في الشرق الاوسط ما كان إلا تغطية لعمليات عسكرية واحتلالات سواء أمريكية أو اسرائيلية أو مقايضات على حساب القضية الفلسطينية.
عسى (ولو أنه شبه مستحيل) أن تخيب اسرائيل الظن بها هذه المرة، وتذهب للسلام، وإلا سينطبق عليها القول: "زمن أول حول" و"على الباغي تدور الدوائر".