منقول من المنتدى العسكرى العربى
الكاتب:DrGohar
الاف 16 الطائره المتعددة المهام المصممه فى سبعينات القرن العشرين هى ربما أكثر برنامج صناعى عسكرى ناجح فى الولايات المتحده حتى اليوم بعد أن بيع منها أكثر من 4400 طائره لـ25 دوله ممن ضمنها الولايات المتحده أكبر مستخدم للطائره .
الطائره تمثل النموذج القياسى الذى تقارن به طائرات جيلها و شكل برنامجها علامه فى تاريخ صناعة الطائرات فى الولايات المتحده و لهذا فمن المهم جدا التطرق لهذا البرنامج والوقوف عليه بالدراسه و التحليل لفهم الوضع الحالى و المستقبل
جاء خروج المقاتله الناجحه إف 16 للنور استجابه لأوجه النقص الشديد التى كشفتها حرب فيتنام فى المقاتلات الأمريكيه
فبعد نجاح المقاتله إف 86 صغيرة الحجم ذات قدرة المناوره العاليه وقتها فى الحرب الكوريه تغير تصميم مقاتلة الولايات المتحده ليتوجه نحو سرعة قصوى و سقف ارتفاع أعلى و قدره رادرايه و كل هذا على حساب المناوره و رؤية الطيار و أشياء أخرى مطلوبه فى القتال التلاحمى أو القتال على المدى القريب و وصل هذا الأمر لقمته فى المقاتله إف-4 و التى شكلت العمود الفقرى للقوات الجويه الأمريكيه و طيران البحريه الأمريكيه خلال الجزء الأخير من حرب فيتنام
صممت الإف 4 فى الأساس كمقاتله إعتراضيه لحماية السرب القاذف و هى مهمه لم تكلف بها أو تكلف بها مقاتله أخرى من قبل نظرا لأن الأسطول الجوى الأمريكى لم يتعرض من قبل لهجوم جوى منذ فجر عصر المقاتلات النفاثه . و صممت الإف-4 الإعتراضيه لتلاقى متطلبات حماية الأسطول عن طريق معدل التسلق السريع لارتفاعات عاليه , سرعه فوق صوتيه , صواريخ موجهه راداريا لإسقاط المقاتلات المعاديه من مسافه بعيده
و لهذا فعندما استخدمت فى حرب فيتنام فى القتال التلاحمى و ليس كإعتراضيه تعرضت لخسائر غير متوقعه . ففى مواجهة طيارى مقاتلات فيتنام الشماليه صغيرة الحجم و عالية المناوره " ميج 21 " انخفض معدل الإسقاط بين الإف 4 و الميج 21 من 13 : 1 فى كوريا إلى 2 : 1 فى فيتنام و حين اقتربت الحرب فى فيتنام من نهايتها كان المتفق عليه هو أن الإف 4 لها أوجه نقص تمثلت فى التالى :
1- الحجم الكبير Largeness : و كان طيارى الإف 4 كثيرا ما يجدون أنفسهم يقاتلون متباعدين عن بعضهم حيث لا يرون مقاتلات الميج 21 صغيرة الحجم فى حين يراهم طيارى الميج 21
2 -مجال رؤية الطيار Poor pilot vision : كانت المقاتلات الأمريكيه التى سبقت الإف 14 تفتقر لغطاء القمره على شكل الفقاعه و كان غطاء القمره مصمم ليسمح برؤيه أماميه و كان مجال الرؤيه الجانبيه محدودا أما الرؤيه للخلف فلم تكن موجوده
3 - المناوره Maneuverability : كانت الإف 4 قادره على تحقيق مناوره تصل إلى 7G و الذى كان مقبولا وقتها و لكن هذا كان يستنزف الطاقه ( تقل سرعتها و تنخفض فى ارتفاعها )
4 - الأداء المؤقت Transient performance : قدرة الفانتوم على تغيير مناورتها بسرعه كانت ضعيفه
5 - التكلفه Cost : الفانتوم كانت مقاتله باهظة التكاليف سواء فى السعر أو الصيانه و هذا يعنى فى المقارنه مع الميج 21 أن ميزانيه متساويه ستسمح بشراء عدد أكبر من الميج 21
6 - غياب المدفع No gun : افتقرت الفانتوم إلى المدفع فى النسخ الأوليه و لهذا انخفض أداؤها جدا فى القتال القريب إلى أن تم حل المشكله فى النسخ اللاحقه
7 - المدى القتالى Combat persistence : برغم أن مدى الإف 4 كان مقبولا إلا أن دخولها فى مناورات صعبه و بشكل متتالى كان يسبب هدرا كبيرا فى الوقود
هذه السلبيات كان لها تفسيرها عند البعض بأن عصر القتال التلاحمى ( القتال على المدى القريب ) قد انتهى و أن المقاتلات فوق الصوتيه ستقاتل خلف مدى الرؤيه باستخدام الصواريخ الموجهه راداريا . و لكن هذا المفهوم أثبت فشلا فى الحرب الفيتناميه لسببين : الأول أن الرادار قد التقط المقاتلات و تتبعها و لكنه لم يتعرف عليها و بالتالى فكان هناك الخطر باسقاط مقاتله صديقه و لهذا فكان الطيارون مضطرين للاقتراب للتحقق بصريا من المقاتله المقصوده و هذا ما يفقد الإف 4 ميزه نسبيه فى القتال خلف مدى الرؤيه
الثانى أن أداء صاروخ سبارو الموجه راداريا كان ضعيفا أثناء حرب فيتنام و كانت نسبة القتل لا تتعدى 10 %
كانت هذه العيوب لا ترضى القوات الجويه الأمريكى و قاد هذا للخروج بالإف 15 و الإف 14 للبحريه .. لنلقى النظر على الإف 15 بشئ من الإيجاز :
النموذج الأول للإف 15 كان يسمح برؤيه ممتازه للطيار ( 360 درجه فى المستوى الأفقى ) و تمتع بقدره عاليه على المناوره فى السرعات العاليه و امتلك المدفع 20 مم و بالإضافه لتقويم مساؤى الإف 4 زادت الإف 15 على مزايا الإف 4 فتمتعت بسرعه أعلى و سقف طيران أعلى و معدلات تسلق و تسارع أكبر , كما امتلكت رادارا قويا بقدرات أفضل و اعتمدت على السبارو كسلاح أساسى
و برغم هذا خرجت جماعه عرفت بمافيا المقاتلات ( و كان لها تأثير ) و اعترضت على الإف 15 و اعتبرتها تحركا فى الإتجاه الخاطئ , و كان الإعتراض أن الإف 15 كانت أكبر حتى من الإف 4 و أكثر تكلفه و أن معظم المال وجه نحو زيادة السرعه ( 2.5 ماخ ) و سقف الإرتفاع ( 65,000 قدم ) و لقتال خلف مدى الرؤيه و الذى لم يكن ليستخدم فى المعارك الحقيقيه لأن السبارو لم يكن ليعمل فى هذه الظروف ( التسلق السريع و المناوره العاليه و التى وصلت لـ6G عند 1.6 ماخ ) و عند هذه السرعات لم تستطع أن تقاتل لأن نصف قطر دوران الطائره كان كبيرا لدرجه تخرج المقاتله المعاديه من مجال الرؤيه
و كان ما قالته المافيا أن ما احتاجته القوات الجويه هو خليفه لمقاتلة الحرب العالميه الثانيه P-51 موستانج و مقاتلة الحرب الكوريه إف 86 سابر .. مقاتله جديده تماما صغيرة الحجم و رخيصه لتسمح بشراء أعداد كبيره منها ( الإف 104 لم تعتبر خليفه لهما لانها برغم التسلق الممتاز و التسارع كانت أجنحتها صغيره جدا ما أعطاها مدى صغير و مناوره محدوده ) . كان على المقاتله الجديده أن تمتلك مناوره ثوريه , أداء مؤقت , تسارع , تسلق فى السرعات دون الصوتيه و الصوتيه و التى غالبا ما تحدث المعارك الجويه عندها . كان عليها أن تمتلك مدفعا و أن يكون تسليحها الأساسى صاروخ سايدويندر الموجه بالأشعه تحت الحمراء و الذى أثبت فعاليه كبيره فى فيتنام .
و برغم أن مدى السايدويندر محدود إلى قرابة الـ3 ميل إلا أن المافيا قالت وقتها أن القتال بعيدا عن هذا المدى كان دربا من الخيال . و ذهب بعض أعضاء المافيا بعيدا عندما اقترحوا أن تخلو المقاتله الجديده من أى رادار و لكن هذا الرأى كان لأقليه و لم يؤخذ به .
كانت رغبة مؤسسة القوات الجويه الأمريكيه هى استمرار برنامج الإف 15 و لم يكن فى رؤيتهم برنامج لمقاتله صغيره سواء برادار أو بدون رادار و اعتبروا أن تلك المقاتله ستهدد مشروع الإف 15 , إلا أن المافيا لاقت صدى فى الكونجرس و وزارة الدفاع . و فى عام 1971 بدأ نائب وزير الدفاع ديفيد باكارد برنامج المقاتله خفيفة الوزن ( light weight fighter LWF ) كبرنامج استكشافى لدراسة المبدأ نفسه .
و كان المستهدف فى البرنامج أن تزن المقاتله حوالى 20,000 رطل أى حوالى نصف وزن الإف 15 و أن تكون التكلفه فى أدنى الحدود إضافه لصغر الحجم و الأداء العالى جدا عند سرعة ما دون الـ1.6 ماخ و ارتفاع أقل من 40,000 قدم . و كان المستهدف إختيار تصميمين من المشاريع المقدمه .
أما المصنعين فأدركوا جدوى صناعة طائره بتلك المواصفات فبغض النظر عن متطلبات القوات الجويه الأمريكيه التى تصب دائما فى خانة القوه الهجوميه فإن لهذا المشروع جدوى إقتصاديه فى حالة تسويق الطائره لدول إخرى بما فيه إحلالها محل الطائره إف 104 . تقدمت أكثر من شركه بتصميماتها لطائره ذات محرك واحد و هى بوينج و جنرال داينامكس و إل تى فى و نورثروب و روكويل . كما تقدمت نورثروب بتصميم آخر لطائره ذات محركين بهدف إحلالها محل الإف 5 التى تصدرها الولايات المتحده .
التصاميم المقدمه من الشركات
تصميم بوينج : موديل 908
تصميم جنرال داينمكس : موديل 401-16 بى
تصميم لينج تيمكو فوت LTV : V-1100
تصميم نورثروب ذو المحرك الواحد : P-530
تصميم نورثروب ذو المحركين : P-600
و كان من الواضح أرجحية التصميمات التى تقدمت بها شركتى بوينج و جنرال داينامكس و كان من الواضح أيضا أن التصميم ذو المحركين كان أضعف التصميمات المقدمه حظوظا , و برغم هذا توجس بعض المشترين من خارج الولايات المتحده من فكرة الطائره الجديده ذات المحرك الواحد و كان فى الأذهان السجل السئ للمقاتله السابقه ذات المحرك الواحد الإف 104 و لم ترغب الدول فى تكرار تلك التجربه , كان هذا فى منتصف مرحلة التنافس بين التصميمات المختلفه مما حدا بالقوات الجويه الأمريكيه لتغيير قواعد اللعبه و كانت النتيجه أن أحد النموذجين اللذين ستدعم الحكومه مشروعهما لابد و أن يكون لطائره ذات محركين و بالطبع لم يكن هناك سوى نموذج شركة نورثروب فاختير كأحد التصميمين و كان الآخر هو نموذج شركة جنرال داينمكس و برغم أن خروج بوينج من السباق كان بعد أن غيرت القوات الجويه الأمريكيه القواعد إلا أن بوينج لم تعترض .
و أعطى نموذج جنرال دانمكس اسم YF 16 و نموذج نورثروب ذو المحركين اسم YF 17 . و بين النوذجين كان الـYF 17 أشبه بالإف 5 أو كما قيل نسخه أكبر منها بينما كان الـYF 16 تصميم جديد تماما اشتمل على تكنولوجيا حديثه جدا تفوقت فى عدة أوجه على تكنولوجيا الإف 15 الأبهظ ثمنا و كانت كالتالى :
1 -الطيران الأوتوماتيكى ( أو الطيران بالسلك ) fly by wire : اختلفت الإف 16 فى اتصال وحدة تحكم الطيار بأجزاء الطائره المختلفه فبدلا من الاتصال المباشر و استخدام طرق هيدروليكيه و ميكانيكيه , اتصلت عصا التحكم بكومبيوتر يتلقى الأوامر و يعالجها و يعيد توصيلها إلى أسطح التحكم بالطائره . و كان لهذا النظام مزاياه عن النظم القديمه فقد كان أسرع استجابة و يصحح الأخطاء أوتوماتيكيا دون تدخل من الطيار و يمكن برمجته ليعالج المشاكل الإيروديناميكيه و ليسمح بطيران مثالى . و أهم ما فى التصميم أنه كان برغم الأمان التام تصميما غير مستقر ذو كفاءه عاليه .
2- الثبات السلبى negative stability : كانت جميع تصميمات الطائرات السابقه تتمتع بالثبات الإيروديناميكى و المقصود به أن مركز الجاذبيه يقع أمام مركز الرفع و مركز الضغط ( المقاومه )
و عيب هذا الثبات أن مقدمة الطائره الثقيله تسحبها دائما للأسفل و لهذا كانت القوه الرافعه تدفع الذيل هو الآخر لأسفل للحفاظ على توازن الطائره أى ان هناك قوتان تدفع الطائره لأسفل و لمعادلتهما يتم زيادة مساحة الجناحين لإحداث قوة رفع أكبر .. كل هذا يزيد من الوزن و المقاومه مما يقلل من أداء الطائره .. و ما يزيد الطين بله أن هذا الأثر السلبى للثبات الايروديناميكى يتضاعف فى حالة المناوره
أصبحت الـYF 16 أول طائره تصميمها غير ثابت ديناميكيا عندما تم دفع مركز الجاذبيه للخلف مما دفع بمقدمة الطائره لأعلى بدلا من الأسفل و بدلا من أن يكون التوازن بدفع الذيل لأسفل صار بدفعه لأعلى مما يرفع الطائره كلها لأعلى .. بهذا أصبحت القوه الرافعه للطائره تعمل فى اتجاه عمل الجناح بدلا من ضده مما دفع بالتصميم إلى تقليص مساحة الجناحين و بالتالى قل الوزن و المقاومه
بالطبع هذا التصميم الغير مستقر يدفع بالطائره للانحراف لأعلى أو لأسفل طوال الوقت و هنا يلعب التحكم الأوتوماتيكى دوره فى موازنة هذه الانحرافات تلقائيا دون تدخل الطيار و دون حتى أن يلاحظ الطيار أو من يراقبه أن خللا قد حدث , بالطبع إذا اختل نظام التحكم هذا فقل على الطائره السلام بيد أن هذا الخلل لم يحدث من قبل ( احتمالية هذا الخلل تزداد إذا صعقت الطائره بالبرق )
3 - المناوره العاليه high G loads : الطائرات السابقه كانت تستطيع عمل مناورات عند 7G و هذا راجع أساسا للاعتقاد بأن جسم الانسان - فى وجود السترة الواقيه - لا يستطيع تحمل مناوره أعلى منها .
ما حدث فى الـYF 16 أن مقعد الطيار تم ضبطه على زاويه 30 درجه بدلا من الـ13 درجه القديمه مما قلل من المسافه الرأسيه بين رأس الطيار و قلبه ( يقصد وزن عمود الدم فى الوريد العنقى external jugular vein مما يقلل من تحميل الدم على القلب ) و يمكن الطيار من القيام بمناورات تصل إلى 9G . هذا بالإضافه إلى تغيير موضع عصا التحكم من المنتصف إلى يمين الطيار مما يسمح للطيار بإراحة ذراعه عند المناوره عند 9G حينما يزن الذراع 9 أضعاف وزنه الطبيعى
4 - مجال رؤية الطيار pilot vision : إضافة للسماح للطيار برؤيه أفقيه كامله بما فيها الأجناب تم تصميم كابينة الـYF 16 بحيث لا تحتوى على أى أجزاء داعمه قد تعوق الرؤيه
5 - منع النمو growth prevention : فيما قبل الاف 16 كانت الطائرات تصمم بحيث يترك هامش من المساحه يسمح بإضافة معدات جديده لم تكن موجوده وقت التصميم فمثلا تم تصميم الاف 15 بما يسمح بإضافة ما مساحته 15 قدم مكعب و على العكس من هذا صممت الاف 16 بأقل مساحه فارغه ممكنه ( حوالى قدمين مكعبين ) بنيه واضحه لعدم السماح بنموها مستقبلا .. الجدير بالذكر أن أحد أعضاء لجنة ما عرض على مسئول فى القوات الجويه الأمريكيه أن يتم ملئ ذلك الفراغ بالستيروفوم لضمان ألا يضاف هذا الفراغ مستقبلا للتصميم
6 - المدى القتالى و البقائيه combat radius & persistence : اختارت شركة جنرال داينامكس محركا توربينى مروحى واحد ( نفس المحرك المستخدم مع الاف 15 ) . و قد ساعد اختيار محرك واحد على تقليل الوزن و المقاومه كما أن اختيار محرك توربينى مروحى على حساب محرك نفاث تقليدى أعطى استهلاكا أمثل للوقود إضافة لاستعانة المصممين بتصميم " الجسم الملتحم " بحيث يكون الجناح أكثر سمكا عند قاعدته عنه عند الطرف بحيث يلتحم مع البدن دون وجود مفصل واضح بين الجناح و البدن و بالتالى فالفراغ المتكون يتم ملؤه بالوقود و عليه فإن كمية الوقود الكبيره نسبيا مع الاستهلاك الأمثل له ( المحرك ) سمحا للاف 16 بكسر الاعتقاد السائد وقتها أن الطائرات صغيرة الحجم هى بالضروره محدودة أو قصيرة المدى
7 - الرادار radar : كون تسليح الاف 16 خلا من الصواريخ الموجهه راداريا فاقتصر عملها على القتال ضمن مدى الرؤيه أضف لهذا أن وزنها الخفيف و صغر المساحه المتوفره حدا من مدى رادارها . إلا أنها زودت برادار صغير متطور بخاصية look down ( خاصيه تسمح للرادار بتتبع الطائره تحت الأفق ) و الأهم خاصية القتال البصرى visual combat mode و المقصود بها أن الرادار كان يلتقط الطائره و يبث صورتها على الـHUD بحيث أن الطيار عندما ينظر للصوره فانه يرى الصوره فى مكان الطائره ( الطيار هنا لا يرى الطائره لأن المقصود عندما تكون الطائره خارج مدى الرؤيه )
يتبع...........