غريب أمر الثورة المصرية، ففي حين تبدو الأوضاع الداخلية حتى الآن مضطربة وغير مستقرة ولا ملامح واضحة لها، تسير علاقات مصر الخارجية في خُطى ايجابية للغاية، فمنذ ثورة يناير العظيمة استطاعت السياسة الخارجية المصرية وفي فترة وجيزة أن تُعيد جزءا كبيرا من مكانة مصر على الساحة الدولية، والأهم من ذلك عودة مصر إلى امتدادها الأفريقي ومحيطها العربي.
ولا عجب أن يكون للشعب دور هام في سياسة مصر الخارجية، وهو ما كان غائبا أبان عهد مبارك، وبدا واضحا خلال الفترة الأخيرة عبر الزيارات الناجحة التي يقوم بها وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية، الذي يضم مختلف القوي السياسية والحزبية والشخصيات العامة وعددا من ائتلاف شباب الثورة، حيث زار الوفد عددا من دول حوض النيل، بهدف إعادة إصلاح ما أفسدته السياسة الخارجية في عهد النظام السابق تجاه مصالح مصر في تلك المنطقة الحيوية.
و لكن تظل محاولات التواصل عبر العلاقات الدبلوماسية والسياسية والشعبية مع الدول العربية والإفريقية قليلة التأثير إذا لم تصاحبها محاولات جدية وحقيقية للتبادل الاقتصادي، وهو ما ركزت عليه الزيارات الأخيرة التي قام بها وفد مصري كبير بقيادة رئيس الوزراء عصام شرف إلى عدد من الدول العربية.
وكانت أكثر الخطوات إيجابية تلك التي ناقشها شرف مع المسؤولين السعوديين، لإعادة طرح مشروع بناء جسر يربط مصر بالمملكة العربية السعودية، ومن شأنه أن يكون لبنة قوية في تجربة التكامل الاقتصادي العربي ـ العربي.
قوبلت الدعوة المصرية بترحيب من قبل الجانب السعودي، خاصة وأن فكرة المشروع سعودية في الأساس، فقد طرحها من قبل ملك السعودية الراحل فهد بن عبد العزيز، غير أنه لم يكتب لها النجاح، ثم تجدد الحديث عن المشروع في العامين 2006 و2007 بعد كارثة غرق العبارة "السلام" في البحر الأحمر في فبراير/شباط 2006 وكان على متنها 1415 فردا، إلا أن فكرة الجسر لاقت اعتراضا شديدا من قبل الرئيس المصري السابق حسني مبارك. وعلل مبارك رفضه للمشروع بأن اختراق الجسر لمدينة شرم الشيخ يعني إلحاق الضرر بالعديد من الفنادق والمنشآت السياحية وإفساد الحياة الهادئة والآمنة هناك مما يدفع السياح إلى الهروب منها. وقال "هذا لن أسمح به أبدا".
وأشار خبراء ومحللون أن رفض القيادة المصرية للمشروع آنذاك عكس تغليب مصالح فئة قليلة العدد لكنها واسعة النفوذ، وهم أصحاب المشاريع السياحية بشرم الشيخ على حساب مصلحة ملايين المصريين والعرب الذين يمكنهم الاستفادة من إقامة مشروع كهذا. واتهمت تقارير صحفية آنذاك الرئيس المصري بتفضيل أمنه الشخصي على المصلحة القومية، معتبرة أن حرص مبارك على تأمين منتجع شرم الشيخ سببه "أنه يقيم به بصفة شبه دائمة وليس بسبب حماية الاستثمارات والمشروعات السياحية هناك".
لكن خبراء أمنيون استبعدوا تماما أن تكون مخاوف مبارك الأمنية الخاصة به كانت سبب رفضه المشروع، خاصة وانه يمكن إنشاء الجسر بين البلدين دون المرور بمدينة شرم الشيخ وذلك عبر الالتفاف حول المدينة من جهة الجنوب، وبالتالي تفادى إمكانية تعكير صفو الهدوء الذي يتمتع به هذا المنتجع السياحي الهام.
فيما رأي آخرون أن ضغوطات إسرائيلية وأميركية مورست على الرئيس السابق بغرض إفشال المشروع، الذي تعتبره إسرائيل خطرا على أمنها الإستراتيجي لأنه سيغير من الطبيعة الجغرافية والسكانية لسيناء، وبحسب موقع ديبكا التابع للاستخبارات الإسرائيلية فإن للمشروع نتائج "مخيفة" على أمن إسرائيل، منها التقليل من الأهمية الاقتصادية لميناء "إيلات" على خليج العقبة في نقل النفط، مشيرا إلى أن شبكة أنابيب نفطية -ستقام تحت الجسر الجديد- ستكون بديلا متميزًا للعديد من الدول.
ورأى الموقع أيضا أن المشروع سيحول شرم الشيخ إلى نقطة اتصال بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية ، فتصبح بذلك "ماربيلا" أخرى، أو "أبو ظبي الشرق الأوسط "، في الوقت الذي سيخفت فيه دور ميناء إيلات، والذي يفصل جغرافيا بين المشرق والمغرب العربي منذ إنشاء إسرائيل له عام 1948، كما أعربت المخابرات الإسرائيلية عن تخوفها من أن إقامة المشروع سيتيح نقلا سريعا لوحدات عسكرية سعودية لشبه جزيرة سيناء، وتمركزها على امتداد الحدود الجنوبية الإسرائيلية، في حالة قيام حرب بين إسرائيل والعالم العربي.
ولكن الآن رحل مبارك ورحلت معه تبريراته لرفض المشروع، وبقى الأمر في أيدي المسئولين في الحكومتين السعودية والمصرية، فيما تبدو مؤشرات نجاح المشروع قوية للغاية، فالمشروع، بحسب خبراء اقتصاديين، ذات جدوى اقتصادية كبيرة، سواء لمصر أو السعودية، خاصة وأن الجسر سيختصر المسافة بين البلدين إلى 23 كلم ويستغرق عبورها حوالي 20 دقيقة فقط، وسيخدم ملايين المصريين أو العرب أو الأفارقة الذين يتوجهون للسعودية بغرض الحج أو العمرة أو العاملين بمنطقة الخليج. وتوقعت دراسة أُنجزت سابقاً حول الجسر أن تبلغ كلفته ثلاثة مليارات دولار، وحسب الدراسة فإن إنشاء الجسر سيتطلب ثلاث سنوات، ويرى فيه الكثيرون أهمية إستراتيجية، بحيث سيحل مشكلات عديدة يلاقيها المسافرون بين مصر والسعودية، فضلا عن زيادة الحركة التجارية بين البلدين.
كما سيزيد إنشاء الجسر من أهمية موقع مصر الإستراتيجي كنقطة عبور بين المشرق والمغرب، حيث سيربط الجسر قارتي آسيا وأفريقيا بريا للمرة الأولى، فضلا عن أنه يزيد فرص التقارب والتكامل العربي ـ العربي بعد ربط شطري العالم العربي بريا
المصدر
http://www.elfagr.org/dailyPortal_NewsDetails.aspx?nwsId=6106&secid=7