طرح
الإعلان عن اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن مجموعة من الأسئلة و
الاستنتاجات المتصلة بالأهداف الكامنة خلف هذه الخطوة و حول علاقتها بمسار
الاستراتيجيات الأميركية في المنطقة العربية و العالم الإسلامي :
أولا :
برزت مجموعة من التحفظات المشروعة على الرواية الأميركية حول تصفية بن
لادن تداولتها وسائل الإعلام الباكستانية و الأميركية على السواء لجهة
التشكيك في صحة الصورة اليتيمة التي نشرها الأميركيون بعد بيان الرئيس
باراك أوباما و عزز الشكوك الإعلان الأميركي المستعجل عن إلقاء الجثة في
البحر ، ما اعتبر مؤشرا لمحاولة إخفاء الأدلة الخاصة بالتحقق من رواية
واشنطن التي كان بإمكانها عرض الجثة في مؤتمر صحافي و نقل صور بالفيديو
أكثر إقناعا عبر وسائل الإعلام كما فعل الأميركيون سابقا و غير مرة خصوصا
في العراق عندما قتلوا ابني الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على سبيل
المثال .
جعلت
الولايات المتحدة من قتل بن لادن أحد الأهداف المعلنة لاحتلال أفغانستان
منذ عملية 11 أيلول 2001 و كان استمراره في الظهور الإعلامي و توجيه
الرسائل السياسية بمثابة الدليل المتجدد على الفشل الأميركي في كسب حرب
توسعت نحو باكستان و أهدرت فيها ثروات طائلة كما أزهقت أرواح كثيرة .
في
العامين الماضيين مارست الإدارة الأميركية ضغوطا مكثفة على حكومة باكستان و
قادة الجيش و المخابرات لتعزيز العمل على ملاحقة بن لادن و محاصرة المواقع
القبلية التي قال الأميركيون إنها باتت ملاذا آمنا لنشاط قيادات القاعدة و
طالبان الباكستانية و من المعلوم أن مقدرات استخباراتية و عسكرية و تقنيات
متقدمة في التجسس و المطاردة استقدمت إلى باكستان من الولايات المتحدة بينما
تحدث جنرالات باكستانيون للصحافة العالمية عن وجود تسعين ألفا من القوات
الخاصة التابعة لوكالة المخابرات الأميركية و جيش مرتزقة بلاك واتر في
باكستان كما سبق أن استهدف أحد مقرات هذه القوة التي أعطيت صفة المستشارين الأمنيين و على مقربة من قيادة الأركان الباكستانية .
ثانيا
ثمة من يعتقد أن بن لادن قتل منذ وقت بعيد و بالتالي فلتوقيت الإعلان
وظيفة سياسية و بغض النظر عن صحة رواية الاغتيال و ما إذا كانت القوات
الأميركية الخاصة نجحت بمعونة المخابرات الباكستانية في اصطياد بن لادن في
الموعد المصرح عنه و بالطريقة التي قدمها باراك أوباما فإن ما يبقى مهما هو
التعرف على الغايات الأميركية من الإعلان السياسي عن قتل بن لادن الذي قد
يكون تم منذ مدة غير قصيرة و تم إخفاؤه عمدا .
تتبدى
مصلحة مباشرة للرئيس الأميركي في تحقيق انتصار معنوي يرفع حظوظه في ولاية
رئاسية ثانية و على مسافة أشهر من بدء الحملات الانتخابية الرئاسية و هذا
الانتصار المعنوي يزداد أهمية مع شيوع الانطباع داخل الولايات المتحدة عن
تخبط و ارتباك السياسة الخارجية الأميركية بحيث يمثل الإعلان عن اصطياد بن
لادن فرصة ثمينة لقلب الصورة في قضية اعتبرت جوهرية و امتحانا جديا لفاعلية
الإدارات الأميركية و استراتيجياتها منذ 11 أيلول 2001
اما
المصلحة الاستراتيجية الرئيسية فترتبط بالسعي الأميركي الحثيث لمصالحة
التنظيم العالمي للأخوان المسلمين وسط مؤشرات عن صفقة قيد الإنجاز مع قيادة
التنظيم التي مثل بن لادن منافسا صعبا لنفوذها في البلاد العربية و العالم
الإسلامي خصوصا مع نجاحه الواضح في استمالة الآلاف من الشباب الساخط الذي
جذبته فكرة الجهاد العالمي ضد الغرب التي طرحتها القاعدة ثقافيا لتسويغ
نشاطاتها الملتبسة خارج ساحة الجهاد المتعارف عليها في فلسطين المغتصبة
بالنسبة للعرب على الأقل.
و
بينما يجد المخططون الأميركيون ان شبكة القاعدة التي ساهموا في تكوينها و
رعايتها و تدريبها و تسليحها منذ الاحتلال الروسي لأفغانستان قد استهلكت
دورها و وظيفتها فإنهم يعولون على تنظيمات الأخوان المسلمين في تثبيت
الاعتراف بإسرائيل و تسويق منظومة الهيمنة الأميركية من بوابة التكيف مع
نتائج الأحداث العربية الأخيرة ضمن إدارة محسوبة للصراع في المنطقة، يجري
اختبارها واقعيا و هي لا تحتمل وجود منافس متطرف لتنظيم الأخوان الذي ليس
من المضمون نجاح قيادته في تلافي خلافات و انشقاقات كبرى عند استحقاق سداد
فاتورة الاعتراف بإسرائيل و تسويق تصفية قضية فلسطين
مقابل الإقرار و التسهيل الأميركي لدور الأخوان الرئيسي في إعادة تكوين
السلطة في مصر و حيث يتسنى ذلك في المنطقة .
ثالثا مع
بروز الحاجة الأميركية لمحاصرة ما تسميه مواقع التخطيط بالنفوذ الإيراني
تمثل الفتنة المذهبية التي يسعى الأميركيون و أعوانهم لإشعالها في الخليج
انطلاقا من البحرين و بالفتاوى السعودية التكفيرية سلاحا ظهرت عملية تسخيره
بقوة في سوريا مؤخرا بينما هو نار تحت الرماد في لبنان بفعل سياسات
الحريري و حلفائه .
يبدو
للمتابع ان وراثة شبكة القاعدة ستكون هدفا سهل المنال على بندر بن سلطان
الذي كان من مجموعة رعاة تأسيس القاعدة عبر مكتب المجاهدين في أفغانستان
الذي مده بالمال من عمولات صفقات السلاح الأميركية بالاتفاق مع قادة
البنتاغون و الاستخبارات الأميركية و هو ما استمر معمولا به حتى العام 1996
عندما اختلف قادة طالبان الأفغانية مع كوندليسا رايس حول صفقة أنابيب
النفط و الغاز العملاقة خلال مفاوضات جرت في فرانكفورت و مثلت فيها رايس
تحالف شركات النفط الدولية المعنية بالصفقة.
يتضح
من تجربة العراق و سوريا و لبنان أن بندر بن سلطان يدير مشروع إعادة
التوجيه الذي فضحه الكاتب الأميركي سايمور هيرش في تحقيقه عن استعمال خلايا
قاعدية بقيادة بندر و حيث ان الفتنة بفتاوى التكفير تحتاج ذراعا مسلحة
لتعميم جرائم القتل و استدراج الدماء يفضل المخططون الأميركيون فتح الطريق
امام تمكن جهاز بندر الأمني من وراثة الجزء من الشبكة الذي يستطيع النفاذ
إليه في غياب بن لادن او على الأقل بعد إعلان موته .