البوسنة والهرسك دولة يمثل المسلمون فيها 40% تقريبا من عدد السكان، وتقع في جنوب شرق أوروبا.هذه هي المعلومات الأولية التي يمكن أن تجدها حين تبحث عن البوسنة والهرسك، بجانب ما يمكن أن تسمعه عن هذا البلد المسلم الذي عانى الويلات، نتيجة مطالبته بالاستقلال عن يوغوسلافيا، فواجه حربا شرسة من الصرب نتج عنها الكثير من المذابح.
وإذا أردت أن تبحث أكثر فلا بد أن تجد كتبا لزعيم الاستقلال الرئيس "علي عزت بيجوفيتش" وأنه مفكر إسلامي بارز، أما إذا توسّعت في البحث عن البوسنة الإسلامية، فربما تقع على كتاب يتحدث عن حال المرأة البوسنية، والنساء المسلمات الرائدات في العمل الإسلامي، وربما تجد مقاطع مصوّرة عن مهرجان "غزة في القلب" الذي أقيم في البوسنة دعما لغزة وشهدائها.
لكن هل فكّرت يوما أن تستغلّ فيس بوك، وتدير حوارا مع شخص من البوسنة؛ لتحاول أن تتعرف أكثر على هذا البلد بعيون أحد سكانه؟
هذا ما حاول كاتب هذه السطور أن يفعله، حين أدار حوارا مع "أمينة كوتشوك" ذات الثمانية عشر عاما، وتعيش في سراييفو، وفيما يلي ما دار في الحوار بعد فترة التعارف.
العائلات المحافظة في البوسنة قليلة والمدارس مختلطة "أمينة".. تعلمين بالطبع أن هناك حربا دارت في البوسنة، فهل تحملين في ذهنك أي ذكرى عنها؟ لا.. كنت صغيرة جدا آنذاك، إلى جانب أنني كنت في كرواتيا مع والدي فترة الحرب، ثم عدنا إلى سراييفو بعدها.<blockquote>نعتقد أن الصرب حرمونا من مستقبل أفضل وحياة كريمة؛ فقد دمرت الحرب حياتنا</blockquote>
وهل ما زالت الحرب تلقي بظلالها على العلاقة بين المسلمين والصرب؟ هناك بعض التوتر من حين لآخر؛ لأننا نعتقد أن الصرب حرمونا من مستقبل أفضل وحياة كريمة؛ فقد دمرت الحرب حياتنا، لكن رغم هذا فالحياة هنا طبيعية، صحيح أن الحرب جعلت من الصعب أن تتقبّل من هو مختلف عنك، لكن الأثر الأهم للحرب هو روح التشاؤم المسيطرة على سراييفو، وعدم وجود أمل في المستقبل عند الكثيرين.
هل هذا التوتر الذي تتحدثين عنه ترك أثرا في مدرستك مثلا؟ نوعا ما.. لا تفهمني خطأ، نحن نتحدث سويا.. قد يحدث شجار في بعض الأحيان، ويقول بعض الفتية ألفاظا بذيئة ليبدوا شجعانا أمامنا، لكن بشكل عام العلاقة هادئة.
على ذكر المدرسة هل هناك مدارس إسلامية في البوسنة؟
لا أعرف في سراييفو سوى مدرستين واحدة للبنين وأخرى للبنات، غير هذا كثير من المدارس حكومية ومختلطة كمدرستي.
ألا ترين أن مدرستين فقط عدد قليل؟ لا إنه كافٍ.
تعنين أن عدد العائلات المحافظة في سراييفو قليل؟ نعم، هذا ما أعرفه.
هل تدرسين الدين في المدرسة؟ نعم، ندرس تاريخ الأديان.
لا أقصد هذا، مثلا في مدرستي كان هناك منهج منفصل للمسلمين، وفيه تعلمت الصلاة وقراءة القرآن، هل هناك منهج كهذا في مدرستك؟ نعم، ندرس الأخلاق وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولماذا قالها، لكن لا نتعلم الصلاة في المدرسة.
بكر علي عزت بيجوفيتش مرشح الرئاسة في البوسنة
الشباب البوسني لا يحب الأمريكيين ويفضل العرب
وبعد الحديث عن الشأن العام، وما يدور في عالم الشباب البوسني، انتقل الحديث مع "أمينة" إلى رؤيتها كفتاة بوسنية شابة للسياسة الحالية..
"أمينة"، أريد أن أسألك عن السياسة.. أعلم أن هذا مملّ للفتيات، لكن سأحاول أن أكون مختصرا. لا بأس.
هل هناك اهتمام كبير بالسياسة هنا، خاصة من الشباب.. أعلم أن هناك انتخابات جرت مؤخرا؟ نعم.. أنا لم أبلغ سنّ التصويت بعد، بعض أصدقائي ذهبوا للتصويت، لكن أغلب صديقاتي يهتممن بأدوات الزينة أكثر من السياسة!
مفهوم.. الانتخابات الأخيرة نتج عنها اختيار "بكر علي عزت بيجوفيتش" رئيسا عن المسلمين، وسيتناوب السلطة مع كل من رئيس الكروات ورئيس الصرب، فهل الناس هنا راضون عن هذا الاختيار؟ أبي كان يفضّل "حارث سيلادتش" -الرئيس السابق- ويقول إنه في الأوقات الصعبة التي مرّت بها البوسنة كان "حارث" موجودا. بعض أصدقائي ذهبوا للتصويت حتى لا ينجح "بكر"، هم يعتقدون أن الكبار انتخبوه؛ لأنه ابن بطل كالرئيس "بيجوفيتش"، لكنه ليس مؤهلا للحكم.
وأنت ما رأيك؟ لست مهتمة في الواقع، فقط أريد رجلا عاديا يحبّ هذا البلد ويجعله أفضل، حين تأتي الانتخابات تصل الحافلات في موعدها، ويتم إصلاح العديد من الأشياء التالفة، لكننا لا نجد شيئا من هذا بعد الانتخابات.
يبدو الأمر مألوفا لي! لا بأس.. أريد أن أسألك: هل أمريكا محبوبة هنا في البوسنة؟ لا أعتقد.. هي الدولة الأقوى والأكثر تقدّما في العالم لا شك، أنا وأصدقائي نؤمن بهذا، لكن كما قلت لك الحرب جعلت الناس من الصعب أن يتقبلوا من يختلف عنهم في الدين (لاحظ أنني أحدّثك عما أعرف فحسب).
لكن الولايات المتحدة تساعد البوسنة كثيرا؟نعم، لكن الكثير من الأموال يذهب إلى جيوب السياسيين، ولا نرى له أثرا في حياتنا.
ماذا عن العرب، هل تعلمين أن بعض العرب تطوّعوا للحرب مع البوسنيين؟ لا لم أكن أعرف هذا، قابلت عددا منهم في سراييفو وهم محبوبون بالطبع؛ لأنهم مسلمون.
وفلسطين هل هناك اهتمام بها في البوسنة؟ أعتقد أن الكبار مهتمون بفلسطين كثيرا، أما أنا وأصدقائي فلا نهتمّ، هي منطقة مليئة بالحروب والدمار، معلمتي قالت لي إن إسرائيل لا يمكن أن تستمر في الحرب؛ لأنها ليست الولايات المتحدة لتنتصر انتصارا ساحقا، وهي تتمنى أن يسود السلام في هذه المنطقة.
الحجاب غير منتشر وإن بقي موجودا
نادرا ما ترى محجّبة في الشارع.. والصيام عند ناس وناس
وما إن انتهت جولة التعرّف على السياسة الداخلية للبوسنة بعين شابة بوسنية حتى انتقلنا للمنطقة الأكثر صعوبة وهي الدين..
أريد أن أسألك عن الدين في البوسنة.. هل توجد مساجد كثيرة؟ هل يواظب المحيطون بك على الصلاة وصلاة الجمعة والحجاب والصيام.. إلخ؟ حسنا، أنا أصلي عندما أجد وقتا لذلك وكثير من أصدقائي يفعلون مثلي، وهناك عدد قليل منهم تعلّم الصلاة مؤخرا، ولكن معظم الناس هنا في سراييفو يواظبون أكثر على صلاة الجمعة. بالنسبة للحجاب فأنا نادرا ما أجد محجّبة هنا في سراييفو، وأنا نفسي لا أرتدي الحجاب. أما الصيام فأنا أواظب عليه مع أسرتي، لكن هناك عدد لا بأس به لا يصوم، وبعضهم يأكل علنا أمام من يصومون، هذا الأمر محبط ومحرج جدا.
أعلم هذا.. لكن هل حاولت إقناع أصدقائك الذين لا يصومون بأن يصوموا؟ ليس كثيرا، الأمر محرج عندما تسأل أحدا لماذا لا يصوم.
وماذا تفعلون في العيد؟نذهب لزيارة الأسرة في الريف، وبعض الأصدقاء يذهبون للملاهي، ويشربون.
هل هناك كثيرون يشربون في سراييفو؟ لا ليس كثيرا، من يشرب هنا من الشباب يريد أن يثبت أنه "كوول" كما يقول الأمريكان، لكني لا أفضّل أن أكون هكذا!
هل يختلف الأمر في الريف؛ أعني أنت تحدثتِ عن التدين في سراييفو، فهل الناس في الريف محافظون أكثر؟
بالطبع.. هناك الأغلبية ترتدي غطاء الرأس، وعدد المحافظين أكثر.. لكن الأمر مختلف عنه في المدينة؛ لأننا متحضّرون أكثر.
وهل تجدين هذا أمرا جيدا؟ لا.. عن نفسي أتمنى أن أرتدي الحجاب.
لماذا؟ هل تعتقدين أنه حماية لك؟ نعم.. بعض الشباب يظنون الظنون بالفتاة إذا لم تكن محافظة.<blockquote>نحن لسنا كالأمريكان، ربما أكثر محافظة، لا يخلو الأمر من فتيات يتصرّفن بوضاعة، إنهن عار على الفتيات.</blockquote>
لكنك قلت لي إن الأمر عادي في المدينة، فلماذا هذا الظن؟ لا أعرف.. هو أمر غريب حقا لكنه يحدث!
إذن لماذا لا ترتدين الحجاب؟ هل سيعارض أهلك وأصدقاؤك أو ستشعرين أنك غريبة ووحيدة... إلخ؟ نعم.
لكن فهمت من كلامك أن الرجال يفضّلون المرأة المحافظة، هل يؤثر هذا في اختيارهم للزوجة مثلا؟ لا أدري، لكن صديقي يفضّل ألا أرتدي الحجاب.
حسنا، هل ظاهرة الصداقة بين الفتى والفتاة موجودة في سراييفو؟ نعم.. لكن ليست منتشرة، لا تفهمني خطأ، نحن لسنا كالأمريكان، ربما أكثر محافظة، لا يخلو الأمر من فتيات يتصرّفن بوضاعة، إنهن عار على الفتيات. الأفلام الأمريكية هي الأفضل
هل تحبّين مشاهدة الأفلام في السينما؟ بالطبع.. خاصة الأفلام الأمريكية؛ لأنهم يقدّمون قصصا مسلية، وأحب لغتهم.. عن نفسي أحب الأفلام الرومانسية وأفلام الرعب، لا تروق لي أفلام الحركة كثيرا. هناك أفلام بوسنية طبعا تُعرض في مهرجان سراييفو للأفلام، وبعضها جميل جدا.
والموسيقى؟ أحب الموسيقى الأمريكية بالطبع، أحب أن أسمع بيونسيه وناتاشا بيدينجفليد وريهانا، قبل أن تضع هذا الشكل الغريب على عينها!
أعتقد أننا انتهينا، شكرا جزيلا لك يا "أمينة" على هذا الحوار، وأتمنى ألا أكون قد أثقلت عليك. شكرا لك "محمد"، وأتمنى أن أكون قد أفدتك حقا.
هكذا انتهى الحوار، والذي كان غرضه الأساسي هو الانتقال لجولة في عالم قريب منا كثيراً بحكم الدين، بعيد عنا بشدة بحكم المسافة أو عدم المعرفة، لذا فنحن نفتح نافذة صغيرة لمشاهدة هذا العالم، والتعرف عليه من خلال عيون فتاة تعيشه ببساطة.:::::::::::::::المصدربص وطلhttp://boswtol.com/politics/reports/10/october/21/21537