تعلمنا صغاراً أن "العلم يرفع بيتاً لا عماد له * والجهل يهدم بيت العز والشرف"، لكننا عندما شببنا عن الطوق، اخترنا الجهل بالعلم وتجاهله، وفضلنا الولوغ في غيبوبة عقلية مريحة وسعيدة، وأسلمنا قيادنا لأشدنا جهلاً، لنتجرع من أياديهم ما يقدمونه لنا من مخدرات دينية، بداية من بول البعير حتى زيوت الأيقونات.. وليتقافز على أكتافنا مختلف صنوف المداهنين والأفاقين، يلعب بعضهم دور الحكام، ولا يجد البعض الآخر غير مسوح المعارضة، وبين هؤلاء وأولئك نتأرجح نحن كالب&aacلهاء على مائدة اللئام!!
هكذا إذ تزدحم شوارع المدن والقرى المصرية يوماً فيوماً باللافتات والشعارات، مع احتدام معركة الانتخابات النيابية المصرية.. الشعارات تخاطب الجماهير، ومن المفترض أن تتركز على احتياجاتها، وأن تضرب على الأوتار التي تستنهض الناس لتحقيق حاضر ومستقبل أفضل.. لكن الشعارات في بلادي صارت لها سمعة سيئة لدى الجماهير، بعدما لمسته من خداع وخواء شعارات الستينات الناصرية، والأغاني التي وعدت الناس "بتماثيل رخام عالترعة وأوبرا في كل قرية عربية"، لنصل في الألفية الثالثة إلى أن تشنف آذاننا فتوى الشيخ الورع الذي يعادي آثارنا الفرعونية باعتبارها أوثاناً، ويبيح لنا سرقتها والتخلص منها بالبيع، تلك التي يقدرها العالم أجمع، عدا أحفاد الفراعنة الذين ضربتهم الغيبوبة، إلى اختلاط مياه الشرب في المدن (وليس في القرى) بمياه الصرف الصحي.. وبعدما رأى الناس من أداء نواب الجماعة المحظورة في البرلمان، وهم من رفعوا شعار "الإسلام هو الحل"، كبديل عن فشل الناصرية وآمالها المهدرة، لكنهم لم يسعوا طوال فترة وجودهم تحت قبة البرلمان إلى حل أي مشكلة، سوى استهداف الفن والفنانين، ومعاداة أي بوادر للحرية والإبداع، ومناصرة المنظمات الإرهابية التي تنتهك السيادة المصرية، انطلاقاً من غزة الفريسة بين أنياب زبانية الجماعة المحظورة فرع فلسطين، أو من الجنوب اللبناني أسير عصابة حزب الشيطان الإيراني.. أما المشكلات الحياتية للمصريين، والتي من المفترض أن يعني الشعار تقديم حلول لها، فهي غائبة تماماً عن أجندة المحظورة ونوابها الكرام، فلا مشكلة لديهم بعد تربعهم على الكراسي، والحصول على نصيبهم من إنفاق الدولة على علاج الفقراء، ليصادرونه لحساباتهم المباركة وفق ما جاء بالتحقيقات، سوى التمحور حول جسد المرأة وتكفينها ولفلفتها، واحتجازها خلف ستار حديدي، وكأن جسد المرأة المصرية هو المشكلة التي لا يؤرق المصريين سواها.
قد يكون هذا الخبل أو الغياب العقلي مفهوماً أو حتى مقبولاً، لو كانت حياة المصريين عادية، وتجري رتيبة بلا معاناة أو مشاكل، فيبحث اللاهون عن أي أمر يشغلوننا به، ولا يهم عندها إن كان تافهاً إلى حد يثير الشفقة على تفاهتنا، مثلما انشغلنا مع المدير الفني لفريق الساجدين لكرة القدم الكابتن الذي كان كبيراً، بالمعزة المسحورة التي تسببت في هزيمة فريقه التقي الذي يسجل الأهداف في مرمى الخصم بإذن الله تعالى، من فريق النيجر الذي لا هو في العير ولا في النفير.. أو كان مما يثير الفتنة والانقسام بين مكونات شعب يتفرد بين شعوب المنطقة بتجانسه وانسجامه عبر مختلف مراحل التاريخ.. ولم يكن لدينا ملايين الأسر تعيش حياة تأباها الفئران والزواحف، وتسقط صخور الجبال على رؤوسها، أو لم يكن لدينا آلاف لا نعرف عددها من أطفال الشوارع، يفترشون الأرصفة وما تحت الكباري ليلاً، ليتسولوا أو يختطفوا لقمة الخبز نهاراً، وملايين أخرى يأكل جسدها فيروس الكبد الوبائي، مع قائمة طويلة من الأمراض والأوبئة.. أو لم يكن لدينا مدارس هجرتها التربية والتعليم من عقود، وصارت أشبه بعروش خاوية توهمك أن ثمة ملكاً يجلس عليها، ليتخرج منها سنوياً مدد لا ينضب من الأميين حاملي الشهادات العليا، ينتشرون في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، بل ووصل تردي الأحوال إلى وصول حامل شهادة الابتدائية إلى كرسي الوزارة، لتشرع في تقنين الدعارة العروبية بعقود تحت