أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الثلاثاء 13 مايو 2008 - 14:46
اجازة عائلية نادرة علي شاطيء المتوسط يقطعها مبارك بمبادرة مصالحة أردنية ـ فلسطينية (11ـ 15)
ريغان يوسط عرفات لتأجيل تحرير الامريكيين في طهران ليهزم منافسه كارتر بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد. تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات. والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات
ساد الفتور العلاقات الأردنية الفلسطينية، منذ ألغي المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته التي عقدت في العاشر من نيسان (ابريل) عام 1987، اتفاق عمان الشهير. وكان اتفاق عمان الذي وقعه الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ينظم بشكل مشترك التحرك السياسي دوليا وإقليميا لإيجاد حل سلمي للصراع العربي الإسرائيلي، قائم علي أسس قرارات الشرعية الدولية (قراري مجلس الأمن 242 و338) والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. وتحول الفتور تدريجيا إلي جمود يكاد يشبه القطيعة. وفي العام 1989، أي بعد إطلاق مبادرة السلام الفلسطينية في كانون الاول (ديسمبر) من العام 1988، انشد المجتمع الدولي للمبادرة التي لم تكن مسبوقة في التاريخ السياسي الفلسطيني. واهتمت مصر (وهي أكبر دولة عربية ـ والدولة التي وقعت اتفاق سلام مع إسرائيل)، بالمبادرة وراحت تحشد القوي العربية والإقليمية والدولية لتأييدها وإعطائها زخما، في محاولة لشق طريق نحو سلام فلسطيني ـ إسرائيلي. وفي هذا الإطار رأت مصر أنه من الهام والضروري ألا يبقي الجمود مسيطرا علي العلاقات الأردنية الفلسطينية وأن يتحول هذا الجمود إلي حركة، وان تدريجية، تعطي زخما إضافيا لمبادرة السلام الفلسطينية. عندما ألغي المجلس الوطني الفلسطيني اتفاق عمان، غضب الملك حسين، عاهل الأردن، وانعكس غضبه علي المؤسسات الأردنية، وأغلقت كافة القنوات المباشرة بين الأردن و م.ت.ف وراحت مصر، تحث الرئيس ياسر عرفات وقيادة م.ت.ف علي إعادة بناء الجسور مع الأردن. لكنها أيقنت، بعد وقت، أن كافة الأبواب مغلقة، وأن علي مصر أن تبادر إلي حركة سياسية ما، لتتحول إلي بداية إعادة بناء الجسور بين الأردن و م.ت.ف .
مبارك لعرفات: المحتاجة غناجة!
منذ احتلال إسرائيل لما تبقي من الأرض الفلسطينية في العام 1967، ألغيت من قاموسي الشخصي بعض التعابير ذات المضامين كتعبير عطلة نهاية الأسبوع أو تعبير إجازة وما زلت حتي الآن أعمل ليل نهار وعلي مدار الأسبوع وكذلك الفريق الذي يعمل معي. لكن القواعد الجديدة (منذ عام 1967) لم تمنع اختراقا حصل في فترة زمنية محددة تحت ضغط عائلي. والاختراق الذي أتحدث عنه الان تحول إلي حركة سياسية ساهمت في تعديل مسار سياسي في الشرق الأوسط. ففي شهر تموز (يوليو) عام 1989 أصرت عائلتي علي الذهاب إلي شاطيء البحر المتوسط، قرب الإسكندرية في مصر. وكان والد زوجتي يملك فيلا لطيفة تحيط بها حديقة واسعة في منطقة سيدي عبد الرحمن وهي منطقة قريبة من الحدود الليبية المصرية، وبعيدة عن الإسكندرية، ومياه شاطئها نظيفة، ورمال الشاطيء ناصعة البياض. وسر طفلاي (كرمة وعمر) سرورا عظيما، فقد كانت من المرات النادرة التي أقضي فيها، معهم، عدة أيام دون أن أكون منهمكا في عمل لا يتوقف. وسعدت بالتئام شمل العائلة في تلك البقعة الخلابة من شاطيء المتوسط. بعد أربعة أيام من الاسترخاء علي الرمال وسماع أغاني الطرب العربي، كنت أجلس علي شرفة الفيلا أشرب القهوة، عندما وصلت للبوابة الخارجية للمنزل سيارة شرطة مصرية. هبط منها ضابط مهذب، وسأل: الأستاذ بسام أبو شريف ؟ فقلت له نعم، تفضل. شكرني، وقال انه علي عجلة من أمره، لأن لديه عملا يؤديه، وأبلغني أنه جاء ليبلغني رسالة فاقتربت منه. الرئيس عازمك علي الفطار غدا صباحا. الساعة السابعة والنصف صباحا، في مقره ببرج العرب . برج العرب تحتضن واحدا من المقرات الصيفية لرئيس جمهورية مصر العربية والموقع قريب من الإسكندرية. شكرته قائلا يشرفني ذلك . ابتسم وقال: سنأتي غدا في السادسة والنصف صباحا لنصطحبك إلي برج العرب. وغادر الضابط المكان فورا عائدا إلي عمله. وفي اليوم التالي عاد في السادسة والنصف ليصطحبني إلي برج العرب. كانت تلك المرة الأولي التي أزور فيها مقر الرئاسة المصرية الصيفي في برج العرب. ورحت أراقب المكان فيما تتحرك السيارة ببطء نحو هدفها. خالجني شعور بأنني أدخل معسكرا للجيش، نظيفا وأنيقا، الشجر والورد في كل مكان، والشوارع مغسولة والأرصفة لامعة الطلاء. وبين شارع داخلي وآخر تقف مجموعة من الحرس الجمهوري أو الانضباط العسكري بلباسها الجميل. أوقف الضابط السيارة أمام مبني بسيط وقديم، ودعاني للنزول. الباب قديم لكنه نظيف وقد طلي حديثا. وما أن اقتربت منه، حتي فتح فجأة وأطل منه الدكتور أسامة الباز مستشار الرئيس حسني مبارك للشؤون السياسية. أهلا أهلا بسام قالها بصوته المميز، عالي النبرة. عانقته وتوجهنا سويا نحو حديقة جميلة، رتبت علي طرفها طاولة خشبية قديمة أحاطت بها كراس من قش كتلك التي كنا نستخدمها ونحن أطفال. دعاني للجلوس واستأذن: سأعود بعد لحظات . لحظات قليلة مضت قبل أن تفتح الأبواب ليخرج منها عدد من ضباط الأمن وبعدهم الرئيس حسني مبارك. صافحني مرحبا وجلس علي كرسي القش الصغير. وأقبل علينا نادلان يلبسان ثيابا ناصعة البياض وسألا عما نريد أن نتناول. تم كل شيء بسرعة غير عادية واخلي المكان لإتاحة الفرصة للرئيس مبارك للتحدث. تحدثنا حول الأوضاع السياسية وحول الرؤية المستقبلية. وخلص الرئيس مبارك إلي الموضوع الذي دعاني من اجله. عايزك تروح لتونس وان تبلغ الرئيس ياسر عرفات الرسالة التالية: المحتاجة غناجة . فقلت له : عفوا لم أفهم ماذا تقصد ؟ فقال: الرئيس عرفات يعرف ماذا أقصد. هذا مثل مصري وهو خبير في الأمثال المصرية. قل له : المحتاجة غناجة. فقلت له سأتوجه لتونس وأبلغه ذلك. تابعنا الحديث. وكانت علاقات مصر بليبيا تشهد تأزما حادا بلغ حد الصراع. فاستأذنته بأن أبدي الرأي بموضوع الصراع مع ليبيا فرحب فورا بذلك. قلت له، سيادة الرئيس لدي وجهة نظر قد لا تكون قابلة للتطبيق إلا إذا تبنيتها أنت. وهي أن التعامل مع ليبيا وتحديدا الرئيس معمر القذافي يجب ألا يكون باللكمات بل بالعناق. فنظر إلي مستفسرا دون أن يعبر عن ذلك بالكلام. فتابعت رأيي قائلا: مصر دولة كبيرة وتتحمل ما لا يمكن للدول الصغيرة أن تتحمله. وليبيا دولة غنية لكنها صغيرة. وهي بحاجة لمصر ورعاية مصر وربما حماية مصر لها. والكبير قادر علي تحمل الصغير. أعبط معمر القذافي بدل من أن تلكمه ، لأنه سيشعر أنه أصبح بمصر كبيرا، وأن حنان مصر يحمي ليبيا. وفي الوقت ذاته يمكن لمصر أن تبحث مع ليبيا إنشاء مشاريع اقتصادية مشتركة. فليبيا تملك المال الذي تحتاجه المشاريع المصرية. أبدي الرئيس حسني مبارك كل الاهتمام وركز علي ما أقول. وفجأة، نادي الرئيس حسني مبارك بصوت مرتفع طالبا حضور الدكتور أسامة الباز. هرع الدكتور أسامة الباز نحو المكان. فبادر الرئيس مبارك بالقول اسمع يا أسامة وجهة نظر بسام حول ليبيا . يقترح أن نعبط ليبيا بدلا من لكمها. وطلب مني أن اشرح وجهة نظري مرة أخري. ففعلت. وتبني الرئيس مبارك وجهة النظر فأصبحت سياسة رسمية كانت نتائجها خيرة وايجابية علي الجميع. غادرت في اليوم التالي سيدي عبد الرحمن للقاهرة، ومنها لتونس.
طعام السحور الملكي
وتوجهت فورا لمقر الرئيس عرفات الذي كان غارقا في العمل كالعادة. ونقلت له رسالة الرئيس مبارك. فوضع قلمه جانبا، ونظر إلي قائلا هو قال لك كده ؟ فهززت رأسي تأكيدا. فكر الرئيس قليلا، وهو ينظر بعيدا. ثم نادي علي الكابتن عدنان وأصدر له التعليمات بترتيب سفره لمصر. أجريت اتصالات رسمية لترتيب موعد زيارة الرئيس عرفات للقاهرة. كان هذا رد الفعل الأول علي الرسالة التي نقلتها من الرئيس حسني مبارك للرئيس ياسر عرفات. وتم الأمر. مع بداية شهر رمضان المبارك هبطت طائرة الرئيس عرفات في مطار القاهرة. وتوجه الركب فورا لمقر الرئيس ياسر عرفات المعروف قصر الأندلس . في شهر رمضان تتبدل مواعيد اللقاءات لتنسجم مع تقاليد شهر رمضان المبارك. وكالعادة تضج مدينة القاهرة بالحركة بعد غروب الشمس، أي بعد الإفطار وكذلك الحركة السياسية، فالمواعيد واللقاءات ترتب عادة، بعد غروب الشمس. استقبل الرئيس حسني مبارك الرئيس عرفات ليلا وتناول البحث الجهود السياسية المبذولة لفتح الطريق أمام حل سياسي في المنطقة يستند لقرارات الشرعية الدولية. وركز الرئيس مبارك علي ضرورة حشد القوي العربية لمساندة منظمة التحرير الفلسطينية في سعيها لفتح طريق المفاوضات لإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، جنبا إلي جنب مع دولة إسرائيل (حل الدولتين). ثم انتقل مباشرة للنقطة الجوهرية التي أراد أن يقنع الرئيس عرفات بها، وهي رأب الصدع في العلاقة بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، وطلب منه بذل الجهد في هذا الاتجاه وأن يعانق الملك حسين ويفتح صفحة جديدة معه، خدمة للمصالح العربية العليا وخدمة للمصلحة الفلسطينية العليا. وأضاف: انتم بحاجة لدعم كل الدول العربية، لذلك عليكم القيام بالجهد اللازم وألا تنتظروا الآخرين ليقوموا بذلك. (من هنا جاء المثل الذي حملته من الرئيس مبارك للرئيس عرفات، المحتاجة غناجة. أي أن الذي يحتاج للعلاقة عليه أن يبذل الجهد لاقامتها، أو إصلاحها). تقبل الرئيس عرفات رأي الرئيس مبارك بايجابية. فانتقل الرئيس مبارك للشروع العملي، فاجري اتصالا بالملك حسين، واقترح عليه أن يستقبل الرئيس ياسر عرفات لإجراء مباحثات صريحة ومباشرة حول الرؤية السياسية، والتحرك السياسي اللازم لشق طريق السلام عبر المفاوضات وعلي أساس قرارات الشرعية الدولية. فرحب الملك حسين بذلك. وبادر الرئيس مبارك بالقول، ما رأيك أن تتناولا طعام السحور سويا. (أي قبل بزوغ فجر اليوم التالي) فرحب الملك حسين وتم الاتفاق. عندما أنهي الرئيس مبارك اتصاله الهاتفي ابتسم الرئيس عرفات، ابتسامة المحب وقال: لكن لدينا مشكلة أمنية، فالمعلومات الأكيدة لدينا هي أن الإسرائيليين يرصدون حركة طائرتنا، وعبورنا أجواء خليج العقبة يجعل من طائرتنا هدفا في متناول الصواريخ الإسرائيلية. كان الرئيس مبارك متحمسا لرأب الصدع الذي كان قائما في العلاقات الأردنية الفلسطينية. أجاب بهدوء خلاص تتوجه للأردن بطائرة عسكرية مصرية ولم ينتظر أي تعليق، بل أصدر تعليماته بتهيئة طائرة عسكرية للتوجه إلي مطار عمان. وصلنا مطار عمان في الثالثة صباحا. وكان الملك حسين علي رأس المستقبلين، رغم أن الزيارة كانت زيارة عمل. ولم يكن مضطرا لاستقبال الرئيس ياسر عرفات علي أرض المطار. ولكنه أراد أن يعبر عن مدي اهتمامه وترحيبه بزيارة الرئيس عرفات. الدكتور أسامة الباز طار معنا إلي عمان وكذلك سفير فلسطين لدي القاهرة سعيد كمال. كان الملك حسين ظاهر السرور، ولباسه كان غير رسمي، مما أضفي جوا من الصداقة والشعور العائلي منذ اللحظة الأولي. ودعا الرئيس عرفات للصعود إلي سيارته في المقعد المجاور لمقعد السائق، وتحرك سريعا نحو مقعد القيادة، وانطلق نحو قصر بسمان وتبعنا نحن ضمن الموكب غير الرسمي. بدت المسافة قصيرة جدا. فالشوارع كانت خاليه تماما،في الثالثة والنصف، دخلنا القصر الملكي دعينا فورا لمائدة الطعام. كان الطعام بسيطا ويناسب الصائمين. لكن الدعوة للمائدة لم تكن للأكل فقط، بل أساسا للحوار فيما يتناول الصائمون طعام السحور الملكي. دار حديث هاديء ومسؤول حول ما يمكن عمله في ظل الظروف الراهنة وفي ظل موقف الحكومة الإسرائيلية المتعنت والمناور بشأن مفاوضات السلام في الشرق الأوسط. ولا شك أن الكلام لم يعبر صراحة عما يجول في خاطر كل طرف. فقد كان دبلوماســــيا ونبرة الشعور بالمسؤولية والحرص كانت عالية جدا، وأدلي أسامة الباز، أكثر من مرة، بدلوه مستهدفا تركيز النقاش حول اقتراحات محددة. لكن الكلام بقي عاما وعائما. كان الملك حسين دمثا ومنشرحا، وكذلك كان الرئيس ياسر عرفات. لكن توترا غير معلن كان يطل علي المائدة طوال الوقت. ويبدو أن الملك حسين شعر بذلك فعمل علي توسيع دائرة المتحدثين. إذ التفت فجأة وسأل سعيد كمال عن رأيه: رغم أن سعيد فوجيء بالسؤال، أجاب بلغة دبلوماسية لم يخف علي أحد، تشابهها مع لغة أسامة الباز الدبلوماسية. والتفت الملك مبتسما لي وقال: لنسمع رأي الأخ بسام. أجبته مؤيدا رأي الرئيـــــس عرفـــــات، مبلورا مشكــــلة كبيرة علينا جميعـــــا أن نواجهها وهي قوي الضغط في الولايات المتحدة، واختتمت بالقــــول: في نهاية الأمر القرار سيكون أمريكيا. استحسن الملك حسين والرئيس عرفات الأفكار الأخيرة مما شجعني أن اقترح تعاونا مشتركا وجادا في هذا الميدان وأن ننشيء مؤسسة مشتركة للتعامل مع الأمر عبر شبكة علاقات عامة منظمة مع قوي الضغط في واشنطن. انتهي اللقاء دون نتائج ملموسة أو قرارات، لكن النتيجة الكبيرة كانت كسر الجليد الذي تراكم علي العلاقات الفلسطينية الأردنية، وفتح باب جديد لاستمرار الحوار وربما التعاون. وعدنا للقاهرة مع طلوع الفجر وتوجهنا مباشرة لتونس.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الثلاثاء 13 مايو 2008 - 14:46
الفلسطينيون والخميني قبل ثورته
قبل سقوط الشاه في إيران كانت التنظيمات المناهضة للشاه تنشط داخل وخارج إيران. ومنذ أواخر الستينيات بدأت هذه المنظمات والفصائل الإيرانية اتصالاتها بفصائل الثورة الفلسطينية التي منحتها الدعم والحماية. وراح عدد كبير من المجاهدين الإيرانيين يتوافدون علي معسكرات التدريب الفلسطينية. لكن أغلبية المتدفقين من المجاهدين الإيرانيين المناهضين للشاه توجهت لمعسكرات فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وهكذا نمت علي مدي السنوات علاقات وثيقة بين الفصائل الفلسطينية المقاتلة والفصائل الإيرانية المناهضة للشاه. وبرزت من بين هذه الفصائل في منتصف السبعينيات الحركة الدينية التي قادها آية الله الخميني من منفاه الطوعي بباريس. وأصبح واضحا أن حركة الخميني هي حركة منظمة يلتف حولها ملايين الإيرانيين. وتسارعت وتيرة الاتصالات بين قيادات فلسطينية وآية الله الخميني سواء كان ذلك في باريس حيث مقر الخميني أو في بيروت التي كان يزورها رجال الخميني تباعا للتشاور والبحث. من جانب الرئيس ياسر عرفات، كان أبو حسن سلامة هو المكلف بمتابعة الحركة الإيرانية وتلبية طلباتها ومد يد المساعدة لها ومن جانب الجبهة الشعبية كان الدكتور وديع حداد القيادي الذي يتابع العلاقات مع الحركة الإيرانية ويفتح أمامها كل آفاق الدعم الممكن. وكان آية الله الخميني يعتز بهذه العلاقة. ورغم لزومه الصمت أمام رجال الاعلام بباريس إلا أنه منح في العام 1978 مقابلة مطولة لمجلة الهدف الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتحدث فيها عن استراتيجيته لتغيير النظام في إيران وتأسيس نظام إسلامي يحكم بالعدل ويمنع الظلم ويرعي الفقراء ويطور إيران عبر مداخيلها الضخمة التي كانت تنهب من الشاه وحاشيته الفاسدة. لم يحدد الخميني موعدا لقلب نظام الشاه في إيران لكنه بدا واضحا أن الأمر بات وشيكا. بعد عام من تلك المقابلة التي تحدث من خلالها للشعب الفلسطيني وفي 11 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1979 توجه الخميني إلي طهران حيث استقبله ملايين الإيرانيين وحمل علي أكفهم نحو مدرسة كبيرة، كان أتباعه من أعدوها له لتكون مقرا مؤقتا.
مجازفة في سماء ايران
وفي بيروت ما ان وصل الخبر إلي مسامع الرئيس ياسر عرفات حتي أصدر أمره باستئجار طائرة ليتوجه علي متنها إلي طهران. لكن شركة الميدل ايست اللبنانية لم يكن لديها آنذاك طائرة واحدة غير مشغولة علي خط من خطوط الطيران. فأصدر أوامره للإعداد للتوجه إلي دمشق علي وجه السرعة. وبالفعل توجه موكبه الضخم لأن عددا كبيرا من القيادات والكوادر رافقه إلي دمشق. غادر بيروت عبر البقاع إلي سورية. وفي دمشق أجريت اتصالات علي عجل وتمكن مكتبه من استئجار طائرة. حاولت الطائرة أن تأخذ إذنا بالتحليق فوق إيران والهبوط في طهران، إلا أن طهران كما يبدو كانت قد أغلقت مجالها الجوي وأوقفت اتصال برج المراقبة بالطائرات بعد هبوط طائرة الخميني. لذلك تعذر بشكل مطلق اخذ الإذن بالتحليق والهبوط في طهران. محاولات الاتصال دامت عدة ساعات، كان خلالها الرئيس ياسر عرفات ينتظر في مكتبه بدمشق نتائج تلك الاتصالات (مكتب كان يطلق عليه رقم 23)، كان يهز ساقه كعادته، عندما يستغرق في التفكير أو يكون علي وشك الإقدام علي خطوة هامة أو علي مجازفة خطرة. وعندما أبلغه الأخوة الذين كلفوا بمتابعة الأمر، أن لا جدوي من الاتصال مع برج مراقبة مطار طهران لأنه مغلق وأن عليه أن ينتظر حتي ينتهي إغلاق المجال الجوي الإيراني. وساد الصمت في مكتب الرئيس ياسر عرفات والكل ينتظر الكلمة منه. فكر الرئيس ياسر عرفات واستمرت ساقه بالحركة يمنة ويسرة. وفجأة كسر الرئيس الصمت وهب واقفا وقال لنتوجه للمطار. هل جهزت الطائرة؟ سأل الكابتن عدنان طياره الخاص. فأجاب الكابتن: ما ان نصل المطار حتي يكون كل شيء جاهزا للإقلاع، وتوجه الموكب إلي مطار دمشق الدولي. وفي قاعة الشرف في المطار جري نقاش بين مدير الطيران المدني وقبطان الطائرة من جهة وبين الرئيس ومرافقيه من جهة أخري. كان مدير الطيران المدني متمسكا بالقوانين. إذ لا يمكن لطائرة أن تقلع من مطار دمشق إلي مطار طهران دون إذن مسبق من مطار طهران ودون إقرار خط طيرانها مع الدول التي ستعبر أجواءها. بعد ذلك النقاش قال الرئيس ياسر عرفات : أنا أتحمل المسؤولية لنقلع فورا. وبالفعل أقلعت الطائرة وبعد ساعات دخلت المجال الجوي الإيراني. لم تمض دقائق معدودة حتي أحاطت طائرات مقاتلة من طراز أف ـ 15 بطائرة الرئيس. وراحت تميل بأجنحتها في أشارة تعني أن المقاتلات تطلب من الطائرة الهبوط الفوري. وعندما أطلقت المقاتلات طلقات تحذيرية في الهواء هب الرئيس عن مقعده واقترب من النافذة التي تطل علي المقاتلات وخلع الحطة وراح يحيي بها الطياريين الإيرانيين. وكان المقصود أن يعرف الطيارون أن الطائرة التجارية التي اخترقت المجال الجوي الإيراني كانت تقل الرئيس ياسر عرفات. ويبدو أن الطيارين خاطبوا مركزهم الأرضي وأبلغوه المعلومات. وبقيت المقاتلات تحيط بالطائرة صعودا وهبوطا، ومن الجانب الأيمن والأيسر، وبعد دقائق ساد فيها التوتر والترقب حرك الطيارون أجنحة طائراتهم بما يعني الترحيب. فقد ابلغوا قيادة الثورة الإيرانية بوصول الرئيس ياسر عرفات فجأة لأجواء إيران، دون إذن مسبق، فرحبت قيادة الثورة الإيرانية بأول زعيم يصل أجواءها بعد أن سيطرت علي إيران. ابتسم الرئيس ياسر عرفات وراح الجميع يهيئون أنفسهم للهبوط. هبطت الطائرة، وسارت علي المهبط بالاتجاه الذي حدد لها. وعندما توقفت وأوقفت المحركات كان عدد من القياديين في الثورة الإيرانية قد وصلوا وراحوا يقتربون من باب الطائرة الذي فتح ليطل منه الرئيس ياسر عرفات. تعانق الجميع وتحرك الموكب فورا نحو المدرسة الكبيرة التي كان يقيم فيها آية الله الخميني مؤقتا. والحقيقة أن المدرسة علي كبرها كانت تعج بالقيادة والكوادر والعلماء. كان الجميع منهمكا في عمل ما. والرسل تتحرك من والي مقر الخميني لتقديم التقارير أو لتبليغ الأوامر. خلية نحل لا تتوقف. خصص قادة الثورة الإيرانية جناحا واسعا للرئيس ياسر عرفات والوفد المرافق له. ورحب المستقبلون به أحسن ترحيب، وراحو يسألونه عن أوضاع الثورة الفلسطينية والأراضي المحتلة. خلال الحديث احضر المضيفون للرئيس ياسر عرفات والوفد المرافق له الطعام والماء قائلين لا بد أنها كانت سفرة طويلة. كان الأمر أبعد من إحضار الطعام لوفد لم يأكل منذ ساعات. كانت تلك مشاركة العيش والملح . وبعد نصف ساعة حضر أحد العلماء الشباب، واسر بكلمة في أذن القيادات الإيرانية الموجودة في جناح الرئيس ياسر عرفات. فنهض القياديون فورا وسألوا الرئيس ياسر عرفات أن يتفضل للتوجه إلي مقر آية الله الخميني. أمضي الرئيس ياسر عرفات مع آية الله الخميني ساعة كاملة، تناولا فيها أوضاع الشعب الفلسطيني وكفاحه ومستقبل إيران. وأكد الخميني أن إيران الثورة الإسلامية لن تدخر جهدا ولا مالا ولا سلاحا من أجل نصرة الشعب الفلسطيني وكفاحه العادل. وقبل الوداع قال الخميني: بإذن الله سينتصر الشعب الفلسطيني أيضا كما انتصر الشعب الإيراني . وتوجه الرئيس ياسر عرفات والوفد المرافق له للمطار، واستقلوا الطائرة عائدين إلي دمشق. وهكذا كان الرئيس ياسر عرفات أول زعيم يدخل طهران ويلتقي بآية الله الخميني بعد قيام الثورة الإسلامية ووصول الخميني لطهران. لقد اتخذ الرئيس ياسر عرفات قرارا بالوصول لطهران، وكان مستعدا لتذليل أي عقبة تعيق ذلك. وتحمل مسؤولية المجازفة لأنه يعلم معني وأبعاد لقائه مع آية الله الخميني في تلك اللحظة. وهكذا كان، فقد حدد آية الله الخميني موقف الثورة الإيرانية الداعم لنضال الشعب الفلسطيني في كفاحه العادل، وأصبح قوله سياسة لا يمكن أن يحيد عنها أحد. وتنامت العلاقات ايجابا بين الثورة الاسلامية الايرانية ومنظمة التحرير الفلسطينية من ناحية أخري. وقامت الثورة الاسلامية في مراحلها الاولي بمد يد الدعم للثورة الفلسطينية التي كانت قد قامت بدور داعم ومساند للفصائل الايرانية المناهضة لشاه ايران قبل انتصار الثورة الاسلامية في ايران. وكانت امواج بشرية ايرانية تهتف للثورة الفلسطينية وتندد بالولايات المتحدة واسرائيل. وقام آلاف من الثوريين الايرانيين بمحاصرة السفارة الأمريكية في طهران التي كانت تعج بالموظفين والدبلوماسيين. واعتبر الثوريون جميع من هم داخل السفارة آنذاك معتقلين. وحاولت ادارة كارتر أن تفك أسر هؤلاء عبر عملية إنزال في الصحراء القريبة انتهت الي فشل ذريع. وعندها راحت جهات دولية واقليمية عديدة تحاول التوسط للإفراج عن الدبلوماسيين لكن الجهة الاكثر قربا من الثورة الايرانية آنذاك كانت الثورة الفلسطينية التي لم تتحرك بهذا الاتجاه الا عندما طلبت دول اوروبية من الرئيس ياسر عرفات أن يجس نبض هذا الموضوع. لكن الرئيس ياسر عرفات كان حذرا جدا عندما أرسل من يجس النبض. فقد كان من شأن نجاح م.ت.ف. بأن تنهي احتجاز الدبلوماسيين الأمريكيين آنذاك أن يرفع مكانة م.ت.ف. ودورها في الشرق الأوسط خاصة بعد أن رفض مناحيم بيغن مشاركة م.ت.ف. في مباحثات السلام التي انتهت بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد. كان عهد الرئيس كارتر علي وشك الانتهاء. وكان الحزب الجمهوري قد قرر ترشيح رونالد ريغان لمنافسة جيمي كارتر علي الرئاسة. وشهدت الولايات المتحدة حملات انتخابية شعواء. فقد كان كارتر قد بني رصيدا كبيرا بنجاحه في إتمام اتفاقية كامب ديفيد وكان من الصعب علي رونالد ريغان أن يطيح به. وعمل كارتر جهده الجهيد عبر حلفائه الاوروبيين لطرق كل باب ممكن للافراج عن المعتقلين في سفارة الولايات المتحدة بطهران. فقد قدر مستشاروه في الحملة الانتخابية أن مثل هذه الخطوة سوف تقضي تماما علي فرص رونالد ريغان في الفوز رغم الدعم المالي الكبير الذي قدمته كبريات الكارتيلات (خاصة المجمع الصناعي العسكري وكارتيلات النفط) لحملته الانتخابية. ولذلك راحوا يعملون لتأجيل أي افراج عن المعتقلين في السفارة الامريكية بطهران قبل الانتخابات حتي لا تصبح فرص ريغان في الفوز ضئيلة. وكان احد اصدقاء ريغان ومن كبار من أدار حملته الانتخابية أمريكي من أصل سوري من عائلة شاهين. فكلفه ريغان بالعمل علي تأخير الإفراج عن المعتقلين لما بعد الانتخابات. وكانت قد وصلت معلومات لمدراء حملة ريغان الانتخابية ولمسؤولي الحزب الجمهوري أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المؤثرة في الوساطة للإفراج عن المعتقلين، وأنه إذا أراد ريغان أن يقنع المنظمة بتأجيل الوساطة فان عليه أن يقطع لها وعودا سياسية. واعتبر ريغان أن شاهين هو الأنسب بسبب جذوره العربية للقيام بهذه المهمة. مايك بسيسو أمريكي فلسطيني الأصل كان يعمل لدي شاهين الذي لم يكن يخاطب الرئيس ريغان إلا باسمه المختصر روني لقربه الشديد منه وعلاقته الحميمة معه. وكان يقضي عطل نهاية الاسبوع عائليا في مزرعة رونالد ريغان. استدعي شاهين مايك بسيسو ورسم معه خطة التحرك ومصاريف تلك الخطة وأرسله الي بيروت في مهمة استطلاعية مع منظمة التحرير الفلسطينية. اتصل مايك بسيسو بي ولم يفصح عبر المكالمة ما الذي يريده لكنه طلب موعدا للقائي لأمر غاية في الاهمية. وعندما حضر لمكتبي الكائن آنذاك في كورنيش المزرعة ببيروت الغربية أدركت أن الموضوع هام. فالرجل يحمل رسالة من رونالد ريغان يطلب فيها تأجيل الوساطة للافراج عن المعتقلين في سفارة الولايات المتحدة بطهران مقابل وعد بفتح ابواب البيت الأبيض لمنظمة التحرير الفلسطينية عند فوز رونالد ريغان . قلت له أمهلني بعض الوقت فعلي أن أتحدث بهذا الأمر مع قادة آخرين دون أن اسميهم . وقبل مغادرته مكتبي اتفقنا علي الاتصال مساء. توجهت لمكتب الرئيس أبو عمار وأبلغته بالموضوع. فنظر الي وملء نظراته علامات دهشة واستفسار، فقلت له هذا ما قاله الرجل. وطلب مني أن أحدد له موعدا في الواحدة بعد منتصف الليل في منزلي العائلي. أحضرت مايك بسيسو في الثانية عشرة والنصف ليلا. ورحنا ننتظر وصول الرئيس ياسر عرفات. عند الواحدة تماما دخل منزلي عدد من مرافقي الرئيس ياسر عرفات علي رأسهم فتحي الذي أصبح لاحقا نائب قائد القوة البحرية الفلسطينية في غزة. وقال لي الرئيس قادم بالمصعد. فقد قفز المرافقون الدرج قفزا وسبقوا وصول المصعد الي بيتي. دخل الرئيس مبتسما ومحييا، فهب مايك بسيسو يصافح ويعانق يكاد نفسه ينقطع من هيبة اللقاء. فطلب منه الرئيس أن يجلس وأشار للمرافقين فخرجوا من الغرفة. روي مايك للرئيس ما روي لي، وكان الرئيس قد أخرج من جيبه دفتر الملاحظات الأخضر الذي يدون فيه ملاحظاته الهامة فقط اثناء لقاءاته السياسية أو غيرها. وراح يدون ما يقوله مايك. وعندما انتهي مايك من الكلام نظر الرئيس ياسر عرفات له قائلا سنري . وتحرك الرئيس باتجاه الباب للخروج ورافقته مودعا. توقف والتفت الي وقال استفسر عن إمكانية الحصول علي رسالة رسمية بهذا المعني . وغادر المكان. سألت مايك حول هذه الإمكانية فأجاب سأستفسر ثم أجيبك. وافق ريغان علي إعطاء الرسالة لكنه لم يف بوعده تحت مختلف الأعذار. ولكن عندما طلبت اسرائيل ضوءا أخضر من ريغان لاجتياح جنوب لبنان عام 1982 لمسافة أربعين كيلو مترا شمالي الحدود بينها وبين لبنان، قال ريغان لشارون الذي كان وزيرا للدفاع اذا كان الموضوع حماية بلداتكم افعلوا لكن بسرعة وإذا فشلتم فعليكم التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية .
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأربعاء 14 مايو 2008 - 0:43
تكفلّ بمستلزمات العديد من اولاد رؤساء قتلوا او رحلوا وكان دائما امينا علي عائلاتهم (12 ـ 15)
افريقيا بأسرها تستقبل مانديلا والصورة والعنوان لعناقه عرفات بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد. تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات. والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات!
الإفراج عن نلسون مانديلا في 11/2/1990 كان حدثا تاريخيا ومؤثرا الي ابعد حد من الناحيتين السياسية والعاطفية المعنوية. فقد قضي في السجن أكثر من ربع قرن وتحول إلي رمز إفريقي عالمي لمناهضة العنصرية من أجل الحرية وحقوق الإنسان. عندما أبرقت وكالات الأنباء علي عجل نبأ الإفراج عنه، كنت في مكتب الرئيس بتونس (يوغورتا) أتابع العمل معه والعمل لا ينتهي ولا يتوقف في مكتب الرئيس عرفات. فقمت بابلاغه بالنبأ فورا. توقف عن قراءة أوراق ملفه اليومي ونظر الي قائلا: هذا حدث عظيم وبداية تحول استراتيجي في جنوب القارة الإفريقية، ولا شك أنه سيعكس نفسه علي الأجواء السياسية العالمية باتجاه حل المشاكل العالقة في مناطق مختلفة من العالم. هززت رأسي تأييدا وقلت لنفسي يجب أن نربط قضيتنا بطريقة ما بهذا الحدث، فطالما شبهنا النظام في إسرائيل بنظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا. غادرت مكتب الرئيس وأنا أفكر بالأمر وخطر لي أن أفضل بداية هي أن يكون الرئيس ياسر عرفات أول مهنئي نلسون مانديلا علي الخروج من السجن واستعادة حريته، وأن يؤكد لمانديلا أن كفاحه وكفاح شعبه هو جزء لا يتجزأ من كفاح الشعوب لنيل حريتها وحقوقها، وأن كفاح شعبنا من أجل الحرية والاستقلال هو كذلك أيضا. ولكن كيف الاتصال بنلسون مانديلا؟ لقد خرج من السجن فكيف نعثر عليه؟ لا شك أنه توجه فورا لمعانقة أنصاره وأبناء شعبه في سوثيو مدينة الفقراء السود. هكذا فكرت. توجهت علي عجل الي مكتبي (القريب من مكتب الرئيس) لأبحث عن رقم هاتف صديق في جوهانسبرغ.
مانديلا وعرفات
الصديق كان سكوت ماكلاود مدير مكتب مجلة التايمز في جنوب افريقيا. وكان سكوت قبل نقله الي جنوب أفريقيا، مدير مكتب مجلة التايم في الشرق الأوسط، وربطتني به علاقة صداقه متينة علي مدي الأعوام الطويلة التي قضاها متنقلا بين بلدان الشرق الأوسط. ومن أفضل من سكوت ماكلاود ليرشدني الي مكان وجود نلسون مانديلا في تلك اللحظة، فاتصلت به هاتفيا علي الفور، لحسن الحظ كان سكوت في مكتبه وبعد التحية طلبت منه أرقام هواتف يمكن أن تقودني الي نلسون مانديلا. فأجابني سكوت ان مانديلا توجه الي بيته في سوثيو برفقة زوجته بعد احتفال شعبي وأبلغ المراسلون أنه يريد أن يرتاح وأن ينام قليلا لأنه كان متعبا جدا. وزودني سكوت بعدة أرقام هواتف يمكن ان توصلني به ومنها هاتف مبيكي الذي أصبح رئيسا لجنوب أفريقيا بعد اعتزال مانديلا الرئاسة. اتصلت به وكان غاية في اللطف والانفعال العاطفي. وأعجب جدا بالفكرة، وزودني برقم هاتف منزله في سوثيو وقال لي انه يرتاح في المنزل لكنني متأكد أنهم سيوقظونه ليكلم الرئيس عرفات. هرعت بعدها عائدا لمكتب الرئيس، الذي انتقل من مكتبه الواسع في الطابق الأرضي من مقره في يوغورتا الي مكتبه الصغير، قرب غرفة نومه، في الطابق العلوي من المبني. وهو ينتقل عادة الي مكتبه الصغير هذا عندما يريد أن يختلي الي نفسه أو يختلي مع أوراق ملفه، أو تحضيرا للقاء يريده أن يكون مكتوما وخاصا. صعدت للطابق العلوي ودخلت مكتبه الصغير. كان منكبا علي ملفه ولم يتوقف عن ذلك حينما دخلت. وشرحت له الفكرة وأنني سأرتب الاتصال خلال دقائق. وكعادته، كان يتابع أوراق ملفه، ويستمع لما أقول. وعندما أنهيت شرح الفكرة نظر الي مبتسما وقال فكرة رائعة. فهبطت الدرج مرة أخري وتوجهت نحو غرفة الاتصالات وطلبت الرقم. حاولت عدة مرات لأن خط الهاتف كان مشغولا. ولكن في آخر الأمر تمكنت من الاتصال. رد علي احدهم ثم تناولت زوجة مانديلا السماعة. ورحبت بفلسطين كثيرا وقالت لي سأوقظه حالا. صعدت الدرج راكضا وقلت للرئيس، زوجة مانديلا ستوقظه للتحدث معك. وضع الرئيس قلمه جانبا وانتظر متحمسا، فيما أنا انتظر صوت مانديلا. وجاء صوته بحة خفيفة، حييته وقلت له: أيها البطل الرئيس ياسر عرفات سيكلمك. وامسك الرئيس بالسماعة ودار الحديث لدقائق، وانتشر الخبر بعد ساعة في كل أنحاء العالم. كان حدثا مهما أن يتصل الرئيس ياسر عرفات وهو قائد لحركة تحرر وطني، وتمكن من تحويل قضية فلسطين الي قضية عملاقة وأصبح هو عملاقا تحرريا عالميا استنادا لقضية شعبه العادلة، وان يتحدث الي عملاق آخر من عمالقة التحرر الوطني ومناضل عالمي ضد التفرقة العنصرية ولتحرير شعبه من نير النظام العنصري. ولطالما شبه المحللون والمؤرخون جنوب أفريقيا في ظل النظام العنصري بإسرائيل. هكذا تلاقي العملاقان واتفقا علي اللقاء في اقرب فرصة وكأنه يقول أحسنت فعلا. خرجت من مكتبه الصغير مرتاحا لنجاح الجهد وعدت لمكتبي. واتصلت بصديقي سكوت ماكلاود لأشكره، فكان هو الآخر سعيدا لنجاح الجهد. وابلغني أن القادة الإفريقيين سوف يجتمعون في بلد إفريقي مجاور ليستقبلوا مانديلا لتهنئته بالحرية وكسر القيود التي كبلته لأكثر من عقدين من الزمن. ووعدني بإعلامي عن المكان حال اتخاذ القرار. أنهيت بعض الأعمال الملحة وتوجهت لمكتب الرئيس، أبلغته بما سمعته من سكوت ماكلاود. وقلت له إن منظمة التحرير الفلسطينية عضو في منظمة الوحدة الإفريقية، واعتقد انه من الضروري ان تكون هناك عندما يستقبل القادة الأفارقة نلسون مانديلا. هز رأسه موافقا. وطلب من سلمان الهرفي (مسؤول افريقيا في الدائرة السياسية ) أن يتابع الموضوع، ليعرف أين ومتي سيتم اللقاء، وإبلاغ سكرتارية منظمة الوحدة الإفريقية موافقة الرئيس علي المشاركة في استقبال نلسون مانديلا. هبطنا في مطار لوساكا عاصمة زامبيا في 15/2/1990 حيث تجمع الرؤساء الأفارقة لاستقبال العملاق نلسون مانديلا. الجميع كان ينتظر وصول مانديلا من جنوب افريقيا. وضع الزامبيون منصة خشبية علي ارض المطار، قبالة المكان الذي ستقف فيه الطائرة التي تقل نلسون مانديلا، ليقف عليها رؤساء افريقيا، تحيه لمانديلا والتقاط الصور التاريخية، التي ستسجل الحدث الكبير. كان الجميع يعلمون أن الإفراج عن مانديلا هو المقدمة الضرورية لبداية إنهاء نظام الابارتهايد النظام العنصري في جنوب أفريقيا. تقدم الرئيس نحو الموقع الذي تجمع فيه الرؤساء الأفارقة (لم يتمكن الجميع من الحضور) وصافحهم ووقف معهم يتبادلون الحديث انتظارا لمانديلا.بقيت أنا علي مقربة من تجمع الرؤساء أتحدث مع عدد من الصحافيين الذين جاؤوا لتغطية الحدث. وكان بينهم صديقي سكوت ماكلاود مدير مكتب مجلة التايم الأمريكية في جنوب افريقيا. قال سكوت: انه حدث هام. أجبته الحدث الهام هو لقاء مانديلا وعرفات. ضحك سكوت قائلا: أنت تبالغ دائما بأهمية عرفات. إن افريقيا بأسرها مجتمعة اليوم لاستقبال مانديلا وهذا هو الحدث. فأجبته ضاحكا: هذا صحيح لكن العنوان سيكون مانديلا وعرفات. وسألني فورا: أتشارطني علي هذا؟ قلت له بالطبع. وكان الشرط دعوة عشاء. كان الاستقبال عاطفيا جدا وعزفت الموسيقي الافريقية وقام مئات من الشابات والشبان بتقديم عروض للرقص الشعبي من مختلف أنحاء افريقيا. وكانت جميعها رقصات الفرح والاحتفال. غادرنا لوساكا في اليوم نفسه ولم أتمكن لذلك من حسم الشرط الذي اتفقت عليه مع صديقي سكوت ماكلاود. لكنه اتصل في اليوم التالي من جوهانسبرغ ليقول لي: لقد كسبت الرهان الصورة والعنوان كانا لعناق عرفات ومانديلا.
خصلة نبيلة
ربطت الرئيس عرفات علاقات ود واحترام مع عدد من القيادات العالمية. واكتسب ياسر عرفات مزيدا من الاحترام والتقدير بسبب إخلاصه ووفائه لأصدقائه، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعرض لها هؤلاء الأصدقاء في بعض الأوقات والظروف الصعبة هنا تعني الكثير. فقد تعرض بعضهم للاغتيال وتركت عائلاتهم دون راع. وبعضهم تعرض لهجمات وانقلابات وشرد. لكن الرئيس ياسر عرفات كان دائما وفيا لأصدقائه وأمينا علي عائلاتهم وبذل كل ما أمكنه (ضمن امكانياته) لمساعدة هذه العائلات وأصدقائه. خصلة الوفاء هذه ميزة من ميزات شخصية ياسر عرفات. وهو يشعر دائما بالمسؤولية تجاه شعبه وأصدقاء شعبه ومن وقف مع شعبه في نضاله من اجل الحرية والاستقلال. ورغم تساؤلات البعض عما يدفعنا لدعم هذه العائلات وهؤلاء القادة، استمر ياسر عرفات في الوفاء لأصدقائه ودعمهم، لأنه كان يعلم أن هذه خصلة نبيلة، تجعل من قضية شعبه ومنه شخصيا رمزا للتضامن من أجل الحرية والاستقلال. أحد عوامل تحوله الي عملاق عالمي كان التزامه بدعم الأحرار في العالم كلما تمكن من ذلك وحسب إمكانياته المتاحة. ذو الفقار علي بوتو صديقه قتل، وترك عائلة مشردة، حرص الذين اغتالوه علي إذلالها وحرمانها من كل الحقوق. وكانت ابنته بينازير طالبة في الجامعة فتكفل بكل ما يلزمها. أولاد لومومبا، كنيت كاوندا، وغيرهم. انه الفارس النبيل الذي لا يرضخ لميزان قوي جائر، ليبتعد عن أصدقائه وعائلاتهم. بل يتحدي الجميع، كروبين هود، لينصف المظلومين حسب قدراته. والعلاقة التي ربطت ياسر عرفات بعائلة غاندي علاقة حميمة ومثيرة ولها معان كبيرة. فقد كان معجبا جدا بالمهاتما غاندي حين كان طالبا. جواهر لال نهرو، كان زعيما من زعماء العالم الناهض، عالم دول عدم الانحياز، الذي أرسي أسسه وأقام صرحه عام 1960 كل من جوزيف بروس تيتو العملاق (يوغوسلافيا) واحمد سوكارنو العملاق(اندونيسيا) وجمال عبد الناصر العملاق(مصر) وجواهر لال نهرو العملاق (الهند). وقد غاب العمالقة جميعهم عن الحياة وبدأ بالبروز عمالقة آخرون منهم ياسر عرفات، وانديرا غاندي، وفيديل كاسترو ومانديلا. في ظل الصراع بين معسكري الشرق والغرب (حلف الناتو وحلف وارسو) قرر هؤلاء العمالقة الخروج من دائرة النفوذين الشرقي والغربي وان يشقوا لشعوبهم وشعوب العالم طريقا ثالثا أسموه طريق عدم الانحياز أي عدم الانحياز للشرق أو للغرب وعدم الزج بشعوبهم ومصالحهم في أتون الصراع الذي أطلق عليه فيما بعد: الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتيي ومن يقود من الدول التي انضوت تحت اللواء الشيوعي بعد الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة والدول التي انضوت تحت لوائها لمواجهة الدول الشيوعية التي اعتبر الغرب أنها خلف الستار الحديدي. مؤسسو حركة عدم الانحياز ضموا للخطة الأولي مليارا ونصف مليار من البشر ليقولوا كلمتهم في هذا الصراع. كانوا ينادون بشن المعارك ضد الفقر والتخلف ومن اجل التنمية الاقتصادية، ومحو الفقر، ورفع مستوي التعليم ومحاربة الأمراض، والسلام العالمي. كان لقاء القمة في باندونغ (اندونيسيا) ولقاء القمة بريوني حدثين ضخا زخما لا حدود له لهذه الحركة الجديدة، فراحت الدول المستقلة حديثا والمتعثرة اقتصاديا، تنضم تباعا لهذه الحركة النبيلة. توفي جواهر لال نهرو في الرابع عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1964. وبدأت حقبه جديدة في الهند: حقبة انديرا غاندي، التي قادت بشجاعة الأمة الهندية من الفقر المدقع الي إنشاء الصناعة وتطويرها والي تبوء الأمة الهندية دورها في السياسة العالمية: دور يوازي ثقل هذه الأمة عددا وثروة وامكانات.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأربعاء 14 مايو 2008 - 0:44
انديرا غاندي
معظم ما كتبه جواهر لال نهرو في السجن أو خارجه كان موجها لانديرا غاندي. انديرا غاندي كانت ابنة نهرو. وكان نهرو مهتما طوال الوقت بتثقيف ابنته وتوعيتها، منذ نعومة أظافرها، حول مباديء سامية: الحرية، الاستقلال، حق تقرير المصير، حقوق الإنسان، التنمية الاقتصادية. وكان هو قد درس في كلية هارو الشهيرة (انكلترا) وتخرج من جامعة كمبريدج (انكلترا) قبل أن يعود للهند وينتخب رئيسا لحزب المؤتمر ويصبح أول رئيس وزراء للهند عام 1947، بعد استقلالها. مؤلفات نهرو جميعها كانت مهداة لابنته انديرا، التي خلفته في رئاسة الحكومة بعد أن انتخبت رئيسة لحزب المؤتمر ولكتلة المؤتمر البرلمانية في العام 1964. رفضت انديرا أن تستلم رئاسة الحكومة عام 1964 بعد وفاة والدها. فقد شعرت بفراغ كبير وإحباط شديد بعد وفاة نهرو الذي أنزل بالأمة الهندية حزنا قاتلا وخيمت علي الهند موجة من الحزن لم يسبقها سوي تلك الغيمة من الحزن التي خيمت علي الهند عندما توفي المهاتما غاندي. فقدت زوجها فيروز غاندي، الذي توفي شابا وفقدت والدها وأصبحت وحيدة مع ولديها. رفضت في البداية كما قلنا تولي المسؤولية السياسية لكنها عادت وقبلت في العام 1966. ومنذ تلك اللحظة ظهرت شخصية انديرا غاندي وبرزت عندها كل المواصفات والقدرات التي زرعها ونماها والدها نهرو. وأصبحت أول امرأة تقود امة بأكملها وتحولت في شتي أنحاء العالم رمزا للنساء المكافحات من اجل حقوق ومساواة المرأة بالرجل. وفي العام 1971 انتصرت في الانتخابات انتصارا كاسحا وأقصيت لاحقا تحت تأثير اتهامات بالفساد. لكنها خاضت معارك قضائية وعادت للحكم عام 1977. وأجرت انتخابات في العام 1980 لتفوز فيها فوزا منقطع النظير وكرست بذلك قيادتها للهند تكريسا ديمقراطيا قويا. وراح أعداؤها يخططون للتخلص منها وتحطيمها فاغتالوا ابنها الأكبر بتفجير طائرته الصغيرة التي كان يقودها في أجواء نيودلهي. ثم اغتالوها هي عندما أطلق النار عليها حرسها الخاص (من الهندوس). وكانت قبل اغتيالها بأيام قد جمعت عائلتها راجيف ابنها الثاني وزوجته وأطفاله وأعلمتهم أنها تخشي من المؤامرات التي تحاك ضدها وأوصتهم بالانتباه وحذرت أحفادها من اللعب خارج أسوار المنزل. ثم أملت عليهم تفاصيل الجنازة التي تريدها لنفسها في حال اغتيالها. وكنت انا قد نبهتها ونحن خارجان من مكتبها في نيودلهي في العام 1984 من خطورة التحرك وحدها ودون حماية عسكرية. عندها نظرت الي وقالت انا لا اخشي الموت. لقد انتخبني الشعب بأغلبية كبيرة وهذا يعطيني ثقة بالنفس لا حدود لها. امرأة عظيمة المواهب وتملك طاقة لا حدود لها. درست في جامعة الشاعر والفيلسوف الهندي الكبير طاغور واكملت تعليمها في جامعة أكسفورد بانكلترا. وقادت الهند نحو مستقبل أفضل وأدخلت الهند نادي التصنيع والحاسوب. تلك هي المرأة التي أعجب بها الملايين وأعجب بها ياسر عرفات وأعجبت هي بياسر عرفات. منذ السبعينيات ربطت ياسر عرفات بأنديرا غاندي علاقة متينة صلبة علي أسس سياسية واضحة: الحرية والتطور والنمو للشعوب. ونمت العلاقة لتصبح حميمة علي صعيد شخصي وعائلي. فقد وجد الاثنان، كل منهما في الآخر، الجانب الذي يفقده. رأت فيه الرجل المكافح بشرف وصلابة من اجل حرية شعبه، كما كان والدها، ورأت فيه القائد الذي تتمني أن يصبح علي شاكلته ابنها، ورأي فيها الحكمة والصلابة والقوة والاستقلال وكرامة امة بأكملها. الحميمية في العلاقة كانت لا تخفي علي أحد، عند السلام واثناء الحديث وأثناء الطعام. وكان ياسر عرفات أحد القلائل من بين أصدقائها، الذي أدخلته عرينها. وأصبح ياسر عرفات يعامل وكأنه أحد أفراد أسرتها. كان عرينها ممنوعا علي الكثيرين فقد كانت تخشي علي أحفادها وعلي ابنها، تحميهم وتعمل جاهدة لينهلوا من العلم والحكمة ما نهلت منه هي، وكان ياسر عرفات مصدرا من مصادر المعرفة والحكمة. وأصبح يلقب داخل البيت من قبل أبنائها وأحفادها العم . وأصبحت انديرا غاندي بالنسبة لعرفات، مصدرا من مصادر الحكمة والنصح، ومناقشة التطورات وبلورة المواقف والقرارات، وكذلك هو بالنسبة لها. وظهر ذلك جليا في مجموعة دول عدم الانحياز وفي ألازمات التي واجهتها انديرا غاندي وواجهها هو. فقد واجهت انديرا غاندي عواصف خطيرة مع الباكستان وفي كشمير وبنغلادش وسريلانكا. وواجه هو عواصف وأزمات في الأردن ولبنان وبالطبع مع الإسرائيليين. اغتيالها أصابه في الصميم ولم أره حزينا كما رأيته عندما تلقي الخبر. ومنذ جنازتها ظل يقوم بزيارة قبرها ليروي الشجرة التي زرعها أمام ذلك القبر وينحني بإجلال ويقف مفكرا، متذكرا أمامها لدقائق عدة.
ألذ طعام في حياتي
غياب انديرا الأليم، عمق العلاقة الحميمة مع عائلتها. فالعم ياسر عرفات تحول إلي القريب الوحيد لهم. فهو صديق والدة راجيف، وجدة الأحفاد (أولاد راجيف). واستمر الجميع ينادونه العم. حتي راجيف، كان يناديه العم عندما يكون معه في جلسة خاصة. وعندما أصبح راجيف رئيسا للوزراء، ازدادت زيارات ياسر عرفات للهند ووثق العلاقة بينهما وبين الفلسطينيين. كان يعلم أن راجيف يشعر بالوحدة القاسية بعد رحيل أمه، وأخيه، ومن قبلهم رحيل أبيه وجده. كان يشعر بأنه أصبح وحيدا في مواجهة أعاصير الهند وتناقضاتها الداخلية المعقدة. ولا شك أن الحديث مع ياسر عرفات، الذي وضعت أمه انديرا ثقتها فيه، أعطاه المزيد من الثقة بالنفس وبث فيه روح الشجاعة لمواجهة عواصف الهند، وللسير بخطي ثابتة في السياسة الخارجية لدولة كبيرة كالهند. أثناء أحدي زياراته لراجيف والهند أقيم احتفال كبير لإلقاء الكلمات قبل أن يضع ياسر عرفات حجر الأساس لقاعة جامعية كبيرة تبرع بها ياسر عرفات باسم الشعب الفلسطيني للجيل الهندي الجامعي. وكانت الهند تمر آنذاك بموسم زراعي سيئ فقد أتي الجفاف علي المزروعات. وراح الخطباء الواحد تلو الآخر يلقون الكلمات ويؤكدون علي التلاحم بين الشعبين الهندي والفلسطيني. وعندما جاء دور الرئيس ياسر عرفات انهال المطر الغزير من غيوم كانت ملبده لأيام دون أن تفك أسر المطر. وتتابع المطر الغزير... غزير جدا لدرجة أن السرادق المقام في العراء أمام موقع القاعة لم يصمد أمام المطر الغزير. وتعالت الهتافات وتعالي الشكر وردد الحضور اسم ياسر عرفات. وعلي مائدة العشاء في تلك الليلة، تبودلت كلمات الترحيب والتحية كما هي العادة، فبدأ راجيف كلمته بالقول: ان ياسر عرفات خير وبركة علي الهند والهنود، فقد جلب لنا المطر والخير، وهو عزيز علي الهنود وعزيز بعمق علي قلوب عائلتي وقلبي أنا. احتفال العائلة بعيد ميلاد راجيف كان دائما احتفالا عائليا محصورا بأقرب الأقارب والمقربين. ورافقت الرئيس، مرة، لحفل ميلاد راجيف في بيت العائلة. كانت تلك هي المرة الأولي التي ادخل فيها بيت العائلة. فقد كنا دائما ضيوفا ننزل في قصر الضيافة الرسمي وتقام كل النشاطات في ذلك القصر. تلك الزيارة كانت خارقة للعادي. والعادي كان دائما ارفع مستوي من الاستقبال. كسر الهنود، المعروفون بحرصهم علي الحفاظ علي التقاليد والبروتوكول في تلك الزيارة التقاليد والبروتوكول. فاستقبال كبار الضيوف (الرؤساء والملوك) يتم في باحة القصر الجمهوري وليس علي ارض المطار وإذا بهم قد اعدوا له استقبالا رسميا علي ارض المطار وفي باحة القصر الجمهوري. كان ذلك مؤثرا للغاية. بعد أن سار موكبنا من المطار إلي القصر الجمهوري، استقبل الخيالة ممتطين أحصنتهم، بلباسهم الأحمر والذهبي الرائع، استقبلوا الرئيس وأحاطوا بالسيارة التي تقله من الجانبين وقادوها بنسق جميل نحو مدخل القصر، حيث اصطف حرس الشرف والفرقة الموسيقية فعزفت الفرقة السلامين الوطنيين الفلسطيني والهندي، واستعرض الرئيس يرافقه رئيس الهند حرس الشرف ودخلنا للقصر. كان ذلك جميلا وأنيقا ومؤثرا. وهمس في أذني أحد الوزراء الهنود الملكة اليزابث لم تحظ بذلك . جلس راجيف إلي جانب الرئيس عرفات في إحدي قاعات الاستقبال الملحقة بجناح الرئيس، وتحدثا قليلا وتم إطلاع الرئيس علي الخطوط العريضة لبرنامج الزيارة والمباحثات. ثم استأذن راجيف للذهاب إلي مكتبه، ووجه الدعوة للرئيس لحضور عيد ميلاده بصوت شابه الهمس. لم يكن برنامج الوفد يشير إلي أي نشاط في الليلة الأولي من الزيارة. لكن الرئيس طلب مني أن أحضر نفسي لمرافقته إلي بيت العائلة لحضور عيد ميلاد راجيف. ففعلت. ما ان دخلنا المنزل، حتي اندفع أطفال راجيف، وهم يصرخون ويضحكون، نحو ياسر عرفات مرددين العم. العم عانقهم وعانقوه، فيما راجيف وزوجته سونيا يبتسمان بسعادة حقيقية وقلبهما مفعم بالفرح. عانقت سونيا وراجيف ياسر عرفات وشكراه بكل تهذيب علي مجيئه. كان احتفالا بسيطا لكنني أقول إن ألذ أكل ذقته في حياتي كان ذلك الأكل (الهندي بالطبع) الذي تناولناه علي مائدة سونيا وراجيف في بيتهما العائلي.
دمعتان خجلتان
كانت الجلسة دافئة للغاية ودار حديث ذو شجون، وتناول العديد من المواضيع، وانتقل المتحدثون من وضع الهند الداخلي، للسياسة الخارجية، لوضع الشعب الفلسطيني والأمم المتحدة. كانت جلسة تفكير بصوت مرتفع وكان راجيف يستمع بكل انتباه وكأنه يريد ألا يفوته حرف مما يقوله ياسر عرفات. وتجلت حكمة ياسر عرفات تلك الليلة، وظهرت مميزات شخصيته السياسية الملمة بقواعد الصراع العالمي والإقليمي، وبتكتيكات الصراعات المحلية. كانت الجلسة أشبه بمجلس عائلي. وربما خطرت فكرة في ذهن راجيف تلك الليلة. ربما تذكر جلسات العائلة السياسية مع انديرا غاندي التي رحلت وتركته وحده بعد أن رحل أخوه أيضا ووالده من قبل( (والده فيروز غاندي كان صحافيا وملما إلماما واسعا بالسياسة والصراعات الدولية والإقليمية). كانت جلسة دافئة ورائعة، غادرنا بعدها بيت عائلة غاندي نحو مقرنا الرسمي في القصر الجمهوري. وقبل مغادرتنا الهند قام الرئيس عرفات يرافقه كافة أعضاء الوفد بزيارة قبر المرأة العظيمة انديرا. (القبر كان رمزيا بطبيعة الحال، فقد نثر رماد جسدها فوق النهر من طائرة صغيرة). روي ياسر عرفات الشجرة التي زرعها أمام قبرها، وأحني رأسه دقائق (ولا شك انه كان يراها في تلك اللحظات). ثم رفع رأسه وبدأ بالتحرك. نظرت إلي وجهه ولمحت دمعتين خجلتين في مآقيه. غادرنا الهند بعد أن تكللت الزيارة بنجاح كان متوقعا ووقعت فلسطين والهند عدة اتفاقيات تعاون في ميادين مختلفة. صعق خبر اغتيال راجيف الرئيس صعقا. كان الخبر صاعقا لدرجة انه لم يصدق. لكنه كان حقيقة. انه قدر هذه العائلة لقد تحملت هذه العائلة مسؤولية تاريخية في بلد مليء بالتناقضات، وهم يدفعون الثمن. ونكبت عائلة غاندي مرة أخري. أعداؤهم أعداء الهند اغتالوا راجيف ليجتثوا عائلة غاندي من جذورها. فوجود رجال أو نساء من هذه العائلة كان يحطم فرص هؤلاء في الفوز بالانتخابات وحكم البلاد. فعائلة غاندي العريقة في الثقافة والأخلاق والعلم كانت تحظي بتأييد شعبي واسع خاصة بين الفقراء وما أكثرهم في الهند. فشعرت سونيا أنها أصبحت بلا حماية ولا مستقبل وأن أولادها الآن في خطر. وتذكرت ليلة جاءت انديرا غاندي لتقول لهم انها تشعر أن حياتها مهددة. وكيف أعطتهم تفاصيل جنازتها كما تريدها أن تكون. تذكرت كيف نبهت أحفادها ألا يلعبوا خارج أسوار المنزل. كانت انديرا تتوقع أن يغتالوا أحفادها أيضا. وبطبيعة الحال ابنها راجيف، رغم أنها لم تقل له هذا. لكنها كانت ذكية فركزت الاهتمام علي أولاده ليفهم أنهم جميعا مستهدفون. سونيا، عاشت جوا أليما منذ أن تزوجت راجيف وسكنت معه الهند. فقد كان أعداء حزب المؤتمر وأعداء بيت غاندي يشهرون دائما سيف العنصرية، بالتركيز علي أن سونيا ايطالية وليست هندية. والهدف كان تجريد أبناء راجيف من الصبغة الهندية الخالصة لحرمانهم من أي مستقبل سياسي، وزاد رعبها الآن وقد اغتالوا راجيف ويهاجمونها لأنها ايطالية الأصل، سيحاولون اغتيال أولادها. فحملتهم بعد انتهاء فترة الحداد وغادرت الهند رغم معارضة قادة حزب المؤتمر، الذين أرادوا لها أن تقود الحزب بعد اغتيال راجيف. أرادت سونيا ان تخلو لنفسها وان تفكر. فقد سيطر رعب احتمال اغتيال أولادها عليها: فحضنتهم وغادرت لتفكر بذهن صاف.
سونيا تلجأ لـ العم
في خضم تلك التدافعات الذهنية والعاطفية برز أمام عينيها العم . سعدت جدا، فقد وجدت امامها أبا وعما وصديقا وحكيما فشدت الرحال لتقابله ولتأخذ النصيحة منه. واثناء رحلتها، لامت نفسها لأنها لم تفكر باللجوء اليه للنصيحة والرأي. لا يمكن أن تصف الانعكاسات العاطفية علي وجه ياسر عرفات عندما زارته سونيا. كانت مزيجا من عاطفة نبيلة. الحزن علي من رحل، القلق علي من بقي منهم قيد الحياة، الرغبة ببسط جناحيه لحمايتهم، الرغبة في الانتقام من قتلهم والحنان، كلها في اطار من الشعور بالثقة والرغبة في السير للإمام لمواجهة كل الإخطار مهما كانت. فبدا قويا صامدا متماسكا ليبث ذلك في سونيا. لقد كان يعلم تمام العلم ما تشعر به وما تخشي منه، ومدي التردد الذي تعيشه. بكت سونيا دموعا خجلة حارة دون أن تتكلم. كانت دموعها كلاما بليغا. لخص كل ما أرادت أن تقول. ابتسم ياسر عرفات مشجعا وقال: آل غاندي شجعان ولدوا ليواجهوا الصعاب ويتحملوا المسؤولية. وأنت سونيا غاندي عليك ان تتماسكي فأنت تحملين الراية الآن. وتصرفك سوف يكون مرشدا للأولاد. شرحت سونيا للرئيس وجهة نظر قيادة حزب المؤتمر وفسرت له مخاوفها ولم تتردد في ذكر ما يستخدمه أعداء حزب المؤتمر ضد الحزب وضدها أي أصولها الإيطالية. أصغي الرئيس بكل اهتمام لكل كلمة قالتها. فقد كانت صادقة ولا تطمح لمنصب وتريد أن تحمي أولادها.وعندما انتهي الكلام قال الرئيس لها يا ابنتي يا سونيا لا يمكن لإنسان أن يهرب من قدره لقد تزوجت راجيف غاندي وأصبحت أم أولاده. وعائلة غاندي لم تهرب من قدرها أبدا بل خططت وعلمت وربت أولادها للتجاوب مع هذا القدر. وعائلة غاندي قادت الهند وتحملت المسؤولية ودفعت ثمنا باهظا لذلك. انها عائلة متميزة ارتبطت بتاريخ الهند النضالي وارتبط تاريخ الهند النضالي بها. هذا قدرك لا تهربي منه كوني شجاعة كجدة الأولاد انديرا. أنت تتحدثين عن الأولاد. اهتمي بتربيتهم وتعليمهم وستصبحين رئيسة وزراء الهند يوما ما. شئت أم أبيت وعندها يجب ألا تعرقل خطواتك إيه اتهامات أو هجمات أو استغلال حول أصولك الإيطالية. أنت الآن زعيمة بيت غاندي فلا تترددي لحظة واحسمي أمرك. واعلمي أن لك أصدقاء وسأكون دائما وأبدا جاهزا للمساعدة قدر المستطاع. هزت رأسها كأنها تقول سألتزم بما تقول أيها العم . وهكذا كان. وانتخبت رئيسة لوزراء الهند في شهر ايار (مايو) من العام 2004. ياسر عرفات محاصر في مكتبه مطوق بقوات الاحتلال يبتسم فرحا لنجاح سونيا، ويتصل بها مهنئا بالانتصار الكاسح، وثقة الشعب الهندي وحزب المؤتمر والأحزاب المؤتلفة معه بها. الرئيس عرفات، سعي ويسعي باستمرار لحشد مزيد من التأييد العالمي للقضية الفلسطينية ورفعة شأنها. والمعادلة كانت واضحة له: القضية الفلسطينية قضية عادلة ومسلحة بقرارات دولية عديدة لكن العالم الذي ينشعل بمشاكله أغمض العين وسد الأذن ولم يحرك ساكنا في وجه ما فعلته وتفعله إسرائيل. وكان عليه كقائد أن يخلق واقعا جديدا علي أرض فلسطين (القتال والنضال) وان يحشد الدعم العربي والعالمي لحقوق هذا الشعب. وفي قرارة نفسه كان يدرك أن هذه القضية العملاقة وهذا الشعب المكافح العملاق سوف يرفع من شأنه كلما رفع هو بجهده وحركته واتصالاته من شأن الشعب والقضية. فالترابط كان جدليا في ذهنه وفي قرارة نفسه. فقد بذل الشعب الفلسطيني علي مدي عقود تضحيات كبيرة بالدم والمال والأرض، ولابد لقيوده من إن تنكسر ولا بد أن ينال حريته واستقلاله. والمعادلة الراسخة هذه جعلت من ياسر عرفات فلسطين ومن فلسطين ياسر عرفات في قلبه وقرارة نفسه. والهند كانت مكسبا كبيرا للشعب الفلسطيني عندما وقفت دون تردد إلي جانب الحق الفلسطيني. وخاض ياسر عرفات المعترك السياسي في تلك المنطقة من آسيا. فحشد تأييد المتعارضين للحقوق الفلسطينية. الصين وباكستان والهند وسيريلانكا وبنغلادش. وكم من تناقضات وتعارضات بين هذه الدول لكنها أجمعت علي تأييد الحق الفلسطيني. لكن سونيا غاندي،آثرت عدم القبول، قبول مسؤولية الهند كرئيسة للوزراء. وفضلت أن تعين نموهان سنغ رئيسا للوزراء حرصا علي نجاح حزب المؤتمر في إدارة دفة الحكم، بدل الخوض في معارك جانبية حول أصولها الإيطالية. لكني علي يقين أن سونيا غاندي رئيسة حزب المؤتمر ورئيسة كتلته البرلمانية تقوم بتحضير أولادها لتبوء مركز الصدارة في الحياة السياسية الهندية.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأربعاء 14 مايو 2008 - 22:53
تعديلات عشية انعقاد مؤتمر مدريد في كلمة الوفد الفلسطيني لتأكيد قيادة منظمة التحرير 13 ـ 15
عرفات يحذر من الغزو العراقي والشيخ سعد يحوّل مجري الحديث
بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد. تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات. والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات!
ما أن انتهت الحرب الإيرانية العراقية، بعد إعلان آية الله الخميني الاستسلام ووقف الحرب، حتي بدأت المشاحنات السياسية بين العراق والكويت. فقد طالب العراق بدفع قيمة النفط الذي استخرجته الكويت من حقل عراقي (أو حقل مختلف عليه). وكان العراق قد رصد الكميات التي استخرجتها الكويت من ذلك الحقل. لكن الكويت رفضت دفع الأموال التي يطالب بها العراق. وحاول العراق استخدام الضغط السعودي والخليجي لحل هذه المشكلة. لكن كافة الجهود فشلت وكان اخرها (قبل أن يغزو العراق الكويت)، المؤتمر الذي عقد في جدة بتاريخ 31 تموز/ يوليو 1990 وحضره ولي العهد الكويتي رئيس الوزراء الشيخ سعد الجابر. واستدعي الرئيس صدام حسين سفيرة الولايات المتحدة لدي العراق غلاسبي وبين لها طبيعة الخلاف العراقي ـ الكويتي، وطلب منها أن تستخدم الولايات المتحدة نفوذها لحل الخلاف، لأن عدم حله قد يعني مزيدا من المشاكل التي قد تتفاقم الي حد الصدام العسكري. ونقلت غلاسبي علي الفور الرسالة لواشنطن، التي طلبت منها أبلاغ الرئيس صدام حسين، أن السياسة الأمريكية في الخليج هي سياسة عدم التدخل في الخلافات القائمة بين دوله. ووقعت القيادة العراقية في الفخ الذي نصبته لها واشنطن. فقد اعتبرت القيادة العراقية جواب واشنطن، ضوءا أخضر للتصرف حيال الازمة مع الكويت وأنها لن تتدخل في هذا الشأن. وكان للقيادة العراقية أسبابها لتصديق واشنطن. فقد دعمت واشنطن بغداد بشكل مباشر وغير مباشر أثناء حرب الخليج مع إيران، مما جعل القيادة العراقية تقتنع بأن واشنطن اعتمدت بغداد قوة إقليمية في المنطقة. ولم تنتبه القيادة العراقية الي المخطط الذي استهدف إضعاف إيران أولا، والعراق ثانيا. وان عين واشنطن لا تري في المنطقة سوي الهيمنة علي منابع النفط خدمة لمصالحها الاستراتيجية. فبدأت بغداد تعد العدة وتهييء لغزو الكويت في حال إصرار الكويت علي عدم دفع عائدات النفط الذي استخرجته إبان الحرب بين إيران والعراق.
الكويت ضد وساطة عرفات
الرئيس ياسر عرفات كان يتابع ما يدور بحذر شديد. فقد كان يدري حجم الانعكاسات السلبية علي المنطقة (وعلي قضية فلسطين بشكل خاص)، التي ستنجم عن استخدام الحل العسكري، لفض خلاف نفطي. وعندما شعر عرفات بأن الخلاف أصبح ساخنا جدا، قرر أن يرمي بثقله وثقل فلسطين لمنع نشوب حرب بين العراق والكويت. فقد كان الضغط السياسي لإيجاد حل سياسي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد بلغ أوجه، إذ بدا واضحا للعالم أن الحكومة الإسرائيلية تماطل ولا تريد إيجاد حل سياسي، رغم المبادرة التي أطلقها الفلسطينيون لإيجاد حل يستند لقرارات الشرعية الدولية. وكان جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا قد أعلم الإدارة بالموقف الإسرائيلي، ولم يتردد في أحيان كثيرة من التلميح والتصريح تعليقا علي مواقف الحكومة الإسرائيلية السلبية. وكان من الضروري المحافظة علي الزخم والضغط الدوليين. وهذا لن يكون ممكنا في حال نشوب حرب بين العراق والكويت. اذ ستصبح هذه الحرب شغل العالم الشاغل وسيتلاشي زخم الضغط الدولي علي إسرائيل. قرر الرئيس عرفات ان يتحرك بسرعة في رحلات دبلوماسية مكوكية بين بغداد والكويت، في محاولة لنزع فتيل الحرب. فطلب لقاء عاجلا مع الرئيس صدام حسين. فاستقبله في الليلة ذاتها. ودار بينهما حديث جاد، وحاول الرئيس عرفات ان يبين للرئيس صدام حسين مخاطر الحل العسكري. وطلب منه منحه فرصة ليحاول إيجاد حل أو آلية حل لهذه المشكلة. واختتم صدام حسين قوله لعرفات: قل لهم نحن طلاب حق ولا نريد سفك دماء عربية. نريد حقوقنا لا أكثر ولا أقل. وإذا رفضوا فعليهم أن يعلموا أن الكويت تصبح في قبضتنا في أقل من ساعتين . توجهنا للمطار وطرنا نحو الكويت. وصلناها فجرا. توجهنا الي قصر الضيافة لنأخذ قسطا من الراحة، وانتظارا للموعد الذي حدد للرئيس عرفات لمقابلة أمير الكويت. خلال ذلك كنا نتابع التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية. وما ان حان الموعد، خرج الرئيس عرفات من غرفته وتوجهنا في موكب لقصر أمير الكويت. كان قد سبق لي أن زرت الكويت مرات عديدة والتقيت بالمسؤولين مرات عديدة، لكنني لمست هذه المرة أن توترا ما كان يسود الأجواء. كان إحساسا سرعان ما تأكد من مجريات الحديث القصير الذي دار بين الرئيس عرفات وأمير دولة الكويت. لاحظت بسرعة أن وزير خارجية الكويت لم يكن موجودا، خلافا للعادة. وربما كان هذا سبب بداية الإحساس لدي، بأن الجو متوتر. تماما كما بذل الجهد مع الرئيس صدام حسين، لمنع الاحتكاك العسكري، بذل الجهد مع أمير الكويت لإقناعه بتشكيل لجنة لإيجاد حل أخوي للمشكلة. بقيت صامتا طوال الوقت، لكنني كنت أراقب بدقة خلجات الوجوه، وأصغي لكل كلمة تقال. وسرعان ما توصلت للخلاصة: الكويتيون لا يريدون تسوية المشكلة سياسيا، لأنهم يعتقدون أنهم علي حق وان العراق يحاول ابتزازهم. كما خرجت بخلاصة، أن الأمير لا يريد من الرئيس عرفات أن يتدخل. انتهي الاجتماع بعد نصف ساعة. وغادرنا الديوان الأميري لنتوجه لديوان رئيس الوزراء، ولي العهد الشيخ سعد الجابر، الذي كانت تربطه بالرئيس عرفات علاقة حميمة منذ أن كان عرفات يعمل في الكويت كمهندس بعد تخرجه من جامعة القاهرة. كان حديث الرئيس عرفات واضحا ومباشرا. لكن بدا واضحا أن القرار الكويتي كان واضحا أيضا. وتحدث الشيخ سعد، حول آخر محاولة لإيجاد حل في المؤتمر الذي دعت لعقده السعودية في مدينة جدة. وعندما حذر الرئيس عرفات من انعكاسات نشوب حرب بين العراق والكويت، أجابه الشيخ سعد، الخبراء يقولون إن العراق لن يتمكن من غزو الكويت إلا بعد مرور أربعة أيام. وستتدخل خلال الأيام الأربعة قوي أخري للدفاع عن الكويت. أجابه الرئيس، الخبراء مخطئون، ولكن منع الحرب هو الأساس. حوّل الشيخ سعد الجابر الحديث للاستفسا عن الانتفاضة وأحوال الشعب الفلسطيني وكأنه يقول: انتهي حديثنا عن العراق. وخرجت مكتئبا. فالحرب واقعة لا محالة. جاء أخي الدكتور أسامة ليودعني وسألني بقلق: ماذا سيحصل؟ فأجبته باختصار ستقع الحرب. فاكفهر وجهه ككل فلسطيني يعمل في الكويت. وتوجهنا الي تونس. ووقع المحظور وغزا العراق الكويت في 2 آب (اغسطس) 1990.
القاهرة تعبّد طريق الحرب
وارتكبت أعمال بعيدة كل البعد عن الأخلاق العربية، ويندي لها الجبين ومنذ تلك الخطوة تفاقمت الخلافات في العالم العربي، مما مكن أعداء الأمة العربية من استغلال تلك الظروف للهيمنة علي المنطقة ونفطها وثرواتها وموقعها الاستراتيجي. وهذا ما كان يخشاه الرئيس ياسر عرفات، ولمنعه بذل كل الجهد لإبعاد الحرب والتوصل لحلول سياسية تبقي الحد الأدني من وحدة الموقف العربي. ولم يكل ولم يتعب، بل راح يحاول إيجاد حل سياسي، حتي بعد غزو العراق للكويت. ذلك أن الولايات المتحدة بدأت بحشد القوات والاستعداد لشن حرب علي العراق تحت عنوان تحرير الكويت، لكنها في الحقيقة تستهدف العراق وثرواته النفطية. وراح الرئيس عرفات يعمل ويتصل ويتنقل من عاصمة عربية لأخري دون كلل في سباق مع الزمن لمنع نزول قوات أجنبية علي الأرض العربية لشن حرب علي العراق. وذلك بالبحث المعمق في ورقة عمل لحل سياسي للمشكلة يبدأ بانسحاب القوات العراقية فورا من الكويت. كانت السعودية مترددة ترددا كبيرا في اللجوء للحل العسكري وبقيت تمانع نزول قوات أمريكية علي أراضيها واستخدام مطاراتها من قبل الأسطول الجوي الأمريكي. وبذلت الولايات المتحدة كل ما في جعبتها من وسائل لإقناع السعودية لدرجة أن ديك تشيني (وزير الدفاع الأمريكي آنذاك) أمر بالتلاعب بصور ملتقطة من الأقمار الصناعية، تظهر أن دبابات العراقيين تتجه نحو السعودية. وزعم أن هنالك خططا عراقية للزحف علي السعودية للوصول للبحر الأحمر. وفي آخر زيارة للرئيس عرفات للسعودية في محاولة لإقناعها بالحل السياسي، أوقفت طائرة الرئيس عرفات علي المدرج لنصف ساعة تقريبا، لتتمكن طائرة تشيني من الوصول لقاعة التشريفات قبل وصول عرفات لها. فقد كانت الولايات المتحدة تسابق الزمن أيضا. كانت تريد شن الحرب علي العراق لأهدافها الخاصة (الهيمنة علي النفط)، ولذلك عملت لإفشال كافة الجهود العربية لإيجاد حل سياسي، خاصة الحل الذي كان يدعو له ويعمل له ياسر عرفات. واستخدم ياسر عرفات كافة القنوات المتاحة له. سواء كانت قنوات مباشرة أو غير مباشرة. فقام برحلات مكوكية لإقناع القادة العرب، كما قام بجولات سريعة في أفريقيا وأوروبا لتشكيل رافعة دولية تدعم الحل السياسي. وطلب من رجال أعمال سعوديين (من بينهم عدنان خاشوقجي وحرب الزهير)، حمل الأفكار الأساسية للحل السياسي وورقة العمل السياسية للقادة السعوديين. وكان الأمير سلطان بن عبد العزيز متجاوبا مع العقل ويرغب في إيجاد حل سياسي، وأصبحت الرحلات الجوية مكوكية تم خلالها تبادل الملاحظات والتعديلات. وأوشكت جهود الرئيس عرفات علي النجاح. وتم الاتفاق علي عقد قمة طارئة في القاهرة بتاريخ 10 اب (اغسطس) 1990 لبحث الوضع وإقرار مشروع حل سياسي تلعب فيه الدول العربية، عبر لجنة تشكلها القمة الدور الرئيسي في الاتفاق موضع التنفيذ. وكان يتضمن إرسال قوات عربية لتحل محل القوات العراقية تمهيدا للتوصل الي حل نهائي. لكن الضغوط الأمريكية كانت أفعل وأكثر تأثيرا. وانتهت جلسات القمة العربية، دون أن يتمكن الرئيس عرفات من طرح الحل السياسي، عبر استخدام ملتو لقواعد النقاش في القمم وطريقة طرح الاقتراحات والتصويت عليها. فقد كان من المفترض أن تطرح مشاريع الاقتراحات (التي كانت متعددة) ليجري التداول بها، ثم طرحها علي التصويت. لكن النقاش بدأ باقتراح واحد وتم التصويت عليه علي عجل وأعلن رئيس الجلسة فوز الاقتراح ورفع جلسات القمة. مما أثار الرئيس عرفات الذي رفع صوته مخطئا الأسلوب واعتبره غير قانوني. وجري تلاسن حول هذا الامر، لكن الولايات المتحدة كانت الأقوي نفوذا.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأربعاء 14 مايو 2008 - 22:53
همسة جوليو اندريوتي
وحسم الأمر: حرب علي العراق تشارك فيها قوات عربية تجمعت في منطقة حفر الباطن بالسعودية. وقرر الرئيس عرفات أن يجري آخر محاولة من خلال الاتحاد الأوروبي. فطلب مني التوجه الي روما وأن أنقل رسالة شفهية لرئيس وزرائها آنذاك جوليو اندريوتي، وكان يترأس في الوقت ذاته الاتحاد الأوروبي. كانت طبول الحرب قد بدأت تقرع واستكملت قوات التحالف استعداداتها وأصبحت جاهزة لتحديد ساعة الصفر. توجه الرئيس الي بغداد، فيما رحت ارتب أمور سفري الي روما لمقابلة رئيس الوزراء الإيطالي. كان الوقت يداهم الجميع والعد العكسي قد بدأ. ولم أجد في ذلك اليوم مكانا لي علي أي طائرة من الطائرات التجارية المتوجهة الي روما. فاتصلت بصديق لي (رجل أعمال إيطالي) وطلبت منه إرسال طائرته الخاصة الي تونس لتقلني الي روما. ففعل فورا. ووصلت روما. كان ذلك صباح 14 كانون الثاني (يناير) من العام 1991. كنت قد أجريت اتصالات لتحديد موعد. ولم يكونوا قد حددوه بعد. فتوجهت للفندق وهنالك التقيت بصديقي رجل الأعمال. وعندما علم هدفي من المجيء لروما، اتصل هو برئيس الوزراء وكان صديقا حميما له ورتب الموعد علي عجل. وقمت بالاتصال بسفيرنا في روما نمر حماد وأبلغته عن الموعد وعن المهمة العاجلة. ورغم شكه في القدرة علي تحديد الموعد بهذه السرعة، التقينا عند مدخل رئيس وزراء ايطاليا الذي استقبلنا بالترحيب. فنقلت الرسالة. قلت له اننا نسابق الزمن لمنع وقوع الحرب. واننا نقترح أن يتوجه وفد من الاتحاد الأوروبي (ترويكا) للعراق فورا وأن نبلور اقتراحا سياسيا تتبناه أوروبا وبعض الدول العربية لتطبيق حل سياسي فوري يبدأ بانسحاب القوات العراقية من الكويت. فكر اندريوتي مليا، وانطلق يشرح لي صعوبة الوضع (باللغة الفرنسية) وتجاوز بذلك المترجم أو استخدام اللغة الإنكليزية (التي لم يكن ضليعا بها). تعقيدات الوضع الدولي، أخذت جزءا هاما من حديثه وحول موقف ايطاليا التي تتمني ألا تحصل الحرب. ثم نهض من علي مقعده، وامسك بذراعي وتوجه نحو شرفة مكتبه. فتح الباب وخرجنا للشرفة المطلة علي الساحة الجميلة أمام مقر رئاسة الوزراء الإيطالية. قال لي هامسا بالفرنسية: قرار الولايات المتحدة هو الحرب. ولن تنجح مبادرتنا. كان الله في عون العراق.
اغتيالان عشية الحرب
شكرته. وتوجهت فورا نحو الفندق أنا وسفير فلسطين لدي روما نمر حماد. ما ان جلسنا حتي هز الغرفة رنين الهاتف. كانت سكرتيرتي من تونس، قالت لي وهي مبعثرة بين اللهاث والبكاء ان إطلاق نار حصل قبل دقائق في منزل الأخ أبو الهول (هايل عبد الحميد عضو اللجنة المركزية لفتح) فرحت اتصل بأرقام مختلفة في تونس الي أن علمت أن أبو الهول وأبو إياد (صلاح خلف) قد اغتيلا في منزل أبو الهول وان القاتل تحصن في الطابق العلوي وهو يحتجز زوجة وأطفال أبو الهول. فقلت لسفيرنا يجب أن أعود فورا لتونس. ولكن قبل ذلك سأكلم الرئيس ياسر عرفات في بغداد. اتصلت وأبلغته النتائج فطلب مني التوجه لتونس فورا وان انتظر تعليماته. وهكذا حصل. عدت لتونس، شاكرا صديقي الإيطالي الذي وضع طائرته مرة أخري تحت تصرفي لتعيدني الي تونس. عاد الرئيس ياسر عرفات لتونس فجر 15 كانون الثاني (يناير) 1991. وانغمس في العمل مرة أخري بعد مراسم دفن الشهيدين أبو إياد وأبو الهول. بعد مراسم الدفن تجمع القادة والكوادر في مكتب الرئيس، والكل يشعر برهبة الموقف. كان اغتيال أبو إياد وأبو الهول صدمة كبري للجميع خاصة بعد أن علم أن القاتل فلسطيني من أتباع أبو نضال، وكان قد أعلن توبته لينضم لحرس أبو الهول. وكان القلق يكاد يصيب الجميع بالاختناق حول الحرب المتوقعة علي العراق. ذلك علي الرغم من ان عددا من القيادات كان مقتنعا بأن الولايات المتحدة لن تشن حربا علي العراق. خشية من الخسائر البشرية. وكنت من الرأي الذي يري أن الحرب قادمة، لا محالة، وان الولايات المتحدة ستستخدم ترسانتها الجوية والصاروخية ولن تتيح للجيش العراقي خوض معركة، قد تنزل خسائر بشرية بصفوف الأمريكيين. غادرت مكتب الرئيس عائدا الي مكتبي. عند الفجر في يوم السادس عشر من كانون الثاني (يناير)، اتصل بي صديقي من فرنسا، وقال لي انه يتكلم من هاتف عمومي، وان الهجوم الأمريكي الجوي بالطائرات وصواريخ كروز سيبدأ فجر 17 كانون الثاني (يناير) وان الهدف هو بغداد وليست الكويت. هرعت لمكتب الرئيس وأبلغته المعلومة وكنت قد سجلتها كتابيا. فأرسل تلك الملاحظة فورا لبغداد. اعترض بعض القيادات علي إرسال المعلومة، لقناعتهم بان الولايات المتحدة لن تتجرأ في شن هجوم علي العراق. لكن الرئيس كان له رأي آخر: هنالك معلومة، ربما تكون مفيدة، وربما لا ويجب أن تعلمها بغداد. حسب المعلومة، الساعة الثالثة فجرا بتوقيت بغداد، كان موعد بدء الهجوم الصاروخي والجوي أي أن الهجوم سيبدأ منتصف الليل بالتوقيت المحلي لمدينة تونس. حيث كنا متجمعين في مكتب الرئيس. وقرابة منتصف الليل تحركت نحو جهاز التلفزيون، في مكتب الرئيس وأدرت المفاتيح لنشاهد قناة (سي.ان.ان). دقائق قليلة مرت علي منتصف الليل، فبدأ البعض يبتسم وترتخي أعصابه: المعلومة كانت خاطئة ولن تشن الولايات المتحدة حربا علي العراق. وفي تلك اللحظة بالذات شاهدنا مراسل سي.ان.ان. يقول سماء بغداد يضيئها اللهب . وانهالت الصواريخ والقصف الجوي علي بغداد. كان ذلك في السابع عشر من كانون الثاني من العام 1991. وانتهت كل محاولات وجهود الرئيــــس ياسر عرفات لمنع الحرب وإيجاد حل سياسي للصراع العراقي ـ الكويتي. وبدأت مرحلة جديدة.
مؤتمر مدريد
بعد انتهاء حرب الخليج الأولي القي الرئيس جورج بوش (الأب) خطابا في الكونغرس قوبل بترحيب شديد من قبل أعضاء الكونغرس جمهوريين وديمقراطيين. كان خطاب الانتصار.... خطاب تحرير الكويت. وخلال الخطاب صفق أعضاء الكونغرس للرئيس بوش وقوفا خمس مرات. لكن أطول وقفة تصفيق جاءت عندما أعلن الرئيس بوش انه آن الأوان لإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وهكذا أعطت الإدارة الأمريكية الضوء الأخضر لبدء عملية سلام في الشرق الأوسط تستهدف: تحقيق الاستقرار والسلام استنادا لقراري مجلس الأمن 242 و 338. وبالتشاور مع روسيا تقرر أن ترعي الولايات المتحدة وروسيا مؤتمرا دوليا للسلام في الشرق الأوسط تحضره كافة الأطراف المعنية وعلي أن يعقد في مدريد العاصمة الاسبانية. في تلك الفترة كان اسحق شامير (يمين الليكود) يرأس الحكومة الإسرائيلية. وكان معارضا لأي عملية سلام تتم استنادا للقرار 242 أي انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 لكن إصرار الولايات المتحدة والرئيس بوش لم يمكن شامير من تبرير رفضه للمؤتمر برفضه لقرارات مجلس الأمن. بل استند لرفضه التعامل مع منظمة التحرير الفلسطينية التي اتهمها بالإرهاب. وأن إسرائيل لا تتفاوض مع الإرهابيين. ورد علي الرئيس بوش الذي وجه له رسالة بهذا الخصوص، يدعوه فيها لحضور مؤتمر مدريد بالقول إن حكومة إسرائيل ترفض التفاوض مع م.ت.ف ، لكنها علي استعداد لمفاوضة فلسطينيين محليين من الضفة وغزة لم تتلوث أيديهم بدماء يهودية. وزاد شامير في تعقيد الأمور باشتراطه موافقة الحكومة الإسرائيلية علي أسماء من سيشارك في المؤتمر من فلسطينيي الداخل. وسارعت الإدارة الامريكية وروسيا لإقناع قيادة م.ت.ف بان علي القيادة الفلسطينية الا تضيع الفرصة، كما يشتهي شامير. ورغم إصرار منظمة التحرير الفلسطينية علي مشاركتها المباشرة في مؤتمر مدريد تعاملت مع العقبات التي كان يضعها شامير (لإجهاض المشروع) بشكل واقعي. وازدحمت خطوط الاتصال بين واشنطن وموسكو وتونس للوصول إلي صيغة مرضية لمنظمة التحرير ولا يمكن لشامير الاعتراض عليها. وأبلغت الإدارة الامريكية رئيس وزراء إسرائيل بموافقتها علي مشاركة وفد فلسطيني يمثل الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة، علي أن تلعب هي (أي الإدارة الامريكية) الدور الرئيسي في اختيار أعضاء الوفد وأنه إذا كان لشامير اعتراض مستند لحيثيات قوية فعليه أن يراجع الإدارة الأمريكية بهذا الشأن. وطلبت الإدارة الأمريكية من منظمة التحرير وضع لائحة تضم أربعين من أسماء الشخصيات الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة ليجري اختيار الوفد من بين الأسماء الأربعين. وهكذا كان، وتشكل الوفد من شخصيات وطنية من الأرض المحتلة. وبدأت التحضيرات لعقد المؤتمر. وراح كل طرف معني يعد مداخلته للجلسة الافتتاحية للمؤتمر. وصادقت اللجنة التنفيذية علي الكلمة التي أعدت ليلقيها الوفد في الجلسة الافتتاحية. وفي الوقت ذاته كان عدد من أعضاء الوفد في الداخل منكبا لصياغة الكلمة. وقررت اللجنة التنفيذية إرسال عدد من القيادات والكوادر من تونس الي مدريد ليكونوا الي جانب جلسات المؤتمر الرسمية، وعلي اتصال دائم بالوفد القادم من الأرض المحتلة. وكنت احد الذين تقرر توجههم الي مدريد. لكن في اللحظة الأخيرة استدعاني الرئيس ياسر عرفات وطلب مني البقاء إلي جانبه لمتابعة مجريات المؤتمر. ولم أتردد بطبيعة الحال. لكنني علمت لاحقا أن عددا من قيادات فتح أصر علي عدم ذهابي الي مدريد. فقد كانت مجموعة منهم تبذل قصاري الجهد لإقصائي عن مركز الفعل، بعد أن تكللت الجهود السياسية والدبلوماسية والإعلامية بالنجاح في بلورة خطوة ملموسة هي الأولي منذ أن أطلقت مبادرة السلام في 13 كانون الاول (ديسمبر) من العام 1988 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. كان البعض، الذي التحق متأخرا بركب المبادرة السياسية يظن أن العمل الدبلوماسي السري هو الذي سيدفع العملية للإمام. وارتكبوا الخطأ الكبير الذي يفصل فصلا تعسفيا بين السياسة والإعلام والدبلوماسية. فالاعلام كان سلاحا ماضيا في تلك الحلبة السياسية. والرأي العام كان قوة ضاغطة بكل معني الكلمة. ولم يكن بيد الفلسطينيين سلاح (في ظل مبادرتهم للسلام التي نبذت العنف) سوي سلاح الإعلام المرتبط بالخط السياسي والنشاط الدبلوماسي. وكانت الصيغة التي استندت لها هذه المجموعة من قيادات فتح، هي أنني استند للإعلام وأكثر من هذا الاستناد مما يضر بالحركة السياسية والنشاط الدبلوماسي. كان من المقرر أن تعقد الجلسة الافتتاحية لمؤتمر مدريد، بعد يومين من طلب الرئيس أن أبقي إلي جانبه. وفي صبيحة يوم الافتتاح اتصل بي الرئيس وطلب مني أن أتوجه فورا للمطار. وكما هي العادة توجهت فورا، وعلمت أننا سنتوجه للمغرب بدعوة من الملك الحسن الثاني لمتابعة مجريات الافتتاح من هناك. رافق الرئيس في تلك الزيارة فاروق القدومي (أبو اللطف) وعبد الله حوراني وأنا. وما ان أقلعت الطائرة باتجاه المغرب حتي بادرني الرئيس بالقول، خذ هذا النص واقرأه بتمعن وقل لي ما هو رأيك. فقلت ما هو هذا النص. فأجاب انه نص الكلمة التي أعدتها مجموعة من الداخل ويقترحون أن تكون هي كلمة الوفد بدلا من الكلمة التي أعددناها ووافقت عليها اللجنة التنفيذية. قرأت الكلمة بإمعان. وكانت قد صيغت باللغة الإنجليزية. وعندما رفعت رأسي لأنظر للرئيس وجدته ينظر الي منتظرا تعقيبي علي الكلمة. فقلت له: هذه كلمة اعتذار عن كل نضالنا ونعلن توبتنا وكأننا ارتكبنا إثما. والكلمة لا تأتي علي ذكر منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولا علي قيادة الشعب الفلسطيني ولا تذكر حتي قرارات الشرعية الدولية المتصلة بأرضنا . فاروق القدومي (أبو اللطف) كان يصغي ويبتسم ثم ينظر إلي الرئيس. وكأنما جاء تعقيبي مطابقا أو شبيها لتعقيبه هو. طلب الرئيس من عبد الله حوراني ومن فاروق القدومي ومني أن نبدأ بصياغة تعديلات لإضافتها للكلمة لتسد كل النواقص التي نعتقد أن هنالك ضرورة لسدها. وشرعنا في بعض النقاط في حين أعلن قائد الطائرة بداية هبوطه نحو الرباط. كالعادة ضجت الطائرة بالحركة. الجميع يهيئ نفسه للهبوط. وما هي إلا دقائق حتي حطت بنا الطائرة وسارت متمهلة إلي أن توقفت قرب قاعة التشريفات في مطار الرباط. حرص الرئيس علي أن يكون الاستقبال سريعا لكسب الوقت، وتوجه فورا نحو قصر الضيافة الملكي حيث سيقيم الوفد. وطلب الرئيس من بعض مساعديه إجراء الاتصالات اللازمة لوصله بالدكتور نبيل شعث الذي كان مكلفا بالتنسيق مع الوفد القادم من داخل الأرض المحتلة. وكذلك مع الفريق الروسي الذي يشارك في الإشراف مع الفريق الأمريكي علي مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط. تم الاتصال، وأبلغ الرئيس الدكتور نبيل شعث الملاحظات حول الكلمة التي أعدت في الداخل وقال له ان لا بد من إضافة بعض التعديلات السريعة حتي لا تكون الكلمة كارثة سياسية. وقام عبد الله حوراني بإعطاء الملاحظات والتعديلات للدكتور نبيل شعث، وهي تشمل جملا مركزة حول الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وقرارات الشرعية الدولية وتأكيد أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن قيادة المنظمة هي قيادة الشعب الفلسطيني وكذلك حل الدولتين. لم يكن قد بقي كثير من الوقت علي موعد الجلسة الافتتاحية للمؤتمر. لكن الوقت المتبقي كان كافيا لإجراء التعديلات علي النص المقترح لكلمة الوفد الفلسطيني التي تقرر أن يلقيها الدكتور حيدر عبد الشافي رئيس الوفد.
من أهم اللحظات السياسية
جلسنا في إحدي غرف الاستقبال ننتظر. بعد دقائق حضر للقاعة أحد مساعدي الرئيس ليبلغه أن الدكتور نبيل شعث يريد أن يكلمه لأمر هام. فتوجهنا جميعا إلي غرفة الاتصالات. أصغي الرئيس باهتمام لما كان يقوله الدكتور نبيل شعث. وفجأة علق قائلا ينسحبون ؟ بلهجة سؤال.... وطلب منه الانتظار علي الخط. واخبرنا أن نبيل شعث اتصل بالروس ليبلغهم حول التعديلات التي نريد إضافتها علي الكلمة. وكان قد أطلعهم علي نص الكلمة من قبل. ولا شك بأنهم أعلموا الفريق الأمريكي بمضمون كلمة الوفد الفلسطيني، وأن الفريق الروسي قام ببعض الاتصالات قال بعدها إنهم يخشون في حال إدخال هذه التعديلات أن ينسحب الوفد الإسرائيلي من جلسات المؤتمر . وقلت تعليقا علي ذلك: لم يذهب شامير الي مؤتمر مدريد لينسحب، هذه رغبة أمريكية. ولن يحرجوا أنفسهم مع الرئيس بوش. إضافة لذلك فنحن لا نعلم ماذا سيقول شامير في كلمته رغم أنني أتوقع أن تكون متطرفة ورافضة لمشروع السلام. اقتنع الرئيس بكلامي وكرر لنبيل شعث، رغم قلقه الشديد من انهيار المؤتمر. فقد كانت هذه أول خطوه ملموسة علي طريق البداية، في مسيرة لا شك ستكون طويلة نحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وطلب الرئيس من نبيل شعث إبلاغ الوفد أن هذه هي تعليماته. وهكذا كان. جاءت كلمة الدكتور حيدر عبد الشافي بعد إضافة التعديلات لتضع الانتماء والأهداف بشكل واضح وحددت بما لا يرقي إليه الشك مكانة م.ت.ف كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني وكذلك أن قيادتها هي قيادة كل الشعب الفلسطيني. كانت تلك اللحظة من أهم اللحظات السياسية. فبعد أن أصر شامير أسبوعا تلو الأسبوع علي عدم مشاركة م.ت.ف في المؤتمر وأن له حق الفيتو علي أي اسم يطرح للمشاركة في الوفد المشكل من شخصيات فلسطينية من داخل الأرض المحتلة. ها هو يستمع بأذنيه للوفد الفلسطيني يؤكد أن م.ت.ف هي ممثل الشعب الفلسطيني الشرعي وأن قيادتها هي قيادته. وفي اليوم التالي استقبلنا الملك الحسن الثاني. ودار الحديث حول الترتيبات التي سبقت عقد الجلسة الافتتاحية والتوقعات. وكان الاتفاق بين الرئيس والملك جليا. فالمعركة في هذه الفترة هي معركة سياسية إعلامية دبلوماسية، وان هدفها الأول هو تحويل الفكرة إلي مجري ملموس. أي بدء المفاوضات برعاية أمريكية روسية لتطبيق قرارات الشرعية الدولية. وهكذا بدأت معركة من نمط آ خر. فبعد حضور الحكومة الإسرائيلية الجلسة الأولي للمؤتمر ومتابعتها للجلسات، تحولت المعركة الي الاتفاق علي آلية أو آليات لمتابعة المفاوضات بشكل عملي وملموس. انتهي اللقاء وسار الرئيس جنبا إلي جنب مع الملك الحسن الثاني يتبعهم أعضاء الوفد. وعند المدخل الخارجي للقصر الملكي توقف الملك مودعا الرئيس وتقدمنا نحن للسلام. أوقفني الملك لحظة وقال للرئيس: من المفروض أن يكون بسام في مدريد للمعركة السياسية الإعلامية. فابتسم الرئيس وكأنه يقول هو كذلك . وغادرنا الرباط عائدين إلي تونس. توجهت إلي مكتبي لأعد نفسي للسفر إلي مدريد. تعذر وجود طائرة ذلك اليوم وتعذر وجود أماكن علي طائرتي اليومين التاليين. فاتصلت بصديقي تايني رولاند وطلبت منه إرسال طائرته الخاصة لتقلني من تونس إلي مدريد. فقام بإرسالها وما إن تأكدت أنها هبط
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الجمعة 16 مايو 2008 - 17:32
دبابات اسرائيلية تغزو مدينة رام الله وتفرض الحصار الأول علي مقر الرئيس (14 ـ 15) بسام ابو شريف
16/05/2008
يوم سقطت طائرة عرفات فوق الصحراء الليبية بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد. تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات. والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات!
في الثامن من نيسان (ابريل) 1993 استشهد شاب فلسطيني من أشجع الشباب. ورغم أن اسمه نادرا ما يذكر إلا أنه سيبقي في ذهني رمزا للشجاعة والفداء.انه الكابتن محمد درويش الذي كان يقود طائرة الرئيس ياسر عرفات، التي حاصرتها غيوم من الرمال وأفقدتها القدرة علي الاتصال والرؤية واصطدمت بتلال من الرمال في الصحراء الليبية. هذا الحادث كاد يودي بحياة الرئيس ياسر عرفات لولا مشيئة الله وشجاعة الكابتن محمد درويش التي لا يمكن أن توصف خاصة في اللحظة الحاسمة والخطيرة. علي يمين الكابتن محمد درويش في قمرة القيادة كان مساعده غسان ياسين، وهو رجل شجاع لم يتسرب إليه الخوف، يحاول أن يساعده في إدارة الدفة رغم إن الاثنين كانا يعلمان باستحالة إدارة الدفة بشكل طبيعي، كون الطائرة محاصرة بغيوم الرمال ولا يعرفان طبيعة الأرض التي سيهبطان فيها أو حتي علي أي علو يحلقان في السماء، فقد تعطلت كافه الأجهزة في تلك الأثناء. عندما أيقن الكابتن محمد درويش أنه أصبح مستحيلا عليه الاتصال بأي برج مراقبة، وأن الرؤية بلغت درجة الصفر اتخذ القرار الشجاع، سلم دفة القيادة لمساعده وطلب منه الحفاظ علي نفس العلو لحين عودته. وتقدم نحو الرئيس ياسر عرفات وأدي له التحية العسكرية قائلا: سيدي الرئيس، إننا معزولون تماما. فالعواصف الرملية تحيط بنا من كل جانب والرؤية معدومة، وكافة أجهزة الاتصال تعطلت. وتابع يقول فيما الرئيس ياسر عرفات يصغي له بانتباه: لا نعرف بالضبط أين نحن الآن. لكننا نعلم أننا فوق الصحراء الليبية وفي مكان ليس بعيدا من معسكر السارة (معسكر للقوات الفلسطينية أقيم بعد خروج القوات الفلسطينية من لبنان عام 1982). توقف الكابتن محمد درويش عن الكلام لثوان ثم تابع يقول للرئيس إننا مضطرون للهبوط اضطراريا دون أن نعلم ما هي طبيعة الأرض التي سنهبط عليها سوي أنها رملية. وقد تكون منطقة تلال رملية أو سهلا رمليا. لكن هذه العواصف الرملية قادرة علي تغيير طبيعة الكثبان الرملية في كل لحظة . نظر إليه الرئيس وحدق في عينيه وكأنه يقول: ماذا تقترح؟ برباطة جأش وهدوء كاملين قال الكابتن محمد درويش للرئيس: يجب أن تنفذ تعليماتي فورا. عليك العودة للمقعد الخلفي فورا، وطلب من الإخوة الذين أحاطوا بالرئيس أن يجمعوا كافة البطانيات (أغطية صوفية) الموجودة في الطائرة. شد الحزام حول وسط الرئيس الذي انصاع لتعليمات الكابتن، ثم قام بلف البطانيات حول جسد الرئيس ورأسه. ثم طلب من الإخوة أن يحيطوا بالرئيس كدرع حماية بشري. وعاد الكابتن إلي قمرة القيادة، جلس إلي مقعده بهدوء، شد حزام الأمان ونظر إلي مساعده غسان نظرة مليئة بالثقة والايمان والتضحية بالنفس وقال له: غسان توكل علي الله. إننا نحاول حماية القائد والوطن، سنهبط مهما كانت الظروف لأننا لا يمكننا البقاء في الجو أكثر من دقائق. كما تري نفد الوقود تقريبا . أجابه غسان بالنظر إليه قائلا: توكلنا علي الله. خلال ثوان معدودات شرح الكابتن محمد لغسان خطته. سوف يهبط ببطء وتدريجيا دون أن يعلم متي سيرتطم برمال الصحراء أو تلالها. لكنه أبقي أنف الطائرة منخفضا حتي يبقي ذيلها مرتفعا. وذلك يعني أن صدمة الارتطام القاتلة سوف تتلقاها قمرة القيادة حيث يجلسان وليس الذيل حيث كان يجلس الرئيس مغمورا بالبطانيات والرجال الشجعان. سادت دقائق من الصمت الرهيب لا صوت سوي صوت المحركات وشخيرها عندما تلطمها العواصف الرملية وكأنها تحاول إيقافها عن الدوران.
سحب الرمال المجنونة
كانت أجهزة الطائرة واللوحة التي تزود قائدها بالمعلومات معطلة، فلم يكن الكابتن محمد يدري علي أي ارتفاع هو ومتي سيرتطم بالصحراء، وفجأة انتابه إحساس غريب بأنه اقترب من الأرض فخاطب الجميع كي ينتبهوا ويتمسكوا جيدا بمقاعدهم. وطلب من بعض الإخوة الشجعان الذين كانوا يقفون عند باب قمرة القيادة لمتابعة ما يجري أن يعودوا فورا للمقاعد الخلفية وأن يربطوا الأحزمة وأن يتمسكوا بالمقاعد بقوة. ما هي إلا ثوان حتي نزلت الطائرة. فقد هبط الكابتن بها وأنفها منخفض مما حطم غرفة القيادة وفتت جسم الطائرة إلي ثلاث قطع ـ الجزء الخلفي والوسط وقمرة القيادة المدمرة. واستشهد الكابتن محمد ومساعده غسان علي الفور. وكان مهندس الطائرة الروماني قد أصيب بسكته قلبيه أدت إلي وفاته قبل ذلك بساعة تقريبا. ليل الثامن من نيسان (ابريل) من العام 1993، ارتطمت طائرة الرئيس ياسر عرفات برمال الصحراء الليبية، واستشهد قائدها ومساعده ومهندسها، لكن العاصفة الرملية استمرت تولول حول أجزاء الطائرة التي بقيت، وهلة الصدمة والارتطام خيمت علي الطائرة بأجزائها الثلاثة. وتحرك الرئيس ياسر عرفات وأصدر أوامره للجميع بإخلاء الطائرة (او ذيلها) فورا خشية اندلاع حريق وراح الجميع يبحثون في الأجزاء عن إخوانهم الآخرين. وأصيب عدد منهم بجراح وبعضهم حاصرته قضبان الحديد الملتوية فلم يتمكنوا من إخراجهم. وخرج جميع من تمكن من الحركة من الطائرة ليواجهوا عاصفة الرمال التي بقيت تولول وزادت الظلام الدامس حولهم ظلاما. سحب الرمال المجنونة كانت تهب في كل اتجاه وتتلوي حسب ما تشتهيه الرياح. رافقت الرئيس ياسر عرفات في الثالث من نيسان (ابريل) في زيارة قام بها لليمن. ولقد طرنا من تونس لليمن علي متن طائرة الرئيس النفاثة (جت) وهي مجهزة تجهيزا حديثا كاملا بما في ذلك جهازا كومبيوتر إضافيان للاحتياط. وبعد انتهاء المباحثات طلب مني الرئيس ياسر عرفات ان أبقي في اليمن لمتابعة أمر اتفق عليه مع الرئيس علي عبد الله صالح. وغادر هو للسودان في زيارة مباحثات. وطلب مني العودة لتونس حالما انهي العمل المكلف به، علي متن طائرة تجارية. وبالفعل أنهيت العمل في اليوم التالي وغادرت بعد منتصف الليل الي تونس عبر باريس (طائرة ايرفرانس). وصلت تونس في الخامس من نيسان وتوجهت لمكتبي فورا، وأجريت اتصالا بالإخوة الذين رافقوا الرئيس للسودان فأبلغوني أنهم سيتأخرون قليلا لأن زجاج الطائرة النفاثة (الجت) قد تشقق ،وان الطيارين يصرون علي استبداله بزجاج جديد لأن الطيران سيصبح خطرا علي حياة الرئيس ان بقي الزجاج الأمامي للقمرة مشققا. وتبين أنه لا توجد قطع غيار لهذا النوع من الزجاج في السودان وجرت محاولة شرائه من الإمارات لكن الإخوة أبلغوا أن ذلك سيتطلب عشرة أيام من الوقت علي أقل تقدير. عندها قرر الرئيس ياسر عرفات استخدام إحدي الطائرات العسكرية التي كانت تابعة للقوات الفلسطينية المتمركزة في السودان، وهي من طراز انتونوف خضعت للصيانة قبل شهر، لكنها غير مجهزة بأجهزة حديثة كونها من طراز قديم استخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية. وفي الثامن من نيسان (ابريل) أقلعت الانتونوف في طريقها إلي تونس عبر الصحراء الليبية. كما ذكرنا لم تكن الطائرة مجهزة بأجهزة حديثة. إذ كان من الممكن لقبطان الطائرة أن يري علي شاشته أن عواصف رملية عاتية تزحف نحو مسار الطائرة قادمة من مصر وأماكن أخري من الصحراء. فاستمر في الطيران حسب الخطة المرسومة. ولم تقم الأبراج التي كان علي اتصال بها بإبلاغه بالعواصف الرملية الا بعد فوات الأوان. إذ وجد نفسه وسط العواصف الرملية وانعدمت الرؤية تماما وتعطلت أجهزة الاتصال.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الجمعة 16 مايو 2008 - 17:33
الاقمار الاصطناعية الامريكية تراقب
كنت أتابع عملي في مكتبي الكائن في حي المنزه السادس بمدينة تونس عندما تلقيت اتصالا هاتفيا من أحد هواة الراديو، الذي أبلغني انه التقط بالصدفة نداء استغاثة من طائرة تقل الرئيس ياسر عرفات، وان الطائرة كانت فوق الصحراء الليبية، اعتقدت في باديء الأمر أن المكالمة استهدفت بث القلق والتشويش ولا تعدو في أحسن الأحوال كونها دعابة ثقيلة. لكنني قررت الاتصال بالمسؤولين الليبيين ليطمئن قلبي وعقلي. وبالفعل اتصلت هاتفيا بالأخ عبدالله السنوسي الساعد الأيمن للعقيد معمر القذافي وسألته عن أخبار طائرة الرئيس. فأجابني بقلق شديد: لقد فقدنا الاتصال بها ونخشي أن تكون في مأزق بسبب العاصفة الرملية الهوجاء التي ما زالت تجتاح المنطقة. لكننا نتابع بسرعة من خلال اقرب مطار ومن خلال قواتنا في الصحراء. كان الأمر صحيحا إذا. بعد نصف ساعة عاودت الاتصال بالأخ عبدالله السنوسي فأبلغني أنهم لم يعثروا عليها بعد، ويعتقدون أنها سقطت في منطقة صحراوية قرب السارة . (السارة كانت موقعا عسكريا لقسم من القوات الفلسطينية التي تم توزيعها علي عدد من الدول العربية بعد خروجها من لبنان في أيلول (سبتمبر) من العام 1982 . استنفرت إحساسي وأعصابي وعقلي وأحسست بقلق شديد علي مصير الرئيس ياسر عرفات. كان الخبر قد انتشر بسرعة النار في الهشيم. وبدأ المراسلون الصحافيون أجانب وعربا يتدفقون إلي مكتبي للاستفسار وتتبع الأخبار، اعتذرت منهم بعد أن أكدت لهم النبأ وعدت من صالون الاستقبال حيث كانوا يتجمعون، إلي مكتبي لأتابع الأمر. تجمع حولي في المكتب عدد من الأصدقاء والإخوة، وراح كل منهم يدلي بفكرة أو رأي أو توقع. فكرت مليا: إذا كانت الطائرة قد سقطت فان كل لحظة تمر هي لحظة ثمينة جدا. وتخيلت الوضع: طائرة صغيرة سقطت علي أرض صحراوية والعاصفة تلفها من كل مكان وتجعل رؤيتها ضربا من المستحيل، وتحرك أي شخص أو آلية سيكون عبثا طالما أن الموقع غير محدد بالضبط. وصلت في تفكيري إلي أن تحديد مكان الطائرة المتحطمة هو الخطوة الأساسية الأولي والضرورية لكل الطواقم التي لا بد أنها هيأت لعملية إنقاذ. تبادلت الرأي مع الإخوة الذين كان قد تجمعوا في مكتبي، ووافق الجميع علي أن هذه الخطوة هي الأولي والضرورية للبحث عن الطائرة. وقررت الاتصال بثلاث دول تملك القدرة علي تحديد مكان الطائرة: الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا. تحدثت هاتفيا مع مدير عام وزارة الخارجية البريطانية ثم إلي وزير الخارجية وأبلغتهم بما حدث وأننا نطلب مساعدتهم في تحديد موقع الطائرة. كما تحدثت مع وزير الخارجية الفرنسي وطلبت منه المساعدة علي تحديد الموقع وقلت له إن الطيران الفرنسي المتمركز في تشاد قد يكون القادر علي تحديد موقع الطائرة. وعدني الوزيران خيرا. لكن الاتصال الأهم كان مع الولايات المتحدة الأمريكية. فقد اتصلت بالرئيس جيمي كارتر عبر البيت الأبيض ولكن عبر خطه المباشر وكنت أعلم أن البيت الأبيض يقدم الخدمات لكل الرؤساء السابقين وأن جهاز أمن البيت الأبيض علي اتصال مع مفرزة الأمن لحماية الرؤساء السابقين. اتصلت بالبيت الأبيض وطلبت التحدث للرئيس جيمي كارتر لأمر عاجل وضروري. وبعد أن أخذوا كل المعلومات عني وكيف يكتب اسمي حولوني لمركز أمن البيت الأبيض، الذي أعاد الأسئلة وتأكد من هوية السائل. وطلب مني الانتظار لحظات. ما هي إلا لحظات حتي ردت علي الهاتف السيدة كارتر وأبلغتني أنه نائم. شرحت لها الوضع وخطورته فقالت بلطف انتظر سوف أبلغه. ما هي إلا ثوان حتي سمعت صوت الرئيس كارتر (الذي أعرفه منذ فترة من الوقت) يحييني ويسألني عما جري. أبلغته وطلبت منه استخدام نفوذه لدي البيت الأبيض لإعطاء التعليمات للجهات المسؤولة لتقوم الأقمار الاصطناعية الأمريكية (التي تراقب ليبيا حتما) بتحديد موقع الطائرة بدقة. وأبلغته المعلومات الأولية حول الموقع التقريبي حسب اعتقاد الإخوة الليبيين. أجابني الرئيس كارتر سأحاول جهدي فورا وسأكلمك بعد ربع ساعة. الجميع كان متوترا وقلقا. ولا أحد يدري ماذا جري وما هي نتائج تحطم الطائرة. وتتدافع الأفكار ويزداد التوتر والقلق. خلت الربع ساعة دهرا، كانت يدي تمسك بسماعة الهاتف طوال الوقت انتظارا. ورن جرس الهاتف. التقطت السماعة بسرعة. كان الرئيس كارتر المتحدث. وأبلغني بالإحداثيات التي أعطتها له الجهات المسؤولة. شكرته جزيلا. ورحت أحاول الاتصال بالأخ عبد الله السنوسي الذي تعذر لفترة من الوقت. لكن في نهاية الأمر تمكنت من مكالمته وأعطيته الإحداثيات. قال لي: هذا جيد لكن العاصفة ما زالت تهب والرؤية معدومة ولا نستطيع التحرك في المنطقة. وأبلغنا معسكر القوات الفلسطينية في السارة (وهي الأقرب للموقع الذي يظن أن الطائرة سقطت فيه) بالإحداثيات. ورحنا ننتظر علي أحر من الجمر. وانتبهت فجأة إلي فتاة تجلس قرب مكتبي كانت مراسلة البي بي سي في تونس، وقد دونت كل التحركات التي قام بها مكتبي والاتصالات التي أجراها. فسألتها كيف دخلت الغرفة؟ فأجابت مبتسمة: هذه لحظات تاريخية أردت أن أكون شاهدة.
ماذا جري في الموقع؟
ماذا كان يدور في موقع سقوط الطائرة. عندما ارتطم انف الطائرة بكثبان الرمل تمزقت إلي ثلاث قطع كما ذكرنا. وبقي الجزء الخلفي أقل تحطما من الأجزاء الأخري. قمرة القيادة دمرت واستشهد فيها الطيار ومساعده. والتف الحديد الملتوي علي ساق ماهر مشعل الذي بقي أسير ذلك الحديد الملتوي الي أن حرره منه رفاقه. فقد أصدر الرئيس أمرا بإخلاء الطائرة تحسبا من حريق قد ينتشر اثر ارتطامها. وحاول بعض الإخوة الذين كانوا قادرين علي الحركة تحرير ماهر مشعل من قضبان الحديد التي التفت علي ساقيه عبثا. عدد من الإخوة أصيبوا بجروح مختلفة. وعندما اطمأن الجميع أن النار لن تشتعل فيما تبقي من الطائرة (إذ قام الكابتن محمد بالتحليق حتي آخر قطرة وقود)، أمر الرئيس الجميع بالعودة إلي ذيل الطائرة خشية هجوم ثعالب الصحراء التي تقودها رائحة الدم. وطلب من الإخوة تفقد ما تبقي من ماء وطعام. لم يكن هنالك الكثير. فقد نجت من الكارثة زجاجتا ماء وأربع برتقالات. وتقرر أن تستهلك بحرص شديد وكميات قليلة خشية أن يطول الوقت قبل وصول فرق الإنقاذ. ومعروف أن الرئيس ذو خبرة واسعة ومطلع ومعلوماته العامة بحر واسع. فهو يحمل دائما في جيوبه الصغيرة سكينا سويسرية، وبوصلة، وإبرة خياطة، وخيطانا، ومشعلا كهربائيا صغيرا (لوكس) وغيرها من الأدوات المفيدة لأي جندي أو كشاف في حالة الضرورة،علي ضوء ذلك الضوء المنبعث من المشعل الكهربائي الصغير راح يتفقد رجاله واحدا واحدا. وانتبه أن فتحي قد أصيب بجرح بالغ مما أدي إلي اقتلاع جلدة رأسه. فطلب فورا زجاجة ماء وراح ينظف الجرح من الرمال العالقة، وعندما تأكد من نظافته من الرمال قام بإعادة تثبيتها بمهارة المهندس. عندما أتم فحص رجاله واطمأن عليهم تحدث بهدوء للجميع. قال لهم: لا ندري كم سيطول بقاؤنا هنا ولكن علينا دائما أن نحسب حساب الأسوأ، لذلك علينا أن نكون حريصين في مثل هذه الحالات التي يفتقد فيها الأكل والماء، علينا أن ننتبه إلي ما لدينا إلي أقصي درجة. وطلب من الجميع إلا يبولوا في الصحراء بل في زجاجات الماء الفارغة لأن المجموعة قد تضطر لاستخدامها. ورتبت مناوبات الحراسة خشية مهاجمة الموقع من وحوش الصحراء خاصة أن هنالك جثتي قائد الطائرة ومساعده وجثة المهندس الروماني بين الحطام دون دفن. ما ان وصلت المعلومات للقوات الفلسطينية في معسكر (السارة) حتي انطلقت مجموعات محمولة بسياراتها الصحراوية نحو الموقع. كان الأمر صعبا جدا. فقد بقيت الرؤية معدومة ومصابيح السيارات لا تنير أكثر من سنتيمترات معدودة. كانت القافلة تسير ببطء شديد وتتوقف لتتأكد من الاتجاه باستخدام البوصلة. ساعات مضت دون أن تتمكن القافلة من تلمس أي دليل علي موقع الطائرة. فقد اخفت الرمال كل اثر ومنعت الرؤية. وكاد الأمر يسقط في يد الرجال. وفجأة برز بدوي من بين أمواج الرمال المتطايرة. عما تبحثون يا رجال؟ وأجاب أكثر من ضابط عن طائرة سقطت منذ ساعات في هذه المنطقة. وتطوع البدوي لإرشادهم للموقع. وهكذا كان. فقد استخدم انفه وأذنيه وقادهم نحو الموقع في ظل عواصف الرمال. هرع الجميع وبدأت عملية الإنقاذ. (ما جري في الموقع نقلا عن أخوة كانوا علي متن الطائرة).
أنا بخير يا بسام!
في مكتبي في المنزه السادس بتونس كان الجو متوترا وقلقا لأننا لم نكن نعلم ما يدور. لكننا كنا ننتظر. مئات المكالمات الهاتفية للاستفسار، عشرات المقابلات الإذاعية والتلفزيونية حول ما حدث وماذا إذا........ ومن سيخلف الرئيس عرفات. وفي خضم ذلك قال لي فادي الصفدي احد الأصدقاء: لا توجد أي وسيلة الان للوصول لطرابلس الغرب ولذا علينا استئجار طائرة خاصة، لنكون جاهزين للانطلاق لطرابلس. وأردف لدي إحساس أنهم أنقذوا أبا عمار . فقلت له هذه فكرة حسنة. وأجري فادي اتصالاته، وطلب طائرة خاصة صغيرة من شركة طيران إيطالية، وصلت مطار تونس بعد ساعتين. خلالها أجريت اتصالاتي مع الإخوة الليبيين الذين لم يكونوا متأكدين في البداية من وصول فرق الإنقاذ. ولكن في الساعة الأخيرة أعلموني أن الفرق وصلت وأنهم يتهيأون لاستقبال أبو عمار في مستشفي طرابلس. أجريت اتصالاتي مع عدد من قيادات فتح ومنظمة التحرير لأبلغهم أن طائرة خاصة تجثم علي مدرج مطار تونس جاهزة لنقلهم إلي طرابلس. حتي تلك اللحظة لم أكن أعرف ولا أحد يعرف مدي إصابة الرئيس. وبعد ساعتين من الوقت رن جرس الهاتف في مكتبي وكان المتحدث الرئيس بنفسه. قال لي بالحرف: الحمد لله أنا بخير يا بسام! وسقطت من عيني دمعة الفرح.
العودة والحصار القاتل
احدث فوز حزب العمل بقيادة رابين في الانتخابات الإسرائيلية نقطة تحول. ولعبت النرويج (بسبب العلاقات الجيدة بين قيادة الحزب الحاكم فيها وحزب العمل) دورا هاما في استضافة مباحثات سرية في العاصمة أوسلو أدت الي التوصل لاتفاق اسمي (اتفاق أوسلو) بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل. وفي الثالث عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1993 وقع الرئيس ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل الاتفاق وتصافحا في البيت الأبيض بواشنطن. وانهمك الجميع في الإعداد لرحلة العودة بناء علي اتفاق اوسلو. وفي الأول من تموز من العام 1994 عاد الرئيس ياسر عرفات إلي فلسطين المحتلة وكانت محطته الأولي قطاع غزة. وفي الثامن والعشرين من أيلول (سبتمبر) 1995 تم توقيع اتفاق جديد أطلق عليه (أوسلو 2) ليشمل الضفة الغربية بعد أن حط رحال الرئيس عرفات قبل عام في قطاع غزة. رغم العراقيل يمكننا القول إن تطبيق اتفاق أوسلو كان يسير للإمام وان كان متلكئا. لكن الانقلاب في الموقف الإسرائيلي الذي أدي إلي سفك الدماء والدمار جاء اثر اغتيال رابين علي يد متطرف من رجال الأمن الإسرائيليين، بتحريض من الليكود وتنظيمات يهودية متطرفة. ففي الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1995 وبعد إلقاء كلمته أمام مئات الآلاف من الإسرائيليين بتل أبيب أطلق رجل الأمن المتطرف النار علي اسحق رابين فأرداه قتيلا. وعاد الليكود للحكم بعد أن خسر العمل الانتخابات وأصبح نتنياهو رئيسا لوزراء إسرائيل، وبرهن عن التزامه بالسياسة التي رسمها اسحق شامير الرافضة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون أساسا للسلام بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني. نتنياهو بدأ بتطبيق سياسة شامير تدريجيا. أي تحطيم اتفاق أوسلو والعودة لإخضاع الفلسطينيين بالقوة العسكرية، وهيأ نتنياهو البنية اللازمة التي استخدمها شارون في إعادة احتلال المناطق الفلسطينية، عبر سفك الدماء والتدمير واقتلاع الشجر واعتقال جماعي للشعب الفلسطيني.
الخليل تستقبل الرئيس
بعد ضغط أمريكي علي حكومة نتنياهو المتطرفة، وافق نتنياهو علي تسليم أربعة أخماس مدينة الخليل لمنظمة التحرير الفلسطينية، كان ذلك في الخامس عشر من شهر كانون الثاني (يناير) من العام 1997. كانت تلك هي الخطوة الوحيدة التي اتخذها نتنياهو ضمن إطار تطبيق اتفاقيات أوسلو. وانقطعت اللقاءات الإسرائيلية الفلسطينية قرابة سبعة أشهر. رافقت الرئيس في رحلة لاستلام أربعة أخماس مدينة الخليل. كانت بالنسبة لي أول فرصة لأري بأم عيني سلسلة المستعمرات الاستيطانية التي أقامها الإسرائيليون علي الأراضي الفلسطينية التي صادروها من أصحابها في الضفة الغربية. صعدنا الي طائرته المروحية وجلست قبالته، فيما استقل مرافقوه طائرة مروحية ثانية. اقلعنا من مطار المروحيات القريب من مقر الرئيس ياسر عرفات بمدينة غزة وشقت لنا الطريق الجوي طائرة مروحية عسكرية إسرائيلية. فقد كانوا وما زالوا هم الذين يحددون خط سير مروحية الرئيس ياسر عرفات حتي في سماء ارض فلسطين. طرنا فوق البحر بمسار دائري أدي بنا الي سماء تل ابيب وكانت أول مرة أشاهد فيها تل أبيب من الجو. كنا نتبادل الكلمات لكن بقي الرئيس ياسر عرفات مشدودا لمشاهدة المناطق التي نطير فوقها. دقائق مرت وإذ نحن نطير فوق أراضي الضفة الغربية. ابتسم الرئيس وقال لي وهو يشير بإصبعه هذه منطقة اللطرون ـ هذه منطقة رام الله واتجهنا شرقا. فأشار لي أن أري سلسلة المستعمرات الاستيطانية المحيطة برام الله قائلا: إنها مواقع عسكرية تهيمن علي بلداتنا وقرانا. وعبرنا الأجواء نحو غور الأردن فالبحر الميت ثم توجهنا إلي الجنوب الغربي باتجاه الخليل. وما أن اقتربنا من جبل الخليل حتي رأينا السلسلة المتواصلة من المستوطنات التي أقيمت علي التلال الفلسطينية وتطوق مدينة الخليل. انه المخطط: تطويق المدن والبلدات الفلسطينية بمستعمرات استيطانية عسكرية لمحاصرتها دائما وللتوسع اللاحق ثانيا. حامت المروحية فوق مدينة الخليل واقتربت من مبني المقاطعة هناك حيث كان من المفترض أن تهبط المروحية. لكن احتشاد مئات الآلاف لاستقبال الرئيس ياسر عرفات أجبر الطيارين علي الهبوط في مكان مجاور. هبطنا علي الأرض وفتح باب المروحية ليطل الرئيس ياسر عرفات علي حشد من المستقبلين الذين عانقوه بحرارة وانهمرت دموع بعضهم من التأثير. سرنا خلفه لكنه اختفي بلحظة فقد ابتلعت آثاره الحشود. أنقذني من الورطة احد ضباط الأمن الوطني الذي حملنا بسيارته محاولا شق الطريق نحو مبني المقاطعة حيث الحشود الكبري التي تنتظر الرئيس ياسر عرفات ليلقي كلمته في يوم تحرير الخليل، علي الأقل أربعة أخماس الخليل. بشق الأنفس تمكنت من الوصول للمكان. كان الرئيس ياسر عرفات ممتلئا غبطة ويتذوق من خلال تحرير الخليل حلاوة إنهاء الاحتلال كليا ورحيله عن أرضنا بكاملها وتذوق حلاوة رفع العلم الفلسطيني علي أسوار القدس الشريف. وخلال رحلة العودة من الخليل الي غزة بعد أن أقامت المدينة له إفطارا حاشدا (رمضان) أطرق مفكرا فسألته ما الخطب ؟ كانت لحظات مؤثرة. فقال: بشق الأنفس سلمونا أربعة أخماس الخليل وأري غيوما قادمة. إنهم لا يريدون السلام. سوف يتراجعون عن تعهداتهم ولن يحترموا الاتفاقات. وبالفعل أثبتت الإحداث واللقاءات التي تمت في واي ريفر بلانتيشين بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو في 23/10/1998 أن الحكومة الإسرائيلية تريد أن تتنصل من التزاماتها، وبشق الأنفس وافق نتنياهو علي تقليص رقعة الانسحاب الثاني إلي 13% من أراضي الضفة بعد أن كان متفقا علي تسليم 35% من أراضي الضفة الغربية للسلطة كمرحلة ثانية من الانسحاب الإسرائيلي. وجاءت موافقة نتنياهو ووزير خارجيته شارون تحت ضغط من الرئيس كلينتون. لكن نتنياهو وشارون كانا يبيتان أمرا آخر.. هو عدم تنفيذ هذا الالتزام أيضا. ورفض باراك الذي هزم نتنياهو في الانتخابات الالتزام بالاتفاقات وراوغ في لقاءات كمب دايفيد ليتملص من التزامات إسرائيل. ولم تجد قمة شرم الشيخ. أما في طابا فقد كاد الوفدان المفاوضان ((1999 الإسرائيلي والفلسطيني أن يصلا لاتفاق لولا تخوف باراك من أن توقيع اتفاق في طابا سوف يسبب له خسارة الانتخابات. لكنه خسر الانتخابات رغم تقاعسه عن توقيع اتفاق طابا.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الجمعة 16 مايو 2008 - 17:34
شارون يدخل المسجد الاقصي
وقبل خسارته الانتخابات سمح لأرييل شارون أن يدخل المسجد الأقصي الذي شكل خرقا خطيرا للأعراف إذ رافقه عدد كبير من الجنود ورجال الأمن والشرطة مما أشعل اشتباكات داخل الحرم القدسي بين المصلين والجنود المدججين بالسلاح. وشكلت تلك الزيارة بداية مرحلة جديدة من العدوان الإسرائيلي والتوسع الاستيطاني. كان ذلك في الثامن والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) عام 2000. فاندلعت مظاهرات شعبية فلسطينية في كل أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة احتجاجا علي اقتحام شارون والجنود حرمة الأقصي. وقام الجيش الإسرائيلي بالتصدي للمظاهرات الشعبية والسلمية بالرصاص الحي والرصاص المطاطي وقنابل الغاز الخانقة. واستمرت المظاهرات والمصادمات الي أن فاز شارون في شهر شباط (فبراير) من العام 2001 بالانتخابات وأصبح هو رئيس وزراء إسرائيل. وعندها بدأ العدوان الهمجي علي الشعب الفلسطيني في كل مكان. فاستدعي شارون الاحتياط وزج بآلاف الجنود بآلياتهم ودباباتهم في معركة إعادة احتلال المناطق الفلسطينية بعد أن رفض تقرير ميتشل في شهر أيار (مايو) من العام 2001.وذلك بعد أن كان قد رفض خطة تينت من قبل. كذلك رفض شارون اقتراح الدول الثماني الكبري بإرسال مراقبين دوليين لإنهاء الصدام الدموي بين الفلسطينيين والإسرائيليين والإشراف علي وقف اطلاق النار. وكان ذلك في التاسع عشر من تموز (يوليو) من العام 2001. فقد كان لدي شارون مخططاته العدوانية التي أعد الجيش الإسرائيلي لتنفيذها ولذلك رفض كل المحاولات الامريكية والدولية لوقف الاشتباكات والعودة لطاولة المفاوضات. في تلك الأثناء أبلغتني مصادر إسرائيلية موثوقة جدا حول مخطط شارون لمحاصرة مقر الرئيس ياسر عرفات في المقاطعة ومداهمة مبانيها إذا لزم الأمر. اتصلت بالرئيس ياسر عرفات وطلبت رؤيته فورا، وتوجهت لمكتبه حيث كان قد تجمع عدد من القيادات السياسية والقيادات الأمنية. كان هناك محمود عباس (أبو مازن) وجبريل الرجوب (مدير الأمن الوقائي في الضفة الغربية آنذاك) ومحمد دحلان (مدير الأمن الوقائي في قطاع غزة) وإسماعيل جبر (الحاج إسماعيل) مدير الأمن الوطني في الضفة الغربية وغيرهم. فطلب مني الرئيس عرفات أن أتحدث بحرية أمام الجميع. ترددت قليلا لكنني سردت له المعلومات التي وصلتني وحذرت من خطورة هذا لأنه موضوع جدي. وأذكر أنني قلت له ان الدبابات الإسرائيلية ستقف علي مدخل مكتبك وليس خارج الأسوار. وحذرته من احتمال ترجيح كفة من يطالب من الضباط الإسرائيليين باغتياله أو ترحيله. وكما توقعت حسب المعلومات التي وصلتني حصلت الأمور. فعند فجر الثاني عشر من شهر كانون الثاني (ديسمبر) من العام 2001 قامت الدبابات الإسرائيلية بغزو مدينة رام الله وفرضت عليها منع التجول وتجمعت عشرات منها لتحيط بمقر الرئيس ياسر عرفات (المقاطعة). في البدء قامت تلك القوات باحتلال كافة المنازل المحيطة بالمقاطعة وحجز الأطفال والنساء والرجال في غرفة من غرف منازلهم واعتلوا أسطح البنايات بأسلحتهم المتوسطة وقناصيهم وراحت الدبابات تقصف المقاطعة دون توقف. وحلقت المروحيات العسكرية فوق المقاطعة وفوق محيطها.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأحد 18 مايو 2008 - 21:52
عرف مخططات شارون وتحداه بجملته الشهيرة: لن اكون طريدا أو أسيرا بل شهيدا شهيدا شهيدا! (15 ـ 15) بسام ابو شريف
yesterday's story
شارون وموفاز يقرران اعدام عرفات علي طريقة وديع حداد: السم بسام ابو شريف أحد القيادات التاريخية في حركة القوميين العرب ، ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي انتخبته عضواً لمكتبها السياسي في العام 1972. واثناء زيارة لمصر برفقة ياسر عرفات صافح أبو شريف الرئيس محمد حسني مبارك. وكانت تلك هي المرة الأولي التي يصافح فيها قيادي من الجبهة الشعبية رئيساً مصرياً منذ توقيع اتفاق كامب ديفيد. تلك المصافحة التاريخية قصمت عري العلاقة الرسمية مع رفاقه، وتسببت بالتحاقه بياسر عرفات كمستشار له في العام 1987. ولم تكن تلك الانتقالة هي بداية عهد الرجل بياسر عرفات، ولكنها جعلته مقرباً من الزعيم الاسطوري للشعب الفلسطيني، وقريباً اليه لدرجة اتاحت له تأليف هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (ياسر عرفات) الصادر اخيراً عن الديمقراطي في رام الله. وقد خص المؤلف القدس العربي باعادة نشره علي صفحاتها في حلقات. والكتاب مقاربة علي عدة مستويات، ومن زوايا مختلفة، لشخصية تماهت مع شعبها، واندمجت مع قضيته بشكل غير مسبوق. انه رواية تاريخية مشوقة لحقيقة سمت الي مرتبة الأسطورة.. حقيقة اسطورية اسمها: ياسر عرفات!
كانت الساعة تشير للخامسة صباحا عندما توقفت عشرات الدبابات عند باب مكتبي وبيتي الملاصق لمكتبي، والذي لا يبعد عن مقر الرئيس ياسر عرفات أكثر من مئة متر. راقبت من النافذة الجنود يهبطون من حاملات الجند المحمية بالدبابات الثقيلة ويتوجهون نحو مدخل مكتبي. كنت قد تركت باب المكتب مفتوحا كما هي عادتي. وصعد الجنود المدججون بالسلاح إلي مكتبي، كانوا 150 جنديا. وتوجه خمسون منهم نحو السطح ونصبوا أسلحتهم كما شاهدنا لاحقا ثم قرعوا باب منزلي. فتحت الباب لأواجه بفوهات رشاشات الجنود مصوبة لرأسي فسألتهم: ماذا تريدون؟ هاجمني أحدهم ودفعني برشاشه نحو الحائط. وانتشروا في المنزل، في كل مكان، غرفة النوم، المطبخ، الحمامات. خلعوا الستائر وجروا المقاعد واعدوا استحكاماتهم لاستخدام النوافذ مواقع لإطلاق النار، كلما حاولت التحرك داخل منزلي كان الجنود يصوبون رشاشاتهم نحوي. ومنعوني من استخدام الهاتف أو الكومبيوتر. إلا أن زوجتي مها اندفعت نحو المكتب ونقلت الكومبيوتر المحمول للمنزل، إلا أنهم لم يمكنوها من استخدامه وقاموا بقطع الأسلاك لمنعها من استخدام الكومبيوتر. وراح الجنود يتخذون مواقع قتالية. وطلبت من زوجتي مها أن تأخذ الهاتف الجوال وتحاول أن تطلب احد الأصدقاء الإسرائيليين رغم أن الساعة كانت السادسة صباحا. وبالفعل قامت بالاتصال به وهو جنرال متقاعد، لحسن الحظ أن الجنرال كان صاحيا فأجاب، وفيما هي تشرح له ما يحدث اقتحم الجنود باب الحمام فقالت علي الفور الجنرال يريد التحدث للضابط. جاء الضابط وتحدث مع الجنرال وبعدها قال الضابط (اوكي) وأمر الجنود باللغة العبرية بالمغادرة وغادروا المكتب والمنزل والسطح واحدا تلو الآخر. ونظر إلينا الضابط قائلا: سوف تسمعون أصوات انفجارات ضخمة بعد دقائق . ما هي إلا دقائق حتي بدأ القصف من الدبابات المحيطة بنا مستهدفا أسوار المقاطعة وميادينها (المقاطعة: مقر الرئيس ياسر عرفات ووزارة الداخلية والقيادات الأمنية في مدينة رام الله) . انقطع التيار الكهربائي وقطعت المياه فقد قامت الدبابات والجرافات بشكل متعمد بتحطيم أعمدة الكهرباء وتفجير أنابيب المياه التي تمد الحي بما يلزمه من كهرباء وماء. استمر العدوان الهمجي علي هذا الموال أياما وليالي طويلة روع خلالها الجنود الإسرائيليون الأطفال والنساء وكبار السن في مباني الحي التي استمروا في احتلالها ومنع أصحابها من التحرك من الغرف التي سجنوا فيها داخل منازلهم. الدبابات تجول وتصول في كل الشوارع، وصمت الموت يهيمن علي كل البيوت والبنايات والأكواخ، حتي العصافير التي اعتادت أن تغرد كل يوم، متأرجحة علي أغصان شجرتي التين والبلوط المحيطتين بمكتبي، توقفت عن التغريد. قد تكون ارتعبت هي أيضا. وقد تكون حزينة تدمع عيونها فلا تتمكن من التغريد.
التقاط مكالمة هاتفية خطيرة
وفي تلك الايام خرجت الصحف الإسرائيلية بقصة حول اتصال هاتفي بين شارون وموفاز (سمع ـ ولا أدري كيف) تحدثا فيه حول تصفية ياسر عرفات جسدياً. طبعاً لا استغرب اطلاقا أن يكون هذا الأمر من شارون، أو أن يعمل علي تحقيقه فعلاً. لكن الأمر، حتي هذه اللحظة، يبدو بنداً من بنود الحرب النفسية. ومع ذلك يجب أن يؤخذ بجدية كاملة. فشارون مجرم محترف وشهيته للقتل مفتوحة دائماً، ولا يعير وزناً للآخرين، ولا حتي لوعوده التي أعطاها للرئيس بوش. فجنوده الآن يحتلون الطابق الذي يشغله الرئيس ياسر عرفات من بين الطوابق الثلاثة التي يتكون منها المبني. وهم يقفون وجهاً لوجه مع حرس الرئيس الشخصي. ويتبدل هؤلاء الجنود كل ست ساعات، بينما حرس الرئيس لا يتمكن من التبديل أو حتي من النوم أكثر من دقائق بين الفينة والأخري. فقد حل بهم الإعياء والتعب، والماء منع عن المقر، ولا شك أن القارئ يعلم ما هي النتائج المترتبة علي ذلك سواء كانت بالنسبة للمراحيض أو الاستحمام أو حتي الوضوء. والكهرباء مقطوعة أيضا ولا شك أن القارئ يعلم أيضا نتائج ذلك. في الوقت الذي يتابع فيه شارون حرب التصفية الجسدية في كافة مدن الضفة الغربية بدأ يشن حربه النفسية. والسؤال هنا: ما هو الهدف الأبعد لهذه الحرب النفسية والجسدية؟ جوابي كلمة واحدة: التهجير! فشارون من أصحاب الرأي الذي يقول انه لا بد من ترحيل أعداد كبيرة من الفلسطينيين من الضفة وغزة حتي تصبح نسبة الباقين مواتية أو قريبة من نسبة المستوطنين، كي يتمكن من جلب مليون مهاجر جديد من امريكا اللاتينية. أعلن شارون انه أنهي المرحلة الأولي من خطته لمحاربة الإرهاب في فلسطين وانه سوف يستمر في حملته لمحاربة الإرهاب بوسائل مختلفة. ويبدو أنه قرر متابعة احتلال الريف ومداهمة القري قرية قرية وبيوتها بيتا بيتا، واعتقال أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين واغتيال النشطاء من كافة التنظيمات. وفوق هذا وذاك تدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية وأجهزة الأمن مقرات وأفرادا وضباطا. ومن المؤكد، كما دلت الأحداث، أن الانسحاب الذي أعلن عنه شارون، بناء علي رغبة الرئيس بوش، ما هو إلا تكتيك سياسي يستهدف امتصاص نقمة المجتمع الدولي وإرضاء الرئيس بوش. لكنه في حقيقة الأمر حول المدن والبلدات والقري الفلسطينية إلي معسكرات اعتقال والتسمية الأدق هي معسكرات تجميع Concentration Camps كما كان يسميها النازيون. وفي الوقت ذاته تستمر حرب الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني علي الصعيد النفسي، فالتدمير والقتل والمجازر كانت دائماً وسائل شارون، لكنها لم تنجح أطلاقا في إخضاع الشعب الفلسطيني وثنيه عن الاستمرار في النضال لتحقيق أهدافه الوطنية. لقد دفع الكثير، وعلي استعداد لأن يدفع ثمن الحرية الباهظ، فالحرية كانت دائماً باهظة الثمن. لكنها ذات ثمن أكثر بكثير من حرية أي شعب آخر لأن الغزاة هم الصهاينة الذين يتحكمون، إلي حد بعيد في قرارات الأمم المتحدة، وقد وصلت الأمور إلي حد أن شمعون بيريس (الحائز جائزة نوبل للسلام) يحاول ابتزاز دول أوروبا لمنعها من الوقوف بحزم إلي جانب الشعب الفلسطيني المعذب بقوله: تذكروا ماذا فعلتم باليهود قبل قيام دولة إسرائيل. وكذلك ايهود باراك (الذي خاض في واشنطن مفاوضات كمب ديفيد) وطابا ، والذي أعلن أمام اجتماع ايباك أمس أن إسرائيل لا تنوي ولن تقبل إزاحة المستوطنات. أما شارون، فقد أطلق العاملين في مكتبه أمس، حينذاك ترويج فكرة ضم خمسين بالمائة من الضفة وأنه لن يتخلي عن الكنيس في أريحا أو قبر يوسف في نابلس. لكن حسابات شارون لن تأتي أكلها طالما أن الشعب الفلسطيني صامد ويتحمل كل هذه الكوارث والجرائم في سبيل نيل حريته. لأن هذا الصمود هو الذي سيحرك العوامل الإقليمية والدولية، وهي بذلك أسلحة الشعب الفلسطيني الوحيدة إضافة لصموده وتحمله. الرئيس بوش كرر موقف الولايات المتحدة من أن أساس الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط هو إقامة دولة فلسطينية، وأن تنعم إسرائيل بالأمن، وقال مفاخراً ان شارون هو رجل السلام، وان التاريخ سيثبت ذلك، والأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي سيلتقي في واشنطن بالرئيس بوش أعطي بإطلاق مبادرته إمام القمة العربية الإطار الذي يضمن الأمن والسلام لإسرائيل مع جيرانها العرب. وما كان شارون ليشن هذا الهجوم الهمجي ليدمر ويحاصر لولا أن الإدارة الامريكية أعطته في تلك الفترة ضوءا أخضر، حمله له ديك تشيني نائب الرئيس بوش الذي زار إسرائيل في الثامن عشر من آذار (مارس) من العام 2002 وفي الثالث عشر من نيسان (ابريل) وبعد جهود أوروبية وعربية تم رفع الحصار الأول عن الرئيس ياسر عرفات وانسحبت الدبابات التي كانت تحيط بنا من كل الجهات. وجري لقاء بين الرئيس ياسر عرفات وكولن باول وزير الخارجية الامريكي الذي حمل رسالة لشارون يطلب منه فيها الرئيس بوش إنهاء الحصار المفروض علي مقر الرئيس ياسر عرفات.
حلقة مفرغة من العنف
ما أن انسحبت الدبابات الإسرائيلية حتي أسرعنا إلي مبني المقاطعة لنطمئن علي الرئيس ياسر عرفات الذي كانت قد قطعت عنه الاتصالات، باستثناء مرات نادرة كنا نتمكن فيها من الحديث معه عبر هاتف خليوي مربوط بالشبكات الإسرائيلية وليس بالشبكة الفلسطينية. كانت معنوياته مرتفعة وراح يبحث معنا نيته لزيارة مخيم جنين الذي كان قد تعرض لمجزرة بشعة، وحوصر مدة أسبوعين، ودمرت الدبابات الإسرائيلية جزءا كبيرا منه. كان يريد زيارة المخيم ليواسي ويعزي ويطمئن علي من بقي في المخيم. الاهتمام بشعبه كان دائما ذا أولوية لدي الرئيس ياسر عرفات. حاول عدد من مسؤولي الأمن ثنيه عن القيام بزيارة مخيم جنين في هذا الوقت ونصحوه بان يتريث قليلا. إلا أنه رفض النصيحة وأعطي تعليماته للتحضير لزيارة مستشفيات رام الله ومخيماتها وشمال الضفة الغربية لزيارة مستشفي جنين ومخيمها المنكوب. لكن العدوان الإسرائيلي استمر واستمرت ردود الفعل الفلسطينية وقامت بعض التنظيمات المسلحة بارتكاب أعمال مدانة من قبل السلطة كاستهداف المدنيين في إسرائيل. ورغم إدانة السلطة لهذه العمليات صعدت إسرائيل عدوانها وقصفها للاماكن والأحياء المدنية وزادت من وتيرة عمليات اغتيال الكوادر والقيادات. ودخلت الأحداث في حلقة مفرغة من العنف والعنف المتبادل. واتبعت الحكومة الإسرائيلية خطة لعزل الرئيس ياسر عرفات بحجة انه إرهابي ويدعم الإرهاب وانه ليس شريكا مناسبا في عملية السلام وذلك لتعطيل عملية السلام برمتها كما تريد الحكومة الإسرائيلية. وراح وزراء حكومة شارون وأجهزة الإعلام الإسرائيلية يتهمون الرئيس ياسر عرفات بأنه يقف وراء كل عملية تفجيرية في إسرائيل، ويحملونه مسؤولية ذلك، ولفقوا تقارير مضلله لتحذو الإدارة الامريكية حذو الحكومة الإسرائيلية وتقاطعه، وتوقف الاتصالات به. وقرر شارون عدم استقبال أي مسؤول يأتي لزيارة إسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس ياسر عرفات وذلك للضغط علي الاتحاد الأوروبي، وحتي الأمم المتحدة لاتخاذ موقف مشابه لموقف الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل، لكن الجميع كان يعلم بمن في ذلك الإسرائيليون أن موقف الرئيس ياسر عرفات من العمليات التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين والفلسطينيين كان موقفا حاسما في إدانته لها. وكان خطه في السعي لإيجاد حل سياسي وإشاعة الاستقرار والسلام واضحا أيضا. وأعلن شارون أكثر من مرة أنه نادم لتعهده للرئيس بوش بعدم المساس بالرئيس ياسر عرفات، مما يدل علي نيته وتوجهه لمثل هذه الجريمة. واستعاض عن ذلك باتخاذ قرار في مجلس الوزراء الإسرائيلي بإبعاد الرئيس ياسر عرفات عن الأراضي الفلسطينية، لكنه أبقاه قيد التنفيذ دون تحديد موعد لهذا الإبعاد. عندها قرر شارون محاصرة عرفات إلي أجل غير منظور.
موضوع: رد: يوم فشل الاسرائيليون في اصطياد عرفات الأحد 18 مايو 2008 - 21:53
الرسالة ـ الوثيقة
في تلك الأثناء وصلتني معلومات عن حديث دار في مجلس الوزراء المصغر بين شارون وموفاز (وزير الدفاع) الذي قال لشارون ان الوقت مناسب للتخلص من عرفات فأجابه شارون بأنه تعهد للرئيس بوش بعدم المساس بياسر عرفات. لكنه أضاف بعد ذلك إلا إذا كانت هناك طرق أخري . فكتبت للرئيس ياسر عرفات رسالة وصلته باليد حول نية شارون اغتياله بوسائل أخري أي ليس بقصف مقره بالدبابات والطائرات لان هذا سيشير لإسرائيل مباشرة علي أنها اغتالت الرئيس ياسر عرفات ولكن بطرق أخري. وأبلغته أن تجاربنا تدل أن إسرائيل تلجأ للسم والكيماويات للقيام بذلك. وحذرته ونبهته من محاولات إسرائيلية لدس السم له في رسالة أمر عرفات بتوزيعها علي كافة أعضاء القيادة وهذا نصها: الأخ الرئيس أبو عمار حفظه الله
تحية فلسطين
اجتماع ظهر اليوم للمجلس المصغر لم يتخذ قرارا كما أبلغتكم. وسيجتمع بعد ساعة للبحث في القرار. والخياران المطروحان هما: عملية واسعة في كل المناطق بما فيها عزل او اتخاذ خطوة حاسمة لطرد ياسر عرفات من المناطق. أرجو الحذر. كما أرجو أن تحذر من الأكل والماء. لا تشرب الا من زجاجة تفتحها أنت بيدك ولا تأكل هذه الأيام الا من معلبات مغلقة تفتحها أنت ويشتريها الخلص وصالحة زمنيا. وأنا علي استعداد أن تقوم مها زوجتي يوميا بإعداد ذلك. لدي معلومات من جهات أنهم سيحاولون تسميمك. كذلك أرجوك مرة أخري كما سبق أن ذكرت لك أن تضمن الأموال، وأن تسحب أية صلاحية لأي شخص خاصة خالد من التصرف بالأموال لأن القرار الإسرائيلي هو محاصرتك ماليا وما أكتبه له مبررات مستندة لمعلومات. الأمر خطير لأن هنالك مؤامرة تحاك ضدك عنوانها (رفع يدك عن المال) تحت حجة عدم تصرفك لشراء السلاح وتمويل الإرهاب. ورفع يدك عن الأمن ليتحكموا هم به. أرجو أن تبقي في ذهنك ما قلته لك قبل حصارك Survival is victory وهذا كلام من مصادر موثوقه جدا في واشنطن. كل الولاء والوفاء لقائدي أبو عمار رمز نضالنا. ودمتم لفلسطين. أخوك بسام أبو شريف
والتقيت به في اليوم التالي وتحدثنا حول هذا الاحتمال. وكان جوابه هذه ليست أول مرة، لقد حاول شارون اغتيالي 18 مرة حتي الآن وسيستمر . ونبهت الرئيس ياسر عرفات للمرحلة الثانية من مخطط شارون وهي محاصرة واعتقال ياسر عرفات بمقره بالمقاطعة في رام الله وعزله عن شعبه والعالم. وفي اليوم التالي 20 ايلول (سبتمبر) قامت الدبابات الإسرائيلية وطائرات مروحية عسكرية بقصف مكثف للمباني في مقر المقاطعة مما أسفر عن تدمير 18 بناية ونهب محتوياتها بما في ذلك الهدايا الرمزية التي تلقاها الرئيس ياسر عرفات من رؤساء الدول علي مدي العقود الأربعة الماضية. وأبقي الجيش الإسرائيلي علي المبني الذي يقيم ويعمل فيه الرئيس ياسر عرفات بعد أن دمر جزءا منه وراح وزراء إسرائيليون يهددون ويتوعدون ويطالبون بترحيل ياسر عرفات وذلك باقتحام مكتبه ووضعه علي متن طائرة تقله خارج الأراضي الفلسطينية. ووصل الأمر ببعضهم إلي تحديد الصحراء الليبية مكانا للإلقاء بياسر عرفات بعيدا عن وطنه. لكن الرئيس ياسر عرفات سخر من هؤلاء وأطلق جملته الشهيرة. لن أكون طريدا أو أسيرا، بل شهيدا شهيدا شهيدا. وبذلك أصبح الحصار والاعتقال أمرا واقعيا وبدأت الدوائر الأمنية الإسرائيلية تعد وتخطط لتنفيذ قرار اغتياله بوسائل أخري. لم يكن الرئيس ياسر عرفات صامدا وجبارا فقط، بل كان يبث الأمل وروح الصمود في شعبه من خلال كلماته التي كانت تبث عبر الهاتف أو القنوات الفضائية، وكان كل من يزوره يشعر بأن هذا العملاق الصابر المرابط اكبر من كل أعدائه. فقد كان يدير شؤون السلطة بكل نواحيها وهو معتقل في مقر محاط بالأعداء ومن غرفة لا تري أشعة الشمس. ولم يتأخر لحظة عن الاهتمام بشعبه الذي كان يعاني من التصعيد العسكري الإسرائيلي الجنوني. أصحاب البيوت المدمرة التي جرفتها بلدوزرات جيش الاحتلال، أسر الشهداء، الجرحي، والأسري. وكان يقول لي دائما: شعبنا بأسره معتقل، مطوق، محاصر، يجوعونه ويدمرون بيوته ومزارعه وأنا أحد أبناء هذا الشعب. علينا أن نستمر في الصمود والصبر لأن الفرج آت.. لم يكن يتواني، وهو المحاصر والمعتقل، أن يتحدث بنبرة تعبوية عالية مع بعض الأخوة عندما يلمس في جديتهم نوعا من الإحباط. وفي إحدي الجلسات خاطب قياديا بارزا بالقول: ليست هذه أول مرة نحاصر فيها وتشن علينا المعارك. لقد صمدنا لان شعبنا شعب جبار. وسنصمد هذه المرة ونقيم دولتنا ونرفع أعلامنا علي أسوار القدس. لكنني كنت ألمس دائما أن في صــــــدره شـــــيئا آخر. فقد كان متألما داخليا من هذا الحصار والاعتقال لأنه حرمه من حرية الحركة، في مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، وزيارة شعبه في مواقعه. ولأن هذا حرمه أيضا من حرية الحركة خارج فلسطين لحشد وحث القوي الإقليمية والعالمية علي وضع حد للعدوان الإسرائيلي وخلق إرادة دولية لتطبيق الاتفاق وإجبار إسرائيل علي الانسحاب من الأراضي الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة. كنت المس ذلك. وفي إحدي الجلسات الثنائية الخاصة قال لي الرئيس بعد أن استعرضنا سريعا الموقف: خاننا الامريكيون لكنهم سيندمون يوما علي ذلك. فلا استقرار في المنطقة قبل أن ينال شعبنا حريته واستقلاله . وبدأت ألاحظ علامات تعب وإرهاق غير عادية تظهر علي الرئيس منذ عيد انطلاقة الثورة في الأول من كانون الثاني (يناير) في عام 2004. فاستفسرت من أطبائه فقالوا إرهاق يجب أن يخلد للراحة لكنه لا يرحم نفسه. وفي الرابع من آب (اغسطس) (عيد ميلاده) 2004 كانت تلك العلائم أوضح بكثير. وفي شهر تشرين الاول (أكتوبر) لاحظت علي الرئيس ضعفا غير معهود. وقد ضمر جسده، وبهت لون خديه. جلسنا سويا قرابة نصف ساعة نتحدث في ما يحمله المستقبل لنا وفي صعوبة الظروف والقرار الامريكي والعجز العربي، كان منهكا جدا. وعندما حان وقت الانصراف ودعني وعانقني خمس مرات. لم تكن هذه عادته. ونظرت إليه في عينه وقلت له أبو عمار هل أنت بخير . أجاب نعم، لكنني مرهق . بعد عدة أيام، أبلغني أحد مرافقي الرئيس أنه تعبان جدا . توجهت فورا لمقره. صافحته. كانت يده ضعيفة علي غير عادته. لا تكاد تقوي علي المصافحة. فسألته : ما الخطب يا أبو عمار؟ أجاب أنفلونزا حادة ويبدو أنها أصابت أمعائي أيضا . وراحت أجراس تقرع في رأسي. كلا هذه ليست أنفلونزا. لقد شاهدت هذه الأعراض سابقا. لقد شاهدتها عندما سممت إسرائيل الدكتور وديع حداد. لكنني لم أبح بما جال برأسي. وقلت له : أنت بحاجة لرعاية طبية في مستشفي اختصاصي، ولا بد من أجراء الاتصالات لتأمين ذلك. فقال: علي غير عادة أيضا: سوف نري . وازدادت حدة المرض. وبدأت نفس المظاهر تتفاقم. كما جري مع الدكتور وديع حداد . وبدأ القلق يزداد. وأرسل الرئيس التونسي أطباء تونسيين والرئيس المصري أطباء مصريين أضافه لأطبائه الخاصين. الجميع كان يبحث ويفحص بعيدا عن السبب الحقيقي لهذا الانهيار المتدرج والمتسارع. وكنت أعلم السبب : السم. لم أذق طعم النوم عدة أيام. ثم قررت أن أتصرف. في ساعة متأخرة من ليل الخامس والعشرين من أكتوبر اتصلت بالقنصلية الفرنسية. ولم أجد أحدا. فاتصلت بالملحق الاقتصادي الذي كان نائما في بيته وطلبت منه أبلاغ قنصل فرنسا العام ريجي كوتشه، أنني أريد أن أتحدث معه لأمر ضروري. فقد رفض المناوب الأمني بالقنصلية الإفصاح عن رقمه الخاص بالطواريء. وبعد دقائق اتصل بي القنصل العام الفرنسي، فأبلغته أن الرئيس مريض جدا. وطلبت منه الاتصال الفوري بالوزير بارنييه لإبلاغه ذلك وأننا نطلب من فرنسا أن ترتب طائرة المستشفي لنقله لأفضل مستشفيات باريس لإجراء الفحوصات. وتم ذلك وابلغني القنصل وشكرته علي جهوده. بطبيعة الحال لا بد ان جهات أخري عديدة قامت بالاتصالات لترتيب انتقال الرئيس إلي فرنسا. لكنني أتحدث عما قمت به في تلك الليلة. وفي التاسع والعشرين من تشرين الاول (أكتوبر) وصلت طائرتان مروحيتان أردنيتان لنقل الرئيس ومرافقيه لمطار ماركا في عمان عاصمة الأردن حيث هبطت الطائرة الفرنسية المجهزة لنقله لباريس. وتوجهت القيادات والضباط والكوادر لمهبط المروحيات في المقاطعة لوداع الرئيس. توجهت للمقاطعة، ووقفت في الصفوف الخلفية وقلبي يعتصره الألم. نقل الرئيس، وتدافع المودعون وبقيت في الخلف أراقب ودموعي تسيل لا إراديا. وعندما جاهد الرئيس أبو عمار ليرفع يده إلي فمه ويوجه قبلة للجميع. أحسست انه الوداع الأخير. وعدت لمكتبي وبقيت دموعي تنهمر لا إراديا، فقد كان قلبي حزينا حتي الموت. في اليوم التالي لوصول الرئيس ياسر عرفات إلي المستشفي العسكري الفرنسي بباريس اتصلت بالقنصل الفرنسي العام ريجي كوتشه لأطلب تأشيرة لفرنسا كي ازور الرئيس، فأجابني القنصل التأشيرة سهلة، لكن الأطباء يمنعون زيارة أي كان للرئيس ياسر عرفات لأنه في غرفة العناية الفائقة ولا يريدون أي زوار حتي يبقي في حال مستقرة. ومع تضارب ما صرح به حول صحته تأكدت دون أن أفصح عن ذلك، بالتشابه الكبير مع حالة الدكتور وديع حداد، وأيقنت أنني لن أري الرئيس مرة أخري. وفي الثاني عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) هبطت مروحية مصرية تحمل جثمان الرئيس بعد أن أقيمت له في كل من باريس والقاهرة مراسم تشييع ووداع لائقين بمكانة هذا العملاق الذي لا يمكن أن يكون العالم بدونه كالعالم عندما كان حيا.