ينهي اليوم وزير دفاع جنوب إفريقيا باتريك لوكوتا زيارته الرسمية للجزائر التي دامت ثلاثة أيام التقى خلالها بكبار مسؤولي الدولة السياسيين والعسكريين، وجاءت الزيارة غداة ثلاثة أحداث هامة تكشف التوافق الكبير الذي يطبع علاقات البلدين ونظرتهما إلى أهم القضايا القارية، أولها الكشف عن تقرير حكومي يصنف الجزائر على رأس زبائن المبيعات العسكرية لبريتوريا وثانيها إعلان الوزير نفسه عن "موقف القارة الإفريقية الرافض" لمشروع إقامة قيادة عسكرية أمريكية في إفريقيا، و الأخير حملة دبلوماسية نشطة تقودها جنوب إفريقيا في مجلس الأمن لتفكيك المخطط الفرنسي - الأمريكي لفرض المشروع المغربي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية.
وكان الوزير باتريك لوكوتا قد حل مساء أول أمس الأحد بمطار الجزائر حيث كان في استقباله الوزير المنتدب لدى وزير الدفاع الوطني عبد المالك قنايزية، في إطار علاقات التعاون العسكري ما بين البلدين. و ينتظر أن تتطرق المباحثات بشكل أكثر تفصيل إلى مبيعات السلاح الجنوب افريقية الى الجزائر من خلال عدة صفقات وبرامج هامة، قصيرة ومتوسطة المدى. وفي آخر تقرير كشفت عنه اللجنة الحكومية لمراقبة صادرات السلاح الجنوب افريقية، مطلع أوت الماضي.
أكدت الأرقام بقاء الجزائر في صدارة زبائن جنوب افريقيا لمبيعات السلاح، و هي المرتبة التي احتلتها منذ سنة 2001 بمبالغ مالية ما بين 60 الى 100 مليون دولار سنويا، وفي بعض السنوات شكلت ما بين 10 و 15 بالمائة من عائدات الصادرات العسكرية لبريتوريا، وتعلق الأمر بتجهيزات وأنظمة من اجل تحديث حوامات قتالية روسية اقتنتها الجزائر سابقا، عن طريق تزويدها بأنظمة مستخدمة بالحوامات الجنوب افريقية المتقدمة، مثل أنظمة التصويب والاستكشاف و الصواريخ الليزيرية المضادة للدروع، إضافة الى تزويد سلاح الجو الجزائري بطائرات بدون طيار للاستطلاع والتنصت والحرب الالكترونية تكفلت شركة "دينيل" الحكومية للصناعات العسكرية بتكوين طيارين جزائريين على قيادتها
وكانت جنوب افريقيا السباقة الى كسر الحظر الغربي على مبيعات السلاح الى الجزائر طوال التسعينيات، وشكلت الزيارة التاريخية لوفد عسكري جزائري هام ترأسه الفريق محمد العمار سنة 1998 علامة بارزة في بداية التعاون العسكري الجزائري الجنوب افريقي، وتم في الزيارة التوقيع على صفقة لتزويد سلاح الجو الجزائري بالطائرات من غير طيار سيكر وحوامات قتالية من نوع روافالك، وآليات الرؤية الليلية وأخرى مضادة للاغام وانظمة لتفكيك المتفجرات
توافق مميز حيال قضايا الأمن في القارة
ويعتبر باتريك ليكوتا، 59 سنة، من كبار السياسيين النافذين في حزب المؤتمر الوطني الحاكم وهو عضو المكتب السياسي، الهيئة القيادية العليا في الحزب، ومنذ جاء تابو مبيكي للحكم مسك ليكوتا سنة 1999 حقيبة الدفاع في كامل الحكومات المتعاقبة الى اليوم، وقبلها شغل مناصب هامة في الحزب والدولة منها مسؤول دائرة المخابرات في حزب نيلسون مانديلا ما قبل سقوط نظام الأقلية البيضاء العنصري، ولذلك حوكم ودخل السجن اكثر من مرة خلال نظام الأبارتايد ، وهو المسار الذي طبع شخصيته وتكوينه مثل كبار مسؤولي حزب "الآ أن سي" وانعكس على كثير من مواقفه .
وقد فاجأ الكثيرين قبل شهرين من الآن عندما قال ليكوتا في ندوة صحفية بالعاصمة الزامبية لوزاكا أن الدول الإفريقية تعارض إقامة مشروع إدارة بوش لاقامة قيادة عسكرية امريكية في افريقيا، وقال أن ذلك يمثل "موقف القارة كلها" مفصحا بذلك صراحة عن موقف ظلت دول منها الجزائر وليبيا يحشدون الدعم الافريقي له.
و ردت الجزائر وجنوب إفريقيا على المشروع الأمريكي بالدعوة لحصر ملف النزاعات المسلحة والإرهاب في أجهزة الاتحاد الافريقي المخولة عبر مفوضية الأمن والسلام التي يرأسها الجزائري سعيد جنيت، وهو حلقة وصل مهمة ما بين البلدين، حيث تشارك جنوب إفريقيا بشكل مكثف في بعثات القبعات الزرق تحت مظلة الاتحاد الإفريقي، كما اشتغل جنيت عن قرب مع المسؤولين الجنوب إفريقيين في اعتماد العديد من الوثائق الرسمية والأجهزة الخاصة بمعالجة قضايا الأمن والإرهاب، ومنها المركز الإفريقي للبحث والدراسة حول الإرهاب ومقره في الجزائر، وكذا اتفاقية الدفاع الإفريقي المشترك التي دخلت حيز التنفيذ شهر جوان الماضي، كما تأتي زيارة الوزير لوكوتا خلال الحملة الدبلوماسية التي تقودها جنوب إفريقيا عبر ممثلها في مجلس الأمن، " لتفكيك المخطط الفرنسي - الأمريكي لفرض المشروع المغربي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية" كما جاء على لسانه نهاية الأسبوع، و قبل ثلاث سنوات في سبتمبر 2004 أعلنت جنوب إفريقيا رسميا إقامتها علاقات دبلوماسية مع الجمهورية الصحراوية متسببة في موجة غضب مغربية عارمة.