البدايات الأولى للتطوير
تمكن الأرجنتيني راؤول بسكارا، في أوائل عقد العشرينيات من القرن العشرين، وخلال عمله بأوروبا من عمل أول تطبيقات ناجحة للميلان الدائري، والدوارات المحورية متعاكسة الاتجاه. وتمكن من استعمال مراوح الطائرة ثنائية الجناح لزيادة الرفع الدائري أو خفضه، وأيضًا تحريك قاعدة الدوار لجعل الطائرة تتحرك أفقيًا دون الحاجة لمروحة أخرى لفعل ذلك. وقد أعطى بسكارا أسس الدوران الذاتي لجعل المروحية تهبط بأمان عند فشل المحرك. بحلول عام 1924 تمت تجربة المروحية الثالثة لبسكارا فاستطاعت الطيران لمدة 10 دقائق. وما يثير التعجب بالأمر أن عالم الطيران الإيطالي «يوليو دوهت» كان قد سخر من فكرة الطائرة التي تستطيع الثبات بالجو دون حركة ووصفها بأنها سخيفة لن يُكتب لها أن تتحقق.
عمل الفرنسي إيتيان أومشن، وهو ممن عاصروا بسكارا، أول رقم قياسي لمروحية في 14 أبريل سنة 1924 حيث طار بالمروحية لمسافة 360 متر، لكن بسكارا عاد ليُحطم ذلك الرقم بتاريخ 18 أبريل 1924 حيث طار لمسافة 736 متر (نصف ميل تقريبًا) لمدة 4 دقائق و 11 ثانية (بسرعة 8 أميال بالساعة أو 13 كيلومترًا بالساعة) وارتفاع 6 أقدام (مترين)، قبل أن يعود أومشن ليُحطمه بدوره مجددًا في 4 مايو، عندما طار بالمروحية الأخرى لمدة 14 دقيقة لمسافة 5,550 قدم وارتفع لعلو 50 قدم (15 مترًا)، وقد تمكن أيضًا من الطيران بدائرة عرضها كيلومتر واحد لمدة 7 دقائق و 40 ثانية.
خلال تلك المدة طوّر «خوان ديلا سيرفا» أول مروحية دوارة عملية بإسبانيا. وفي عام 1923 أضحت تلك الطائرة الأساس للمروحيات الحديثة حيث بدأت تأخذ شكل الأوتوجيرو، وسميت "طائرة C.4" اكتشف سيرفا الديناميكية الهوائية والعيوب بالهيكل بالتصاميم الأولى مما جعل آلة الأوتوجيرو تقفز عند الإقلاع، فمفاصل التصفيق (بالإنجليزية: Flapping hinges) التي صممها سيرفا لطائرته سمحت للدوار أن يخلق كمية رفع مساوية لكلا جهتي السطح من اليمين واليسار. قاد حادث اصطدام عام 1927 إلى تطوير مفصل السحب (بالإنجليزية: Drag hinge) لتخفيف عبئ حركة الصفاقات على الدوار، وقد زادت كلا عمليتي التطوير تلك من ثبات نظام الدوران، ليس للرفرفة فقط ولكن لعملية الطيران للأمام.
بدأ مهندس الملاحة الجوية الهولندي «ألبرت جيليس فون بامهاور» بدراسة تصميم الآلة الدوارة عام 1923. وبتاريخ 24 سبتمبر 1925 طار النمط الجديد الذي صنعه (بالواقع وثبت ثم تأرجحت بمكانها) تحت قيادة ضابط بسلاح الجو الهولندي، باستخدام آلة تحكم اخترعها بامهاور. حصل بامهاور على براءة اختراع بتاريخ 31 يناير 1927 من وزارة الطيران البريطانية.
في عام 1930 بنى المهندس الإيطالي كورادينو دسكانيو مروحيته مركزية المحور المسماة «D'AT3» وهي آلة ضخمة نسبيًا وبها دواران متعاكسا الدوران، والتحكم بها عن طريق أجنحة إضافية أو سطيح موازن على الحافة الخلفية من الشفرات. اعتمد هذا التصميم لاحقًا من قبل مصممي مروحيات آخرين، بمن فيهم بليكر وكامان، حيث أخذ المصممون يضعون ثلاث مراوح على هيكل الطائرة للتحكم بالانعراج والالتفاف والانحدار، وقد ضربت رقمًا قياسيًا جديدًا مضافًا لها الارتفاع (18 متر) ولمدة 8 دقائق و 45 ثانية ولمسافة 1,078 مترًا.
خلال تلك المدة كان مهندسا الملاحة الجوية السوفييت بوريس يوريف وأليكسي شيرموخين قد عملا على تصميم مروحية في المعهد المركزي للعلوم الهيدروديناميكية الهوائية (بالروسية: Центра́льный аэрогидродинами́ческий институ́т) وهي مروحية ذات دوار واحد، تستخدم إطار انبوبي، ذات دوار رئيسي له أربعة شفرات ومجموعتين من المراوح مانعة الانحراف ذات قطر يصل إلى 1.8 أمتار (6 أقدام) وتعمل بمحركين. كان كلا المحركين عبارة عن نسخة من محرك فرنسي قديم يعود إلى الحرب العالمية الأولى، وقد تم عمل عدة محاولات طيران ناجحة ذات ارتفاع منخفض. لكن بتاريخ 14 أغسطس 1932 أقدم شيرموخين على جعل الطائرة ترتفع إلى مستوى قياسي وهو 605 أمتار (1985 قدم)، إلا أنه لم يتم الاعتراف بهذا الرقم القياسي.
صُنعت أول طائرة مروحية عام 1933 بعد العديد من الاختيارات والفحوص والحوادث المتكررة، واطلق عليها تسمية «الطائرة العمودية الاختبارية الفرنسية» (بالفرنسية: Gyroplane Laboratoire)، وطارت تلك الطائرة بتاريخ 26 يونيو 1935. وخلال مدة بسيطة كانت تلك الطائرة قد حققت أرقامًا قياسية بالطيران. بتاريخ 14 ديسمبر 1935 سجل رقمًا جديدًا بالتحليق حول دائرة قطرها 500 متر. وبعدها بسنة في 26 سبتمبر 1936 وصلت تلك الطائرة لأقصى ارتفاع وهو 158 مترًا، واستمرت تلك الطائرة بتحقيق أرقام جديدة حيث حلقت بتاريخ 24 نوفمبر 1936 لمدة ساعة ودقيقتين وخمس ثواني وبدائرة طولها 44 كيلومترًا بسرعة 44.7 كم/ساعة. لكن تلك الطائرة كان مصيرها الدمار بقصف جوي من جانب الحلفاء على المطار التي كانت به عام 1944.
أقدم المهندس الروسي نيقولا فلورين على بناء أول مروحية ذات مكائن دوارة مزدوجة لعمل طيران حر، وقد طارت مروحيته بإحدى مدن بلجيكا في شهر أبريل من سنة 1933 على ارتفاع 6 أمتار وبقيت ثابتة لمدة 8 دقائق. وقد رغب فلورين بتنظيم دوران مشترك لأن نظام حفظ التوازن الجيروسكوبي للدوارات لم يكن قد نجح بالتغلب عليه بعد، لذا كان ينبغي تصميم الدوارات لتكون ذات ميلان قليل باتجاه معاكس لعزم الدوران. وقد تم استخدام دوارات عديمة المفصل ودوران مشترك مما قلل من الضغط على الهيكل. وقد اعتبرت تلك المروحية بذلك الوقت من أكثر المروحيات ثباتًا.
ميلاد تلك الصناعةبالرغم من النجاح الذي حققته الطائرة العمودية الاختبارية إلا أن المروحية الألمانية المسماة «Focke-Wulf Fw 61» تفوقت عليها بالإنجازات. تمت أول عملية طيران لهذه المروحية عام 1936، وحطمت جميع الأرقام القياسية التي سبقتها بحلول عام 1937، كما أثبت أن أشكال الطيران التي كانت تتم بالسابق كانت بالاعتماد فقط على الأوتو جيرو. وقد تم عرضها في شهر فبراير من سنة 1938 وبقيادة أول امرأة تطير بالمروحية واسمها هانا ريتش.استخدمت ألمانيا النازية تلك المروحيات في مهمات قليلة خلال الحرب العالمية الثانية، كالمراقبة والنقل ومهمات الإخلاء الطبي، وبسبب كثرة قصف الحلفاء للألمان لم يتم إنتاج كميات كبيرة لتلك المروحيات في ألمانيا.بدأ إنتاج المروحيات في الولايات المتحدة على يد إيجور سيكورسكي ولورانس ليباج، حيث كانا يتنافسان لإنتاج أول مروحية للجيش الأمريكي قبل الحرب، وقد حصل ليباج على براءة الاختراع لتطوير مروحيات على غرار النسخ الأولى من الطائرة الألمانية Fw 61، فتم إنتاج طائرة XR-1. خلال تلك المدة كان سيكورسكي اعتمد تصميم ابسط لدوار واحد وهو VS-300. وبعد عدة تجارب مع اشكال مختلفة وذلك لمواجهة عزم الدوران الناتج من الدوار الرئيسي، استقر على تصميم دوار مفرد أصغر حجمًا ومتعامدًا مع الدوار الرئيسي ويوضع بنهاية الذيل.تم تطوير نسخة سيكورسكي VS-300 بنسخة مطورة وهي R-4 والتي اضحت أول طائرة تنتج بكميات كبيرة (100 طائرة كأول طلب لها)، وتعتبر R-4 المروحية الوحيدة التي عملت لخدمة الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، واستخدمت بشكل أساسي لعمليات الإنقاذ في بورما وألاسكا وفي مناطق أخرى وعرة. تم إنتاج 131 طائرة من تلك النسخة قبل أن يتم استبدالها بالنسخ الأخرى مثل R-5 و R-6، وبالإجمال فقد تم إنتاج 400 مروحية من نوع سيكورسكي قبل نهاية الحرب.وكما بنى ليباج وسيكورسكي طائراتهم المروحية لخدمة الجيش، فإن شركة بيل للطائرات استأجرت شخصاً اسمه آرثر يونغ للمساعدة في صنع مروحية باستخدام تصميم يونغ لدوار ذو الشفرات متأرجحة شبه صلبة، والتي تتمايل بشكل خفيف للمحافظة على حمل عمود الموازن. أظهرت النسخة 30 من المروحية بساطة وسهولة التصميم، وقد تطور لاحقًا إلى نسخة بيل 47 والتي أصبحت أول طائرة معتمدة للاستعمال المدني بالولايات المتحدة، وانتجت في عدة دول وقد أضحت أشهر مروحية للاستخدام المدني قرابة ثلاثين عامًا.