أن يصدر نقد قاس ضد السياسة السعودية وادارة العائلة المالكة، من قبل خصوم الرياض، قد يكون امرا مألوفا. لكن أن يقوم مركز "بروكينغز" تحديدا، المعروف بتوجهاته الشديدة العدائية لمحور المقاومة وبالتالي مراعاته لكل ما يروج مصلحة حلفاء واشنطن فيا لمنطقة، بالتحذير من المستقبل القريب للمملكة، على ضوء الثورات في الشرق الأوسط، يُعدّ امرا لافتا، يعكس مستوى الخطر الذي تستشعره دوائر صناعة القرار في الادارة الاميركية ازاء المشاكل البنيوية التي تعانيها السعودية على أكثر من صعيد.
"يجتاز نظام آل سعود لحظة حاسمة في تاريخه، وكيفية تعامله مع الأزمات التي يعاني منها سيترك أثارا عميقة على المملكة في السنوات المقبلة"، بهذه العبارة تستهل الباحثة والخبيرة في الديناميات السياسية للتغيير في السعودية "لي نولان" دراسة مطولة تخوض فيها في معضلة الحكم التي تمر بها الرياض، مع استشراف الحلول المطلوبة والتداعيات السلبية في حال لم يطلق النظام السعودية عملية اصلاح حقيقية.
وهنا ما ورد فيها:
خلافا للإعتقاد السائد، فإن النفط لا يجعل نظام آل سعود في مأمن من السخط الشعبي. فمع اكتساح رياح الثورة لمنطقة الشرق الأوسط، تواجه المملكة ضغوطا هائلة تجاه نظامها التقليدي الحاكم. وبالتالي، يجب فهم امكانيات وحدود قدرة النظام الملكي على التكف مع هذه التحديات المتزايدة.
ولئن كانت العديد من المؤشرات تدل على ان الاضطرابات الاجتماعية في المملكة ستظل محدودة في جيوب صغيرة في المستقبل القريب، فإن العديد من العوامل الكامنة وراء عدم الاستقرار تبدو في حالة تصاعد، واذا لم يتم معالجتها يمكن ان تؤجج الوضع، خاصة في ظل وجود احداث محفزة متل ازمة الخلافة.
الاشكالية الشرعية
ترتكز ادعاءات آل سعود عن شرعية الحكم على عدة اساس قبلية وتاريخية ودينية. يدخل حكم آل سعود في إطار معايير ولي العهد (القيادة الشرعية) التي يساندها علماء الدين. هذه العلاقة بين النظام وعلماء الدين هي سيف ذي حدين، حيث يمكن ان يؤدي فقدان الشرعية في احدهما الى زعزعة الاخر.
وهيئة العلماء غير متجانسة، فقد انشقت الى فرق عديدة في الكثير من المناسبات، كما حصل في عام 1979 خلال حصار المسجد الحرام في مكة المكرمة. وكما في مواقف العلماء ازاء قضية الإختلاط بين الجنسين في العام 2009.
انطلقت المعارضة الأكثر جدية ضد النظام في تسعينات القرن الماضي من طلاب الجامعات والمعارضين الدينيين الشباب، وعُرفت هذه الحركة باسم "حركة الصحوة". وكانت بمثابة حركة نقدية للفتاوى التي يصدرها العلماء الرسميون في دعم اقامة قواعد اميركية في المملكة عقب غزو صدام للكويت.
للسيطرة على حركة الصحوة، قدّم النظام تنازلات لصالح العلماء، خصوصا في مجالي التعليم والقضاء. ما عزز من سيطرة العلماء على المؤسسات الاجتماعية آملا بالحد من المعارضة الدينية. هذا النمط من التنازلات يكشف ان نظام آل سعود يعتبر أن التحدي الأكبر لشرعيته يأتي من الشريحة المتدينة لا من النخب الليبرالية التي تفتقد الى الشعبية.
البطالة
تصل نسبة البطالة في السعودية الى 20 في المئة. اما فرص عمل النساء فهي محدودة للغاية. بحسب احصاء رسمي العام 2009، بلغ عدد العاطلين عن العمل 27 في المئة ممن هم تحت سن الثلاثين عاما. وعلى الرغم من الارتفاع الكبير في اسعار النفط، يُصنف متوسط الناتج المحلي في المرتبة قبل الأخيرة بين دول مجلس التعاون الخليجي.
ونظرا للضغوط المزدوجة من التركيبة السكانية للشباب وضعف توفير فرص العمل، فإن هذه القضية الأكثر الحاحا في وجه النظام السعودي. ومعالجة هذه الازمة قد يتطلب سنوات، ان لم نقل عقودا من الزمن.
المعارضة الضعيفة
يبدو واضحا ان وعود الإصلاح، عقب حرب الخليج، كانت مجرد خطب رنانة. فلم يضمن القانون حتى الآن حرية تكوين جمعيات وحرية التعبير، ناهيك عن المشاركة السياسية. اما مجلس الشورى فهو مجرد هيئة استشارية بحتة مؤلف من 150 عضوا يعينهم الملك لفترة أربع سنوات للتجديد.
أزمة الشباب
هنالك ضغوط كبيرة على العلاقة الراهنة بين الملكية والقوى الاجتماعية المختلفة في المملكة، حيث يشكل جيل الشباب الصاعد ضغطا على مقدرات الرفاهية في السعودية، مع تحول المملكة نحو مجتمع اكثر تحضرا وتعليما، وهذه خصائص المجتمعات الاخرى التي تعاني من الاضطراب السياسي.
اشكالية اخرى تطرح نفسها تتمثل في الخلافة بين الأجيال داخل العائلة الحاكمة نفسها.
من غير الواضح ما اذا كان خليفة الملك عبد الله سوف يتمتع بنفس المصداقية الواسعة النطاق لتنفيذ الاصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، مع بقائه بعيدا عن صراع القوى الرجعية. فمن دون قيادة قوية في قمة النظام، قد تؤول مبادرات الاصلاح في ظل حكم عبد الله الى الركود او الارتداد. في الواقع، فإن احدى القضايا الملحة هي الى اي مدى يستطيع جيل من آل سعود في الثمانينات من عمره أن يحكم شعبا به 80 في المئة ممن هم تحت سن الثلاثين.
الربيع العربي
مع اسقاط الانظمة في تونس ومصر، تحولت الانظار الى النظام الملكي في السعودية على انه النظام التالي.
يقف نظام آل سعود في وضع صعب، خاصة وان الاصلاح المطلوب في قطاعي التعليم والاقتصاد يحتاج الى التزام طويل الأمد. كما على النظام مواجهة القطاع الديني الرجعي والبروقراطية والبيئة الاقليمية المضطربة.
وعلى عكس الازمات السابقة، فإن بيئة وسائل الإعلام قد تغيرت بشكل كبير، وتغير معها قدرة النظام على قمع المعارضة.
الأقلية الشيعية
يقدر عدد الأقلية الشيعية في المملكة ما بين 5 الى 15 في المئة من السكان. وهي أقلية معزولة جغرافيا واجتماعيا. يتركز الشيعة في المنطقة الشرقية، مركز انتاج النفط. يُعد التمييز المؤسساتي من المظالم الرئيسية ضد الشيعة.
المصلحة الاميركية
قدرة الولايات المتحدة على العمل بصورة بناءة في دفع النظام السعودي الى التحرر السياسي محدودة. فالحروب التي تقودها واشنطن في العراق وأفغانستان هي قضية تثير القوى الرجعية في السعودية، ولا تزال مرفوضة من قبل جميع شرائح المجتمع السعودي.
الإصرار القوي على التحرر السياسي من جانب ادارة اوباما، في هذا الوقت، قد ينزع الشرعية عن جهود الاصلاح الأصلية من خلال اعطاء الفرصة للقوى المحافظة المعارضة بوصف هذه الجهود بأنها مدعومة من الغرب. كما ان اعتبارات الولايات المتحدة الجيواستراتيجية، مثل النفط وتعاونها مع الرياض لمكافحة الارهاب، لا سيما في اليمن الهش، يزيد من تعقيد الصورة. في الواقع، كما يتبين من العرض القوي الذي أظهره الاسلاميين المحافظين في انتخابات المحليات عام 2005، فإن التحرر السياسي لديه القدرة على تمكين عناصر معادية للعلاقة الحالية الأميركية – السعودية.
ومع ذلك، من دون مزيد من التحرر، من المحتمل ان تتزايد الاضطرابات مع مرور الوقت، ما يؤدي الى حالة من الفوضى لا يمكن التنبؤ بها.
لقد تم بناء شبكة من العلاقات بين المسؤولين الاميركيين والسعوديين على مدى العقود الماضية. وعلى الولايات المتحدة تفعيل هذه النوعية من العلاقات الرفيعة المستوى لإيصال رسالة بأنه من الأفضل اجراء اصلاحات الآن.
ويبقى الدور الحاسم بالنسبة لواشنطن في ضمان تمركز السعودية على الجبهة الامنية الاقليمية بحيث لا تقوم التهديدات الخارجية بفرض او تأخير وتيرة الاصلاح الداخلي.
ومع تردد أصداء الثورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، فإن نظام آل سعود يواجه اختيارات حاسمة. على الصعيد الدولي، يجب على السعودية تسريح قوتها في البحرين لتجنب تصاعد الاضطرابات في اوساط الاقلية الشيعية.
إن الطبيعة الغامضة للحظة الحالية تؤكد حاجة نظام آل سعود لإدارة الاصلاح بجرأة ، بدلا من قمعه. وما لم يحدث ذلك، فقد يجبر الشعب السعودي النظام على اجراء هذه الاصلاحات، ما قد يهدد استقرار البلاد وبقاء النظام.