تفكيك الاجماع الدولي لمحاصرة حزب الله ...
مخطئ من يظن ان الازمة اللبنانية الاخيرة والتي اجبرت المقاومة علي المواجهة المسلحة هي حدث مستقل عن غيره من الاحداث التي تواجهها المنطقة، خاصة بعد غزو العراق. بعيدا عن نظرية المؤامرة وعن سجع الخطباء والخطب النارية وتوجيه اصابع الاتهام للاستعمار والامبريالية كما تقتضي مناهج الخطب السياسية العربية، فانه يجب وضع الاحداث التي شهدها لبنان مؤخرا في سياقها الصحيح وبشكل موضوعي بعيدا عن التحامل علي اي طرف.
لا شك ان المقاومة اللبنانية والمتمثلة بشكل خاص في حزب الله اصبحت هدفا ينبغي القضاء عليه وباي وسيلة وخاصة بعد غزو العراق، وما املته من حقائق علي صناع السياسة الامريكية في ادارة بوش من ضرورة اعادة ترتيب او بالاحري تأمين منطقة الشرق الاوسط وفقا للمصالح الامريكية والتي تأخذ بجدية مصالح اسرائيل قبل كل الاعتبارات الاخري.
لقد اجمع المحللون وصناع القرار في امريكا علي ان الادارة الامريكية ارتكبت خطأ استراتيجيا بغزوها للعراق ليس فقط لانها زعزعت استقرار المنطقة بل لانها ازالت من الوجود النظام الوحيد القادر علي خلق توازن مع ايران دون ان ننسي انه خاض حربا استمرت ثماني سنوات بالوكالة عن امريكا. وما ان غاصت امريكا في الوحل العراقي حتي ادركت فداحة ما اقدمت عليه، وانها كي تخرج عليها ان تغمض عينيها وان تتجرع المر وتقبل بالدور الايراني ليضمن لها خروجا يحفظ ماء الوجه. قلبت امريكا الامر علي اوجهه وكانت الخيارات امامها معدودة، فاما ان توجه ضربة لايران بحجة ايقاف وتدمير مشروعها النووي وهي تعلم ان العنق الامريكي في قبضة ايران ولن يكون ضرب ايران امرا سهلا يمكن التكهن والتحكم في نتائجه. فاستبعدت امريكا هذا الخيار كليا وباتت تفكر في استراتيجيات اخري اهمها البحث عن وكيل يقوم بحرب بالنيابة كما هو الامر في الصومال مثلا. وقبل ان نقفز علي الاحداث ونقول ان اسرائيل هي الوكيل المؤهل والاكثر قلقا من تزايد قوة ونفوذ ايران في المنطقة، فان امريكا حاولت ان تستخدم اوراقا اخري. بدأت بالعزف علي تنامي الخطر الشيعي والهلال الشيعي واضطهاد السنة المساكين في ايران ومحاولة اثارة مشكلة الجزر مع الامارات العربية، وانتهي الامر بشطب حركة مجاهدي خلق من قائمة الارهاب وتأهيلها لدور مستقبلي لزعزعة استقرار ايران.
كما استخدمت امريكا ورقة العرب وهم مؤهلون دائما واصحاب تاريخ في دعم الغرب في حروبهم، فلهم دور مشهود في القضاء علي الدولة العثمانية والاتحاد السوفييتي واخيرا مباركتهم لغزو العراق.
لكن كل هذه الاوراق لم تقدم نتائج مرضية للحكومة الامريكية، فكان لا بد ان يوكل الامر ولو جزئياً لاسرائيل. واذا كانت امريكا لا تقدر علي توجيه ضربة لايران لانها متورطة في العراق وافغانستان فان اسرائيل تري انه ليس من السهل العبث مع ايران ولها اذرع تطال اسرائيل في مقتل، وكان لا بد اذن من ازالة او تحييد اهم حليفين لايران وهما حزب الله وسورية. وحين قامت اسرائيل بحربها الخاسرة ضد حزب الله سنة 2006 اكدت كل الدلائل علي انها كانت حربا معدة بخطط مسبقة للقضاء علي حزب الله، لكن الامور لم تسر كما خطط لها وخرج حزب الله اقوي من ذي قبل، والأدهي ان حسن نصر الله اصبح كما وصفه الشاعر المصري احمد فؤاد نجم فارس العرب، ليتخطي بهذا كل الحواجز والاختلافات المذهبية التي كانت اداة مناسبة لكثير من الانظمة للتقليل من اهمية ودور حزب الله. وكان لا بد من التفكير بجدية في الدور السوري وفي وسيلة لتحييده ولم تكن التصريحات الاخيرة بشأن تسوية سلمية مع سورية وانسحاب من الجولان المحتل امرا يمكن ان تطرحه اسرائيل من فراغ ودون ان يكون من ورائه اي هدف الا البحث عن السلام.
ودون ان نخون احدا او نتهم اي طرف بالتآمر فان الازمة الاخيرة مع حزب الله، وان لم تكن خرجت كخطة من جيب كوندوليزا رايس، فانها علي اقل تقدير ستكون بالنسبة لها مبعث نشوي. ولا احد يستطيع ان يقفز علي المنطق الذي يقود الي ان حزب الله ما زال قويا ويمثل شوكة في خصر اسرائيل، وبالتالي لا يمكن لاسرائيل ان تهنأ او ان لا تحسب له الف حساب قبل ان تقدم علي توجيه ضربة لايران، هذا اذا قللنا من قدرات ايران العسكرية واعتبرناها لقمة سائغة. ولا بد اذن من البحث عن وسيلة ان لم نقل وكيل يشغل حزب الله، واسلوب يجرده من مشروعية وجوده ويزجه في صراع طائفي لا يريده للتقليل من دوره واهميته وشعبيته في الشارع العربي، والاهم هو خلق اجماع دولي لمحاصرة حزب الله قد يصل الي درجة التدخل المباشر في لبنان لحماية الشرعية والامن وغيرها من مبررات التدخل المعدة لمثل هذا الغرض. لكن اللبنانيين او فلنقل اغلبهم ادرك اللعبة ونجحت الوساطة القطرية في لم الاطراف اللبنانية علي طاولة المفاوضات، وقطر تثبت مرة اخري انها بلد كبير رغم صغر مساحتها. لكن الامر لم ينته وما زال مبكرا ان نقول ان امريكا واسرائيل قد لعبتا كل الاوراق.