السكان يستنجدون بالوسائل البدائية و"التويزة" لمواجهة الظاهرة
الرمال تدفن قرى كاملة بالصحراء
2008.06.04
تصوير واف مدارس ومؤسسات عمومية مدفونة وخطر الرمال يهدد عشرات التلاميذ
تشكل العواصف الرملية العنيفة التي تهب على منطقة "تيديكلت" جنوب شرق البلاد كارثة طبيعية خطيرة ستؤدي مع مرور الزمن الى نهاية تجمعات سكانية كبيرة من الوجود، ويعيش مواطنوها البالغ عددهم قرابة الـ50 ألف نسمة خلال فصلي الخريف والربيع فترة مظلمة بسبب الرياح الهوجاء التي تدفن البيوت والمدارس والمنشآت تحت أطنان من الرمال وتعزل في كل مرة ثلاث بلديات كبرى شمال تمنراست وهي عين صالح وإينغر وفقارة الزوي الى درجة إلغاء عدة رحلات جوية نحو مطار عين صالح بسبب إنعدام الرؤية.
فلا يتسطيع سكان المنطقة الصحراوية الواقعة في أخطر ممر للرياح الشمالية الشرقية الخروج من بيوتهم عندما تشتد الزوابع الرملية الأعنف من نوعها في الجزائر، تصل سرعتها القصوى 47 مترا في الثانية، وتحجب الرؤية تماما عن الطرق وتشل حركة السير عبر أجزاء من الطريق الوطني رقم واحد الرابط بين مدينة المنيعة جنوب غرداية ومدينة عين صالح الذي تتراكم فيه كثبان رملية عبر مسافات طويلة والطريق الولائي الرابط بين شرق عين صالح باتجاه بلدية فقارة الزوي على طول حوالي 45 كلم، وتبدو مدن منطقة "تيديكلت" التي تضم ثلاث بلديات كبيرة شمال ولاية تمنراست مظلمة بإحمرار يميل الى السواد وتحدث صفيرا يصم الأذان كأن السماء تمطر رملا جارحا يخدش الوجه والعيون، وتتسرب حباته الدقيقة الى داخل المنازل مشكلة كثبانا رملية كبيرة تزاحم العائلات، كما تقوم الكثبان العملاقة بسد أبواب ونوافذ البيوت والمدارس وعدة مرافق عمومية، وبعد هدوء العاصفة يخرج السكان في المناطق الأكثر عرضة لممر الرياح بصعوبة من منازلهم لإزالة أكوام الرمال المكدسة والتي يصل ارتفاعها أحيانا السقف، فكل عائلة في مناطق "مليانة" و"الزاوية" و"إيغسطن" و"حاسي لحجار" و"الدغامشة" و"فقارة الزوي"، تجهز مجرفة أمام الباب لإزالة الرمال حتى يتمكن أفراد الأسرة من الخروج بإحداث ممر وسط الكثبان الرملية المتراكمة.
عند زيارتنا منطقة "الساهلة الشرقية" إحدى أكثر القرى عرضة للزوابع وزحف الرمال بدت لنا المنازل وكأنها بنيت تحت الكثبان، فلا يظهر منها سوى بعض الجدران، أما الرمال فقد سدت النوافذ، والأطفال يسيرون فوق عرق كبير من الرمل يصل علوه عشرة أمتارأو أكثر، وداخل بعض البيوت يعيش أصحابها فوق هضبات رملية احتلت منازلهم وأصبحت تزاحمهم فيها، ولم يجد الناس سبيلا سوى التعايش مع الرمال بعد أن يئسوا من محاربتها طوال أيام السنة تقريبا، أما منطقة "الزاوية" و"مليانة" ببلدية اينغر فقد تسببت العواصف الرملية في نقل عرق كبير من الرمال لا يبعد عن التجمعات السكنية الا بأمتار فقط يقوم السكان المتطوعون بتثبيته ثلاث مرات في السنة بواسطة سعف النخيل أو ما يسمى "أفراقّ" حتى لايؤدي زحفه الى دفن المنطقة بما فيها من سكان، لكنه يشكل دوما خطرا حقيقيا على السكان في حال هبوب رياح قوية، وتبدو قرى بأكملها في منطقة "تيديكلت" مدفونة تحت الرمال، تحيط بها كثبان رملية كبيرة ويظهر الناس وكأنهم يخرجون من تحت الأرض، وتسببت الرياح المحملة بالرمال والتي تحرك الكثبان كأنها سيول جارفة في ردم عدة منازل وتهجير أكثر من 20 عائلة غادرت مساكنها المتواضعة، أما ما بقي من البيوت المبنية بالطوب فقام سكانها بوضع ركائز وأعمدة معدنية تشد الجدران المائلة بفعل تكدس الرمال على حافتها.
ولم تنج المدارس والمنشآت العمومية والخاصة من زوابع الرمال والرياح الهوجاء، فإكمالية الأمير عبد القادر ببلدية عين صالح تكاد تقع بسبب تدفق الرمال داخلها كالسيول، ولم يعد يظهر منها سوى بعض الجدران وقد تم ترحيل عدد من التلاميذ من الحجر المتضررة والمنهارة إلى مؤسسات أخرى، في حين بقي أكثر من 140 تلميذ يواجهون خطر الموت في كل لحظة ويواجه الخطر نفسه أطفال صغار بمدرستي الزاوية بعين صالح ومليانة ببلدية إينغر اللتين دفنتهما الرمال تقريبا.
ولا تتوقف جرافات البلدية من العمل حتى ساعات متأخرة من النهار لإزالة الكثبان عن المرافق العمومية، خاصة الطرقات ومحطة نقل المسافرين ومحطة "نفطال" التي تعد من المنشآت الأكثر تضررا من زحف الرمال، فقارورات الغاز لا تكاد تظهر داخل المستودع، أما آبار الوقود فقد تراكمت فوقها أطنان من الرمال ويشكل إزاحتها بواسطة الجرافات خطرا كبيرا على مستخدمي المحطة.
وبعيدا عن التجمعات السكنية تتراءى بساتين النخيل والمساحات الفلاحية بصورة كارثية، فقد غمرتها الرمال تماما وغطت محيطات فلاحية كبيرة أنفقت الدولة على استصلاحها ودعمها أموالا كبيرة، لكنها تحولت الى صحارى بفعل الرياح وزحف الرمال، فالبساتين الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية لـ"تيديكلت" مهددة بالزوال، أما أموال الدعم الفلاحي التي منحت لأكثر من 4 آلاف مستفيد فقد ذهبت في مهب الرياح التي أفسدت كل برامج التنمية في المنطقة وجعلتها تدور في حلقة التخلف، ويرى بعض المسؤولين بمديرية الفلاحة بتمنراست أنه لم يكن يجدر بالمسؤولين منح أغلفة مالية ضخمة لدعم الفلاحة في تيديكلت وهم يعلمون بفشلها بسبب العوامل الطبيعية القاسية أولها الرياح الرملية والحرارة التي تقارب الـ60 درجة تحت الظل صيفا.
وأمام كارثة زحف الرمال لا توجد حلول متطورة تذكر سوى المقاومة البدائية التي أبتكرها السكان منذ القدم وتتبعها حتى اليوم جمعيات نشطة في المجال "كالتويزة"، وهي تطوع السكان في تثبيت وتوجيه الرمال بواسطة غرس سعف النخيل "أفراق" ويعني مصد الرياح يقام بشكل طولي يتعرض مباشرة لاتجاه الرياح لوقف الرمال، ويضاف للمصد طابق آخر كلما ردمه الرمل، وتتكرر العملية حتى تصبح الرياح غير قادرة على حمل ذرات الرمال الى علو "أفراق"، وتنشط التويزة عادة بالغناء والفلكلور وتختم بعشاء جماعي.
روبورتاج: ليلى مصلوب
المصدر
http://www.echoroukonline.com/ara/index.php?news=4742