أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: رد: قصص جاسوسيه من كل انحاء الوطن العربي موضوع شامل (متجدد) الخميس 24 نوفمبر 2011 - 12:37
الفصل الرابع ليلة " الموساد " في فيينا حمل طارق المعلومات التي توفرت لديه ، وورقة الإجابات التي زوده بها النقيب خليل وسافر هذه المرة إلى باريس حيث اتصل بالسفارة الإسرائيلية هناك كما تعود أن يفعل في لندن . وترك لزكي خبراً حول عنوانه وبعد ساعات كان زكي يتصل به مرحباً كعادته وسائلاً عن أحوال بيروت والأهل و" الاكوامارينا " فرد طارق باقتضاب : Ø الكل بخير متى نلتقي ؟ Ø فقال زكي : غداً . في السفارة ، الساعة الخامسة بعد الظهر . Ø إلى اللقاء إذن في الغد . وفى الموعد المحدد، كان طارق يقرع الجرس ويدخل البوابة الكبيرة الى غرفة التفتيش الآلي . ثم إلى غرفة انتظار كبيرة حيث ظل فيها أكثر من نصف ساعة قبل أن يدخل عليه زكي فاتحاً ذراعيه وهو يقول بابتسامة كبيرة على وجهه . Ø أهلا أهلا بشيخ الشباب أنا آسف لتأخري عليك ، وما ذلك الا لأنني هنا ضيف مثلك . من لندن أو بروكسل أو جنيف أو ربما يكون قد جاء من تل أبيب. تبع طارق زكي عبر ممر داخلي في السفارة، ثم صعدا درجاً صغيراً قبل أن يدخل ضابط الموساد إلى أحد المكاتب حيث تحدثا قليلاً في المجاملات المعهودة . ثم مد طارق يده إلى جيبه وأخرج الأوراق التي كان يحملها معه، وقدمها إلى ضابط الموساد الذي راح يقرأ بعدم اهتمام وجفاء . معطياً الانطباع للرائي بأن ما فيها مخيب للآمال، الأمر الذي جعل طارق ينفعل بشدة لكنه كتم غضبه وانتظر تعليق زكي الذي قال : Ø ما هذا السخف ؟ كل هذه المعلومات والإجابات تافهة لا تساوى شيئاً. فما كان من طارق إلا أن هجم على الأوراق يريد تمزيقها فصرخ به زكي . Ø ماذا تفعل ؟ اجلس ولا تتحرك من مكانك . وسحب الأوراق من يد طارق بشدة فتراجع الفتى وجلس في مقعده بانفعال شديد . Ø فقال زكي : إياك أن تفعل ذلك مرة أخرى . نحن الذين نقرر هنا كل شىء ، ونحن الذين نحتفظ ونمزق، أنت عليك أن تقوم بواجبك وبكل ما يطلب منك بدقة . هل تفهم ؟ أومأ طارق برأسه بالإيجاب ولم يتكلم فقال زكي وهو يبتسم . على أية حال . لا تغضب ، لأننا سنسهر معاً هذه الليلة . في المساء التقيا وتناولا العشاء في أحد مطاعم باريس وقبل أن يفترقا اتفقا على موعد للقاء في اليوم التالي . معلومات سرية من المعلومات التي وردت في إجابات النقيب خليل قوله : Ø كتيبه الأخضر العربي توجد في صبرا، وهناك كتيبة في الشمال والبقاع وصيدا، بالإضافة ثلاثة آلاف جندي نظامي من دولة عربية يلبسون لباس " الصاعقة " في الجنوب وعن سيارات القوات كتب أنه تتألف في غالبيتها من " التويوتا " و " الشيفروليه " ، أما الأسلحة فعبارة عن مدافع 106ملم و75ملم . ودوشكات وهاونات 60 ملم، ورشاشات 500كما جاء قوله أن كل شئ في يد زهير محسن الذي يملك منزلا في عاصمة عربية وهو عبارة عن فيلا كبيرة وأنيقة مؤثثة أثاثاً فخماً كما لديه منزل آخر في بيروت في بناية " الهوندا " وعن أبو سليم قال أنه يبدل سيارته باستمرار وهى دائما سيارات فخمة من نوع " بيويك " و " شيفروليه" و " مرسيدس " وانه متزوج ويقيم خلف مكتب " الصاعقة " في محلة جلول في الطابق الثاني وذكر أشياء وتفاصيل كثيرة عن أبو سليم تدل على أنه يكره الرجل إلى حد كبير أما أحمد الحلاق فهو المسؤول عن تدريب الشباب للعمليات الخارجية ، كما هو مسؤول عن مكتب ال19 وله معسكر في بلدة برجا، وأنه رجل جدي، متزن وهادئ يقرأ كثيراً ولا يحب السينما ولا وقت لديه لممارسة أية هواية من هواياته غير القراءة . متعصب للثورة الفلسطينية بشكل عام وللصاعقة بشكل خاص . ثم تحدث عن مسؤول الإعلام أسامة بيرقدار ذاكرا، أخلاقه وصفاته وعاداته وهواياته ودراسته وزوجته وأولاده، وخرج بخلاصة عن الرجل مفادها أنه يتسم بأخلاق عالية وأنه محبوب جداً في " الصاعقة " . وفيما ذكره أيضاً عن زهير محسن ، أنه يستعمل سيارات " مر سيدس 280 و 350 " . أما ماجد محسن فكتب عنه بأنه لا قيمة له سوى كونه أخ زهير محسن، لكنه أفاض في الحديث عن أبو على الذي يسكن خلف الأمن المركزي والمتخرج من كلية الحقوق في جامعة دمشق . متزوج وله ثلاثة أولاد، بلا أية هوايات . أي أنه يذهب من البيت إلى المكتب ومن المكتب إلى البيت ،جدي يقرا كثيرا متعصب للثورة الفلسطينية . قام بإحدى العمليات الناجحة في فيينا عام 1972م وعلى صلة وثيقة بأحد المسؤولين الكبار في إحدى الدول العربية . والغريب في أمر النقيب خليل أنه كان يتحدث كثيراً عن الأشخاص الذي يحبهم ويوجز كثيراً في حالة الأشخاص الذين يكرههم . تبقى المفارقة أنه في حديثه عمن يحب من المسؤولين حديث قاتل، يصدق القول الشائع " من الحب ما قتل " . لكن في الوقت نفسه فاض في الحديث عن جهاز الأمن لصلته الوثيقة جداً بهذا الجهاز ، بينما أوجز كثيراً في حديثه عن القوات والميليشيات ، وعن السلاح آذى تعرضت له الطائرات الإسرائيلية في إحدى الغارات وقال إنها صواريخ " ستريلا " الموجودة لدى المقاومة . توجه طارق في الموعد التالي إلي السفارة الإسرائيلية حيث اقتيد إلى مكتب زكي، لكنه لم يمكث هناك طويلاً، فقد أخبره ضابط الموساد أنه سيعلمه التصوير وعليه أن يخرج الآن وينتظره في محل " الفليبر؟ " القريب من السفارة . بعد قليل وافاه زكي الذي اصطحبه إلى أحد مكاتب التاكسيات حيث استقلا سيارة انطلقت بهما إلى العنوان الذي حدده ضابط الموساد فإذا هو عبارة عن بناية قديمة تحمل في واجهتها لوحة نحاسية مكتوب في وسطها كلمة " شارون " دخلا إلى شقة في الطابق الأرضي على اليسار، وكان مفتاح الشقة مع زكي . جلسا هناك حوالي نصف ساعة إلى أن جاء رجل متوسط القامة، أصلع الرأس عمره حوالي 50 سنة نحيف الجسم عندئذ قال زكي " شيخ المشايخ " : Ø هذا الرجل سيعلمك التصوير . هل تعرف التصوير ؟ Ø قال طارق : " نعم " . Ø فقال زكي : " لكنك الآن ستتعلم تصوير الوثائق " . أخذ الرجل يعلم " شيخ المشايخ " كيف يصور بكاميرا من نوع " كوداك " وقال له : " إذا كان معك ورقة وتريد تصويرها على عجل .. عليك أن تصورها كما يلي " وتناول الرجل دليل الهاتف وسلط على إحدى صفحاته ضوءاً بزاوية معينة بينما الكاميرا تبعد مسافة معينة مثلها عن الورقة تاركاً حول الورقة من كل الجهات أيضاً مسافة معينة أثناء التصوير ثم قام الرجل بإجراء عملية التصوير أمامه، وبعد ذلك دخل الحمام عن فترة لا تزيد خمس دقائق، وعاد يحمل صورة عن الورقة، ثم تناول عدسة مكبرة مثل التي يستعملها خبراء المجوهرات فظهر كل شئ فيها بوضوح . تصوير وتدريب بدأ " شيخ المشايخ " يجرب التصوير واستمر التدريب حوالي ساعتين حتى أصبح يتقنه تماماً . عندئذ انصرف الرجل وبعد ربع ساعة خرج زكي و" شيخ المشايخ " في أثره . في اليوم التالي التقى طارق بزكي في السفارة حيث أعطاه ضابط الموساد أسئلة جديدة للنقيب خليل ومبلغ 1500 دولار وتذكرة سفر بالطائرة ، ثم قال له: Ø " الآن علينا أن نتفاهم على شيفرة معينة ترسلها بالبريد مثل البرقية كقوله أرجو إرسال 45 بدلة زرقاء بتاريخ20/2/79 على أن تصل منها بدلتان كعينة . وتفسير هذه الشيفرة كما يلي : 45 تعنى باريس وزرقاء تعنى سفارة، أما التاريخ فهو تاريخ تنفيذ العملية ، والعينة عدد الأشخاص المنفذين ". اخذ زكي يفسر له نص البرقية . فالرقم دائماً يحمل اسم مدينة معينة، وكل مدينة أوروبية لها رمز ورقم معين، وبشكل عام يمكن تفسير الألوان في البرقية كما يلي : زرقاء سفارة، بنى : كنيس ، أسود: مؤسسة يهودية ، الرقم في البرقية : هو مفتاح البلد الأوروبي ، والتاريخ كما ذكرنا هو تاريخ تنفيذ العملية والعينة عدد المنفذين للعملية بينما اللون هو الهدف. بطبيعة الحال. كان الغرض من هذه البرقيات أنه في حال معرفة طارق أو صديقه لأية معلومات حول عملية ستقوم بها منظمة " الصاعقة " يتوجب على طارق أن يقوم بإبلاغ الموساد عنها . ثم أعطاه ثلاثة عناوين ليرسل إليها برقياته : واحد في لندن والثاني في بلجيكا والثالث في النمسا . وبإمكانه أن يرسل إلى أي عنوان يريد في أوروبا إلى السفارة الإسرائيلية . كان غطاء طارق في بيروت أنه تاجر ملابس لتبرير سفراته المتكررة إلى أوروبا أمام الآخرين من معارفه هناك . فهو يستورد من الخارج ملابس رجالية . وكان زكي في كل سفرة يعطيه عدداً من البدلات ليأخذها معه كغطاء لرحلته . لذا كان نص البرقية مأخوذا من طبيعة عمله الوهمي . Ø ثم قال له زكي : " لا أريد أن أتمشى معك في باريس لأن فيها كثير من اللبنانيين الذين يعرفونني جيدا أما إذا رآني أحد معك فقدمن باسم زهير ماليتزى ، من مالطة ، وهذه عائلة مالطية موجودة فعلاً . لأنني كثيراً ما كنت أذهب إلى " الأكوا مارينا " أسبح هناك وأقضى أوقاتاً ممتعة . وليس هناك شئ ألذ من سمك السلطان إبراهيم " . فجونيه و " الأكوا مارينا " جميلتان من حيث الجمال والمتعة ومن المؤسف أنه لا تقدر أن تذهب إلى هناك كونك مسلم ولكنني كنت أتردد على بيروت الشرقية كثيراً " . أكمل الفتى مهمته في باريس وعاد إلى بيروت حيث تقابل هناك مع النقيب خليل فأعطاه المبلغ بالليرة اللبنانية مرفقاً بورقة الأسئلة التي كانت هذه المرة أكثر دقة وتحديداً، إذ كانت احتياجات حقيقية للموساد بينما كانت الفترة السابقة عبارة عن نسبة بسيطة من الاحتياجات فيما كانت النسبة الكبرى منها اختبارية لأمرين الأول : لاختبار مصداقية المعلومات التي يزودان بها الموساد فقد طرح زكي عددا كبيرا من الأسئلة التي تعرف الموساد أجوبتها بدقة متناهية . وكان طبعاً يدس بين هذه الأسئلة أسئلة أخرى هم بحاجة ماسة إلى إجاباتها فكانت الأسئلة الأخرى تغطيها ، وكان لا يمكن معرفة الأسئلة الاختبارية من الاحتياجات الحقيقية . أما الأمر الثاني فكان اختبار مدى قدرة طارق وخليل على جمع المعلومات، لأن الهدف النهائي من طل هذا العمل بالنسبة إلى " الموساد " هو المعلومات . ولكن النتائج جاءت إيجابية . فقد كانت الأسئلة هذه المرة تتعلق بالعمليات الخارجية ل" الصاعقة " التي تركزت حول عمليتين قامت بهما " نسور الثورة " في قبرص وباريس فكانت الأسئلة من نوع : من هو مسؤول العمليات الخارجية ؟ وما هي الأهداف المتوقعة في الخارج ؟ أين يتم التدريب على العمليات ؟ وهل زهير محسن على علم مسبق بهذه العمليات ؟ أسئلة دقيقة وخطيرة للغاية ... وكل سؤال من هذه الأسئلة يحتاج إلى شرح مطول بال إضافة إلى صعوبة الحصول على إجابات محددة لمثل هذه الأسئلة . إلا أن عمل النقيب خليل في أمن " الصاعقة " جعله قادراً على الرد على كل هذه الأسئلة ، بينما بات واضحاً من خلال هذه الأسئلة أن عين " الموساد " بدأت تنفتح على العمليات الخارجية التي تقوم بها " نسور الثورة " . فقد كانت الجهود العربية شفى تلك الفترة منصبة على إفشال اتفاقية كامب دايفيد . لكن بعض العمليات الخارجية كانت في ذلك الوقت تخدم إسرائيل إلى حد كبير كما سنلاحظ من خلال القصة ، إذ ترتبت عليها نتائج عكسية تماماً . قام النقيب خليل بالإجابة على الأسئلة كما يلي : Ø العمليات المتوقعة ، أي كنيس في أوروبا والسفارات الإسرائيلية ، ومطعم " هوفمان " –أحمد الحلاق هو الذي يقوم بتدريب الشباب على العمليات الخارجية والتفجير . ونقل المتفجرات يتم في قعر الحقيبة . ونتيجة لهذه المعلومات كان أحمد الحلاق سيذهب ضحية ، ولكن الأمور تطورت في ما بعد ونجا بعد أن لاحقته " الموساد " لفترة طويلة . Ø ثم قال أيضاً أن العمليات تتم بناء على طلب من جهاز مخابرات عربية ذكره بالاسم وأحياناً بناء على بادرة من أبو على . أما زهير محسن فهو على علم مسبق بجميع العمليات وبكل تفاصيلها . في تلك الفترة كانت منظمة " الصاعقة " تشهد نشاطاُ حثيثاً في مجال العمليات الخارجية ضد المصالح الإسرائيلية والمصرية . فقد قامت " نسور الثورة " بعمليات ضد حي للطلبة اليهود في فرنسا، كما قامت عمليتين ضد السفارة الإسرائيلية في قبرص وضد مكتب الخطوط الجوية المصرية . وفى فترة لاحقة قامت المنظمة ذاتها بتبني هذه العمليات في بيان صدر عنها في بيروت ( نقلته وكالة " رويتر " للأنباء في 20 إبريل (نيسان )1979. Ø بعد عودته إلى بيروت قال طارق لخليل : " إذا سمعت أو حصلت على أية معلومات عن عملية خارجية يجب أن تبلغني بأقصى سرعة لأنه أصبح لدينا الآن وسيلة اتصال . ظرف حرج في تلك الفترة كانت الجهود العربية والفلسطينية كلها مركزة على إفشال اتفاقيات كامب دايفيد . فقد اتخذ قرار في منظمة التحرير الفلسطينية بتصعيد الكفاح المسلح في الأراضي المحتلة، إلا أن " نسور الثورة " تجاوزت هذا القرار وأعادت العمل الفدائي إلى الأسلوب القديم الذي اتبعته التنظيمات الفلسطينية في فترة الانطلاق التي مرت بها لاثبات الوجود . فمنذ تشرين الثاني 1977 تاريخ زيارة الرئيس السادات للقدس توالت الظروف الصعبة على المنطقة الغربية، وحدث الاجتياح الإسرائيلي الأول للجنوب اللبناني في شهر آذار 1978 أثر " عملية دلال المغربي البطولية " على شواطئ فلسطين . وفى يوم 4 أيلول 1980 اندلعت الحرب العراقية – الإيرانية، فأصبح العراق مشلولاً لا يستطيع القيام بأي دور في الصراع العربي الإسرائيلي، أما الجبهة المصرية فقد أغلقت تماماً حيث اختار السادات أن يرحل بمصر بعيداً عن العرب، وفى سلام منفرد مع إسرائيل . ولكن الضرر الكبير الذي حصل على مستوى الثورة الفلسطينية تمثل فعلا في الحرب العراقية –
الإيرانية . التي استفحلت مما جعل إسرائيل تفكر جدياً في اجتياح لبنان . ومثل هذا الأمر ما كان ليحصل لو لم تكون قدرات العراق مشغولة في الحرب مع إيران . كان النقيب خليل يعمل في جهاز أمن " الصاعقة " وكان طبيعياً أن يتأثر مباشرة بالتطورات
والأحداث شفى هذا الجهاز . الذي كانت استعدادات مسؤولية على قدم وساق لتصعيد العمليات . وكانت مهمة خليل تتمثل فى إعداد تأشيرات السفر للشباب وتذاكر السفر وإيصالهم إلى المطار . ولم يكن أحد يشك في النقيب خليل من حيث صدقه واخلاصه " الصاعقة " ولم يلاحظ عليه المسؤولون أي شئ يثير الشك والريبة . وبطبيعة الحال فمسؤولية انحرافه يتحملها هو وليس التنظيم الذي يعمل فيه لأنه ليس من الطبيعي أن يدخل أي تنظيم في حالة مرضية من الشك في عناصره دون مبرر . وهذه مسألة في غاية الأهمية ، ففي فترة من الفترات كانت " الموساد " تعمد إلي بث حالة من التشكيك في عناصر منظمة التحرير الفلسطينية . كان النقيب خليل ينتمي إلى جناح في منظمة " الصاعقة " هو " نسور الثورة " وحاول جلب طارق إلى هذا التنظيم . وبسبب الفوضى التي كانت تعيشها التنظيمات الفلسطينية ، أصبح طارق يكلف مع خليل بتسهيل سفر الشباب بحكم علاقته السابقة مع شركات السفر . وفى أحد الأيام طلب خليل من طارق استطلاع هدف معين في أوروبا فأرسل طارق في اليوم نفسه البرقية التالية إلى زكي : Ø هل من الممكن إرسال بدلات ؟ وأين يمكن استلامها ؟ " . وكانت برقية غريبة مما جعل زكي يتصل هاتفياً من بلد أوروبي بطارق ليستفسره عن هذا الطلب الغريب، ففهم زكي أن الجماعة يبحثون عن هدف . بعد عدة أيام وصلت إلى طارق رسالة تحتوى على دليل سياحي لفيينا وحول كلمة " كنيس " موضوعة إشارة (× ) . فهم الفتى الرسالة . فأخذ الدليل السياحي إلى خليل وقال له : " لقد أخذت الدليل من السفارة النمساوية ، وأعتقد أن هذا الكنيس اليهودي يشكل هدفاً نظيفاً " . وبطبيعة الحال ، أرادت المخابرات الإسرائيلية أن تنجح العملية لأنها هي التي اقترحت الهدف وكانت تعرف أيضاً أن مثل هذه العملية لن تنجم عنها خسائر بشرية أو مادية كبيرة ، ولكن لها فائدة معنوية كبيرة تساعد إسرائيل في التحريض ضد الثورة الفلسطينية لتأليب الأوساط اليهودية في النمسا وأوروبا بهدف إظهار الثورة على أنها منظمة إرهابية تحارب اليهود أينما كانوا ، وليس الصهاينة الإسرائيليين فقط . عاد النقيب خليل إلى الفتى وقال له أن جماعة في " نسور الثورة " قد وافقوا على الهدف فأخذ يجهز سفر أحد الشباب واسمه سالم إلى فيينا ، وقال له : " أبلغ الجماعة أن سالم مسافر إلى فيينا لضرب الكنيس " . ولم يكن خليل ليعلم بأن " الموساد " هي التي اقترحت الهدف ، ولتأكيد الخبر أرسل طارق البرقية التالية : " أرجو إرسال 33 بدلة زرقاء تاريخ كذا ( ذكر اليوم الذي سافر فيه سالم ) كما أرجو إرسال عينة واحدة، وتفسير هذه البرقية كالتالي : 33 تعنى فيينا ، زرقاء : كنيس ، التاريخ : تاريخ السفر ، العينة واحدة : المنفذ واحد . وبعد أربعة أيام عاد سالم بعد أن نفذ عملية ناجحة، فقد فجر الكنيس بمادة " تى. أن. تى "وبعد أن تأكد من الانفجار عاد إلى بيروت وكان فى استقباله في المطار – كإعادة – خليل وطارق Ø فقد قال له خليل : " برافو ... إن شاء الله تنفذ عملية أكبر في المستقبل . اذهب الآن لترتاح " وبعد أن أوصلا سالم كان خليل منفعلاً وقال لطارق : ما هذا ؟ يبدو أن الجماعة لم يفعلوا شيئاً . Ø قال طارق : ولماذا أنت غاضب ؟ Ø قال خليل : لأنهم لم يقبضوا على سالم ، وهذه العملية ثمنها فلوس . لماذا لم يقبضوا عليه ؟ ! لم يكن النقيب خليل سعيداً على الإطلاق لأن العملية نجحت ، ولأنه حسب اعتقاده خسر ثمن العملية . فلو فشلت لقبض الثمن . بعد هذه العملية بفترة قصيرة سافر طارق إلى فرنسا ونزل في أحد الفنادق واتصل بالسفارة الإسرائيلية في باريس .. وبعد ساعات اتصل به ضابط الموساد زكي مرحباً به كالعادة : Ø " أهلاً بشيخ المشايخ، كيف الصحة والأهل ؟ لا تقل شيئاً . غدا نلتقي في السفارة الساعة الرابعة بعد الظهر " . استقبله زكي في السفارة بحرارة وحفاوة ثم أخذ الفتى يتحدث عن عملية فيينا، وأنه أرسل إليه برقية بتاريخ تنفيذها واسم المنفذ مع صورة عن جواز سفر سالم ، فقال زكي : Ø " لقد قمت بعمل عظيم يا شيخ المشايخ " . Ø فقال طارق : " ولكن لماذا لم تقبضوا عليه ؟ " Ø قال زكي وهو يبتسم : " لقد وصلت البرقية متأخرة .. ولكن ستكون لدينا وسيلة اتصال أسرع في المستقبل " . تناول زكي من مكتبه كاميرا .. فارتعش الفتى الذي أصبحت لديه حساسية من التصوير والصور فقال له : Ø " ماذا تريد أن تفعل ؟ " Ø قال زكي : " لا تخف فالمسألة بسيطة " . كبس على الزر ليأخذ صورة عادية، Ø وقال : " غداً نلتقي في مطار أورلى الساعة الرابعة بعد الظهر، وتكون قد لأحضرت كل ثيابك، دهش الفتى من هذا الطلب الغريب. Ø فقال : " لماذا ؟ " Ø فربت زكي على كتفه وقال : " لأنك غداً ستسافر إلى تل أبيب يا شيخ المشايخ " ![size=18] الموساد " تفشل خطة لاغتيال السادات" لم ينم طارق في تلك الليلة . وهو يفكر في كل الاحتمالات . ما الذي يريدونه منه في تل أبيب . وها هو معهم هنا يقدم لهم كل ما يريدون ؟ ترى هل يريدون تصفيته ؟ ألا يستطيعون تصفيته هنا ؟ وإذا لم يكن هذا قصدهم . فماذا سيفعلون في جواز سفره ؟ هل سيختمونه بالخاتم الإسرائيلي ؟ . وهو خاتم يكفل له الموت المحقق ؟ خفق قلبه وهو ينتظر " الموساد " في تمام الساعة الرابعة بعد الظهر في مطار أورلى ، إذا بعد ساعات سيكون شفى " عرين الأسد " . ولطالما سمع عن فلسطين السليبة ترى كيف هي ؟ وكيف أرضها ودورها ومبانيها وكيف تعيش في ظل اليهود ؟ وقبل أن يسترسل في الأفكار ربت زكي على كتفه وهو يناوله جواز سفر جديد ، ما إن فتحه حتى وجد فيه صورته واسمه وكل التفاصيل الخاصة به حقيقة مائة في المائة ، ما عدا المهنة ، إذ كتب في مقابلها " مستشار في وزارة الزراعة " . في حوالي الساعة السادسة مساء أقلعت طائرة " العال " وعلى متنها هذا الطائر الغريب ، الذي بدأ قلبه يهبط وهى تنحدر تدريجياً بعد عدة ساعات في اتجاه مدرج المطار في اللد ، وحين توقفت الطائرة أمره زكي بأن لا يتحرك من مكانه حتى يخرج الجميع . وما أن هبطا السلم حتى وجدا سيارة خاصة في انتظارهما ، دهش لسيطرة " الموساد " في إسرائيل ولم يفكر لأن إسرائيل تعيش هاجس الأمن والخوف باستمرار ، وإنها دولة يملكها جيش وليست دولة تملك جيشاً . فكل شئ في الكيان الصهيوني مسخر لخدمة الجيش والمخابرات وأجهزة الأمن المختلفة . في السيارة بدأ يفكر في أسباب إحضاره إلى تل أبيب . وهذه الأسباب بالطبع عديدة ، أولها توريطه وتوثيق هذا التوريط بجواز سفر وزيارة إلى تل أبيب ، وثانيها مسألة واردة . وكل عملائها يخضعون حتى آخر يوم في خدمتهم للمراقبة والاختبار . وهناك دائماً خطتان في بدء التعامل مع المخبرين والعملاء في دفتر " الموساد " الأول حول طريقة عمله والأهداف المرجوة من وراء تجنيده والثانية كيفية التخلص منه في أي وقت ، فكثيراً ما تكون مكافأة نهاية الخدمة في " الموساد " حادثاً قاتلاً أو رصاصة مجهولة فحين يعرف العميل أشياء كثيرة وتقل قيمة عمله يصبح مكلفاً أكثر من اللازم وخطيراً في الوقت نفسه ، وبالنسبة إلي " شيخ المشايخ " كانت المسألة لا تزال في البداية والهدف من تجنيده لم يبدأ العمل الجدي فيه بعد .أمام بناية من ثلاث طوابق في شمال تل أبيب توقفت السيارة وترجل منه طارق وزكي برفقة السائق " ميكى " حيث دلفوا جميعاً إلي إحدى الشقق في الطابق الأول . اغتيال السادات استحم طارق وتناول العشاء مع رفيقه ، لينصرف السائق فيما بعد بينما بات زكي وطارق في الشقة حتى الصباح . في الصباح شغل زكي الهاتف وهو يتحدث مع زوجته في لندن يطمئنها ويطمئن عليها وعلى الأولاد ثم اتصل بصديقته في تل أبيب وحادثها مطولاً ، ثم تكلم مع أهله في صفد قبل أن يتناولا الإفطار . في حوالي الساعة العاشرة دق الجرس فقفز زكي يفتح الباب ليدخل منه رجل معه حقيبة وراديو صغيرا وضعهما على الطاولة دون أن يفهمه طارق أي شئ ،، إلى أن قال له زكي : Ø ستتعلم طريقة الإرسال بالاسلكى " . تناول المدرب ورقة بيضاء وقلما قدمهما إلى طارق طالبا منه أن يكتب في الورقة اسمه وعنوانه وعمره ومقر عمله واقامته وكل تفاصيل حياته . دهش طارق للطلب الغريب وشرع في الكتابة . لكن زكي نهره واخذه إلى الغرفة المجاورة ووبخه على سرعة استجابته لكل ما يطلب منه ، ثم أمره بأن لا يفصح لأي إنسان عن أي شئ مهما كان ، لأن هذا المدرب قد يقع في يوم من الأيام ولن يتحمل التعذيب ، وعندئذ سيقول كل ما عنده " فلا تقل لأي مخلوق قبل أن تأخذ اذناً منى " ، وعاد طارق إلى المدرب وقدم له معلومات وهمية قبل أن يقول له المدرب . الآن ستتعلم الشيفرة . لكن طارق كان يعرف هذه الطريقة من عمله في مكتب السفريات . واستمر التدريب في اليوم الأول لمدة ساعة واحدة . وفى اليوم التالي تعلم كيف يفك الجهاز وكيف يحلل البرقيات وكيف يرسلها ، فكل برقية مكونة من عدة مجموعات وكل مجموعة تتألف من خمسة حروف ، وهناك وقت محدد للارسال . أحضر المدرب كتاباً وقال لطارق Ø خذ دائماً أول حرف من أول سطر والحرف الثاني من السطر الثاني ... وهكذا تأخذ حرفاً واحداً فقط من كل سطر وإذا لم تكف الحروب تعود إلى السطر الأول من جديد وتأخذ أول حرف من اليسار وتنزل هكذا إلى السطر الثاني والثالث كما في حالة اليمين . واستمر التدريب اليوم التالي حتى الرابعة بعد الظهر . فلما انتهى قال له زكي : " هل حفظت كل شئ ؟ " فرد طارق بالإيجاب ، فقال زكي : Ø إذن ستعود هذا اليوم إلى باريس . Ø فسأله طارق : وماذا عن أوراقي وجواز سفرى ؟ Ø لا تقلق ستجدها أمامك في باريس فور خروجك من باب المطار . ستجد شخصاً ينتظرك هناك ومعه كل ما تريد . ناوله جواز السفر الإسرائيلي وسيعطيك أغراضك ثم تتجه إلي الفندق نفسه الذي كنت تنزل فيه وسوف اتصل بك غداً صباحاً . تدريب شاق سار كل شئ في باريس كما أشار زكي الذي كان يتصل به في الصباح طالباً منه أن يتوجه لملاقاته في أحد المقاهي ، وأوصاه أن لا يحادثه حين يراه بل يبتعد على بعد 20 متراً . لم يتحرك طارق من مقعده حين لمح زكي مقبلاً ، وانتظر حتى التقت عيونها وواصل زكي سيره أمام المقهى . دفع طارق الحساب وتبع ضابط " الموساد "الذي كان يحمل شفى يده في يده صحيفة ما لبث أن ألقاها في سلة قمامة على الرصيف وهو ينظر بزاوية عينه اليمنى إلى طارق ثم واصل السير ، وبعد قليل تناول علبة سجائر فوقعت منه على الأرض فانحنى يتناولها وهو يستدير إلى الخلف وظل يمشى وطارق يتبعه حتى وصل أمام أحد الفنادق ودخلا معاً إلى المصعد الذي نقلهما إلى الطابق الرابع . فتح زكي الباب فإذا في الغرفة رجل ، قدمه لطارق باسم ديفيد . بعد لحظات نهض ديفيد وأحضر جهاز إرسال لاسلكياً وضعه على الطاولة وقدم رزمة أوراق إلى طارق وهو يقول له : Ø هل تستطيع إجراء برقية لاسلكية الآن ؟ Ø أحاول بدأ طارق في العمل تحت عيني ديفيد وزكي . كان ديفيد يوجهه ويزيده تدريباً ، ثم أخرج له صورة " بولا رويد " لماكينة فرم اللحم ، بدأ في داخلها جهاز إرسال مثل الذي أمامهم ، وقال زكي لطارق : " هذه الماكينة ستأخذها معك إلى بيروت . زكما ترى في الصورة فان الجهاز داخلها ولا يمكن لأي شخص أن يعثر عليه دون أن يكسر الماكينة ، وكما تعلم فانهم في المطارات لا يكسرون شيئاً . في بيروت تقوم باستئجار شقة يفضل أن تكون في منطقة مار الياس لأن الإيجار هناك رخيص والمنطقة هادئة نوعاً ما ، ويجب أن تكون الشقة في آخر طابق بعيدة عن البنايات العالية . خصوصاً الأعلى من بنايتك واختر هوائياً للجهاز كهوائي تلفزيون أبيض وأسود . أما مواعيد الاتصال فثابتة يومي الأربعاء والسبت الساعة 8.30بتوقيت بيروت ، كما في إرسال الأربعاء على الموجة 5.6 و5 .7 . أمات النداء الخاص بنا وبك فهو " ألفا روميو تانجو تو " عبر الإذاعة الإسرائيلية. وهذه النقطة جديرة بالتوقف عندها للإشارة إلى دور الإذاعة الإسرائيلية المسموعة جيداً في كل الوطن العربي . فبالإضافة إلى دورها في استخدام الحرب النفسية ضد العرب وطرح نفسها كبديل من الإذاعات العربية ، تقوم بدور خطير عبر الاتصال بالعملاء في الخارج ، والأجهزة الأمنية في الثورة الفلسطينية دائبة على تتبع النداءات التي تبث إذاعيا من إسرائيل ، وقد أصيبت هذه الأجهزة بدهشة بالغة حين رصدت نداءات لعملاء في دور عربية لا تخطر على بال مما يدل على أن إسرائيل لا تستهدف الثورة الفلسطينية وحسب ، ولا لبنان وحده أو الأردن أو سوريا أو مصر ، فهي تسعى للسيطرة على الوطن العربي كله من المحيط إلى الخليج في طموحها الإستراتيجي لأن تكون " دولة عظمى " ولعل في ضرب المفاعل النووي العراقي إشارة إلى المخطط الإسرائيلي . بل إن إسرائيل تخطط لضرب المفاعل النووي الباكستاني . ناول زكي طارق مبلغ 8 آلاف دولار ، كما أعطاه ماكينة فرم اللحم التي تحتوى على جهاز اللاسلكي في قاعدتها ، وقال له : " هذه دفعة على الحساب وسنحول لك كل ما تحتاج من دولارات على حسابك فى بيروت " كذلك أعطاه 15 بدلة رجالية ثمن الواحدة 75 دولاراً كغطاء يبرر به سفره ، وقبل أن يسافر الفتى أوصاه ضابط " الموساد " بأن لا يطلع خليل على الجهاز ولا يخبره بأي شئ عنه . " ثم لا تأت إلى أوروبا في المرة المقبلة إلا والنقيب خليل معك " . لدى وصوله إلى بيروت بدأ طارق رحلة جديدة من العمل . بحث عن شقة تحمل المواصفات المطلوبة حتى وجد واحدة مثالية ، وبسرعة انكب على العمل ، ركب الجهاز والهوائي وأرسل البرقية التالية إلى إسرائيل : Ø " ألفا روميو تانجو تو بخير كل شيء على ما يرام " . وجاء الرد تهانينا ، استلمنا جيد والهوائي ممتاز ، أخبرنا بكل جديد " . " إسرائيل " واغتيال السادات كانت المخابرات الفلسطينية تقوم برصد هذه البرقيات المرسلة بالراديو من إسرائيل على التردد ذاته والترددات الأخرى المستخدمة فوجدت نداءات متعددة ومختلفة فقد استفادت " الموساد " من اضطراب الوضع في لبنان وازدواجية العمل في المنظمات الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية وانعدام التنسيق الفعلي بينها على مستوى الأجهزة الأمنية وفى هذه الأجواء زرعت " الموساد " مجموعة كبيرة من العملاء في أكثر من موقع تديرهم باللاسلكي وهكذا بدأت الرسائل تصل تباعاً تسأل ، ماذا حصل في مكتب أبو على . وأين اختفى أحمد الحلاق ؟ وما الجديد في " الصاعقة " ؟ وهل هناك عمليات جديدة ل" الصاعقة " داخل أو خارج ( إسرائيل ) ؟ " . كان النقيب خليل يجيب عن كل هذه الأسئلة ويستغرب في الوقت نفسه سرعة وصول الأسئلة وإيصال الأجوبة فسأل طارق " شو القصة " فقال له : " هناك شخص يأتى في الأسبوع مرة إلى بيروت يجمع البريد " . في تلك الفترة كانت " نشور الثورة " تخطط لاغتيال الرئيس المصري أنور السادات ، وتم وضع الخطة فعلاً ، إذ أنيطت بالنقيب خليل مهمة توصيل عنصرين إلى القاهرة . ومهمة إدخال الأسلحة إلى مصر بانتظار الفريق المكلف بالاغتيال . وعلى الأثر قامت إسرائيل بإبلاغ السادات بالعملية من خلال السفير الأمريكي في تل أبيب وزودته باسمي العنصرين المكلفين بإدخال الأسلحة وأرقام جوازي السفر وموعد الوصول إلى مصر . وما إن حط الرجلان في مطار القاهرة حتى كانت المخابرات المصرية في استقبالهما فاعتقلتهما على الفور في أوائل يوليو ( تموز ) 1979 . وفى حادثة أخرى خططت " نسور الثورة " لعملية ضد السفارة المصرية في أنقرة وكلفت فريقاً من أربعة عناصر لتنفيذها ، وقام خليل بتصوير جوازات السفر والتأشيرات ، ثم أرسل طارق بالاسلكى برقية مفصلة بالعملية وموعدها والقائمين بها ، إلا أن " الموساد " أخفت هذه المرة كل شئ عن المصريين ولم تبلغهم بهدف الإيقاع بين مصر والفلسطينيين بشكل عام وبين مصر وجهة عربية تدعم " الصاعقة " ، فكانت النتيجة أن وصلت العناصر إلى أنقرة واحتلوا السفارة المصرية في 13/7/1979 بعد تبادل النار مع حرس السفارة ورجال الأمن الأتراك مما أسفر عن مصرع رجلي بوليس تركيين ، قبل أن تحتجز المجموعة السفير المصري ومعه 20 شخصاً من موظفي السفارة كرهائن سيتم قتلهم إذا لم تنفذ مطالب الخاطفين ، وهى كالتالي : 1. إلغاء اتفاقيات كامب دايفيد بين مصر وأمريكا و ( إسرائيل ) . 2. الاعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية . 3. ضمان مستقبل الشعب الفلسطيني . 4. الإفراج عن المعتقلين الفلسطينيين في مصر ( وهما العنصران اللذان قبضت عليهما المخابرات المصرية بسبب دور النقيب خليل وطارق ) . 5. تخصيص طائرة لنقل الفدائيين والرهائن إلى بلد عربي من اختيار الخاطفين بعد إخلاء مطار أنقرة من كل الطائرات باستثناء الطائرة المخصصة لذلك. ثم حددوا موعداًًُ نهائياً لتلبية مطالبهم في تمام الساعة الثانية والنصف بعد الظهر مهددين بقتل رهينة كل خمس دقائق . أدركت إسرائيل أن السادات رجل حاد المزاج ، فالمقاطعة العربية لمصر زادته اندفاعاً باتجاه ( إسرائيل ) وأمريكا وهو يتخذ قراراته بناء على مشاعره الشخصية وحالة مزاجه في لحظة القرار ، لكن القائد الفلسطيني ياسر عرفات أدرك الأبعاد السياسية للعملية فقام على الفور بإرسال وفد أمنى فلسطيني إلى أنقرة لتفويت الفرصة على ( إسرائيل ) . وقد صرح مصطفى خليل رئيس وزراء مصر آنذاك بعد اطلاعه على مطالب الخاطفين بأن مصر تحمل مسؤولى العملية لمنظمة التحرير الفلسطينية ، جواي ديبلوماسي يتعرض له الخاطفون بسوء يدفع مصر إلى اتخاذ خطوات انتقامية ضد منظمة التحرير ، أما منظمة التحرير فنفت كل علاقة لها بالعملية وقام الأتراك بإبلاغ مصر أن الخاطفين ينتمون إلى جناح " نسور الثورة "التابع ل" الصاعقة " . عندما قامت إسرائيل بالسعي إلى تنفيذ مخططها فعرضت على مصر خطة لاغتيال زهير محسن لاقت صدى كبيراً لدى السادات نفسه والقيام بعمليات ضد مصر . إلا أن نتيجة العملية جاءت مفاجئة لإسرائيل ، فقد استلم الخاطفون بعد مباحثات مضنية قام بها مبعوث عرفات " أبو فراس " كما أسفرت عن فتح مكتب رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنقرة ، مما شكل انتصاراً سياسياً لعرفات وتراجعاً ا " نسور الثورة " و" الصاعقة " لم يفهم خليل ولا طارق ما جرى في تركيا آنذاك ولم يدركا لماذا سمحت إسرائيل بنجاح العملية . ولم ينتبها إلى مغزى الرسائل البرقية التي كانت تصل إلى طارق تطالب بمعلومات تفصيلية عن زهير محسن لأن إزاحته تعنى الكثير لإسرائيل داخلياً وخارجياً . ففي أمريكا وأوروبا على الصعيدين الرسمي والشعبي ستظهر إسرائيل أنها الدولة الوحيدة القادرة على وضع حد ل " الإرهاب " ثم إنها تقدم خدمة للسادات وتظهر أمام شعبها في الداخل بأنها جادة وقادرة على الوصول إلى رؤوس الثورة الفلسطينية . كذلك يشكل اغتيال زهير محسن نظراً لتركيبة " الصاعقة " نهاية هذه المنظمة وانهيارها وإزاحة شخص من أكبر المناهضين لاتفاقية كامب دايفيد وبالإضافة إلى زهير محسن خططت إسرائيل أيضاً لاغتيال أحمد الحلاق بصفته مسؤولاً عن العمليات الخارجية ل " الصاعقة " فانهالت البرقيات على " شيخ المشايخ " تطالب دائماً بأية معلومات عن حراسة ومكان وجوده وسفر أي من الرجلين : زهير محسن وأحمد الحلاق . وكانت حصيلة المعلومات تؤكد لإسرائيل صعوبة اغتيال زهير محسن في بيروت لكنها درست الخطة جيداً وتوصلت إلى أن عملية ضده شخصياً ستكون كبرى والأفضل توسيع أهدافها لتشكل رؤوساً أخرى في منظمة التحرير مثل أبو عمار وأبو جهاد وأبو الهول . واستغرب " شيخ المشايخ " استلامه لبرقية تسأله عن " بادرماينهوف " وأعضائها في بيروت والقواعد البحرية وقواعد " فتح " في منطقة الاوزاعى وخلدة والدامور وأبو الأسود والسعديات . لكن لا طارق تردده ولا النقيب خليل استعصى عليه الحصول على المعلومات التي أرسلت إلى إسرائيل( بسرعة وانتظام ) .
موضوع: رد: قصص جاسوسيه من كل انحاء الوطن العربي موضوع شامل (متجدد) الجمعة 25 نوفمبر 2011 - 13:50
الفصل الخامس اغتيال زهير محسن بعد عملية السفارة المصرية في أنقرة جرت اتصالات حثيثة بين الموساد ومخابرات دولة ... للتنسيق بينهما بهدف اغتيال زهير محسن . في أوائل تموز عام 1979 أرسل طارق إلى الموساد البرقية التالية : سيسافر زهير محسن إلى منروفيا، وفي 23 تموز سيكون في مدينة نيس الفرنسية . اختير زهير محسن رئيساً للوفد الفلسطيني في اجتماعات مؤتمر الوحدة الأفريقية الذي انعقد في العاصمة الليبيرية منروفيا، لمناقشة الوضع في جنوب أفريقيا والصحراء والشرق الأوسط وحرب أوغندا وتشاد وقمة دول عدم الانحياز التي عقدت فيما بعد . ولعل أهم ما في مؤتمر منروفيا آنذاك حضور السادات له، فقد كلن بحاجة ماسة إلى دعم أفريقيا له نظراً للمقاطعة التي يعيشها نظامه مع الدول العربية. وقد وصل السادات إلى منروفيا وسط حراسة مشددة جداً لم تشهدها العاصمة الليبيرية في تاريخها. وكان رجال المخابرات المصرية قد سبقوا السادات إلى هناك، إذ وصلت في السابع عشر من تموز 3 طائرات عسكرية مصرية محملة بهم، وكان السادات يدرك جيداً أنه سيواجه حالة عداء من بعض الرؤساء الحاضرين الذين يناهضون اتفاقيات كامب دايفيد . كانت مهمة رجال المخابرات المصرية تنحصر في اتجاهين : 1. حماية الرئيس السادات . 2. ومراقبة الجهات المناهضة له . في افتتاح القمة، أشار الرئيس وليام تولبار في خطابه إلى أن أفريقيا لا يمكنها أن تقبل في أي حال من الأحوال بوجود إسرائيل فوق الأراضي العربية المحتلة بقوة السلاح. كذلك أشار الرئيس الحال موسى تراورى إلى الوضع المقلق في منطقة الشرق الأوسط وصرح بأن اتفاقيات كامب دايفيد الجزئية هي السبب في زيادة حالة التوتر . في اليوم التالي للمؤتمر، وعندما نهض الرئيس السادات لالقاء خطابه، خرج معظم رؤساء الوفود من القاعة، كرؤساء وفد تونس والجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا والصومال وجيبوتي ومدغشقر وبنين وموزمبيق وأنجولا، وانتهى القمة صباح الحادي والعشرين من شهر تموز في وجود معاد للسادات واتفاقية الصلح المنفردة مع إسرائيل إذ صدر قرار عن القمة يندد بالمعاهدات المنفصلة واعتبرها عقبة تمنع الشعب الفلسطيني من تحقيق طموحاته الشرعية في تقرير مصيره واستعادة وطنه بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية، قائده الشرعي والوحيد، كما استطاعت القمة الأفريقية تلك عزل كامب دايفيد تماماً في أفريقيا. وواجه السادات عزلة خانقة. فهو لم يكن قد زار أية دولة سوى الولايات المتحدة وإسرائيل. أما زهير محسن فقد حقق لمنظمة التحرير الفلسطينية انتصاراً سياسياً كبيراً في أفريقيا على هذا الصعيد . ولم يكن يدرى أن هناك رقابة خفية تحصى عليه أنفاسه، علماً بأنه شعر بها، لكنه عزاها إلى الاحتياطات الأمنية التي اتخذتها ليبيريا لحماية الوفود . والى الحماية التي يوفرها جهاز الأمن الفلسطيني المرافق له . مصيدة كان من منروفيا توجه زهير محسن برفقة زوجته إلى مدينة كان في فرنسا مباشرة حيث استأجر هناك شقة شفى بناية " جرى دالبيون " في حي لاكروازيت باسم مستعار، فقد كان ينوى الإقامة مدة شهر كامل . وصار يقضى النهار مع زوجته علية الشاهد في الأسواق والمتنزهات وزيارة الأماكن السياحية في تلك المدينة الناعمة . ومساء الثلاثاء 24 تموز خرج زهير محسن من الشقة وحده ليتعرف على ليل هذه المدينة. وطالت سهرته حتى الفجر فعاد إلى " جرى دالبيون " وضغط على جرس الشقة، فظهرت لزوجته صورته على شاشة الجهاز المتصل بجرس الباب ففتحت له ليصعد إليها، وما كاد يطرق باب الشقة حتى ظهر شخص كان مختبئا على درج العمارة . التفت إليه زهير محسن بسرعة فانطلق الشخص النار على زعيم " الصاعقة " لتخترق الرصاصة القاتلة جبينه، منفجرة في رأسه . فسقط على الفور قتيلاً أمام عيني زوجته وصراخها ، لتكون هي الشاهدة الوحيدة على عملية اغتيال زوجها . أما بواب العمارة فقد شاهد شخصين أحدهما ملامحه أوروبية والآخر أسمر البشرة، ينطلقان في سيارة كانت متوقفة على مقربة من العمارة. وكانت علية قد وصفت الشخصين للشرطة الفرنسية التي توصلت إلى أن القاتل ألماني الجنسية يعمل قاتلاً محترفاً أما السائق الذي كان يرافقه ... الجنسية، وكانا قد توجها قبل يومين من حادثة الاغتيال إلى شقة زهير محسن التي استأجرها باسم صديقه السفير اللبناني السابق في بلجيكا بحجة البحث عن عمل، فتعرفت عليهما الخادمة من صورهما . وحمّلت سوريا إسرائيل مسؤولية اغتيال زهير محسن في بيان رسمي أما ياسر عرفات فقد أشار بعد تشكيله لجنة تحقيق ضمت كلا من " أبو الزعيم" وماجد محسن ومحمد دغمان و" أبو السعود " إلى ضلوع مخابرات دولة عربية في اغتيال زعيم " الصاعقة " الذي شيعت عشرات الألوف جنازته من " مستشفى المواساة " في دمشق إلى " مقبرة الشهداء " في مخيم اليرموك وكان الرئيس حافظ الأسد في مقدمة المشيعين . قبل الاغتيال قبل تنفيذ العملية كانت الموساد تلح على طارق وخليل بالسفر خارج بيروت إلى أية عاصمة أوروبية، فاختارا الإمارات، لكن خليل طلب أن يكون السفر إلى قبرص فقط لأن الدانمارك غالية وبعيدة، وقد يشك فيه رؤساؤه، وبالرغم من أن طارق أعطاه ألف ليرة لبنانية إلا أن خليل طلب من " أبو على " 500 ليرة قائلاً له أنه يريد أن يرتاح عدة أيام في قبرص. سافر خليل إلى قبرص بمفرده، ثم لحق به طارق في 20 تموز قبل حادثة الاغتيال بخمسة أيام فقط، فقد أرادت الموساد أن تؤكد نجاح العملية وتبعد هذين الاثنين عن بيروت وأن تورطهما أكثر لا. في ردهة الصالون في فندق " كينيدي " في نيقوسيا التقى طارق بصديقه النقيب خليل فتحادثا وشربا معاً . ثم نهض طارق واتصل بالسفارة الإسرائيلية حيث ترك خبراً لضابط الموساد زكى وعاد إلى الحديث مع النقيب خليل : Ø هل تعرف يا خليل مع أي مخابرات تعمل ؟ Ø ورد خليل : طبعاً أعرف مع مخابرات حلف الأطلسي . Ø فقال طارق وهو يبتسم : لا . Ø هز خليل كتفيه وهو يقول : لا يهم أي مخابرات والسلام . انزعج طارق من برودة صديقه وعم مبالاته فقال : انك تعمل مع المخابرات الإسرائيلية . ولاحظ طارق أن خليل لم يكترث ولم يرف له جفن ، انهم يدفعون باستمرار ويدفعون جيداً . في المساء اتصل زكى بطارق مرحباً وسائلاً : Ø هل أحضرت صديقنا معك ؟ Ø نعم . انه شفى الحجرة المجاورة لحجرتي ، وهو يجلس الآن بجواري . Ø برافو عليك ، هل أستطيع أن أتحدث معه ؟ Ø قدم طارق السماعة إلى خليل قائلاً : انه يريد أن يتحدث معك . Ø من هو ؟ Ø جورج . Ø كانت الأوراق دائماً تصل إلى خليل موقعة باسم " جورج " فتناول السماعة وهتف . Ø ألو أهلاً بالأخ خليل ، إن شاء الله مرتاح في نيقوسيا ؟ Ø ورد خليل بشكل معتاد : الحمد لله . Ø غداً سنراك أظن الساعة الخامسة ؟ إن شاء الله . في صباح اليوم التالي سمع طارق وخليل خلال الإذاعة خبر اغتيال زهير محسن شفى فرنسا في الوقت الذي كانا يتجهان لمقابلة ضابط " الموساد " . كان خليل يخشى في قرارة نفسه أن ينتقم منه الإسرائيليون لأنه جندياً حارب في إحدى الجبهات العربية 1973 إبان حرب تشرين الأول فقال لطارق : Ø اسمع يا طارق : إذا سجنوني أو اعتقلوني قم بإبلاغ منظمة التحرير الفلسطينية وقل لهم أنهم خطفوني بالقوة . وإياك أن تتفوه بأي شيئاً عما قمنا به . لكن زكى سرعان ما أراح بال خليل إذ استقبله بترحاب كبير وهو يقول : Ø يا عيب الشوم يا حضرة الضابط، هل نحن بلا مبدأ ؟ أنت ضابط وأنا ضابط مثلك ، ونحن نحترم الزمالة ولا ننتقم من أفراد . نحن عداوتنا مع دول وننتقم من دول . أما أنت معنا ونحن في خندق واحد . لم يكن خليل يتوقع مثل هذا الاستقبال فانتهز الفرصة بعد دقائق قليلة ليقول لزكى : Ø أنا مريض جداً ، وأعاني من أمراض كثيرة في بطني وأذني وأماكن أخرى هل تعالجونني ؟ Ø بس هيك ؟ بسيطة ، في " مستشفى هداسا " سيخلقونك من جديد . ثم دار حديث حول السفر إلى تل أبيب والطب في إسرائيل وما إلى ذلك قبل أن يتذكر خليل مصرع زهير محسن فقال : Ø ولو كيف تقتلون زهير محسن ؟ خلاص قتلتوه ومات ؟ ! سؤال فيه الكثير من السذاجة والكثير من الغباء، علماً بأن النقيب خليل لم يكن غبياً إلى هذا الحد، ولكنه كان بحاجة نفسية لالقاء مسؤولية القتل على جهة أخرى بعيداً عنه . وكان يتمنى لو لأنه يسمع جواباً بالإيجاب ، لكن زكى قال باستخفاف : Ø نحن لم نقتل زهير محسن. لقد قتل زهير لانخراطه في أمور مادية ودنيئة ولو أن كل قيادات الفلسطينيين مثل زهير محسن لكننا نحن حميناهم . وأنت تعرف لأننا حين نقتل واحداًُ من زعماء المنظمات فإننا ننشر الخبر ونذيعه على العالم كله . وبالرغم من كل الأوصاف السيئة والأعمال المشينة التي نسبها ضابط الموساد إلى الزعيم الفلسطيني زهير محسن ، إلا أن الثلاثة كانوا يعرفون في قرارة أنفسهم انهم مسؤولون عن اغتياله وفجأة توجه زكى إلى خليل بالقول : Ø إنني أفهم دوافع طارق للعمل معنا ، ولكنني لم أفهم إلى الآن كيف وافقت أنت على العمل معنا بهذه السرعة ؟ فقال خليل : Ø في الواقع لو أنكم طلبتم منى أن أعمل ضد بلدي لترددت كثيراً ... ! ولكنني وافقت على العمل معكم لأن سياسة " الصاعقة " لا تعجبني ، بالإضافة ألي صعوبة حصولي على منصب كبير فيها . شفى اليوم التالي طلب زكى من طارق أن يدفع أجرة الفندق عنه وعن خليل ويحزما أمتعتهما بعد أن يقول لموظف الاستقبال أنهما ذاهبان إلى لارنكا، على أن يأتي بجواز سفره وجواز سفر خليل وكل الأوراق الأزمة إلى مكتبه في السفارة الساعة الخامسة مساء وأن لا يحضر خليل نفسه إلى السفارة، خذ جواز سفره ودعه ينتظر في مكان عام . نفذ طارق الأوامر بحذافيرها في اليوم التالي، وترك خليل في محل " فليبر " ليمر على زكى في الموعد المحدد الذي أخذ منه جازى السفر والأوراق التي طلبها. ثم ناول طارق جواز سفره الإسرائيلي وجواز سفر إسرائيليا جديداً لخليل وتذكرتي سفر على إحدى البواخر المنطلقة من مدينة ليماسول.
عرج طارق على خليل في محل " الفليبر " وقال له : " هيا بنا " . خرجا من المحل وأوقف طارق سيارة أجرة طلب من سائقها أن يوصلهما إلى لارنكا، فوافق السائق الذي انطلق بهما بسرعة فائقة. وفى منتصف الطريق طلب من السائق أن يأخذ طريق ليماسول ولما استفسر السائق عن السبب قال طارق : Ø أعتقد أن ليماسول اجمل وهناك الكثير من السائحات على الشواطئ . نوم عميق في ليماسول نزلا أمام أحد الفنادق ونقد طارق سائق التاكسي أجرته ، وانتظرا حتى غاب عن عينهما ، ثم استقلا سيارة أجرة واتجها إلى الميناء . في الطريق سال طارق خليل : Ø هل يصيبك دوار البحر ؟ Ø فرد خليل : لا طبعاً ، شو مفكرني أنا ضابط بحرية أساساً ؟ Ø ابتسم طارق وهو يقول : عظيم إذن . عند حاجز الأمن، قال طارق لضابط التفتيش وهو يسلمه جوازي سفرهما " صديقي لا يجيد غير اللغة العربية " هز الضابط رأسه بلا اكتراث وسمح لهما بالدخول، فجلسا قرابة الساعة على الرصيف أمام الباخرة قبل أن يعبر زكى ويصعد إلي ظهر الباخرة مشير لهما بأن يتبعاه وهو يحمل جواز سفره بيده . فهم طارق الإشارة وتقدم من رجل الأمن على مدخل الباخرة حيث قدم له جوازي السفر فأدخلهما العسكري ليستلهما زكى حيث أوصلهما إلى إحدى الغرف قائلاً : هذه " الكابين " لكما . وانصرف زكى ليعود بعد قليل حاملاً مشروباً وتسالي وسجائر، وجلس يتحدث معهما موجهاً اهتمامه إلى خليل . تحدثوا عن البحر وحالة خليل المرضية ، مما جعل خليل يستريح نفسياً حين قال له زكى : Ø " سوف نعالجك في " مستشفى هداسا " على يد أمهر الأطباء في العالم لتعود شباباً من جديد " بعد فترة نهض زكى مودعاً وهو يقول : Ø لا تخرجا من " الكابين " إطلاقا فهناك على الباخرة طالبان من الضفة الغربية استقلا المركب من إيطاليا . فما كان من خليل أن شرع في النوم كأنه في بيته، ليبدأ بعد دقائق عملية شخير مزعجة لم يستطع طارق أن يتحملها فخرج من " الكابين " في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وظل يتمشى ويراقب البحر حتى جاء عمال النظافة في الصباح فساعدهم، قبل أن يوقظ خليل في تمام الساعة السابعة حين بدأ الشاطئ الفلسطيني من بعيد . خرج خليل من " الكابين " وتطلع حوله في البحر فوجد زورقين حربيين إسرائيليين يرافقان الباخرة آتى بدأت تدخل في ميناء حيفا . وبعد أن نزل جميع الركاب ، نزل الثلاثة من الباخرة حيث كانت هناك سيارة في انتظارهم . طلب زكى من سائقها واسمه ديفيد أن ينطلق بهم إلى تل أبيب . وبعد دقائق من انطلاق السيارة قال زكى وهو يشير بيده : Ø هنا حصلت عملية الأوتوبيس التي قادتها ال...دلال المغربي . يا للمفارقة ! الأبطال مروا من هنا بدمائهم وها هم الخونة يمرون . ورغم إن الملاحظة أثارت في الاثنين حب الاستطلاع إلا أنهما مسحا وجهيهما بشكل عفوي يشويه الارتباك ، وكأن الأرض قد بصقت عليهما . اتجهت السيارة ناحية " الكانتري كلوب " حيث نزل كل منهم في " كابين " خاص وأوصاهما زكى أن لا يفتحا الباب لأي إنسان سوى السائق ديفيد أو ضابط الموساد الآخر سامي . ثم انصرف ليعود في الرابعة والنصف بعد الظهر يراقبه ضابطان من الموساد فجلسوا جميعاً في حجرة الضابط خليل الذي طلب منه زكى أن يحدثهم عن نفسه وعائلته منذ البداية ومنذ كنت طفلاً . فبدأ يحكى لهم وهو يتأتىء ’ فضحك طارق مما أثار خليل فصرخ زكى شفى وجه طارق : Ø " اذهب إلى حجرتك ودعنا نعمل " . فنهض طارق وغادرهم ليواصل الضابط خليل سرد حكايته منذ البداية . سقوط النقيب خليل شكل خليل صيدا ثميناً ل " الموساد " . فها هو ضابط " الصاعقة " ومسؤول الأمن فيها عن منطقة الحمراء في بيوت ، يجلس مع " ضابط الموساد " فى تل أبيب يعصرونه عصراً ، ولم يشأ زكى أن يضع أي قيد نفسي على خليل فمر بطارق في غرفته وقال له : Ø نحن مشغولون هذه الليلة مع خليل لكنني سأمر بك في الصباح . كانت ليلة طويلة على خليل ، لذلك حين مر زكى بطارق في الصباح . كانت الساعة حوالي
العاشرة. تناولا الإفطار معاً وأعطاه صحيفة " القدس " كي يتسلى بقراءتها بينما ذهب زكى إلى غرفة خليل . بعد ساعة ، مل طارق من الجلوس وحيدا، وكان قد أنهى قراءة الجريدة فتوجه إلى حجرة خليل ليرى هناك زكى ومعه ضابط آخر من " الموساد "وخليل متحلقين حول مجموعة من الخرائط لسورية ولبنان وإسرائيل لكن طارق ما يلبث طويلاً ،فقد نهض زكى وتأبط ذراعه قائلاً : Ø هيا بنا ودعهم يكملون عملهم : وأدرك زكى أن طارق قد مل من البقاء وحيداً فقال له : Ø سأعود بعد خمس دقائق ومعي خبير في استخدام الكربون السري ليدربك على الكتابة به فتكتمل وسائل اتصالاتنا تماماً . وتجدر الإشارة هنا إلى أن مجموعة ضباط " الموساد " التي قابلت خليل وطارق ، هي المجموعة المتخصصة في شئون " الصاعقة " . إذ أن " الموساد " تتكون من خلايا تصب كلها في شبكة واحدة . فمنذ ظهور المنظمات الفلسطينية ، تلك تخصيص مجموعات من خيرة ضباط " الموساد " لكل واحدة من المنظمات ، تتابع نشاطاتها وتدرس أفكارها وأدبياتها وتتجسس على عناصرها وقيادييها وتحتفظ بكل ما يصدر عنها حتى أصبح ضباط " الموساد " المتخصصون كأنهم أعضاء في المنظمات الفلسطينية يفكرون بالطريقة التي فكر فيها عضو التنظيم أو القيادي ، ولم يكن خليل بالطبع على علم بما يدور في " الصاعقة " ، فقط ولكنه كان يعلم إلي حد ما أشياء عن المنظمات الأخرى . وقد كان اهتمام " الموساد " به في تلك الفترة نابعاً من تخطيط إسرائيلي لاجتياح لبنان ، فهي بحاجة لتجميع كل ما يمكن جمعه من معلومات . وبحاجة أيضاً إلى تأليب الشعب اللبناني على الفلسطينيين بالطلب من عملائها – ومنهم خليل – القيام بأعمال استفزازية للمواطنين اللبنانيين ، وافتعال حوادث عنف واعتداءات ضد الشعب اللبناني والممتلكات الخاصة . حتى أصبح خليل مع غيره ، بعد عودته من تل أبيب مثالاً للبلطجة والرشوة والفساد والتخريب وكانت الناس في لبنان تعرف هؤلاء الأشخاص جيداً ، لكنهم لم يفكروا يوماً بأنهم عملاء لإسرائيل بل كانوا يعتقدون أنهم " مسنودون " من قياداتهم وأن المسألة مسألة هرم أو صندوق تفاح لا يقتصر التعفن على بضع تفاحات فقط ، علماً بأن أعمال البلطجة والتخريب تلك ما كانت لتخدم إلا المصلحة الإسرائيلية . لكن أحداً في تلك الأيام لم يتوقف أمام نفسه ليطرح عليها هذا السؤال لمصلحة من تتم هذه الأعمال ؟ ومن هو المستفيد منها ؟ من المؤكد أن هذه الأعمال كانت تسيء أعظم الإساءة إلى المنظمات الفلسطينية وقياداتها ، لذلك أقدمت منظمة التحرير في العديد من المناسبات على إعدام مثل هذه العناصر كالحرية . بعد عصر خليل وتدريبه على الكربون السري والبخار طلب من زكى أن يعود إلى بيروت ويؤجل مسألة العلاج إلى مناسبة ثانية ، ذلك أنه تخوف أثناء عملية اغتيال زهير محسن ،وهو في الخارج من أن يحوم الشك حوله . [/size] [/size] [/size]
[size=18] [size=18][size=18] بعد دقائق كان زكى قد أمن لخليل سفره بالجو إلى قبرص ، ومن قبرص إلي بيروت على " الميدل ايست " في اليوم التالي ، ثم ناوله مبلغ 2000 دولار ، وهو يقول له : Ø " هذه مكافأة ، ولك بذمتنا كل شهر 200 دولار " . تخلف طارق في تل أبيب مدة يومين حيث اصطحبه زكى إلى ايلات وطاغ به على بعض الأماكن السياحية ثم أعطاه مبلغ ألف دولار قبل مغادرته إسرائيل إلى بيروت ، عبر باريس كما حدث في المرة السابقة . وجد طارق خليل منهمكاً في أعقاب اغتيال زعيم " الصاعقة " . ولما سأله ماذا قالوا له في تل أبيب رد بإيجاز شديد : لا شيء ، مثل العادة فقط . وكانت البرقيات الإسرائيلية تتوالى على بيروت تسأل : هل هناك عمليات خارجية ؟ وهل سينتقمون لزهير محسن ؟ ومن سيخلفه ؟ وهل هناك تغيرات في جهاز الأمن ؟ في هذه الفترة ، تجمعت لدى المخابرات الفلسطينية كمية من المعلومات حول تحركات طارق والنقيب خليل (لم يسمح بذكر المصدر) . وعلى الأثر عقد اجتماع شفى مقر مكافحة التجسس في بيوت حيث جرى نقاش طويل امتد أكثر من جلسة حول المعلومات وطرقة المعالجة والتنفيذ . ثم اختلى أبو محمد رئيس الفرقة باثنين من ضباط المكافحة لتقرير كيفية التعامل مع الضباط خليل وطارق، قال الضابط حسين : Ø أرى أن نقوم باعتقالهما فوراً . وطال النقاش مرة أخرى إلا أن أبو محمد حسم الجدل أخيراً بقوله : قبل اتخاذ أي خطوة حاسمة يجدر بنا أن نعرف كل شىء وكل المعلومات التي وصلت إلى العدو عن طريقهما ، وكل ما سيوصلانه حالياً وفى المستقبل . عميل مزدوج وضعت أجهزة تنصت في منزل كل من خليل وطارق . فقد قرر أبو محمد سلفاً التخلص من خليل بالقتل لأن اعتقاله سيؤدى إلي مشاكل مع" الصاعقة" وغير " الصاعقة " . أما طارق فقد كانت خطة أبو محمد تقضى بتشغيله عميلاً مزدوجا ً ، إذ أن خليل لا يصلح لهذه المهمة فهو متهور وقليل الاتزان ، بعكس طارق آذى هو في الأساس أصل المشكلة وبيت الداء . وقامت الفرقة بإعلام ثلاثة من كبار المسؤولين في " الصاعقة " بعمالة خليل ، كما قامت بإبلاغ جهاز أمن عربي بمهمة خليل . فتم الاتفاق بين الأطراف الثلاثة على ترك المسألة للمخابرات الفلسطينية تتصرف كما تشاء . وضع أبو محمد خطة دقيقة للعمل . فهو صاحب خيرة طويلة في العمل السري ، وملفه في " الموساد " ضخم ومعروف باسم " الرجل الزئبق " لصعوبة تثبيته في مكان معين أو محاصرته أو معرفة مكانه ، فهو لا يسلك طريقاً واحدا ً مرتين متتاليتين ، ولا يبيت في مكان معين مرتين ، وشكله لا يوحي بقدراته ولا يثير الانتباه ، وكان قد اعتقل في الماضي في إحدى الدول العربية . وحين دخل على العقيد ضابط التحقيق فوجئ هذا الأخير به ، فقد كان يظن أنه سيواجه رجلاً جباراً عنيفاً ، ضخم الجثة ، فدهش وأبو محمد يدخل عليه نحيفاً متوسط الطول لا تبدو عليه أية صفة من تلك الصفات الموجودة في الملف الضخم أمامه فقال بعفوية سائلاًُ : Ø أنت أبو محمد ؟ Ø ولما أومأ بالإيجاب عاد يسأل : غير معقول . وهل أنت قادر على القيام بكل هذه الأعمال التى تملأ هذا الملف ؟ لم يبتسم أبو محمد ولم يرد ، فقد فوجئ بأن يسأله ضابط عربي كبير يحقق معه كمجرم في أعمال قام بها ضد العدو الإسرائيلي . فقد كان العمل الفدائي الفلسطيني أيامئذ غير مسموح وغير مقبول في عدد من الدول العربية . قرر أبو محمد في ظل الظروف الفوضوية والصعبة آتى يواجهها العمل الفلسطيني وتفوق " الموساد " التكنولوجي أن يتصرف بدهاء وحكمة . فقد كان طبيعياً أن يكتشف عميل ما في إحدى المنظمات فيهرب إلي منظمة أخرى ليستقبل فيها استقبال الأبطال خصوصاً إذا كانت بين المنظمتين شئ من الحساسية . كان قرار أبو محمد يقضى بتصفية خليل جسدياً في خطة مدروسة لا تثير الشك ، فهناك العديد من عملاء " الموساد " في بيروت غير طارق وستصل أخبار قتله إلى " الموساد " في اليوم ذاته . استدعى أبو محمد ثلاثة من رجاله المختصين في الرماية بالمسدسات . وعرض عليهم عشرات الصور التي التقطتها المخابرات الفلسطينية لخليل وطارق أمام مكتب خليل وأما البناية التي يسكن فيها طارق وفى المطاعم ومحلات " الفليبر " وفى الشارع . Ø تناول صورة تجمع بين الاثنين وعرضها على الشباب قائلاً : Ø هل تستطيعون حفظ وجهيهما جيداً ؟ Ø فقال رائد وهو يتمعن الصورة : ولو يا أبو محمد ! هذه شغلتنا . Ø وضع أبو محمد إصبعه على وجه خليل وهو يقول :هذا ... هذا هو المطلوب الآخر لا تمسوه ، حسين سيخبركم بالتوقيت والطريقة . ابر أهيم هو المنفذ وأنتما للتغطية والتمويه . اصطحب الضابط حسين الثلاثة لمراقبة طارق وخليل . وبينما هم جالسون في مقهى " استراند " أطل خليل ومعه طارق . فقال حسين : " ذاك الذي على اليمين بالزي العسكري " . ولم يفاجأ الفريق بأن خليل عسكري في " الصاعقة " . ربما فوجئوا في داخلهم ولكنهم تعودوا عدم طرح الأسئلة إذا ما صدرته إليهم الأوامر . انهم من أمهر القناصة ، وكم تدربوا على إصابة عيدان الكبريت عن بعد وأحياناً بأعين معصوبة، فالمسدسات رفيقهم الأكثر إخلاصا الذي يقوم وينام معهم ،. أيديهم ترتاح حول مقابضها حتى أنك تراهم وأيديهم خالية من المسدس لكنها تبدو منحية ومضمومة بشكل كأنها لا تزال تحضنه ، السؤال الوحيد الذي طرحه إبراهيم على حسين كان يتكون من كلمة واحدة فقط : " متى ؟ " ورد حسين : " الليلة " فقال رائد : Ø " إذن لم يبق له في الحياة سوى ساعات قليلة " . لحظة الانتقام في تلك الليلة كان خليل ينتظر زوجته أما مكتبه ومع طارق للذهاب الى مطعم " نصر " على الروشة لتناول العشاء هناك . Ø وفجأة لمح طارق بعض المسلحين قائلاً : انظر . انهم يهربون من المحل ؟ Ø فقال خليل : انهم لصوص . Ø وبسرعة مد يده إلى مسدسه لكن طارق قال له : دعك منهم . ولم يكد طارق ينهى كلمته حتى كان أحد المسلحين يصوب مسدسه نحو خليل حيث ، ألق في لمح البصر رصاصتين اخترقت الأولى رأسه والثانية رقبته قبل أن يقع على الأرض . اندفع بعدها المسلحان داخل سيارة كانت تنتظرهما على مقربة لتطير بهما كالريح . ذهل طارق من السرعة التي تم بها كل شئ ومن الطريقة التي قتل فيها صاحبه لأن لصاً رآه يمد يده إلي مسدسه . خرجت عناصر أمن " الصاعقة " من المكتب على صوت الرصاص ليجدوا خليل مضرجاً بالدم ، وبسرعة حملوه في إحدى السيارات إلى المستشفى ولكنه فارق الحياة قبل أن يوضع على النقالة . بعد نصف ساعة على الحادث وصل فريق تحقيق من أمن " الصاعقة " استمع إلى أقوال طارق بعد أن حاصرت مجموعة من المسلحين المنطقي على الفور ، دون أن يهتدوا إلى شئ لكنهم توصلوا إلى أن خليل قتل بالصدفة وذهب ضحية لصوص مسلحين وفى اليوم التالي أذيع خبر مقتل ضابط " الصاعقة " في حادث لصوصية ،فطارق نفسه الذي كان شاهد عيان على الحادث الذي وقع أمام عينيه ولم يشك لحظة في أن الحادث عرضي وقع بالصدفة لسوء حظ خليل وأن المنفذون لصوص محترفون ، بينما كان أبو محمد في اليوم التالي يشكر الرفاق الذين نفذوا العملية بدقة متناهية ويوكل تنفيذ المرحلة الثانية من العملية إلى فريق آخر بقيادة الضابط حسين . كان طارق يتهيأ للنوم في شقته حين قرع جرس الباب . لما فتحه وجد أمامه شخصاً طلب إليه بكل تهذيب أن يحرك سيارته المتوقفة أمام البناية متراً واحداً ليتسنى له توقيف سيارته هو الآخر . فسيارة طارق كانت تحتل مكان سيارتين فقال للطارق : Ø لحظة واحدة انتظر الرجل على الباب حين انتعل حذاءه ونزل معه على الدرج وقبل أن يصل إلى بهو العمارة بلحظات قال له حسين ويده شفى جيبه . Ø أسمعني جيداً . نريدك أن تذهب معنا بلا ضجيج ولا صراخ وإلا ستموت هنا على هذه الدرجات . ذهل طارق وظن أن الرجل يمزح معه لكنه حين نظر وراءه رأى شخصاً لآخر يحمل في يده مسدساً . وعند زاوية المدخل رأى رجل لآخر يصوب إليه مع مسدسه نظرات نارية ، حاول أن يصرخ لكن الصرخة تجمدت في حنجرته التي تحشرجت فأدرك أنه وقع ولا نجاة ، والأفضل أن يذهب معهم بكل هدوء . أمام باب السيارة قال لهم ، " هل أستطيع تغيير ملابسي؟ ولم يجبه أحد . فقد دفعه كريم في المقعد الخلفي لتنطلق السيارة بالجميع إلي مقر مكافحة التجسس ، ليبدأ التحقيق مع طارق . طارق في الفخ استمر التحقيق مع طارق ثلاثة أيام كاملة بلياليها تمنى خلالها ألف مرة لو أنه قتل مع النقيب خليل . فقد وجد أن المخابرات الفلسطينية تحتفظ له بملف كامل فيه كل شئ عن حياته وأعماله . وحين أدخلوه على أبو محمد ، دخل منكس الرأس ذليلاً يتمنى في قرارة نفسه لو أن الأرض تنشق تحت قدميه وتبلعه حياً ، فقد كان الموت أهون عليه من هذا العرى الذليل ، وهو الذي كان يظن أن الناس تنظر إليه نظرتها إلى شباب وطني قومي يعمل لصالح
المقاومة الفلسطينية . خفض عينيه بانكسار مهين حين التقتا بعيني أبو محمد الجالس خلف مكتبه . طال الصمت وهو يتمزق قبل أن يشير إليه أبو محمد بالجلوس . فجلس وأبو محمد يسأله . Ø ألم تفكر يوماً بهذا الموقف ؟ Ø لقد أجبروني وابتزوني . لست خائناً .. أقسم لك . Ø قاطعه أبو محمد بحسم : اخرس . ألا تعرف كم قتل من الأبرياء بسبب خيانتك ؟ وزهير محسن هل نسيته ؟ Ø لقد خوفوني Ø هل يساوى خوفك كل هذا الدم الذي نزف من أهلنا وأهلك في لبنان ؟ أليس هذا شعبك الذي تقصفه الطائرات الإسرائيلية بناء على خيانتك وخيانة خليل ؟ Ø خليل هو الذي وضع الخرائط . Ø اخرس ، الست أنت أساس البلاء يا حيوان ؟ صحيح أنك ميت الضمير ، لكن إذا كان ضميرك وشرفك قد ماتا ولم يبق فيك غير الخوف ، فهل تعتقد أنك بعيد عنا ؟ هل تظن أن يد " الموساد " أطول من يدنا ؟ كان باستطاعتنا قتلك مع خليل ، ولكن قررنا أن نبقى على حياتك ، بحثاً عن ذرة قد تكون بقيت حية من ضميرك الميت . فكر طارق : Ø " إذن موت خليل لم يكن صدفة ، ولا اللصوص كانوا لصوصاً . العملية كلها مدبرة . يا إلهي . كان يجب على أن أدرك ذلك " . Ø نشله صوت أبو محمد من تفكيره وهو يقول له : لقد قررنا أن نعطيك حق تقرير مصيرك . فلك وحدك القرار في أن تموت شر ميتة أو تحيا . Ø أمسك طارق بآخر كلمات أبو محمد بلهفة قائلاً : أنا تحت أمرك . اطلب منى ما تشاء . Ø نريدك أن تواصل العمل مع " الموساد " . Ø ذهل طارق وظن أنهم يريدون تصفيته بالجرم المشهود . فقال : لم أفهم قصدك . Ø فقال أبو محمد بهدوء حازم : نريدك أن تبقى على اتصالاتك المنتظمة معهم ولكن بتوجيهاتنا نحن . هل تفهم ؟ Ø فهمت Ø لا أعتقد أنني بحاجة لاقناعك بعدم الخيانة . فإياك أن تلعب معنا . لأنك عندئذ لن تستطيع الانتحار ولم تعرف غير الألم الدائم . لأننا لا نقتلك برصاصة قيمتها 25 سنتاً أمريكياً . فابتسم أبو محمد لأول مرة في الجلسة . هو الذي دأب على مقارعة " الموساد " سنوات طويلة . لكن بالرغم من ذلك فقد أحس طارق في ابتسامة أبو محمد شئ من الدفء وارتاحت أعصابه حين قال له أبو محمد : Ø لا تخشى شيئاً . فنحن نعرفهم جيداً ونعرف طريقة تفكيرهم وتصرفاتهم وامتحاناتهم التي سنجعلك تنجح فيها بتفوق . والرائد حسين سيكون المسؤول عنك وعن تدريبك واعطائك المعلومات . بدأت جلسات إعادة التأهيل مع حسين الذي جعله يضع أيام الاعتقال الثلاثة في قاع الذاكرة دون أن ينساها تمتماً . وأفهمه بأن لا يخبرهم عن مقتل خليل بواسطة الجهاز . إن من الضروري أن يسافر إلى أوروبا وأن يتصل بهم هناك . لأنه سيأخذونه إلى تل أبيب وأفهمه أن لا يخبرهم بأي شئ عن اعتقاله لأنهم لا يعلمون أي شئ عنه . فموعد الاتصال بهم غداً وسيكون وقتها في البيت . Ø " وغداّ سنزودك بكل المعلومات الضرورية لتقولها لهم عند التقائك بهم في أوروبا " .
موضوع: رد: قصص جاسوسيه من كل انحاء الوطن العربي موضوع شامل (متجدد) الجمعة 9 ديسمبر 2011 - 15:29
اسف علي تاخري في طرح اخر حلقه لكن نظرا لظروق خارجه خارجه عن ارداتي وها هي الحلقه الاخيره الفصل الاخير نهاية الضابط زكى بعد إعادة تأهيله وتدريبه على كل الاحتمالات أحضر طارق أمام " أبو محمد" من جديد ، الذي قال له : Ø ستسافر غداً وتتصل بهم كالعادة . ستجدهم هذه المرة متحفظين تجاهك بعض الشيء . وقد يستجوبونك من جديد . ويسبرون أغوارك بعد مقتل خليل . يريدون أن يتأكدوا من أنك ما زلت معهم ! قد يعرضونك على جهاز كشف الكذب ، ولا شك أن الأخ حسين قد حفظك الدور تماماً ، فقد أعد مع نفسك القصة والأجوبة حتى تحفظها عن ظهر قلب . جهاز كشف الكذب يكشف كسر الروتين والنبري وضغط الدم والانفعال في صوتك لا أكثر ولا أقل . ولا تتفاجأ أمام أي سؤال. وكن طبيعياً حسين طرح عليك كل الأسئلة التي يمكنهم أن يسألونك عنها ، وقد حفظت أنت الأسئلة جيداً كما حفظت إجاباتها ، وأنت يا طارق ، الآن أمام الخيار الأكثر أهمية في حياتك . نحن لن نغنيك بالأموال . ولا نعدك بدولارات لا عد لها ولا حصر . فكل ما نعدك به أنك ستكون مرتاح الضمير أمام نفسك وأهلك ناسك . لقد عدت إلى نفسك وأهلك من نفق الخيانة التي لا يرضى بها الله ولا الإنسان . نحن ثقتنا كبيرة في الإنسان العربي ولقد أتحنا لك فرصة التفكير عن عملك السيئ بخدمة بلدك وجذورك . فلا تفوت الفرصة . فلتكن توبة نصوحة لله والوطن . سكت " أبو محمد " وهو يتفرس وجه طارق الذي كان يصغي بكل جوارحه ، وما أن هذا صوت " أبو محمد " حتى رفع طارق رأسه ليقول : Ø لا تخف يا " أبو محمد " والله لو قلعوا عيني فلن أفرط في شيء ولن أخون. صيت " الموساد " اكبر منه انهم يصورونه كأسطورة بالرغم من أنه جهاز مخابرات عادى . لكن الذي يفيد " الموساد " أن اليهود في إسرائيل وفى دول العالم الأخرى متماسكون ويعملون يداً واحدة من أجل إسرائيل . بعكسنا نحن الذين نمشى وسط الألغام العربية التي زرعت بين أيدينا قبل أن تزرع بأيدي غيرنا . امتدت الجلسة مع " أبو محمد " أكثر من ساعة أدرك خلالها رجل الرصد الفلسطيني أن طارق صادق معه . لكنه كان متخوفاً من عدم نجاحه في امتحان " الموساد " ، فقال له : قبل أن يصافحه مودعاً : Ø أتمنى لك سفراً سعيدا ً ورحلة موفقة ، ولا تنس أن إرادة الإنسان أكبر من " الموساد " ومن كل المخابرات العالمية ، فكن واثقاً من نفسك ولا تتردد أو تنزلق وستجد الأمر أكثر سهولة مما تتصور،الأمر الذي سيجعلك بطلاً لا في عيوننا نحن فحسب بل في عينك أنت ، إن استطعت أن تتغلب على " الموساد " . كان طارق قد بدأ يسترد ثقته فتحول من إنسان ساقط إلى إنسان ذي قيمة فتحولت حتى طريقة كلامه وكلماته إذ قال " لأبو محمد " : Ø توكل على الله . وستجدني عند حسن الظن والثقة . وكم أتمنى في هذه اللحظة لو أنكم كشفتم أمري مبكراً . ابتسم " أبو محمد " وهو يقول : Ø لكل أجل كتاب ولكل شيء أوان . وما يدريك أن كشفنا لك الآن خير من كشفنا لك مبكراً أو متأخراً ؟ من هنا سنبدأ ، وان شاء الله ستكون بداية أخرى . أتمنى لك التوفيق ومع السلامة . تصافحا وخرج طارق ومعه حسين يرافقه إلى الباب . في اليوم التالي سافر طارق إلى ايطاليا، واتصل كالعادة بالسفارة الإسرائيلية وترك خبراً للمشرف عليه ( الكونترول ) ، أي ضابط " الموساد " زكى الذي هرع في اليوم التالي إلى روما . ولما التقيا في السفارة عانقه زكى مهنئاً إياه على سلامته ومرحباً : Ø لقد خفت عليك كثيراً . فقد كنت دائما مع خليل – الله يرحمه . Ø لقد كشفوه . فوجئ طارق بأنهم يعرفون بمقتل خليل أولاً ، رغم أن خبر موته أذيع . كما فوجئ بكلمة " كشفوه " يتفوه بها زكى . تماماً كما أخبره حسين من قبل . فقال لزكى بدهشة وتساؤل : Ø كشفوه ؟ ! من الذي كشفه ؟ فقال زكى وهو يبتسم : Ø ولو ! سلامة فهمك يا طارق . الفلسطينيون طبعاً . بدأ طارق عصبياً تناول سيجارة وأشعلها بحدة ، كل شئ يتسم حسبما أخبره حسين . نفث دخان سيجارته بتلعثم ثم قال : Ø غريب ! لقد رأيت الحادثة بعيني . لقد قتله اللصوص . على أية حال ، اسمع يا زكى ، أنا خائف ولا أريد أن أستمر . أرجو أن تبحث عن طريقة تخلصني بها من الجهاز . فاليوم خليل وغداً أنا . كان يراقب وجه زكى وهو يتحدث بعصبية ، وشعر أنه سجل نقطة كبيرة لصالحه ، فقد لمح علامات التخوف على وجه زكى الذي قال مهدئاً : Ø لا تخف ، نحن معك ، أروى قصة مقتل خليل بالتفصيل . فرواها له بكل حذافيرها وكما أعادها وراجعها مع حسين عشرات المرات . وفى نهاية اللقاء ربت زكى على كتف طارق قائلاً : Ø ولا يهمك . احزم حقيبتك وحضر نفسك فسنسافر الليلة إلى تل أبيب . أطفأ طارق سيجارته وصافح زكى على أن يلتقيا مساء في المطار . وفى الطريق إلى الفندق ، كاد طارق يطير من الفرح . فقد حصل على كل شئ تماماً كما أخبره حسين . حتى أن شكاً خامره بأن حسين رتب كل شئ مع زكى ، لكنه قرر أن يلعب الورقة الفلسطينية إلى النهاية مهما كانت النتائج . فقد أخبره حسين أثناء الجلسات بأنه يضطر للتفكير كإسرائيلي في الكثير من الحالات وكضابط " موساد " بالتحديد . فهو يعرف أساليبهم جيداً كما أنه يبحث كل الاحتمالات ويستكشف " السيناريوهات " ، ويضع كل الأسئلة التي تخطر وقد لا تخطر على البال مع اهتمام بالغ بالتفاصيل والتوافه الصغيرة . إذ كثيراً ما تكون هذه التوافه هي المقتل . فبعد أن طاف معه حسين كل الأجواء والآفاق قال له أن هذا هو " السيناريو " المحتمل للقائك مع ضابط " الموساد " . وفعلاً ، حتى خروجه من السفارة الإسرائيلية لم يتفوه زكى بكلمة واحدة لم يقلها حسين . ضخ فيه هذا الشعور بمقدرة حسين وضابط المخابرات الفلسطينية ثقة هائلة ، قرر أن يتفوق على زكى الذي أذله وأهانه ، بل على كل " الموساد " . سيمرغ أنوفهم في التراب ، وليحضروا كل أجهزة الكذب والتكنولوجيا الحديثة ، فسوف لن يصلوا معه إلى أية نتيجة ، بل إن نهاية زكى في " الموساد " ستكون على يديه هو ، منتقماً لشرفه الذي داس عليه هذا الصهيوني اللعين . لمعت عينا طارق بالشرر ،فحث الخطى إلى الفندق . حزم حقائبه وطلب بعض الشراب في غرفته ثم نزل إلى صالة الاستقبال حيث دفع الحساب وغادر الفندق إلى المطار بعد أن وضع أعصابه في ثلاجة رغم شعوره الطافح بأن رحلته هذه إلي إسرائيل مختلفة عن رحلتيه السابقتين . إنها رحلة المصير التي ستقرر خياره الأبدي : فأما أن يموت ويقتلوه وأما أن يكون بطلاً قومياً . امتحان صعب في مطار تل أبيب . كانت السيارة الخاصة في انتظارهما عند سلم الطيارة. دلفا إليها فانطلقت بهما إلى شمال تل أبيب لتتوقف أمام إحدى البنايات النظيفة . ثم نزلا في شقة البناية مكونة من غرفة نوم واحدة وغرفة استقبال ينتشر في جوانبها ذوق أنثوي وملابس أنثوية وأدوات مكياج . تركه زكى ينام في غرفة النوم بعد العشاء ، في حين نام ضابط " الموساد " في غرفة الاستقبال . في الصباح .جاء شاب يحمل حقيبة ضخمة فقال زكى لطارق : Ø نحن كضباط ، نخضع كل عام لامتحان روتيني . وبما أنك أصبحت واحد منا وان ما يجرى لنا سيجرى لك . هذه الآلة التي تراها أمامك تسمى " جهاز الكذب " . ولا شك أنك سمعت بهذا الاسم من قبل . نحن على أية حال ، لكثرة ما عرضنا على هذا الجهاز ، صرنا نسميه " جهاز الصدق " . كان طارق يومئ لزكى وعلى وجهه علامات الدهشة . فابتسم الخبير وهو يتقدم من طارق ليربط الأسلاك بيديه ورجليه وصدره . ثم بدأ زكى يوجه إليه الأسئلة : Ø ما اسمك ؟ فرد طارق : Ø طارق .... Ø اسمك طارق عيتانى . أليس كذلك ؟ Ø ورد طارق: اسمي طارق الحمدان . Ø كم عمرك ؟ 27 سنة . Ø قل لي يا طارق : كيف قتل ضابط " الصاعقة " خليل ؟ وروى طارق القصة كما سبق له ورواها لزكى فى روما . وعاد زكى يسأل : Ø بعد عودتك من المستشفى ، هل تحدثت عن علاقتك بنا ؟ وأجاب طارق : Ø لا . هل أخفيت عنا أية معلومات عن مقتل خليل ؟ Ø لا . بعد الجنازة هل تحدثت عن علاقتنا ؟ Ø لا . Ø من تذكر من الذين حضروا الجنازة ؟ فذكر له طارق كل الأسماء التي عرفها . في اليوم التالي عرض طارق مرة أخرى على الجهاز وقال له زكى : Ø " هذه المرة نريدك أن تكذب على الجهاز " . Ø إذا تريدني أن أكذب ؟ Ø لا تخف انه روتين .خذ هذه الورقة واكتب عليها الأرقام من واحد الى عشرة . تناول طارق الورقة وكتب عليها كما طلب منه ، فقال له زكى بعد أن تم ربط الأسلاك Ø اقرأ هذه الأرقام بصوت عال . لما قرأها قال له زكى : Ø والآن ، اقرأها . لكن حين تصل إلي رقم 5 قل تسعة بدلاً من خمسة ، وأكمل ففعل . هناك قال زكى لطارق : Ø " انظر " . فوجد أن إبرة الجهاز قد تركت خطاً طويلاً في الرسم البياني على الورقة بعد أن نطق برقم تسعة بدلا من خمسة . فابتسم وهو يقول: Ø علم . وتكررت العملية مرة أخرى في اليوم الثالث وطارق يروى قصة مقتل خليل في كل مرة كما رواها أول مرة . كان طارق يشعر بخوف حقيقي من " الموساد " لكن زيارته السابقة وتعامله معهم . وكلام " أبو محمد " وصحوة ضميره وحقده على زكى و" الموساد " في قصة الصور ، والابتزاز والتهديد ، وأهم من ذلك مقتل خليل أمام عينيه – كما أراد " أبو محمد " – جعلته يقرر بلا تردد الانحياز إلى الخندق الفلسطيني متغلباً على كل خوف من " الموساد " . بعد انتهاء الكشف في اليوم الثالث حمل الخبير جهازه والرسوم البيانية وهو يقول لطارق مودعاً : Ø أهلاً بك في تل أبيب . وان شاء الله سنراك كثيراً في المستقبل . Ø فقال طارق : مرة واحدة في العام . Ø وابتسم وهو يلتفت إلى زكى الذي قال له الخبير : بإمكانك أن تأخذ المعلومات من الكمبيوتر . Ø فأومأ إليه زكى برأسه ونهض وهو يقول لطارق : هيا بنا . سأعود إلى الغداء في أحد مطاعم تل أبيب الجميلة . في المطعم ، جلس زكى وطارق على مائدة منعزلة . وما هي إلا دقائق حتى جاء رجل خمسيني شاركهما الجلسة فقدمه زكى إلى طارق بقوله : Ø هذا دانى يا طارق . انه رئيسي في العمل . صافحه طارق بأدب واحترام قائلاً : Ø أهلاً وسهلاً . تشرفنا . ومضى الحديث حول الطعام وتشابهه مع الطعام اللبناني . ثم فجأة قال دانى موجهاً حديثه إلى طارق : Ø قل هل سمعت باللواء ( كذا ) ؟ Ø لا . لم أسمع به . Ø انه ضابط ( في جيش دولة عربية ) كبير ..... لقد أحاله رئيس الدولة على التقاعد ، وهو الآن في حالة مالية حرجة بعد أن كان يصول ويجول . كما أنه حاقد على الحكم وعلى الرئيس . ونحن نريد هذا اللواء ليعمل معنا . وعليك أن تتصل به . Ø كيف ؟ Ø سيخبرك زكى بالتفاصيل . قال دانى ذلك ثم نهض وصافح الاثنين وخرج . بعد انصراف دانى قال زكى لطارق : Ø كيف وجدت رئيسي . Ø ضابط . Ø انك لا تعرفه . سوف أحدثك عنه في المستقبل . انه قبضاى ويعرف الجنوب اللبناني شبراً شبراً مهمة جديدة في صباح اليوم التالي طلب زكى من طارق ، بعد أن زوده بتذاكر السفر و 1000 دولار، أن يبقى علاقاته الوثيقة مع التنظيمات الفلسطينية، وأن ينقل إلى الجهاز كل المعلومات التي تتوفر لديه . بشأن اللواء المتقاعد ، طلب منه أن يقوم بزيارته في بيته في العاصمة العربية ، ويعرض عليه العمل في تجارة الأقمشة والبدلات ، وأن يصطحبه في ما بعد إلى أوروبا بأية وسيلة مقنعة . كانت حقائب طارق جاهزة ، فأوصله زكى وسامي إلى المطار في طريقه إلى بيروت . لكن طارق لم يشعر بالراحة الكاملة إلا بعد أن هبط في مطار بيروت وتوجه على الفور إلى مكتب الضابط حسين حيث بادره بالقول : Ø كدت اشك فيك Ø فابتسم حسين وهو يقول : خير. Ø خير . فقد حصل كل شئ كما قلت لي بالحرف الواحد . وأخذوني إلى تل أبيب وعرضوني على جهاز كشف الكذب وطرحوا على الأسئلة كلها التي سألناها معاً واجبنا عليها معاً عشرات المرات . تعددت لقاءات حسين بطارق ، وفى كل مرة كان حسين يقود إلي الحديث عن زكى ولقائه مع طارق في روما وتل أبيب ، فيما طارق يروى القصة بكل تفاصيلها مرة بعد مرة منذ وصل زكى إلى روما . كانت المخابرات الفلسطينية قد أوفدت بعض عناصرها إلى روما خفية عن طارق ، حيث التقطت صوراً لزكى واقتفت آثار طارق في العاصمة الإيطالية منذ لحظة وصوله إلي حين مغادرته إلى تل أبيب ، كذلك قامت فرقة المكافحة بتسجيل كل ما نطق به طارق بعد عودته إلى حسين . وكان حسين يراجع التسجيلات ويحللها كلمة كلمة . وفى لقائه مع " أبو محمد " قال حسين : Ø إنني مطمئن إلى أن طارق صادق معنا ، وانه مستعد للعمل والتضحية . لكن يبقى مأزق " اللواء العربي " . ماذا نفعل به ؟ فقال " أبو محمد " : Ø مستحيل أن نقوم بتجنيده لصالح " الموساد " وإذا نحن أفهمناه بالحقيقة فهو قد يخاف على مستويين : مستوى تعامله مع العدو، ومستوى تعامله معنا في حال انكشافه لدى مخابرات العدو ، كذلك فنحن أيضاً بغنى عن افتعال مشاكل مع دولته الأفضل البحث عن طريقة نتفادى بها هذا العمل . Ø معك حق . ولكن كيف ؟ Ø ليسافر طارق إلي العاصمة العربية ، وليتم تعريفه ببيت اللواء المذكور عن بعد . ومن الضروري أن يعرف شكل الرجل وصورته ، ثم نتصرف . وفعلاً ، سافر طارق إلى العاصمة العربية المعينة ، وشاهد بيت اللواء كما رآه عن قرب في أحد المقاهي . وبعد عودته إلى بيروت عرضت عليه أيضاً صورة اللواء قبل أن يقوم بإرسال البرقية التالية : Ø " سافرت إلى العاصمة العربية ، وقابلت اللواء عن طريق أحد معارفه . الرجل صعب . فاتحته بإمكانية الاشتراك معي في التجارة فسألني لماذا اخترته هو، ولماذا أعرض عليه العمل وكيف سيشاركني بدون رأس مال . Ø لقد خفت منه وهو ليس مأموناً . إنني خائف جداً وأشعر أنني مراقب " . Ø وجاءه الرد : " لا تخف . لا يوجد خطر عليك . انس مسألة اللواء في الوقت الحاضر وركز على عملك المعتاد مع التنظيمات " . بدأت مرحلة جديدة من التجسس والتجسس المضاد ، أديرت بحنكة وذكاء من الجانب الفلسطيني حيث كانت المخابرات الفلسطينية هي التي تقوم بالرد على أسئلة " الموساد " والطلبات التي يتلقاها طارق منهم . وكان في إجابات المخابرات الفلسطينية أكثر من الحقائق والكثير من الأكاذيب . لكن الحقائق كانت من النوع غير المؤثر أو من النوع المتغير بحيث يصار إلى تغييرها فور إرسالها على الجهاز . كان أكثر ما يهم المخابرات الفلسطينية أن تتعرف على حاجات " الموساد " وأن تلغم هذه الحاجات بالمعلومات التي تريدها هي لتدفع " الموساد " في طريق البناء المتهافت على غير أساس ، كما كانت تتعرف على نوايا العدو وأهدافه من خلال أسئلته وطلباته . ومن الطبيعي أن تكون للمخابرات الفلسطينية مواردها ومصادرها وقنواتها الأخرى في جمع المعلومات التي تهمها ، وفى إرسال المعلومات التي تريد إيصالها إلى إسرائيل مع الحرص على أن تؤكد كل القنوات الإسرائيلية المعلومات التي ترسلها المخابرات الفلسطينية إليها . ولدى سؤال " أبو محمد " عن مصير ضابط " الموساد " زكى قال : Ø لقد وجدته العاصمة البريطانية مقتولاً في شقته في لندن . Ø كيف وجدته وكيف قتل ؟ Ø تلك قصة أخرى . Ø وطارق ؟ Ø ( .... ) . ملاحظة ارتأينا التوقف بالقصة عند هذا الحد لأن معظم أبطالها مازالوا أحياء ، وبعض فصولها لم توضع لها النهاية ، رغم أنها جرت في الفترة السابقة على الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982 وخلاله ، إذ تكبدت إسرائيل في هذا الغزو من الخسائر المعنوية والمادية ، في الداخل والخارج ، وفى سمعة جيشها الذي كانت تصوره أجهزة الإعلام العالمية بأنه لا يقهر ، أكثر من خسائرها البشرية بكثير ، وقد كان دور المخابرات الفلسطينية ملحوظاً في الأداء البارز للمقاومة لكن السيطرة الكلية للطيران الإسرائيلي على أجواء لبنان حسمت المعركة في النهاية لصالح إسرائيل .