نشرنا في وقت سابق رسالة اللواء أركان حرب حمدي الشوربجي إلى المشير ورجاله في المجلس العسكري
ولكن من هو اللواء حمدي الشوربجي؟ الإجابة في هذه السطور...
كيف نجح 9 أفراد في اغتيال أكبر قائد عسكري إسرائيلي بسيناء
تستمر سلاسل الإعجاز "الأكتوبري" مستمرة.. ونتحدث تحديداً عن البطل "معتز الشرقاوي"، أحد أبطال قوات الصاعقة، الذي شارك في عملية لسان "بور توفيق" الأولى، وقام بأسر أحد الإسرائيليين؟ والآن هو بطلنا أيضاً؛ ولكن في عملية أخرى هزّت الجيش الإسرائيلي بالكامل، أسفرت عن مقتل الجنرال الإسرائيلي "جافتش".
لُوحظ في ديسمبر 1969 نشاط غير عادي على الضفة الشرقية للقناة كذلك، الذي يحدث عند زيارات الشخصيات الكبيرة، وصدرت الأوامر من المقدم "صالح فضل" بضرورة العبور وتجهيز كمين لهذه الشخصية للعودة به أسيراً إذا أمكن.
وأثناء الإعداد لتنفيذ الأوامر، ظهرت مشاكل لا يستطيع إلا رجال قواتنا المسلحة فقط قهرها والتغلب عليها وكان أبرزها:
أن حضور مثل هذه الشخصيات القيادية يتمّ نهاراً؛ مما يجعل من التحضير للعملية وتنفيذها أمراً صعباً أو مستحيلاً.
المشكلة الثانية: تمثلت في رفع المستوى الدفاعي عند الزيارات المماثلة لكبار القادة؛ فالخسائر في هذه الحالة لن تكون فشل العملية فقط؛ بل خسارة في الأرواح أيضاً.
أما المشكلة الثالثة فكانت جغرافية، تمثّلت في أرض ضحلة يصعب السير فيها، وكان على المجموعة المرور بها في طريق العودة.
كان مجرد التفكير في المزيد من المشاكل قد يقضي تماماً على الأمل في نجاح العملية؛ ولكن بما أن كلمة "مستحيل" غير موجودة في قاموس رجال الصاعقة؛ فقد كان التغلب على هذه الصعوبات أمراً قابلاً للتطبيق، مثل مشكلة نقاط مراقبة العدو، المنتشرة على الجبال، والتي صُممت لتجعل ضوء الشمس يأتي من خلفها لتسهيل عملية كشف أي متسلل.
المعوّقات تضمنت أيضاً وجود طائرات مروحية تمرّ ببطء لمراقبة الطريق وتفتيشه؛ بحثاً عن أي شيء مريب، إلى جانب العربات الثلاث المدرعة التي تمرّ في أوقات غير منتظمة لتفتيش الطريق، وهذه هي الإجراءات الطبيعية التي تُجرى كل يوم؛ فماذا عن الإجراءات الاستثنائية التي ستحدث لدى قدوم القائد؟
قامت الخطة على اختيار طريق لا بد أن يمرّ منه القائد المنتظر، وهو الطريق الذي يتضمن منحنى لا بد أن تُخفّض فيه السيارة -التي تُقلّ القائد- من سرعتها؛ ما يُعدّ أفضل مكان للاشتباك، وتقرر استخدام 6 شكائر من مادة tnt مزودة بحصى؛ بحيث يتمّ دفن الشكائر -كي تزيد قوتها التدميرية 10 أضعاف- على يمين ويسار الطريق الذي ستمرّ عليه سيارة القائد، وتحديداً عند المنحنى الذي من المنتظر أن تهدئ فيه السيارة من سرعتها.
وبعد تجارب ناجحة -ظهرت فيها قدرة منفّذي العملية على الاختفاء والتمويه بنجاح تام- جاء وقت التنفيذ في السادس عشر من ديسمبر 1969؛ حيث عبر القناة قاربان مطاطيان في أحدهما 9 أفراد يقودهم النقيب "حمدي الشوربجي"، وفي الآخر مجموعة الملازم أول "معتز الشرقاوي"؛ المكوّنة من 9 أفراد أيضاً.
بعد الوصول إلى الضفة الأخرى تمّ دفن القوارب على الفور في الساتر الترابي، وتمّ عمل خطة تمويه كاملة ومتقنة؛ بداية من الملابس التي قامت المجموعة بارتدائها، وإخفاء آثار الأقدام وتبديلها في اتجاه آخر، واحتلال مكان التنفيذ، وزرع الشكائر على جانبي النقطة المستهدفة وإخفائها بشكل متقن جداً.. ثم جاء وقت الانتظار، أطول وأصعب وقت.
تم الاتفاق بين رئيسي المجموعتين على كلمة سرية تعبّر عن اتجاه قدوم سيارة القائد؛ فإذا كانت السيارة آتية من الشمال؛ فالكلمة المتفقة عليها في اللاسلكي هي "هالة"، أما إذا كانت آتية من الجنوب فسيكون "سامية" هو اسم السيارة.. أما إذا قيل "هالة ومعاها بطة"؛ تعني أن القائد آت من الشمال ومعه عربات مدرعة أو دبابات، والعكس صحيح.
وأثناء الانتظار لم يكن مسموحاً بأية حركة؛ حتى إذا احتاج الفرد لقضاء حاجته؛ فعليه أن يقضيها في مكانه.
تحكي المجموعة أن طائرات المراقبة مشّطت الطريق منذ السابعة والنصف صباحاً؛ ولكن الله أعمى أبصار الطيارين برغم أنهم حلقوا فوقهم مباشرة على مسافة 10 أو 15 متر فقط.. ثم جاءت لحظة الحسم في الساعة الثانية عشر والنصف ظهراً، عندما جاءت الإشارة قادمة تقول: "سامية.. سامية"، وعن تلك اللحظة، يقول اللواء أركان حرب -رتبته حالياً- "معتز الشرقاوي": "رأينا السيارة، وكان الجنرال يجلس بجانب السائق وخلفه جنديان مسلّحان، وكما توقّعنا هدّأت السيارة من سرعتها في المنحنى الذي اخترناه؛ فضغطْتُ على زرّ التفجير ودوى انفجار هائل؛ لكن شيئاً لم يحدث للسيارة.. فخرجنا بسرعة من كمائننا بالأسلحة الخفيفة وأطلقنا النار عليها، فسارت قليلاً، ثم انقلبت على جانبها، ومات من بها؛ فتوجهت إليها وتأكّدت من موت الجنرال، ونزعت متعلقاته الشخصية كلها (محفظته، ورتبته، وحقيبته الخاصة).
وفي نفس وقت التنفيذ، كانت المدفعية المصرية قد بدأت الضرب باتفاق مسبق لكي يظن العدو أن صوت الانفجار آت من قصف المدفعية وليس من كمين معدّ سلفاً؛ كنوع من الحماية والتغطية على فريق التنفيذ.
وفي رحلة العودة عانت المجموعة بشدة؛ حيث كان عليها العَدْوُ بأقصى سرعة تحت ضوء الشمس في الأرض الضحلة؛ مما مثّل مشقة كبيرة عليهم؛ لدرجة أن اللواء أركان حرب "معتز الشرقاوي" اعترف أنه كان يبصق دماً أثناء العدو.. واستطاعت المجموعة بالفعل الوصول إلى القوارب بعد توجيه وإرشاد من النقيب "حمدي الشوربجي".
ويتذكر اللواء "معتز" تلك العملية بكل فخر ضاحكاً، ومشيراً في نفس الوقت إلى أن قائد كتيبته كان دائماً ما يقول له: "بحبك يا معتز وأكره اللي خلفوا أهلك!"؛ وذلك لأنه بعد العمليات التي تنفّذها القوات خلف خطوط العدو، كان الطيران الإسرائيلي يهاجم الجبهة بعنف؛ فكان يحبّ العمليات الناجحة؛ ولكنه يكره العواقب في نفس الوقت.
المفاجأة الكبرى للواء "معتز الشرقاوي" كانت عندما عرف شخصية القائد الذي قتلوه؛ حيث كان هو نفسه الجنرال "جافتش" قائد جبهة سيناء كلها؛ مما جعل لهذه العملية صدى مدوّياً في إسرائيل.
http://www.almogaz.com/politics/news/2011/12/20/122166#.TvDu9Qo5MZI.facebook