ما زال سؤال المليون، إن لم يكن أكثر، يُشغل مراكز الأبحاث الإستراتيجية وصناع القرار في الدولة العبرية: ما العمل مع البرنامج النووي الإيراني؟ الإسرائيليون، من أقصى اليمين إلى أقصى ما يُطلقعليه اليسار الصهيوني يُجمعون على أن دولة الاحتلال لا يُمكنها أن تتعايش مع دولة إسلامية راديكالية ومتطرفة وبحيازتها قنبلة نووية، ذلك أن هذا الأمر، يشدد الخبراء والساسة والعسكر، يُشكل خطرا وجوديا على الدولة التي أُقيمت في العام 1948 على أنقاض الشعب العربي الفلسطيني.
وفي هذا السياق، أعد مركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب ورقة بحثية جديدة تتناول مسألة التنسيق الإستراتيجي بين إسرائيل وأمريكا، في حال قيام دولة الأكثرية اليهودية بشن عملية عسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني.الورقة لفتت في المقدمة إلى تصريحات وزير الدفاع الأمريكي، ليئون بانيتا مؤخرا القائلة إنه يتحتم على تل أبيب التنسيق مع واشنطن لإحباط النووي الإيراني.
وجاءت هذه الأقوال، بحسب الدراسة، على وقع المعلومات التي تجمعها المخابرات الأمريكية والتي تؤكد بأن إسرائيل عاقدة العزم على توجيه الضربة لوحدها، لافتة إلى أن قائد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأمريكية، مارتين ديمبسي، قال لا أعرف في ما إذا ستقوم إسرائيل بإبلاغ واشنطن قبيل الهجوم، أو أنها قررت القيام بالضربة العسكرية.
وبرأي الورقة فإن إيران تتقدم بخطى حثيثة نحو لحظة الحقيقة، ذلك أنها تواصل تطويربرنامجها النووي، مشيرة إلى أن العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها الغرب، وفي مقدمته أمريكا على طهران لم تُجد نفعا، والتقرير الأخير لوكالة الطاقة النووية الدولية قطع الشك باليقين بأن قادة طهران يواصلون في خطتهم للوصول إلى القنبلة النووية. وتابعت الدراسة أن واشنطن على علم بهذه التطورات، وهي على قناعة بأن استمرار معاقبة إيران بالشكل الذي بدأ قبل عدةسنوات لن يمنعها عن مواصلة جهودها الرامية لتحقيق أهدافها النووية.علاوةعلى ذلك، أفادت الورقة البحثية أنه على صعيد التصريحات فإن إدارة أوباما تُعلن على الملأ في كل مناسبة بأنها لن تسمح لطهران بتحقيق أهدافها، وأن جميع الخيارات ما زالت مطروحة على الطاولة، ولكن، يضيف الباحثون الإسرائيليون، أنه كلما مر الوقت يتبين أن واشنطن لا ترغب في اللجوء إلى عملية عسكرية ضد برنامج إيران النووي، وبالتالي إذا استمرت هذه السياسة، فإن الولايات المتحدة ستصل إلى نتيجة أنه لا مفر من استيعاب إيران النووية،خشية من العملية العسكرية ضدها غير مضمونة النجاح.
هذا التطور، تُضيف الورقة البحثية، ستضع الدولة العبرية في موقف حرج للغاية في الأشهر القريبةالقادمة: هل إسرائيل أيضا ستوافق على تحول إيران إلى دولة نووية والتسليم بذلك، أم أنه يتحتم على إسرائيل العمل العسكري لتدمير البرنامج النووي بواسطة عملية عسكرية مستقلة، لافتة إلى أن وزير الأمن الإسرائيلي، إيهود باراك، بقيت سنة واحدة فقط حتى تصل إيران إلى إنتاج القنبلة النووية.
وتابعالباحثون الإسرائيليون قائلين إنه إذا قررت تل أبيب القيام بعملية عسكرية لوحدها ستضع نفسها أمام معضلة صعبة للغاية: هل يتحتم عليها التنسيق مع الإدارة الأمريكية قبل العملية العسكرية، عمليا، تقول الورقة، هل إسرائيل مُلزمة بالحصول على ضوء أخضر من واشنطن قبل الضربة، وبرأي الباحثين فإن إسرائيل قادرة على توجيه الضربة العسكرية لتدمير البرنامج النووي الإيراني دون اللجوء إلى واشنطن للحصول على ضوء أخضر، وبالتالي، تُضيف الورقة، فإن أمام إسرائيل ستكون الكثير من المشكلات في هذا السياق، مشكلات معقدة وحتى متناقضة.
ولفتت الورقة البحثية إلى أن كبار المسؤولين الأمريكيين صرحوا في الفترة الأخيرة بأنهم يُعارضون اللجوء إلى الخيارالعسكري من طرف إسرائيل، كما أنه من المتوقع أنهم قاموا بتحذير الإسرائيليين في الغرف المغلقة، وبالتالي، زادت الورقة، فإن إسرائيل في ما إذا حاولت معرفة الموقفالأمريكي مباشرة أو بشكل غير مباشر، فإن الجواب سيكون سلبيا للغاية، ذلك أن إدارة الرئيس أوباما لا تستطيع المخاطرة بأنها هي التي منحت الضوء الأخضر للدولة العبرية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، كما أن الطلب الإسرائيليللحصول على إذن من أمريكا للقيام بالعملية العسكرية يتطلب التوجه إلى كبارصناع القرار في واشنطن، وفي مقدمتهم الرئيس أوباما، والجواب سيكون سلبيا للغاية، لأن المخاطر السياسية والعسكرية على أمريكا ستكون عواقبها وخيمة جدا، وعليه، فإن هذا يعني، تؤكد الورقة البحثية الإسرائيلية، أن مجال المناورة لدى الدولة العبرية سيتحول إلى ضيق أكثر، لأن القيام بعملية عسكرية بشكل يتعارض مع موقف الولايات المتحدة، سيحمل في طياته أبعادا إستراتيجية خطيرة للغاية، إذ أنه من غير المعقول أن تُقدم تل أبيب على هذه العملية بشكل يتعارض مع موقف حليفتها الإستراتيجية الوحيدة، وبالتالي، تؤكدالورقة، لن تجني إسرائيل أي فائدة من الضربة العسكرية، على حد تعبير الباحثين الإسرائيليين. ولكن على الرغم من ذلك، فإن فرضية العمل الإسرائيلية، تؤكد الورقة، قائمة على أنه إذا فشلت العملية واندلعت الحرب الإقليمية وتعرضت إسرائيل لهجوم مكثف من إيران، وأدى ذلك إلى تشكيل خطر حقيقي عليها، فإن الإدارة الأمريكية لن تُعاقب إسرائيل للأسباب التالية: بسبب العلاقات المميزة بين الدولتين على مر السنين، التصريحات الأمريكية منكبار المسؤولين في واشنطن بأن أمريكا ستُحافظ على أمن إسرائيل، والخشية الأمريكية من قيام إسرائيل باستعمال أسلحة الردع الإستراتيجية التي تملكها،والقصد الأسلحة النووية، بحسب المصادر الأجنبية، والسبب الرابع أن الإدارةالأمريكية تخشى من الرأي العام في الولايات المتحدة ومن الكونغرس.
وخلصتالدراسة إلى القول إن رد افعل الأمريكي على قيام الدولة العبرية بتوجيه الضربة دون الحصول على الضوء الأخضر سيتأثر من مدى نجاح العملية، فإذا كانتالنتائج معقولة، وبيتبن لأمريكا أن العملية أعاقت تقدم الإيرانيين نحو القنبلة النووية، دون وقوع إصابات كبيرة في الأرواح، ولن تؤدي إلى رد فعل إيراني خطير، فإن أمريكا ستشجب العملية بخجل وحياء، وعمليا، في حال نجاح العملية فإن واشنطن ستكون مرتاحة للغاية لأن دولة غيرها نفذت العملية
بنجاح، و كن الورقة حذرت من أنه في حال فشلت العملية على صناع القرار في تل أبيب أن يأخذوا بعين الاعتبار عقوبات أمريكية صارمة على الدولة العبرية منقبل الإدارة الأمريكية تصل حتى تجميد المعونات الاقتصادية، ربما مثلما فعلت إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، رونالد ريغان، عندما ضربت إسرائيل الفرن الذري العراقي في العام 1981.
وخلصت الورقة البحثية إلى القول إنه إذا قررت تل أبيب القيام بالعملية من منطلق الحفاظ على سلامة مواطنيها، وأنها اضطرت للجوء إلى الخيار العسكري، فإن غضب الأمريكيين سيكون معقولا، ولكن على أية حال، يتحتم على إسرائيل إبلاغ واشنطن، وتحديدا الرئيس الأمريكي في الوقت الحقيقي حول العملية وتطوراتها.
http://samanews.com/ar/index.php?act=post&id=113315