تدور حاليا حرب غير معلنة في اجواء الباكستان، واليمن، وليبيا، بعد ان توسعت رقعة العمليات العسكرية لدى القوات الاميركية بعيدا جدا عن اجواء العراق وافغانستان، وذلك دون اعتراف صريح من الحكومة الاميركية بهذا الواقع.
ان شن الحرب بواسطة طائرات "UCAVs" هو العمل العسكري الاول من نوعه الذي يشهده العالم حاليا. وقد شنت الولايات المتحدة في جبهة الباكستان وحدها 37 هجوما مستخدمة الطائرات دون طيار القتالية منذ الشهر السادس من هذه السنة 2011 حتى اليوم، و118 هجوما في العام الماضي 2010.
هذا الاستخدام المتزامن لطائرات "UCAVs" في اجواء الباكستان واليمن وليبيا اضافة الى العراق وافغانستان، التي تشغلها طواقم متمركزة في صحراء نيفادا في الولايات المتحدة الاميركية، تثير بعض التساؤلات منها: هل كانت الولايات المتحدة الاميركية لتتورط في حملة عسكرية جوية على هذا النطاق الواسع لو انها كانت تستخدم طائرات مأهولة، تنطلق من قواعد في ما وراء البحار او من على متون حاملات الطائرات؟
وهل ان استخدام طائرات قتالية دون طيار لن يؤدي الى احتمالات تأجيج الصراعات في العديد من الاماكن لان ما تتطلبه هذه الطائرات من مجهود لوجستي محدود جدا، ولانها غير مقودة وبالتالي لا تعرض حياة الطيارين للخطر؟
يقول David Deptula مساعد رئيس هيئة الاركان السابق لقيادة الطيران الاميركي، والمخطط الرئيسي للهجمات الجوية ابان حرب عاصفة الصحراء: المسألة لا تكمن في كون الطائرة مأهولة او غير مأهولة، لاننا ننفذ ما ينبغي تنفيذه من العمليات العسكرية بكل الوسائل المتاحة ويذكر ان القيام بعمليات في اجواء تسمح حكوماتها بذلك، يعني ان تهديد حياة الطيارين محدود، ويضيف: ان الطائرة دون طيار تسمح ببساطة في الاستمرار بالتحليق لفترات طويلة لا تستطيعها الطائرة المأهولة، وهذه القدرة حدت بالسياسيين والقادة في ساحة القتال لاستغلالها لتسهيل تنفيذ عملياتها، ولا يتعلق الامر بانعدام الخطر على حياة الطيارين.
وفي رأيه ان الطائرات القتالية دون طيار "UCAVs" لا تعزز احتمالات عدم استخدام القوة فحسب بل انها تقدم من ناحية اخرى امكانية التحويم لفترات طويلة، وهي ميزة لم يكن يملكها العسكريون باستخدام
الطائرات المأهولة. وان طائرة قتالية من دون طيار مثل "Predator" او "Reaper" من "General Atomics" تستطيع التحويم لفترات اطول بكثير من اي طائرة مأهولة، مما يعني انه بامكانها البقاء في الاجواء ما يلزم من الوقت في انتظار فريستها للانقضاض عليها في اللحظة المناسبة، بينما تجمع ابان فترة الانتظار تلك مزيدا من المعطيات عن وضع مسرح العمليات، ثم تعالجها وتضعها بين احدى قادة العمليات لاستخدامها في وضع الخطط للضربات التالية. وعن وضع الطيارين يقول Deptula: صحيح ان طائرة "UCAVs" تستغني عن الطيارين، ولكنها بالمقابل تستخدم حوالي 180 شخصا بين متخصص ومشغل ومراقب على الارض، والعدد الاكبر منهم من المحللين. ومن الوجهة القانونية، يضيف Deptula: ىصر الرسميون في الحكومات على انه ليس هناك اي فارق بين استخدام طائرة بطيار او دون طيار لقتل العدو، خصوصا ان هناك تكنولوجيات متقدمة واسلحة موجهة بدقة تحد بدرجة كبيرة من الاضرار الجانبية التي قد تلحق بالمدنيين.
اما من الناحية النفسية بخصوص مشغلي الطائرات القتالية دون طيار، فقد اظهرت احدى الدراسات المختصرة التي قامت بها احدى الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة ان المشغلين يقومون بالقاء قنابلهم من طائرات "UCAVs" فور تلقي الاوامر بذلك، تماما كطياري الطائرات التقليدية. وقد ابرزت الدراسة ايضا ان بعض مشغلي طائرة "UCAVs" قرّروا تغيير عملهم بعد ان تسببوا في قتل بعض افراد القوات المعادية، وهم رغم تأدية عملهم بجدارة في تشغيل مستشعرات المراقبة والاستكشاف الا انهم يكرهون زهق ارواح الآخرين سواء أكانوا مقاتلين اعداء ام مدنيين.
من جهتها درست وزارة الدفاع البريطانية وقع استخدام الطائرات دون طيار المقاتلة على مشغليها في مراكز التشغيل، وافادت ان هؤلاء، يطلقون طائراتهم في الاجواء التي يحددها لهم قادتهم وينفذون المهام التي تطلب منهم. وافادت الدراسة ان شعور القادة انهم يستخدمون منصات مسلحة غير مأهولة، قد يسهل إعطاء الاوامر بتنفيذ عمليات قد ينجم عنها قتلى، وقد يؤدي ذلك الى جرّ الدول الى أتون الحروب بسرعة ودون التخطيط والمشاورات الضرورية والمتأناة لخوض غمار الحروب.
وقد اصدرت وزارة الدفاع البريطانية تقريرا بهذا الصدد جاء فيه: ان استخدام الطائرات المقاتلة دون طيار "UCAVs" في الفترة الاخيرة فوق الباكستان واليمن يمهد لبزوغ عصر جديد من الحروب تتولى فيها طائرات "UCAVs" دون سواها تنفيذ العمليات، رغم وجود طائرات بقيادة طيارين أكفاء، وحيث يتم في هذا النوع من الحروب تجنب استخدام القوات البرية التي تتسبب بأذى كبير واصابات عديدة في صفوف المدنيين. ويتوقع ان يكون استخدام القوة مستقبلا في جزئه الاكبر يقتصر على المنصات غير المأهولة والطائرات المقاتلة دون طيار.
وفي افغانستان توحي التجربة بان قرارات تنفيذ الهجمات بطائرات "UCAVs" لا تأتي متسرّعة بل بعد دراسة متأنية.
وتشير احدى الدراسات التي أجريت على اسلوب الهجوم التكتي بطائرات "UCAVs"، الى ان هناك عامل آخر يكمن من تكوين الطائرات دون طيار، هو الذي سيغيّر من طبيعة الحرب، ويتمثل في ما تقدمه لنا هذه الطائرات "UCAVs" من تواجد لفترات طويلة محلقة فوق الهدف، مما يمكّن القادة من تقدير لحظة الهجوم المناسبة وتأثيرها وإحداثيات الهدف بدقة، كل ذلك ضمن مسرح عمليات مُعقّد مكتظ بالضجيج الالكتروني والإشارات الخادعة حيث تتنامى اهمية قدرة الاستمرار في التحليق.
وفي بريطانيا، نظرا للازمة الاقتصادية العالمية الخانقة، التي ما زالت سائدة، يمر الاقتصاد البريطاني بفترات صعبة تشير الى احتمال حصول تخفيضات اضافية على ميزانيات الدفاع. واستنادا على ان العمليات الهجومية بطائرات "UCAVs"، نادرا ما تتوسع، فان الانسحاب البريطاني الوشيك من افغانستان، لا يتوقع وجود طائرة "Reaper UCAV" في ترسانة سلاح الجو البريطاني، رغم بقائها مطلبا عملانيا مُلحّا. وسوف يعتمد سلاح الجو البريطاني مستقبلا على طائرة "Scavenger UCAV" للقيام بادوار الاستخبار، والمراقبة واكتساب الهدف والاستكشاف "ISTAR"، على ان تدخل الخدمة في العام 2018 ليستمر سلاح الجو البريطاني مزودا بقدرة الطائرات دون طيار.
وبينما لا تخفي الولايات المتحدة الاميركية امر قيامها بعمليات جوية عسكرية باستخدام طائرات "UCAVs" في اجواء الباكستان واليمن، تحرص بريطانيا على عدم اختراق اجواء بلد سيادي لكونه عمل عدائي سواء أتم بطائرات يقودها طيارون ام بطائرات "UCAVs"، علما انه من المؤكد ان تأثير العثور على حطام طائرة "UCAV" على ارض دولة اخترقت اجواءها، اقل وطأة من العثور على جثة طيار او أسره حيا. والمعلوم ان بريطانيا تستخدم طائرات مقاتلة دون طيار فقط في اجواء باكستان، وقد اتخذت احتياطات مشددة حتى لا تشرد تلك الطائرات ابان تأدية مهامها، فتخترق اجواء دول مجاورة.
اما في الولايات المتحدة الاميركية فاستخدام الطائرات القتالية دون طيار ادى الى ظهور مجالات تخصّص عالية لمِهَن مرتبطة بها. ففي اكاديمية القوات الجوية، خطط بعض المتخرّجين للتخصص في تشغيل الطائرات دون طيار، وطلب 32 من اصل 1021 متخرجا التخصص في هذا المجال. وفي الجيش يشغِّل الجنود المتخصصون طائرات "UCAVs" ومعدات المراقبة والى جانبهم طياروا سلاح جو الجيش يتولون عمليات الاقلاع والهبوط، كما يتولى هذه المهمة عند الحاجة طيارون متعاقدون.
وفي هذا الصدد نشرت مؤخرا جريدة "Wall Street Journal" ان وكالة الاستخبارات الاميركية "CIA" تخطط لعمليات كبيرة تشترك فيها عدة طائرات "UCAVs" في اجواء االيمن، تتولى فيها تنفيذ عمليات مراقبة، ومهاجمة الاهداف على طريقة العمليات ذاتها التي تنفذ في اجواء باكستان. ويتوقع ان تشعل هذه العمليات من جديد النقاش حول صوابية تعزيز استخدام الطائرات القتالية دون طيار، من عدمه، لتدمير اهداف وقتل ابرياء في دول ليست الولايات المتحدة الاميركية في حالة حرب معها.