لم يعد امام مستخدمي الطائرات الدفاعية الذين هم بحاجة الى استبدال مقاتلاتهم القديمة اي خيار مطلق فهم ليس لديهم فعلا مجموعة طائرات قتالية قادرة جدا ومجهزة جيدا معروضة فحسب، بل ان جميع اصحاب المصانع المعنيين هم في حالة يأس لايجاد زبائن تصدير لان طلباتهم المحلية شارفت على نهاية الانتاج، واغلقت التخفيضات الحكومية الخيارات على توسيع الانتاج. هناك، مع ذلك، ميزان يجب اخذه بالاعتبار ويمكن رؤيته في الشرق الاوسط حيث يطلب الزبائن صفقات صعبة، واصحاب المصانع المنافسة مصممون على ان يضعوا معا عروضا لها مغزى تجاري.
تجري احدى اكبر المنافسات الدفاعية الجوية في الامارات العربية المتحدة التي تبحث عن استبدال مقاتلاتها بمقاتلات من الجيل الجديد، لاسطولها المؤلف من ٦٠ طائرة من طراز (Mirage 2000). ولا تزال هذه الطائرات، التي بنيت في فرنسا فعالة جدا كطائرات معترضة للدفاع محليا والقيام بدوريات جوية قتالية مع خيار على التزود بالوقود جوا او تمديد مهامها بحمل خزانات وقود خارجية لالقائها بعد نفاد الوقود منها. وقد قررت الهند مؤخرا ان تقوم بتحديث اسطولها الخاص من طائرات (Mirage 2000) تحديثا رئيسيا. وان لدى فرنسا قاعدة مقاتلات عملانية في المنطقة، وكانت نشطة جدا دبلوماسيا في الترويج لطائرات (Rafale) من شركة (Dassault). وكان متوقعا في السنوات الثلاث الماضية ان تختار الامارات العربية المتحدة طائرات (Rafale) على نطاق واسع، وهي التي قد تتيح قدرة قتالية معززة كثيرا، وتواصل تعاونا دفاعيا وثيقا مع فرنسا التي كان ينظر اليها على انها تشكل شريكا بديلا للوجود الاميركي المهيمن. وقد بدا هذا على انه مقبولا من الموردين الاخرين للمقاتلات، الذين لم يشجعوا على طرح عروض بديلة ضد شركة (Dassault)، وظهر في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي في المعرض الجوي في دبي ان الامارات العربية المتحدة كانت تبحث عن عروض من موردي مقاتلات منافسين، بما فيهم شركات (Boeing) و (L. Martin) و BAE Systems/EADS. وقد رحب بعض الموردين المنافسين في البداية بهذا، ولكنهم خافوا من ان يكون ذريعة فقط لاقناع شركة (Dassault) بخفض اسعارها. الا ان القيمة المحتملة لهذا الطلب، حتى لو انه تضمن اقل من ٦٠ طائرة، كان مهما جدا. ولذلك قدمت ردود عروض مباشرة. ولا تزال المعركة على تزويد الامارات العربية المتحدة بمقاتلات جديدة في اوج حيويتها.
يتوقف على اي حل يقرر المخططون الدفاعيون اتخاذه، سوف تراقب قوات جوية اقليمية اخرى الوضع عن قرب تماما وهم يأخذون بالاعتبار ايضا حاجتهم الخاصة لتحديث مقاومة التهديدات الناشئة. ويخطط مجلس التعاون الخليجي (GCC) لانفاق اكثر من ٨٠ بليون دولار على برامج الدفاع الجديدة بحلول العام ٢٠١٥. مع ان نسبة كبيرة من هذا الاتفاق سوف تكون المملكة العربية السعودية مسؤولة عنه. وتبحث سلطنة عمان عن مقاتلات جديدة لدعم واستبدال اسطولها من طائرات (Jaguar) في النهاية، وان المملكة المتحدة حريصة على ان تبيع عمان مقاتلاتها من طراز (Typhoon)، وربما من حصة سلاح الجو الملكي الاولى (Tranche 1). وقد يمثل هذا خطوة كبيرة في اتجاه استخدام مقاتلات (F-16 C/D) الحالية التي تشكل قدرة الدفاع الجوية الاولى. وان مستوى عدم الاستقرار الكبير في مصر وسوريا وليبيا، الذي هو بعيد نوعا ما عن العودة الى الحالة الطبيعية، اضافة الى القلق المتنامي حول النوايا الايرانية، يعني ان العديد من القوات الجوية في المنطقة هي في مركز صعب. وهي ليست اكيدة ما اذا كانت تستطيع التمكن من القيام بمشتريات دفاعية رئيسية، ومع ذلك هي بحاجة الى مقاتلات مجهزة بنظم واسلحة حديثة كافية لمواجهة اعداء محتملين. وفي كل الاحوال، باتت المقاتلات في المنطقة حاليا قديمة وبحاجة الى استبدال او تحديث.
بلد واحد ليس لديه اي صعوبة في تمويل مقاتلات جديدة هو المملكة العربية السعودية، التي طلبت مؤخرا مزيدا من طائرات (Boeing F-15E Eagle)، وهي مهتمة في شراء مقاتلات ضاربة (F-35 JSF) من شركة (L. Martin). وقد ترغب في النهاية في شراء المزيد، رغم ان طائرات (F-16s) المعدلة تعديلا عاليا لا يرجح ان تحتاج الى استبدال تام على الاقل للعقد المقبل. وتبدو طائرة (Gripen) من الجيل الجديد من شركة (Saab) منافسة جديدة جذابة وقادرة جدا، ولكن كانت مبيعات التصدير لهذه الطائرة لغاية الآن محدودة، وان تايلاند هي احدث زبائنها.
المقاتلة الفرنسية Rafale
انتهزت شركة (Dassault) الاحداث خلال عام ٢٠١١ لتعزيز مطالبها لقاء الرافال التي تعرضها فيها حاليا كافضل مقاتلة من الجيل الرابع متعددة الادوار ومجهزة جيدا وذات تكاليف منخفضة. واكدت الحكومة الفرنسية في مطلع السنة التزامها لشراء دفعة الانتاج الرابعة من مقاتلات (Rafale)، التي سوف تُجهّز برادار (RBE2) النشط الكترونيا (AESA) من شركة (Thales). ويأتي هذا الالتزام في اعقاب اجراء تقدير لتجارب طيران كثيفة في شباط/فبراير في عام ٢٠١١ على متن طائرة (Rafale)المحدثة. وسوف يبدأ تسليم هذه الدفعة المؤلفة من ٦٠ طائرة (Rafale) لسلاح الجو والبحرية الفرنسية، مجهزة بالرادار الجديد، في عام ٢٠١٣. وسوف يشكل تحديث الرادار فرقا كبيراً بالأداء يتيح صورة رادارية عالية الدقة تستعمل في اساليب القتال جو - جو وجو - ارض. وسوف يسمح هذا الأداء باستثمار أكبر للتكنولوجيا الرادارية (AESA)، التي يمكنها متابعة اهداف سطحية وجوية متعددة. وان حساسية نظام الرادار العامل بالاشعة المتعددة باستطاعته اكتشاف سفن صغيرة فوق الماء ومركبات صغيرة سطحية على الارض. ويستطيع تحديد الطوافات والمركبات الجوية دون طيار في منطقة الضجيج القريبة من الارض. وسوف تمنح قدرة الرادار صورة معززة عن الارض تؤمن صورة دقيقة وكثيفة، عن الارض مع القدرة على تحاشي الارض اوتوماتيكيا عند الانطلاق بسرعة عالية على مستوى منخفض مما يتيح ملاحة آمنة في النهار او الليل وفي كل الاحوال الجوية.
تتمتع طائرة (Rafale) بنظام مهام مدمج تماما، يمنح الطيارين ادراكاً وضعياً ممتازاً. وتتضمن بيئة القمرة شاشات عرض كبيرة متعددة الوظائف باحناء الرأس ونظام شاشات عرض برفع الرأس وشاشات عرض مركبة على الخوذة، تمنح قدرة قوية على النظر والاطلاق، وتمنح فائدة قتالية فعلية في دور الدفاع الجوي. وان نظام الرادار مدمج مع نظام بصريات متقدم في طائرة شاملة يكشف على مسافة بعيدة بقدرة على التحديد والمتابعة تمنح الطائرة قدرة على اكتشاف الاهداف وتدميرها بثقة. وتتيح مستشعرات (EO/IR) ضمن نظام قطاع البصريات الامامي تحديد الاهداف مع المتابعة المتواصلة دون ان يترتب على ذلك استعمال الرادار باسلوب نشط. وبدمج كل البيانات التي يتم تلقيها من المستشعرات في نظام المهام، تحدد أوليات الأهداف إستناداً الى متطلبات المهمة، ويمكن من ثم الإشتباك معها بأكثر الأسلحة المناسبة، وإذا كان ضرورياً من مسافة بعيدة.
وتستطيع الطائرة (Rafale) أن تحمل صاروخ (Meteor) العالي السرعة جو - جو المجهز بمحرك نفاث ضغاطي يستطيع اصابة الهدف على مسافة تبلغ اكثر من ١٠٠ ميل، ولا يدرك الهدف انه مُهدَّد إلاّ بعد فوات الأوان، كما لا يستطيع تجنب الصاروخ الذي حدده والذي أُطلق عليه. وتمنح مجموعة الحرب الالكترونية (Spectra) في الطائرة (Rafale) قدرة شاملة على الدفاع الذاتي. وتتيح الإتصالات وصلة البيانات الآمنة المتفاعلة مشاطرة بيانات المهمة مع القيادة وموجودات التحكم ومع طائرات اخرى تقوم بالمهمة، بحيث تؤمن مخابرات قوية ودور مراقبة واستطلاع (ISR)، اضافة الى القيام بدور متعدد الوظائف فعلا، ان استخدام سلاح الجو الفرنسي طائرة (Rafale) عملانيا فوق ليبيا في عام ٢٠١١ أتاح دعاية ممتازة للطائرة التي كانت تقلع من حاملة الطائرات الفرنسية (Charles de Gaulle)، والتي كانت قادرة على عرض مستوى عال من نجاح المهمة والاعتماد عليها كثيرا.
المقاتلة Typhoon
يحتمل في وقت نشر هذا المقال معرفة نتائج المنافسة على مقاتلة دولية رئيسية واحدة على الاقل. واضافة الى حاجة الامارات العربية المتحدة، تجري الهند ايضا منافسة على طائرة قتالية متعددة الادوار متوسطة جديدة، وان طائرتي (Rafale) و(Typhoon) الاوروبيتين هما منافستان مدرجتان في القائمة الموجزة على طلب من ١٢٦ مقاتلة جديدة. وتبحث اليابان وماليزيا ايضا عن مقاتلة جديدة مماثلة. وعلى رغم ان طائرة (Rafale) لا تزال تعتبرها الامارات العربية المتحدة انها الطائرة المفضلة للطلب، تروج شركة (Eurofighter) طائرة (Typhoon) بنشاط قوي جدا بدعم من المملكة المتحدة والحكومات الاوروبية الاخرى. وقد طلبت المملكة العربية السعودية هذا الطراز الذي هو قيد الخدمة حاليا في المملكة. وان الحملة الجوية التي شنها حلف (NATO) في العام ٢٠١١ على ليبيا شهدت مشاركة طائرة (Typhoon) في اولى عملياتها النشطة في دور المهاجمة، القت فيه اسلحة دقيقة من نوع (Paveway II) على اهداف محددة دعما للقوات البرية والسكان المدنيين المهددين.
وقد حققت الطائرة (Typhoon) اكثر من ١٣٠٠٠٠ ساعة طيران حتى تاريخه، كما حققت خلال عملية (Ellamy) على ليبيا نجاحا اجماليا بلغت نسبته ٩٧ في المائة. وان سرعة الانتشار من المملكة المتحدة الى قاعدة العمليات المؤقتة في جنوب ايطاليا، أثبتت قدرة الطائرة (Typhoon) على التحليق دون توقف الى المكان العملاني البعيد بانذار وجيز، مستعملة مجموعة من خزانات الوقود الخارجية على جناحها والتزود بالوقود جوا. وباتت المهام التي تقتضي خمس ساعات مسألة روتينية. وخلال ٤٨ ساعة من قرار الانتشار الى ايطاليا، كانت ١٠ طائرات (Typhoon) مسلحة ومزودة بالوقود جاهزة للانطلاق. ووصلت في اليوم التالي وباشرت فورا دورياتها دعما لاعلان هيئة الامم المتحدة من ان المنطقة محرمة على الطيران.
تتمتع طائرة (Typhoon) بفائدة الاندفاع بالنسبة للوزن على كل الطائرات المنافسة. وهذا يمنحها اداء بارزا. وعلى رغم انها منوط بها القيام بمهمة دورية قتالية جوية على ارتفاع ٤٠٠٠٠ قدم، فانها تستطيع مع ذلك ان تحمل حملا من القنابل الثقيلة من اربعة انواع الاسلحة النموذجية التي تزن ١٠٠٠ رطل، دون تأثير معاكس على قدراتها الدفاعية الجوية. واذا تلقت دعوة للقيام بدعم جوي عاجل للقوات على الارض، فان قدرة دور التمايل تتيح للطائرة (Typhoon) الرد دون تأخير. ومن ناحية الطيار، هناك مستوى عال من ادراك الوضع، ومع ذلك يجري التعزيز الاضافي لادراك الوضع، بعد عام ٢٠١٥، عندما يحل رادار (AESA) الجديد (Captor E) من شركة (Selex) محل رادار (Captor M) الحالي. وسوف يركب الرادار (E) على لوحة هوائي متراوحة تتيح حركة بزاوية مسح قدرها ١٠٠ درجة اضافية او اقل. وهذا يعزز نوعية الصورة الرادارية بزاوية اوسع. يتيح تعزيز الصورة بدورها مزيدا من المناورة الرشيقة في حين تحافظ على متابعة الهدف. وتزعم شركة (Selex) ان هذه الميزة سوف تمنح الرادار الجديد (AESA) في طائرة (Typhoon) اداءاً عالميا. وكما هي الحال في طائرة (Rafale)، تتمتع طائرة (Typhoon) ايضا بشاشة عرض متقدمة مركبة على الخوذة دعما لشاشة العرض الرأسية المتقدمة وشاشات العرض المتعددة الوظائف برأس منحن في القمرة.
المنافسات الاميركية
باتاحة المقاتلة (F-22 Raptor) لمبيعات التصدير والانتاج تكون التسليمات لسلاح الجو الاميركي، قد قربت من نهايتها والمعروض من المقاتلات الاميركية يتألف حاليا من المقاتلات المعززة من الجيل الثالث التي تضم طائرة (Boeing F-15E Eagle) وطائرة (F-16) من شركة (Lockheed Martin) فئة (Block 60) وطائرة (Boeing F-18 E/F Super Hornet). اما احدث مقاتلة اميركية فهي الطائرة الضاربة المشتركة (F-35 Lightning II JSF) من الجيل الخامس، هذه الطائرة لا تزال في مرحلة التطوير، ولن يكون ممكنا تسليمها الى زبائن جدد الا حتى نهاية هذا العقد، او اطول بقليل. وتركز الصناعة الاميركية في الوقت الحالي على جهود تصدير طائرات (F-15) و(F-16) و(F-18). ويعود تاريخ تصميم هذه الطائرات الى السبعينات من القرن الماضي، ولا تقارن في الاداء والتقدم التكنولوجي مع طائرة (Rafale) وطائرة (Typhoon)، لكن تمثل مع ذلك فعلا في احدث نماذجها حلولا جذابة جدا للقوات الجوية التي تبحث عن الحصول على مقاتلات مجهزة بمستشعرات واسلحة متقدمة مقرونة باعتماد كبير ومجازفة متدنية. وهي جاهزة كلها تماما من ناحية هيكلها، انما بأحد المحركات والتعزيزات، مثل رادارات (AESA) ومستشعرات (EO/IR) والتصويب المتقدم من وصلة البيانات وحاضنات الاستطلاع وخزانات الوقود الملائمة ونظم الدفاع الذاتي المعقدة، التي تشكل قيمة ممتازة وماكينات قتال متعددة الادوار، مجربة قتاليا، وتقدم كثيرا من القدرة مقابل المال، وتعرض كل من شركة (Northrop Grumman) و(Raytheon) بنشاط نظم رادار (AESA) لتحديث طائرات (F-16s) الحالية المستعملة على نطاق واسع حول العالم.
كانت شركة (Boeing) تروج بنشاط قوي جدا احدث طائرة لديها (F/A-18E/F Super Hornet) كبديل لطائرة (Rafale) وطائرة (Typhoon) و (F-35). وقد طلبت استراليا طائرة (Super Hornet) كمقاتلة مؤقتة لسد فجوة طائرة (F-35). وقدمت شركة (Boeing) للزبائن الجدد تحديثات اضافية، شملت رادار (AESA) وخزان الوقود الجديد شبه الملائم وامكنة تعليق الاسلحة لزيادة المدى/الاستدامة، وخفض مراقبتها وزيادة الادراك الوضعي. وقد اعلن سلاح الجو الاميركي ايضا عن اهتمامه في توسيع مدى حياة هيكل طائرات (F-15 C/Ds) و (F-15 Es) وتركيب نظم الكترونية دفاعية محسنة. وتتميز احدث طائرات (F-15) ايضا برادارات (AESA). ويبدو مرجحا ان تبقى في الخدمة ربما لعقدين اخرين، على رغم التهديد الذي تشكله التخفيضات الدفاعية الاميركية التي قد تؤثر على هذه البرامج.
تحتل شركة (Lockheed Martin) في الوقت الحالي مكانا ممتازا لبيع مزيد من طائرات (F-16s) التي تعتمد على فئة (Block 60) القياسية، التي تزود اما طائرات مبنية حديثا او تساعد على تحديث الاساطيل الحالية. وان اكبر مشكلة تواجه اصحاب المصانع الاميركية تكمن، مع ذلك، في واقع ان المقاتلات الثلاث الحالية كلها التي هي قيد الانتاج تقرب من النقطة التي ينفد فيها الطلب على سلسلة الامداد لانتاج جديد ليس بعيدا في المستقبل. لذلك، فان الزبائن المحتملين لن يتمتعوا بهذا المستوى من الخيار لمدة أبعد.