تعرض سلاح الجو العراقي خلال العقود
الماضية الى هزات عنيفة وتغييرات قل مثيلها بالنسبة الى أي سلاح جوي في
العالم. فبعدما كان يضم أكثر من 600 طائرة قتالية في أوائل التسعينات، خسر
العديد منها في حرب الخليج الثانية عام 1991 بسبب غارات الحلفاء المركزة
على القواعد الجوية، وفي معارك جوية غير متكافئة مع طائرات الحلفاء، يضاف
إليها 115 طائرة لجأت الى إيران بعد بدء المعارك، واحتفظت بها هذه الأخيرة
بعد الحرب. والى جانب هذه الخسائر الكبيرة، أدى الحظر الشامل على بيع
الأسلحة الذي فرض على العراق منذ العام 1990 الى تآكل ما تبقى من معدات
وتراجع كبير في التدريب والأداء. وفي العام 2003، دخلت القوات الأميركية
والحليفة الى العراق. وأظهرت الحرب الحالة الرثة التي بلغها سلاح الجو
العراقي، حيث لم يخض معارك جوية، وكانت معظم معداته خارج الخدمة، وفضلت
القيادة العراقية دفن العديد من الطائرات في الصحراء، لعلها تفلت من
التدمير. وسيطرت القوات الحليفة بعد أسابيع قليلة على كل الأراضي العراقية،
ومن ضمنها القواعد الجوية في البلاد.
اعادة البناء من الصفر
وفي 22 آذار/مارس 2004، أعلنت سلطة الحلفاء المؤقتة إقامة وزارة دفاع
جديدة. وبدأت مجموعة من الضباط العراقيين تدريباتهم على قيادة الحوامات في
الأردن. وتركزت المهمات المرتقبة لسلاح الجو الجديد على مراقبة الحدود
وأنابيب النفط ، الى جانب مهمات النقل لصالح الجيش.
خلال السنوات التي تلت، بدأت القوات الجوية العراقية تستعيد نشاطها،
إنما ببطء شديد. فقد تسلمت بداية طائرات خفيفة من نوع سيكر سحبت من الخدمة
فيما بعد من الأردن. وفي العام 2005، تسلمت 8 طائرات مراقبة خفيفة من نوع
ساما سي اتش2000 Sama CH-2000، وهي كندية التصميم ومن إنتاج أردني. وقد
زودت هذه الطائرات بمستشعرات كهر-بصرية وبالأشعة تحت الحمراء. وقامت هذه
الطائرات بمهمات مشتركة مع حوامات أباتشي الأميركية. وبعد ذلك، تسلم سلاح
الجو العراقي ست طائرات خفيفة من نوع Aerocomp COMPAIR 7SL التي تتسع لستة
أشخاص كمنحة من الأمارات العربية المتحدة.
في العام 2005، تسلم العراق ثلاث طائرات نقل مستعملة من نوع سي-130 أي
هيركيوليز C130E Hercules. وفي منتصف العام 2008، تم طلب ست طائرات جديدة
من نوع سي-130 جي-30 (C-130J-30)، وهو نموذج أكثر حداثة وأكبر سعة. من
ناحية أخرى، تسلم العراق في أواسط شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي أول
طائرة نقل عسكري أوكرانية الصنع من نوع أيه أن-32 AN-32 من أصل ست طائرات
تعاقدت عليها منذ العام 2009 في عقد بقيمة 99 مليون دولار. ومن المتوقع أن
يتم تسليم طائرتين إضافيتين في نهاية العام، والثلاث المتبقية بحلول أواسط
العام 2012.
تجدر الإشارة أن العراق لم يكن يملك حتى العام 2007 اية طائرة ثابتة
الجناح ذات قدرة على اطلاق أسلحة من الجو. لذلك، تم في ذلك العام التعاقد
على شراء 18 طائرة من نوع سيسنا 172 سكايهوك وزود عدد منها بقدرة على اطلاق
صواريخ هلفاير التي تنتجها شركة لوكهيد-مارتينLockheed Martin الأميركية.
ترافق ذلك مع خطوات ملموسة لتعزيز قوة الحوامات بمزيج من المعدات
الروسية والاميركية والأوروبية. فقد منحت الأمارات خمس حوامات من نوع بل
206 جت رانجر Bell-206 Jet Ranger. تبع ذلك عقد لعشر حوامات روسية من نوع
مي-17في-5Mi-17V5 ، الى جانب عقود لتحديث وصيانة حوامات من الطراز نفسه نجت
من الحرب. وخلال السنوات التي تلت، تم اقتناء أعداد إضافية من هذه
الحوامة، حيث أن الطيارين العراقيين معتادين على قيادتها، فضلا عن رخص
ثمنها وسهولة صيانتها. ولدى العراق اليوم أكثر من 40 حوامة من هذا النوع
تعتبر حصان العمل في مهمات النقل. يضاف اليها نحو 27 حوامة أميركية من نوع
بل 407 (Bell-407) مزودة بأسلحة خفيفة، وحوامات من نوع هواي بعضها منحة من
الأردن. من ناحية أخرى، وقع العراق في العام 2009 على عقد بقيمة 488 مليون
دولار يتم بموجبه اقتناء 24 حوامة هجوم خفيفة من نوع إي سي 635 EC635 صنع
شركة أوروكوبترEurocopter على أن تزود بمدافع فرنسية عيار 20 ملم، وقاذفات
صاروخية وصواريخ صنع جنوب أفريقيا من نوع انغوي Ingwe.
الحاجة الى طائرات قتالية
مع وصول الرئيس أوباما الى السلطة في العام 2008، توعد بسحب القوات
الأميركية من العراق. وبدأ سباق مع الوقت بالنسبة الى القوات العراقية التي
بات عليها الاستعداد لتسلم كامل المسؤولية الأمنية على الأراضي والأجواء
والمياه الوطنية في غضون سنوات قليلة. هذا فيما كانت البلاد تعاني من وضع
سياسي داخلي صعب، حيث استغرق تشكيل حكومة عدة أشهر من المفاوضات، الى جانب
تيارات انفصالية وانقسامات حادة أدت الى عرقلة أو تأخير عملية بناء القوات
المسلحة بالسرعة المطلوبة. إلا أن ارتفاع أسعار النفط وتحسن الوضع
الاقتصادي نسبيا أديا الى إمكانية تخصيص موارد مالية ملموسة لتعزيز القوات
المسلحة.
واذا كانت القوات البرية قد استفادت من تسليم معدات كثيرة من فائض
القوات الأميركية، من بينها دبابات أبرامز الحديثة، فان قدرات القوات
الجوية بدت هزيلة بالمقارنة مع المهمات الجسام التي تنتظرها بعد إتمام
الانسحاب الأميركي. ذلك أن المعدات الموجودة تصلح لمهمات الأمن الداخلي
ومساندة القوات البرية والمراقبة والنقل، لكنها تفتقر على سبيل المثال
لطائرات قتالية قادرة على حماية الأجواء الوطنية.
وبدأ في العام 2009 الحديث عن نية العراق شراء طائرات أميركية من نوع
أف-16 (F-16) لسد هذه الثغرة. وتأخرت المفاوضات بعض الشيء، حتى انتهت في
العام 2010 على اتفاق لشراء سرب من هذا النوع ضمن برنامج يشمل تدريب
الطيارين والصيانة. وأودع العراق في سبتمبر/أيلول 2011 الدفعة الأولى من
عقد لشراء 18 مقاتلة أميركية من طراز أف-16 سي- بلوك 52F-16 Block 52 ، على
أن يتم تسلمها في أواخر عام 2014 أو خلال عام 2015. ويشمل العقد أيضا شراء
أسلحة مختلفة بما في ذلك صواريخ جو-جو من طرازAIM-9L Sidewinder ، وصواريخ
جو-أرض، موجهة بالليزر طراز جي بي يو- 12 GBU-12 وأخرى من نوع مافريك
Maverick، ومجموعة للدعم اللوجستي والتدريب. ويعد هذا الطراز من أحدث نماذج
طائرات أف-16، ويتمتع بقدرات جيدة على تنفيذ مختلف المهمات جو-جو وجو-أرض.
هناك حاليا ستة طيارين عراقيين مرشحين للتدرب على قيادة هذه الطائرات
في الولايات المتحدة. هؤلاء الطلاب سوف يشكلون نواة القوة التي ستستخدم ال
أف-16 في المستقبل. وسيتم التدريب الأولي للطيارين على طائرات تي-6 T-6.
ولا يخفى الجانب السياسي من هذه الصفقة، حيث قال قائد القوات الجوية
العراقية أن شراء العراق ل 18 طائرة من طراز F-16C، لتأمين احتياجات الدفاع
الجوي سوف يؤدي الى تشجيع وتعزيز الشراكة الإستراتيجية بين الولايات
المتحدة والعراق.
معدات رادارية جديدة
هذا وتسلم العراق في أيلول الماضي أنظمة لمراقبة الحركة الجوية بموجب
برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية (FMS). وتضمن ذلك برجي مراقبة الى جانب
أجهزة محاكاة رادارية تسمح بالتدريب على عمليات ادارة الحركة الجوية
المدنية والعسكرية على حد سواء. وقد ركبت هذه الأجهزة في قاعدتي تكريت
وتاجي. من ناحية أخرى، جرى العمل على دمج ثلاث رادارات موجودة في كل من
مطار بغداد الدولي، و قاعدة كركوك الجوية وقاعدة البصرة الجوية كي تشكل ما
يسمى مركز مراقبة منطقة بغدادBaghdad Area Control Center . وهذا الدمج
سيسمح باعطاء صورة موحدة عن الحركة الجوية، على أن يقوم في مرحلة لاحقة
بتأمين خدمات رادارية لصالح القوات الجوية العراقية. وسيلعب ذلك دورا مهما
في مساعدة الحكومة العراقية على تأمين مجالها الجوي. على أن تؤمن كل من
شركة رايثيون Raytheon وArinc، المقاولين الرئيسيين في هذا المشروع، عناصر
بشرية لمواصلة تقديم الدعم لهذه الأنظمة حتى أيلول/سبتمبر 2012.
تضارب في التقديرات
اتخذ الرئيس الأميركي اوباما في تشرين الأول/أكتوبر الماضي قرارا بسحب
جميع القوات الأميركية العاملة في العراق بحلول نهاية العام 2011، بعدما
جرى الحديث لعدة أشهر عن بقاء بضعة آلاف في البلاد لتأمين بعض المهمات،
منها الغطاء الجوي للبلاد.
وكان كل من العراق والولايات المتحدة قد أقرا بان القوات العراقية لا تزال بحاجة إلى تطوير كبير.
وصرح رئيس الأركان العراقي الجنرال بايكر زيباري خلال شهر أكتوبر
الماضي ان العراق لن يكون قادرا على تنفيذ السلة الكاملة من مهمات الدفاع
الخارجية حتى فترة تتراوح بين عامي 2020 و 2024! إلا أن اللواء أنور حمد
أمين قائد القوة الجوية العراقية اعتبر في تصريح خلال معرض دبي الجوي
الأخير في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، أن قواته لديها القدرة على الدفاع
عن الأجواء العراقية بعد توقف عمليات الدورية الجوية الأميركية في نهاية
العام.
أما الجنرال لويد أوستن، قائد القوات الاميركية في العراق، فاعتبر أن
القوات العراقية تكاد تتمتع بالقدرة على السيطرة على البيئة الأمنية
الداخلية. لكنه أضاف أنه لا يعتقد أن لديها قدرة تذكر للتصدي لتهديدات
خارجية.
هذه المواقف خلقت بلبلة واسعة. لكن يبقى واقع ملموس وهو أن القوات
الجوية العراقية حسنت خلال السنوات القليلة الماضية قدراتها بشكل ملموس.
وتجدر الإشارة أنه في نهاية عام 2006، كانت هذه القوات تضم 748 فردا بينما
عدد الطائرات يبلغ 28 طائرة فقط. أما الآن، فهناك أكثر من 6000 طيار وبلغ
عدد الطائرات 72 طائرة مع إضافة أنواع جديدة منها.
يمكن القول أن عدد طائرات اف-16 المطلوبة حاليا ستعطي العراق بعد ثلاث
سنوات قدرة أولية على السيطرة على أجوائه ضد الاختراقات الخارجية. لكن
الحاجات العراقية المستقبلية من هذه الطائرات قدرت منذ الآن ب 96 طائرة.
وفي هذه الحالة، سيكون للعراق قوة جوية محترمة على الصعيد الإقليمي.