ألكساندر فاسيليفيتش سوفوروف هو القائد العسكرى الروسي العظيم الذي لم
يخسر ولا معركة واحدة في حياته العسكرية، وهو احد مؤسسى فن الحرب الروسي وأمير
امبراطورية روسيا وكونت إيطاليا وامبراطورية روما المقدسة ومهيب القوات البرية
والبحرية الروسية والمارشال في القوات النمساوية والسردينية وامير مملكة سردينيا
والحائز على عدد كبير من الاوسمة والانواط الروسية والاجنبية.
ولد الكسندر
سوفوروف في 13 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1729 في عائلة عسكري روسي. والده فاسيلي
سوفوروف، الجنرال في الجيش الروسي والعضو في مجلس الشيوخ. وكان فاسيلي سوفوروف
مؤلفا لاول معجم عسكري روسي ونصيرا للقيصر بطرس الاول. ويعود انحدار سوفوروف الى
اصل سويدي. ويقال ان سلفه سوفور النبيل السويدي وصل الى روسيا عام 1622 ليخدم في
جيشها في عهد القيصر ألكسي ميخايلوفيتش ثم حصل على الجنسية الروسية. اما والدة
سوفوروف فيقال ان انحدارها يعود الى اصل ارمني. لكن لا توجد تأكيدات لهذه المقولات
.
تم تلقيب سوفوروف بألكساندر نسبةً الى الامير وحاكم روسيا القديمة ألكسندر
نيفسكي. وقد امضى الكساندر طفولته في عزبة ابيه الريفية حيث ترعرع وكان عرضة لامراض
كثيرة لضعفه وحساسيته الفائقة. غير انه بات منذ طفولته يبدي اهتماما بالتاريخ
العسكري والميل الى ممارسة الفن الحربي. وكانت في عزبة ابيه الريفية مكتبة مكتظة
بالكتب في شتى المجالات، بما فيها المجال العسكرى. فانهمك الفتي الكسندر بمطالعتها
ودراسة التاريخ والفن الحربي وهندسة المدفعية. كما انه بدأ في ممارسة التمارين
الرياضية ليقوي جسمه الضعيف. ولعب الجنرال كنعبال صديق عائلة سوفوروف دورا كبيرا في
تقرير مصيره ولفت انتباهه ميل الفتى الى الفن العسكري، فاقنع اباه بجعل الكساندر
يخدم في الجيش.
وكان من واجب النبلاء الروس آنذاك ان يخدموا في الجيش برتب
الضباط.،لذلك طلب فاسيلي سوفوروف بان يسجل ابنه عام 1742 راميا في فوج سيميونوفسكي
للحرس الامبراطوري. وفي عام 1748 بدأ الكساندر سوفوروف في اداء الخدمة النظامية،
فقضى 6 سنوات ونصف في هذا الفوج، حيث كان يتلقى تعليمه في كلية حربية، وقام
بدراسة بضعة لغات اجنبية.
بداية الترقي في المناصب والرتب العسكريةفي
عام 1754 ترقى الكساندر سوفوروف الى رتبة ملازم اول. وتعود بداية خبراته العسكرية
الى حرب السنوات السبع (1756 – 1763) التي نشبت بين روسيا وألمانيا. وكان سوفوروف
حينذاك يخدم في وحدات الامداد والتموين، حيث اطلع على مبادئ الامداد العسكري. وفي
عام 1758 تم تعيينه قائدا لقلعة ميميل برتبة رائد. وشارك سوفوروف في اول اشتباك له
مع الالمان في 14 يوليو/تموز عام 1759 حين اجبر الخيالة الالمانية البروسية
على الفرار.
وفي عام 1760 تم تعيين سوفوروف ضابطا مرافقا لقائد القوات
الروسية. وشارك في استيلاء القوات الروسية على عاصمة بروسيا مدينة برلين وهو ضابط
في مقر قيادتها.
في عام 1761 كان سوفوروف يقود مجموعات القوزاق التي القيت
على عاتقها مهمة حماية انسحاب القوات الروسية والقيام بهجمات عليها. فالحق سوفوروف
عدة هزائم بالجيش الالماني البروسي في بولندا.
الخدمة العسكرية في عهد الامبراطورة كاترينا الثانيةفي عام 1762 تمت
ترقية سوفوروف الى رتبة عقيد وتعيينه قائدا لفوح الحرس الذي انيطت به مهمة حراسة
المدينة حين اجراء مراسم تتويج الامبراطورة كاترين الثانية في موسكو. فقام بتأدية
مهمته بشكل ممتاز فاستقبلته الامبراطورة واهدته صورتها. وقال سوفوروف فيما بعد ان
هذا اللقاء مهد له طريقا الى المجد. في عام 1765 قام سوفوروف بتأليف نظام داخلي
للفوج من شأنه ان يحدد القواعد الرئيسية والتعليمات الخاصة بالتدريب القتالي
والخدمة وتربية الجنود. وتمت ترقيته الى رتبة عميد في عام 1768 .
في عام
1769 تم تعيين سوفوروف قائدا لواء المشاة ليقود الافواج الروسية الثلاث الموجهة
لمحاربة الكونفدرالية البولندية المعادية لروسيا. واستخدم سوفوروف في هذه الحملة
الحربية تكتيك تحقيق المناورات الواسعة وحقق عدة انتصارات على القوات البولندية،
الامر الذي اسفر في آخر المطاف عن تقاسم بولندا بين روسيا والامبراطورية النمساوية
وبروسيا.
الحرب الروسية التركية الاولىبدأت في عام 1768
الحرب الروسية التركية (1768 – 1774). وتم ايفاد سوفوروف الى الجيش الذي كان يقوده
الجنرال روميانسيف. فتلقى سوفوروف امر باجراء استطلاع المعركة في قلعة توتوكاي
التركية. فقرر سوفوروف الاستيلاء على القلعة ونجح في تحقيق ذلك. ويقال ان الجنرال
روميانسيف اصدر امرا بمحاكمة سوفوروف لمخالفته التعليمات الملقاة على عاتقه. لكن
الامبراطورة كاترينا الثانية لم تصادق على هذا الامر، اذ قالت ان المنتصر لا يخضع
للمحاكمة، وقامت بمنح سوفوروف وسام القديس جورجيوس.
في عام 1774 تمت ترقية
سوفوروف الى رتبة لواء. وفي يونيو/حزيران من العام نفسه وقعت معركة كوزلوجي بين
القوات الروسية والتركية وتمكن سوفوروف من الاستيلاء على مرتفع في مؤخرة الاتراك،
ثم دحر جيش القائد التركي عبد الرزاق. وخسرت القوات التركية 1200 جندي. فيما بلغت
خسائر الروس 299 جندي فقط. واصبحت هذه المعركة دافعا لعقد اتفاقية السلام مع
الاتراك. اما مدينة كوزلوجي فاطلق عليها اسم سوفوروف الذي لا تزال تحمله لحد
الآن.
لعب سوفوروف دورا حاسما في ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا. وتم تعيينه
في عام 1778 قائدا للقوات الروسية في القرم ومنطقة كوبان. وحالت قوات سوفوروف دون
الانزال التركي في شبه الجزيرة، الامر الذي منع الاتراك من اشعال حرب جديدة ضد
روسيا على خلفية الظروف الدولية المعقدة.
الحرب التركية الروسية الثانيةنشبت
في عام 1787 الحرب التركية الروسية الثانية (1787 – 1792) ، وكانت معركة "ريمنيك"
من أكبر المعارك في تلك الحرب. وكانت القوات الروسية تحارب الاتراك بالتعاون مع
حلفائها النمساويين. وقرر القائد النمساوي الانتقال الى الدفاع، علما ان القوات
التركية بقيادة يوسف باشا كانت تتفوق عليها 4 اضعاف. لكن سوفوروف اصر على الانتقال
الى الهجوم على الاتراك الذين لم يلحقوا اتمام بناء منشآتها الدفاعية. وفاجأ
سوفوروف العدو بهجومه وحمله على الفرار. ولم يبق لدى الاتراك الا 15 الف جندي من
مجموع 100 الف. ويعتبر الانتصار في معركة ريمنيك من ألمع انتصارات سوفوروف. فمنتحته
الامبراطورة لقائه لقب كونت ريمنيك ووسام القديس جورجيوس من الدرجة الاولى. كما
كرمه الامبراطور النمساوي لقب كونت الامبراطورية النمساوية.
كانت قلعة
اسماعيل من اهم الحصون التركية على مشارف الامبراطورية العثمانية. واصبح الاستيلاء
عليها من قبل قوات سوفوروف عاملا حاسما في الحرب وضم منطقة ترانسنيستريا وشبه جزيرة
القرم الى روسيا. فسقطت القلعة في 11 ديسمبر/كانون الاول عام 1790.
قمع الانتفاضة البولندية في
مايو/آيار عام 1794 تم تعيين سوفوروف قائدا للقوات الروسية الموجهة لمقع الانتفاضة
البولندية التي ترأسها الزعيم البولوني كوستيوشكو. فتقدمت القوات الروسية نحو وارسو
وتمكنت من حمل المتمردين على الاستسلام. واستقبل سوفوروف بعد سقوط وارسو نواب
البرلمان البولندي في ميدان المعركة وحذرهم من عواقب مواصلة المقاومة. فاعلن العفو
للضباط البولندين، الامر الذي جعل من تبقى من المتمردين يسلم اسلحته. ومنحت
الامبراطورة كاترينا سوفوروف لقاء قمعه للانتفاضة البولندية رتبة المارشال ووسام
النسر الاسود والنسر الاحمر وغيرها من الانواط.
الخدمة
العسكرية في عهد الامبراطور بول الاول
بعد وفاة الامبراطورة كاترينا
الثانية تربع على العرش الروسي الامبراطور بول الاول الذي اعتبر نفسه من الموالين
للنظام العسكري الالماني البروسي واصر على ادخال النظام الداخلي الجديد والبزة
العسكرية الجدية في الجيش الروسى، الامر الذي اثار الاستياء لدى سوفوروف الذي اعتبر
ان الفن الحربي الروسي يفوق الفن الالماني. وحصل خلاف بين سوفوروف والامبراطور، مما
ادى الى احالة سوفوروف الى التقاعد. لكن في عام 1798 تفاقمت العلاقات بين روسيا
والامبراطورية النمساوية وبريطانيا ومملكة نابولي من جهة وفرنسا الثورية من جهة
اخرى. واضطر الامبراطور بول الى توجيه طلب الى سوفوروف ليترأس البعثة الروسية
العسكرية ضد قوات نابليون بونابرت.
حملتا سوفوروف الايطالية والسويسريةفي 4
ابريل/نيسان عام 1798 وصل سوفوروف الى مدينة فيرونا الايطالية ليقود قوات التحالف
الروسية النمساوية. فألحق جيش سوفوروف عدة هزائم متتالية على القوات الفرنسية،
واهمها الهزية في معركة "نوفي" حيث خسر الجيش الفرنسي 7 آلاف قتيلا و5 جريحا،
فيما تم اسر 4.5 الف جندي. واصدر الامبراطور بول بعد وقوع هذه الانتصارات امرا بان
يكرم سوفوروف شأنه شأن الاباطرة.
بعد
تحرير ايطاليا الشمالية قرر سوفوروف شن الهجوم على فرنسا وتوجيه ضربة رئيسية نحو
باريس. لكن الحلفاء النمساويين والبريطانيين خافوا من زيادة نفوذ روسيا وقرروا
ابعاد الجيش الروسي من ايطاليا فاعطوه تعليمات بمغادرة ايطاليا والتوجه نحو سويسرا
للانضمام الى فيلق روسي آخر. فواجه الجيش الروسي خيانة الجيش النمساوي الذي قطعه عن
الامدادات. واضطر سوفوروف الى التوجه الى سويسرا مرورا بطرق وعرة في جبال الالب
ومتجاوزا على مقاومة القوات الفرنية المتمسكة بالمضائق الجبلية. وتمكنت القوات
الروسية من عبور المضائق الوعرة ومفاجئة الفرنسيين بضربة شديدة في الوادى. وتم
اسر 2228 جندي فرنسي الذين اوصلهم سوفوروف ليشهدوا على انتصار الجيش الروسي عليهم.
ومنح الامبراطور سوفوروف لقاء انتصاراته في الحملة السويسرية رتبة مهيب. لكن
سوفوروف البالغ 70 سنة من عمره لم يتحمل ظروف الحرب القاسية فاصيب بمرض ومات في 16
مايو/آيار عام 1800 .
لم يكن سوفوروف استراتيجيا كبيرا فحسب بل وتكتيكيا
لامعا. وانه اخترع ترتيبات قتالية لم يستعن به الفن الحربي الغربي الا في اواخر
القرن الثامن عشر. وكان تكتيك سوفوروف يقوم على الاستطلاع الدقيق للعناصر وحسبان
الاحتياطيات والمباغتة والسرعة.
شكل سوفورو نظاما متقدما لتدريب وتربية
الجنود. وكان يسعى دوما الى توليد شعور حب الوطن لدى الجندي وجعله يبدى المبادرة
في شتى ظروف المعركة.
تركت موهبة سوفوروف العسكرية اثرا عميقا في تاريخ
الجيش الروسي وقام سوفوروف بتربية اسرة لامعة للقادة العسكريين الروس، وبينهم
ميخائيل كوتوزوف وباغراتيون.