الاستثمارات الخليجية تعود إلى قطاع الزراعة المصري
يستعد قطاع الزراعة المصري لاستقبال موجة استثمارية ضخمة يقودها عدد من الشركات الخليجية، إلى جانب استثمارات عامة حكومية تقودها شركات استصلاح الأراضي التابعة لوزارة الزراعة المصرية.
وتشير المعلومات إلى أن حجم هذه الموجة الاستثمارية الجديدة سوف يتجاوز عشرة مليارات جنيه على الأقل في غضون العام المالي الذي سيبدأ أول يوليو المقبل وأن الوجهة المفضلة لهذه الاستثمارات سوف تكون في المناطق الجديدة في توشكى وشرق العوينات والوادي الجديد.
وتهدف هذه الموجة إلى إحداث نقلة في إنتاج مصر من القمح والحبوب الزيتية وإنتاج اللحوم والألبان والثروة الداجنة والأسماك، مما يسهم في سد الفجوة الغذائية الكبيرة وإدخال تكنولوجيا جديدة إليها تؤدي إلى تحسين الإنتاجية ورفع الكفاءة.
ووفقاً لخطة وزارة الزراعة المصرية فإن هذه الموجه، التي تقودها ثلاث شركات خليجية كبرى هي “الظاهرة” الإماراتية، و”أمهات” السعودية و”الوادي القابضة” اللبنانية، إلى جانب أكثر من ثماني شركات أخرى ليبية وقطرية وأردنية من الحجم المتوسط، ستؤدي إلى استصلاح 100 ألف فدان إضافية في مشروع توشكى و60 ألفاً بمنطقة شرق العوينات، بينما ستقوم شركات الاستصلاح الحكومية وجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة باستصلاح 220 ألف فدان ليصبح إجمالي المساحة المستصلحة في إطار هذه الموجه نحو 380 ألف فدان تمثل 5% من الرقعة الزراعية في مصر.
ورغم عدم تحديد مدى زمني لإنجاز خطة الاستصلاح الجديدة، فإن ضخامة حجم الاستثمارات الحكومية والخليجية المتوجهة إلى القطاع كفيلة بإنجاز الخطة خلال مدى زمني قصير، حيث يكشف مشروع الموازنة العامة المصرية للعام المالي 2012 ـ 2013 عن اعتماد ثلاثة مليارات جنيه دفعة أولية لشركات الاستصلاح التابعة لوزارة الزراعة من بين 47,5 مليار جنيه هي إجمالي مخصصات بند الاستثمارات العامة في الموازنة العامة.
والمنتظر ضخ المليارات الثلاثة بمجرد بدء العام المالي الجديد أول يوليو القادم، حيث سيتم استخدام المبلغ في تنفيذ مشروعات للبنية التحتية في مجالات الري الحديث وشق ترع ورصف طرق وإنشاء ميناء نهري جديد على بحيرة السد العالي يسهم في سرعة نقل المحاصيل من منطقة توشكى إلى مناطق الوادي والدلتا إلى جانب إنشاء مدينة سكنية لعمال الزراعة الذين سيتم استقدامهم إلى المنطقة، لاسيما أن جزء من الخطة الحكومية للاستصلاح يتضمن توزيع مساحات من الأراضي على شباب الخريجين بواقع خمسة أفدنة لكل خريج.
وتتضمن مشروعات الشركات العربية خططا متكاملة تقدمت بها الشركات الثلاث لوزارة الزراعة لخلق مجتمعات زراعية حديثة ومتكاملة في هذه المناطق تعتمد أحدث أساليب الإنتاج المتبعة عالميا سواء في إنتاج المحاصيل الزراعية أو التصنيع الزراعي أو التعبئة والتغليف لأن جزء من هذه المحاصيل سوف يخصص للتصدير إلى أسواق الخليج العربي. كما تتضمن الخطط التزام الشركات باتباع أحدث النظم العالمية في مجالات الري لخفض استهلاك المياه وضمان عدم تأثير مشروعات الاستصلاح الكبرى على حصة المياه التي توجه لري المحاصيل التقليدية في المناطق القديمة.
توفير الائتمان
وحسب معلومات حصلت عليها “الاتحاد”، فإن عددا من البنوك المصرية الكبرى أبدى استعداده لتوفير الائتمان اللازم لمشروعات الاستصلاح التي تتبناها الشركات الخليجية العاملة في السوق المصرية في إطار توجه جديد للقطاع المصرفي يستهدف دعم قطاعات الإنتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة. وحسب هذه المعلومات فإن هذا التوجه برفع حصة القطاع الزراعي من محفظة الائتمان المصرفي من أقل من 4% حالياً إلى نحو 10%، بما يعني ارتفاع التمويل المرصود للقطاع من 40 إلى 100 مليار جنيه. ورغم عدم تقدم الشركات العربية العاملة في القطاع الزراعي، سواء الشركات الوافدة حديثاً للسوق أو الشركات المتواجدة تاريخياً منذ سنوات، إلى البنوك بطلبات للحصول على تمويل فإن التوجه الجديد من جانب البنوك المصرية سوف يلعب دورا فاعلا في سرعة إنجاز الخطط الاستثمارية لشركات القطاع الزراعي بفضل عدم صعوبة الحصول على التمويل مثلما كان متبعا من قبل.
واعتبر خبراء اقتصاديون أن الموجة الاستثمارية الجديدة في القطاع الزراعي، والتي تتوازى فيها جهود الشركات العربية مع جهود حكومية سوف تحدث نقلة نوعية في قدرة الإنتاج الزراعي المصري بصفة عامة حيث تتيح تنوع المحاصيل وكميات الإنتاج بما يعيد الاعتبار لهذا القطاع الحيوي وإعادة توجيه حركة الاقتصاد المصري نحو الاقتصاد الحقيقي المنتج بدلا من الاعتماد على الاقتصاد الريعي وعمليات المضاربة التي كانت تجري على الأراضي الصحراوية في مصر طيلة السنوات الماضية وتعيد استخدام هذه الأراضي في أغراض إيجابية للاقتصاد بدلا من تبديدها في إنشاء منتجعات سكنية صحراوية تستهلك كميات هائلة من المياه لري حدائق الجولف وغيرها.
النجاح المضمون
ويؤكد موسى فريجي، رئيس مجموعة “الوادي القابضة”، أن إعادة الاعتبار لقطاع الزراعة سوف تكون المدخل الحقيقي لإحداث تنمية حقيقية في الاقتصاد باعتبار أن الاقتصاد المصري هو في الأساس اقتصاد زراعي والزراعة يمكن أن يترتب عليها أنشطة أخرى مثل التصنيع الزراعي أي أن هناك العديد من الحلقات المكملة والمعتمدة على النشاط الأصلي كما أن العالم كله يعيد اكتشاف أهمية القطاع الزراعي ويضخ فيه استثمارات ضخمة نظرا لوجود توقعات بحدوث أزمة غذاء عالمية خلال السنوات المقبلة بدأت مؤشراتها في الظهور مؤخراً، ومنها الارتفاعات المتوالية في أسعار المحاصيل الرئيسية.
وقال فريجي، إن حجم السوق المصرية على الصعيد الاستهلاكي يكاد يقترب من 90 مليون مستهلك وهذا الرقم الكبير في حاجة متواصلة ومتنامية للغذاء، الأمر الذي يعني أن كافة المشاريع الزراعية مضمونة النجاح وأن ضخ أي استثمارات في هذا المجال سوف يعود بأرباح هائلة على أصحابها، وهو ما يفسر هذه الموجة الاستثمارية القادمة من دول الخليج العربي ذات الفوائض المالية والمتوجهة إلى هذا القطاع تحديداً، وكذلك يفسر حماس البنوك لتوفير التمويل المطلوب لهذه المشروعات الضخمة.
وأكد محمود عبداللطيف، رئيس بنك الإسكندرية سابقاً، أن تمويل القطاع الزراعي في مصر لم يعد يعاني صعوبات مثلما كان في وقت من الأوقات لأن البنوك بدأت تنتبه لأهمية القطاع وجدواه الاستثمارية العالية سواء مرحليا أو على المدى الطويل. كما أن إعادة تخصيص الأراضي على أسس جديدة وبنظام حق الانتفاع سوف يسهم في طمأنة المستثمرين لأن هناك قواعد واضحة تتسم بالشفافية وسوف تطبق على الجميع بما يؤدي إلى استغلال هذه الأراضي في الإنتاج الزراعي فعلياً بدلاً من عمليات التحايل التي كانت تتم من قبل وتؤدي بمرور الوقت إلى تحويل مساحات كبيرة من الأراضي الصحراوية إلى منتجعات سكنية لا تستغل سوى في فترات محدودة من العام.
وقال عبداللطيف إنه رغم الصعوبات التي واجهها الاقتصاد المصري خلال العام الماضي فإن هناك فائضاً من السيولة لايزال متاحاً ويمكن توجيه جانب من هذه السيولة إلى هذا القطاع الحيوي لا سيما وأن الجدوى الاستثمارية لهذه المشروعات مضمونة وإن كانت طويلة الأمد.
المصدر