اشتدت
مؤخرا المعارك على الأوقاف والمقدسات بالمدن الفلسطينية الساحلية، وأبرزها
معركة الوجود التي تدور رحاها في يافا التي تتعرض لأبشع عملية تطهير
وتدمير للحضارة العربية والإسلامية التي تستهدف آخر ما بقي من عقارات
للاجئين ومقدسات ومقابر ومساجد، ولم يبق بالمدنية إلا تسعة مساجد من أصل 33
مسجدا قبل النكبة، وتستغل إسرائيل في حربها هذه قانون "أملاك الغائبين"
الذي شرعته والذي يعتبر المقدسات ملك غائب مما مكنها من وضع اليد عليها
وبيع أعداد كثيرة منها بالمزاد العلني.
وتعتبر يافا التي سميت
بـ"عروس البحر"، معركة مفصلية فيما يتعلق بالوجود الفلسطيني على الساحل،
لكونها أهم مركز سياسي وثقافي وحضاري وتجاري قبل النكبة.
|
مقبرة الكزخانة في يافا منذ عهد الدولة العثمانية وتتعرض الآن للانتهاك والتدنيس(الجزيرة نت) |
وكان عدد سكان المدينة وتوابعها يبلغ نحو 130 ألف نسمة، وقد هجرت
غالبيتهم العظمى ولم يبق منهم هناك سوى 3000 فلسطيني -يبلغ عددهم حاليا 25
ألفا- تم تجميعهم حتى منتصف الستينيات من القرن الماضي في حي العجمي الذي
أحيط بالأسلاك الشائكة لمنع السكان من التواصل مع العقارات والمقدسات
لتدمير وطمس غالبيتها.
وتجندت اللجان الشعبية والفعاليات الإسلامية والوطنية بالمدنية والداخل
الفلسطيني لترميم وصيانة الأوقاف والمقدسات وشكلت أيام التطوع وأموال
التبرع درعا منيعة في مجابهة المؤامرات الإسرائيلية وساهمت في الحفاظ على
العديد من الأوقاف والمقابر واستعادة بعض المساجد التي صودرت وأغلقت.
ورممت ثمانية مساجد بتبرعات أهل الخير وأموال المسلمين وكذلك بدعم
ورعاية من قبل "مؤسسة الأقصى للوقف والتراث" و"جمعية الأقصى للإغاثة
والتنمية"، وانضمت إلى تمويل ترميم وصيانة المساجد والمقدسات العديد من
الجمعيات بالعالم العربي والإسلامي.
وبرز في الفترة الأخيرة دور "هيئة الأعمال الإماراتية" بترميم وصيانة
مسجد النزهة، كما أعيد ترميم وافتتاح مسجد البحر بدعم من جمعية "ميراثنا"
التركية، وتتضافر الجهود في هذه المرحلة لإعادة إعمار مسجد الدباغ الذي تم
هدمه عام 1999.
|
مسجد حسن بيك شمال يافا تعرض للهدم وإضرام النيران والتدنيس لكن تم تحريره وترميمه وفتحه أمام المسلمين (الجزيرة نت) |
الانتهاك والتدنيسويقول
المهندس زكي اغبارية رئيس مؤسسة الأقصى للوقف والتراث، إن آلات الهدم
الإسرائيلية عملت منذ احتلال فلسطين على محو وطمس المعالم الإسلامية
والعربية، وطالت آليات الدمار المساجد والمقابر وتدمير المقدسات، ومنذ
النكبة تم هدم نحو 1200 مسجد ومصلى كما جرفت مئات المقابر
ووظفت كالمساجد التي ما زالت تعاني الانتهاك والتدنيس في غير أهدافها خدمة
للمشاريع التهويدية والسياحية والإسكانية والاستيطانية.
وكشف للجزيرة نت أن العديد من الجمعيات في العالم العربي والإسلامي
تقوم بالتبرع بسخاء بتمويل مشاريع صيانة وترميم للأوقاف والمقدسات والمساجد
ليس في يافا وحسب بل في جميع أنحاء فلسطين، وذلك اعتمادا على التقارير
الهندسية والمسح الميداني السنوي الشامل للمقدسات الذي تعده مؤسسة الأقصى،
وبموجب هذه التقارير ومخططات مشاريع الترميم ترصد الجمعيات ميزانيات
توظف في التواصل مع المقدسات وصيانتها منعًا من مصادرتها وتهويدها.
وشدد على أهمية الدعم العربي والإسلامي بمسح وصيانة الأوقاف والمقدسات
بفلسطين، لافتا إلى أنه لولا هذا الدعم والتمويل لنجحت إسرائيل في مخططاتها
بوضع اليد على آخر ما تبقى من مقدسات لتدميرها وطمسها وبالتالي تهويدها أو
بيعها لرجال الأعمال اليهود، لكن بقاء هذه المعالم العربية والإسلامية تدل
على حضارة وهوية المكان.
|
السطل (يسار) يثني على دور الدول العربية والإسلامية في تمويل مشاريع المساجد في يافا (الجزيرة نت) |
صيانة وترميم
بدوره،
أثنى عضو جمعية الأقصى للإغاثة والتنمية إمام مسجد النزهة الشيخ سليمان
السطل على دور بعض الدول العربية والإسلامية في تمويل مشاريع وصيانة
المساجد والمقدسات في يافا وخص بالذكر الإمارات وتركيا.
ودعا جميع الدول العربية إلى التجند لتعزيز صمود الفلسطينيين بالداخل
للحفاظ على وجودهم وهويتهم العربية والإسلامية عبر تمويل مشاريع دينية
واجتماعية وتنموية واقتصادية.
وشدد في حديثه للجزيرة نت على أهمية الدعم العربي والإسلامي بصيانة
وترميم المساجد والمقدسات بفلسطين لأنها ترمز للصمود والبقاء، خصوصا أن
مشاريع الترميم مكلفة وباهظة الثمن وبحاجة لميزانيات كبيرة يتعذر على
السكان توفيرها في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية، فمسجد النزهة الذي
أعيد ترميمه بتمويل دولة الإمارات يعتبر من أقدم وأعرق المعالم بيافا،
وعانى سنوات من التلف والتصدع في الجدران وكانت قبته تتسرب منها مياه
الأمطار إلى داخل المسجد.
http://www.aljazeera.net/news/pages/f496d9c1-68a6-43e2-af2d-015fc808caa9?GoogleStatID=9