دروس في الأمن القومي لمرشحي الرئاسة 3
منظمات المجتمع المدني بين الحبكة الدرامية وواقع الأمن القومي المصري
دائما ما أميل إلي محاولة ربط ما يحدث بما حدث من قبل وإيجاد روابط بين التاريخ وبين اليوم وحتي أتأكد من صدق المقاربة لا أغفل أبدا واقع الجغرافيا , فما يكون مناسبا لأمريكا ليس بالضرورة يكون مناسبا لفرنسا , وما هو مناسب بالأمس قد يصبح خطرا اليوم.
وفي محاولة لفهم ماحدث في قضية منظمات المجتمع المدني , نستطيع ان نتبع اسلوب التحليل الرياضي , فنقسم المشكلة إلي مشكلات صغيرة ونصنع روابط تؤدي إلي الوصول الطبيعي نهاية الأحدث, أسلوب رياضي يتبعة محللوا الإستخبارات دائما وبالرغم من عيوبه التي تعتمد علي عيوب المحلل ذاته , إلا انه هو الأداه الوحيدة في يد المواطن الذي يعي وطنه ويفهم أزماته.
بدأت الأزمة بالهجوم علي مقرات منظمات المجتمع المدني , وبعدها تحويلها للمحاكمة في قضية التمويل , ثم نظر القضية , وإحراج القاضي , أنسحابه , تولي قاضي أخر , ثم في نهاية المطاف الإفراج بكفالة.
هذه هي الصورة في مجملها , وتفاصيلها التي لا يعرفها الناس كثيرة , ولا يوجد لدينا شفافية أو بمعني اخر لا توجد لدينا القدرة علي تحمل تبعات الشفافية.
إن مشكلة منظمات المجتمع المدني موجودة قبل الثورة بسنوات, وما حدث فيها كان عبارة عن إنتفاضة الحرية والكرامة لدي صانع القرار المصري التي كانت نتيجتها كما انه فؤجي بانه لا يملك ان يحقق الكثير فأثر السلامة في نهاية المطاف بالإفراج عن المتهمين بكفالة بمنطق ما تستطيع ان تحصل عليه يكون دائما افضل من ان لا تحصل علي شيء بالمرة.
ولكن هل نستطيع ان نقول ان ما حدث يعتبر تنازلا عن الكرامة والسيادة المصرية وتفريط مخيف في متطلبات ؤحماية الأمن القومي المصري.
لكي نجيب علي هذا السؤال نسوق مثالا لمن لا يفهمون معني الأمن القومي المصري, ففي الحرب العالمية الثانية حينما بدأ إجتاح الألمان فرنسا أدرك تشرشل أن نجاح الألمان لا شك فيه , واصبح عليه ان يتسائل عن القدرة العسكرية الفرنسية وانها بالتأكيد ستقع في يد الألمان ومع وعيه التام بأن إنجلترا شبه جزيرة فإن الخطر الحقيقي من غزو الألمان ليس في سيطرتهم علي فرنسا ولكن في سيطرتهم علي القدرة البحرية الفرنسية.
فأرسل رسالة إلي الأسطول الفرنسي يطلب منه انه في حالة نجاح الغزو الألماني فعليه ان ينضم إلي إسطول البحرية الملكي وان يعمل تحت لوائه , وحدث بالفعل ما كان يخشاه تشرشل ولكن هل حدث كما اراد بالنسبة للبحرية الفرنسية , لقد أتت الإجابه قاطعة , لا لن نستسلم للتاج البريطاني.
وقد يعزو البعض ذلك إلي طبيعة الصراع بين الإمبراطوريتين وقد يفسره البعض بنعرة الكبرياء او تسلط الأنا علي القيادة الفرنسية.
ولكن الأمر أعمق من ذلك بكثير, حينما تتعلق الأمور والأحداث بالأمن القومي للوطن تصبح جميع التضحيات متناهية الصغر ولا قيمة لها , لان التفريط في اسس الأمن القومي يعني ببساطة ضياع مستقبل الأجيال القادمة , لقد فضل الفرنسيين ان يموت اكثر من 5000 الاف بحار وجندي فرنسي علي ان تقع فرنسا تحت التاج البريطاني هربا من مدفعية الجيش الألماني, وأصدر تشرتشل أمره بقصف الأسطول الفرنسي.
ونعود إلي قضية تمويل منظمات المجتمع المدني في مصر , ونسأل أنفسنا ببساطة شديدة , ما هي مكاسب مصر وخسائرها.
لقد كسبت مصر بعض الدولارت , وبعض قطع الغيار و وتحسين شروط قرض البنك الدولي
وخسرت مصر إرادتها. أجل لقد خسرت مصر إرادتها المتمثله في عقاب أي فرد يحاول ان يدخل إليها ويعمل ضدها, "بعيدا عن حقيقية الإدعاءات في القضية"
والأمر الحقيقي الذي حدث أن لاعبو لعبة الأمم داخل الحكومة المصرية أرادوا ان يتخذوا من القضاء المصري وسيلة للحصول علي مكاسب يظنون انها أهم بكثير ,ونسوا انهم في فعلهم هذا قد اهانوا إرادة العدالة في تطبيقها علي الأفراد. فالعدالة في مصر عدالة مركبة.
إن أمريكا وأوربا دول تدعي الديموقراطيه وهي تملك الحق كله في هذا الإدعاء , بالرغم من جميع انواع الفساد والظلم الطبقي والعرقي هناك , فأنت في امريكا تستطيع ان تشتري القضاء وان تشتري الذمم علي أي مستوي , ولكن المعيار الأساسي هناك أن القضية إذا اصبحت قضية رأي عام , تنصل منها الجميع , وظهرت جميع الأدلة , لا أحد يستطيع ان يحارب النظام الأمريكي ذاته , لانه هو الذي يضمن الوجود الأمريكي.
وبعيدا عن كل هذه التعقيدات التي تستعصي علي فهم عدد كبير من مرشحي الرئاسة وخصوصا مرشحي المائدة المستديرة, الأمر بسيط للغاية
حينما يكون القرار مباشرا بالأمن القومي المصري, فلا تنازلات والقاعدة إن أي خسارة تعتبر خسائر ثانوية في مقابل صيانة الأمن القومي المصري.
علاء سعد
مرشح محتمل من الشباب للإنتخابات الرئاسية