دروس في الأمن القومي المصري لمرشحي الرئاسة 4
مصر بين المستعمرة والإمبراطورية
كان لنا في العام الماضي رئيسا للبلاد ,رئيسا عشت معه وكثيرين من شباب هذه الأمه المكلومة سنوات طويله , أصبح شيئا أساسيا في هذه الدولة التي ضرب فيها العجز والكهولة إلي درجة لا يمكن أن يصدقها عقل , إنني أتعجب من الأمم التي تقفز عدوا للشيخوخة حتي من دون ان تمر علي مرحلة الشباب والقوة. كان الرئيس السابق يصر في كل خطاب علي ان يزيله بتوقيع غريب من نوعه لفت نظري ووضع في رأسي أكبر علامة إستفهام , علامة إستفهام احاطت بها عشرات من علامات التعجب.
كان دائما ينهي خطابه بكثافة مصر السكانية , وبأن الشعب يتكاثر ويتزايد بشكل مخيف , وكان يوصي دائما وفي توصياته أوامرا لحكومته بإتباع الإسلوب العلمي في تحديد وتنظيم النسل حتي يستطيع الوطن ان يحصل علي فوائض الإنتاج التي تؤدي بدفعه للأمام. وبسرعة البرق تشتعل أجهزة الإعلام متغنية بالحكمة الرهيبة التي خرقت الأرض وطاولت الجبال طولا. فتنفجر ماسورة الأفلام , ويتقيح مستنقع اللقاءات الإعلاميه التي تناقش هذه القضية التي كشفتها عقلية الرئيس الجبارة.
وكنت في بعض الأحيان في نعومة أظافري المعرفيه تأخذني تلك الهجمه في طيات موجاتها , فأجدني أظن ان الزيادة السكانيه هي حقا السبب الرئيس في أزمة هذا الوطن. ويوما بعد يوم ومع إصراره الرهيب علي أن يذكر أمر الزيادة السكانية في كل مناسبة , لفت نظري حقيقة لم أكن أدرك علاقتها بفكر الرئيس السابق , الذي لم يكن فكره في الأساس.
إن مصر عاشت فرعونيتها كإمبراطورية تؤمن بالتوسع لتأمين الداخل ,لذلك كان الجيش المصري في عهد الدولة الفرعونية جيشا قائما علي إستراتيجية التوسع والهجوم , ولقد بدأت هذه الإستراتيجية في التغيير مع بداية عصر الإستعمار الروماني إلي مصر , فتحولت مصر من فكر الإمبراطورية إلي فكر المستعمرة وتحول توجهها الإستراتيجي بالتبعية , من الهجوم إلي الدفاع. وتتابعت القرون علي مصر وهي تنتقل بين الإستراتيجيات حسب قوتها وحسب إرادتها , حتي إنتهت نظرية الهجوم مع ضرب الأسطول المصري في عهد محمد علي, وإنكفأت مصر علي وجهها متبنية استراتيجية الدفاع وحتي يومنا هذا.
وقد يتسائل من يقرأ هذه السطور ماعلاقة إستراتيجية الدفاع وطبيعة المستعمرة بحكمة الرئيس السابق الخارقة لكل السحب البلاستيكية التي كانت تحيط به.
والعلاقة بسيطة في كون أن أي مستعمرة لابد لها من مسٌتعمِر , ولإدارة المستعمرات قانون يسمي بقانون السادة والعبيد, فلا يجوز أبدا ان يزيد عدد العبيد إلي الحد الذي يتهدد معه مكتسبات السادة.
لقد حول أعداء مصر , أمتنا من إمبراطورية إلي مستعمرة , وأزالوا من وعي المواطن التاريخي أي قدره علي إدراك هذه الحقيقة فتحول رئيس الدولة إلي رجل يؤمن بنظرية العبيد والسادة التي تعني توازن العدد حتي لا يفقد السادة السيطرة علي المستعمرة. ونسي الرئيس أمرا في غاية البساطة.
أن من اراد الرئيس تحديد نسلهم, هم أنفسهم أصحاب القوة , التي أطاحت به وبحلمه.
إن تحديد وتنظيم النسل يؤدي إلي كسر قانون الطبيعة وهو قانون البقاء للأفضل , ففي محاولة الإنسان لتحديد نسله كسر لهذا القانون الجبار , الذي مايلبث أن يفرض نفسه بأي طريقة تكون.
إن تحول مصر من إمبراطورية إلي مستعمرة , ثم إنكفائها علي نفسها , لتتجه إلي الداخل وتستعمر نفسها , أدي إلي أن يأتي علينا يوم أصبحنا فيه فقراء لدرجة الخوف من المجاعة , وثورة الجياع, لقد أصبحت مصر من دون رئيس أو زعيم لمدة تزيد علي السنة ,
وكانما تعلن مصر لأبنائها ولسان حالها يقول:
لقد فرطتم في حقي , ولن أقبل أن يجلس علي عرشي أحد منكم , فأبقوا هكذا من دون رئيس أو زعيم
فكما بخلتم علي حينما أحتجت إليكم بالرجال , فاليوم أبخل عليكم برجل واحد أنتم في أمس الحاجه إليه.
فياأيها السادة مرشحي الرئاسة المحتملين , وخصوصا مرشحي المائدة المستديرة , إنكم إن أردتم خيرا بهذا الوطن ولهذه الأمة فعليكم أن تنحوا السياسة جانبا, فالسياسي لا يستطيع أبدا ان يكون ناجحا بأهداف إستراتيجية , إن خطابكم السياسي , بكل معاني الكلمة يلعب علي الغرائز الأساسية للجماهير , الحب , الكراهية , الخوف , الفرح ... الخ, وهي أدوات تعني ببساطة ضحك علي الذقون , وإستكمال إسلوب الإستخفاف بعقول الناس. وهذا ببساطة يؤكد أن لا احدا منكم يستحق أن يكون رئيسا لمصر.
علاء سعد
مرشح محتمل من الشباب للإنتخابات الرئاسية