إيسوروكو ياماموتو Isoroku Yamamoto أميرال البحرية الامبراطورية اليابانية Admiral of the Imperial Japanese Navy، والقائد العام للأسطول البحري الحربي في السنوات الأربع الأولى من الحرب العالمية الثانية (1939ـ1945). من أشهر أمراء البحر وأعظم استراتيجي بحري حربي عرفته اليابان على الإطلاق. ومع أنه كان من معارضي الحرب ونصيراً للسلام؛ فقد تولى بنفسه إعداد الأسطول الامبراطوري والطيران البحري الحربي وتطوير معداتهما لخوض الحرب، وقاد كثيراً من الحملات العسكرية اليابانية في المحيط الهادئ إبّان الحرب العالمية الثانية، وعلى رأسها الغارة الناجحة على بيرل هاربر، التي أدت إلى تدمير القسم الأكبر من الأسطول البحري الحربي الأمريكي في المحيط الهادئ، وإلى دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب إلى جانب الحلفاء. حاز ياماموتو شهرة واسعة وتقديراً عالياً في اليابان وفي الولايات المتحدة الأمريكية كذلك؛ لعبقريته التكتيكية والاستراتيجية، ولحرصه الشديد على منع مرؤوسيه من ارتكاب جرائم حرب في أثناء العمليات الحربية.
اسمه الأصلي إيسوروكو تاكانو Takano، وُلد في قرية ساحلية صغيرة من ضواحي ناغاوكا Nagaoka (ولاية نيئيغاتاNiigata)، فكان سادس إخوته. و كان أبوه سادايوشي تاكانو Sadayoshi Takano معلم مدرسة من طبقة الساموراي الدنياlow Samurai rank. وإيسوروكو ـ وفق التقليد الياباني ـ مصطلح قديم معناه «56»، إشارة إلى عمر والده يوم ولد. وفي عام 1916 تبنته أسرة ياماموتو الثرية، وهو تقليد قديم تمارسه الأسر اليابانية ذوات المكانة الاجتماعية المرموقة إذا لم تنجب أولاداً ذكوراً، فتختار شاباً تتوسم فيه النجابة ليرث اسمها. ولما كان والدا إيسوروكو قد توفيا قبل ذلك بسنوات فقد تقبل تكريم هذه الأسرة، وتكنّى بها في احتفال رسمي في أحد المعابد البوذية. وتزوج في عام 1918 فتاة تدعى رايكو ميهاشي Reiko Mihashi أنجبت له ولدين وبنتين.
التحق إيسوروكو في السادسة عشرة من عمره بالأكاديمية البحرية في إتاجيما Etajima بالقرب من هيروشيماHiroshima، وتخرج فيها عام 1904. وعُمِّد قتالياً على الطراد نيشين Nishin في معركة تسوشيما Tsushima الحاسمة في أثناءالحرب الروسية اليابانية (1904ـ1905)، حيث اكتسب خبرته الأولية وجُرح وفقد إصبعين من يده اليسرى، غير أنه سرعان ما تعافى وعاد إلى الخدمة من جديد.
أمضى إيسوروكو الفترة بين 1904 وبداية الحرب العالمية الأولى في جولات تدريبية بحرية بين كوريا والصين والسواحل الشرقية للولايات المتحدة وأستراليا. وفي عام 1913 ألحق بكلية الأركان البحرية في تسوكيجي Tsukiji المؤهلة للقيادات العليا، وعين بعد تخرجه فيها عام 1916 ضابطاً في أركان المجموعة القتالية الثانية برتبة رائد بحريLieutenant Commander. وفي عام 1919 أوفد ياماموتو إلى الولايات المتحدة الأمريكية للدراسة في جامعة هارفرد لمدة سنتين، و تركز اهتمامه على صناعة النفط ومشتقاته الحيوية للبحرية الحديثة. رقي إثر عودته في عام 1921 إلى رتبة مقدم بحري Commander، وعين مدرساً في كلية الأركان البحرية في طوكيو. وفي عام 1923 رقي إلى رتبة عقيد بحريcaptain وعين قبطاناً للطراد فوجي Fuji، وأرسل في عام 1924 إلى مركز جديد للتدريب على الطيران على مسافة 90كم شمال شرق طوكيو، وبعد أن أمضى هناك ثلاثة أشهر أصبح مديراً للدراسات في المركز، وصبّ اهتمامه على انتقاء نخبة من الطيارين شكّل منهم فيلقاً جوياً، غدا فيما بعد السلاح الجوي الرئيسي للبحرية اليابانية.
في عام 1926 عين ياماموتو ملحقاً بحرياً لسفارة اليابان في واشنطن، عُني في أثنائها بدراسة القدرات العسكرية الأمريكية. وبعد عودته عام 1928 تولى قيادة الطراد إيسوزو Isuzu، ثم حاملة الطائرات أكاجي Akaji، فمديراً لمكتب شؤونالأسطول في وزارة البحرية، حيث أدخل كثيراً من التجديدات على أمن الطيران والملاحة. وفي عام 1930 مُنح رتبة عميد بحري Rear Admiral، وعين مستشاراً للوفد الياباني إلى المؤتمر البحري الذي عقد في لندن بهدف الحد من التسلح، وكان له دور كبير في رفع حصة اليابان من الطرادات الخفيفة إلى 70% بالنسبة إلى القوتين البحريتين الأمريكية والبريطانية. وبدءاً من أواخر1930 حتى الشهر العاشر من عام 1933 تولى ياماموتو إدارة القسم التقني من مكتب الطيران البحري، ثم أصبح رئيساً للمكتب نفسه عام 1935. وأشرف شخصياً على تنفيذ برنامج الطيران البحري بكامله، بما فيه حاملات الطائرات والطائرات البحرية والطائرات التي تقلع من قواعد برية. وكان طوال هذا الوقت يعمل على تحقيق التوازن مع القوى البحرية العظمى في العالم. وأصرّ وهو على رأس وفد اليابان إلى المؤتمر البحري الثاني في لندن عام 1934ـ وكان قد أصبح برتبة لواء بحري (نائب أدميرال) vice admiral- على أن تكون نسبة التسلح البحري بالتساوي بين اليابان وبريطانيا والولايات المتحدة.
رفض ياماموتو الانضمام إلى العصيان المسلح الذي حدث في أواخر شباط/فبراير 1936 لقلب نظام الحكم البرلماني في اليابان إلى حكم عسكري. وعين في أواخر ذلك العام نائباً لوزير البحرية فقبله على مضض لكراهته العمل السياسي. ومع أنه لم ينجح في منصبه هذا في إقناع قيادة البحرية بالتوقف عن بناء بوارج جديدة لضعفها حيال هجمات الطوربيد، ونفقاتها الكبيرة؛ فقد تمكن من تطوير سلاح حاملات الطائرات ليصبح السلاح الضارب الرئيسي لليابان. وكانت له مواقف جريئة برهن فيها على بعد نظره وحسه الاستراتيجي، وخاصة معارضته رغبة الجيش التحالف مع ألمانيا النازية خشية أن يقود هذا التحالف اليابان إلى التورط في حرب ضد أكبر قوتين بحريتين في العالم: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، وربما الاتحاد السوڤييتي أيضاً، ولأن الاقتصاد الياباني يعتمد أساساًعلى استيراد المواد الخام منها. كذلك وقف ياماموتو موقفاً معارضاً من غزو اليابان الصين سنة1937. وقد تعرض بسبب مواقفه تلك لانتقادات شديدة وعداء سافر من المتطرفين الذين حاولوا اغتياله. وحفاظاً على حياته، لم يجد وزير البحرية آنذاك مخرجاً سوى إبعاد ياماموتو إلى البحر، فرقي إلى رتبة أدميرال عام Full Admiral، وعُيِّن في 30 آب/أغسطس 1939ـ أي قبل غزو هتلر بولندا بيومين ـ قائداً عاماً للأسطول المختلط؛ أي القائد العملياتي للبحرية كلها، وهي أعلى رتبة في البحرية اليابانية. ولما قررت اليابان الدخول في التحالف الثلاثي مع ألمانيا وإيطاليا في 27 أيلول/سبتمبر 1940 حذر ياماموتو رئيس الوزراء من احتمال الحرب مع أمريكا قائلاً: «إن أُمِرت بالقتال بغض النظر عن العواقب، فسوف أكون مطلق اليد لستة أشهر أو سنة على أقصى حد، ولكنني لست واثقاً مما سيكون عليه الحال في السنة الثانية أو الثالثة. فالتحالف الثلاثي قد تم ولا يمكننا فعل شيء. والموقف الآن على ماهو عليه، ولكنني آمل أن تبذل جهدك لتجنب الحرب بين اليابان وأمريكا».
بدءاً من تلك اللحظة لم يتوان ياماموتو عن التخطيط لتسديد ضربات جريئة والإعداد لها، وكان يعتقد أن تنفيذ ضربة سباقة مفاجئة إلى الأسطول الأمريكي المتمركز في بيرل هاربر من جزر هاواي في بداية الحرب؛ سوف يمنع ذلكالأسطول من التصدي لعمليات القوات اليابانية في المحيط الهادئ لمدة ستة أشهر على الأقل. واستطاع أن يقنع القيادة العليا اليابانية بوجهة نظره هذه. ولما قررت الحرب مع الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا في الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر 1941 أصدر الامبراطور هيروهيتو أوامره إلى ياماموتو شخصياً لتنفيذ خطته. وفي فجر اليوم السابع من ذلك الشهر شن الطيران البحري الياباني ضربة جوية مفاجئة على القاعدة البحرية الأمريكية في بيرل هاربر بقوى 353 طائرة أقلعت من ست حاملات، وتمكنت من تدمير معظم الأسطول الأمريكي في المحيط الهادئ تقريباً، فأغرقت أو أعطبت 18 سفينة حربية و200 طائرة، وتجاوز عدد القتلى 3000 قتيل من مختلف الرتب، ونجت من الغارة أربع حاملات طائرات أمريكية لم تكن موجودة في القاعدة، وأما خسائر اليابان في هذه الغارة فلم تزد على 29 طائرة فقط.
بعد تلك الغارة الناجحة قرر ياماموتو متابعة أعماله الهجومية باحتلال الجزر الاستراتيجية في المحيط الهادئ و استدراج القوى الرئيسية للأسطول الأمريكي إلى معركة حاسمة للقضاء عليه نهائياً. غير أن الأمريكيين تمكنوا من تحليل رموز الشيفرة اليابانية وكشف خطة ياموموتو، واستعدوا للمواجهة في معركة ميدواي Midway في حزيران/يونيو 1942، وألحقوا بقواته خسائر فادحة. وفقد ياماموتو بعد ذلك زمام المبادرة وتحول إلى عمليات الاستنزاف والدفاع. وفي شهر نيسان/أبريل 1943 أراد ياماموتو القيام بجولة تفتيش على القواعد اليابانية في جزر سليمان Solomon Islands، واستطاع الأمريكيون حل رموز الشيفرة المتعلقة بجولته، فنصبوا كميناً لطائرته فوق تلك الجزر وتمكنوا من إسقاطها، وقتل ذلك الأدميرال الفذ، وأحرق جثمانه ونقل رماده إلى طوكيو حيث استقبل استقبالاً رسمياً في احتفال مهيب.
كان ياماموتو قوي البنية، صارم الملامح، شديد الملاحظة، يتمتع بمواهب قيادية وفكر استراتيجي وبعد نظر من الطراز الأول، ويملك مهارات ميكانيكية وتقنية مكنته من وضع خطط تطوير الطيران وحاملات الطائرات ومتابعة تنفيذها. وقد مُنح كثيراً من الأوسمة الرفيعة الوطنية منها والأجنبية، بما في ذلك وسام الصليب الحديدي الألماني، مع أنه لم يكن يثق بالألمان.
المصدر http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9662&m=1