مخاطر تنامي القدرات الهجومية الإيرانية والتوازن الاستراتيجي في الخليج مرت الإستراتيجية الإيرانية منذ العام 1979 الذي شهد الثورة واستلام نظام
الخميني الحكم في ثلاث مراحل: الأولى وشهدت الصدام مع العراق على خلفية
التصدير المكشوف والعلني للثورة إلى الدول العربية المجاورة بالدرجة
الأولى والتي كان العراق يشكّل البوابة الرئيسية إليها، وامتدت تلك الفترة
حتى العام 1989.
أمّا المرحلة الثانية فقد امتدت من العام 1990 وحتى العام 2001، وتعلمت
إيران خلالها درسا قاسيا عن الثمن الذي يتوجب عليها دفعه إن فكّرت هي
بتصدير ثورتها علانية، فانكفأت إلى إعادة بناء قدراتها الذاتية الاقتصادية
والعسكرية بصمت وبعيدا عن الأعين لاسيما فيما يتعلق بقدراتها الصاروخية
البالستيّة والنووية في وقت انشغل فيه العالم بالغزو العراقي للكويت ومن
ثمّ بالحروب الأمريكية ضدّه.
أمّا المرحلة الثالثة فقد بدأت منذ العام 2001-2003 ولا تزال حتى اليوم،
وفيها انتقلت إيران من مرحلة إعادة بناء قدراتها إلى مرحلة استغلال ما
بنته في توسيع قاعدة طموحاتها الإقليمية وفرض هيمنتها القسرية على المنطقة
العربية سواءً المباشرة من العراق إلى اليمن مرورا بسوريا ولبنان وفلسطين
ودول الخليج العربية، أو الغير مباشرة وصولا إلى السودان والمغرب وغيرها
من الدول العربية.
وتتميز هذه المرحلة بـ:
انهيار البوابة الشرقيّة للعرب مع احتلال العراق الذي كان يشكّل شدّا
منيعا في وجه النفوذ الإيراني إلى الخليج وباقي الدول العربية، وانتقال
إيران من العمل السري إلى العمل العلني المترافق مع إعلانها الواضح
والصريح في أكثر من مناسبة عن طموحاتها الإقليمية.
تطوير قدراتها العسكرية الهجومية الصاروخية والقدرات غير التقليدية
والنووية تحت مسميات دفاعية، مع انتهاجها سياسة خارجية عدائية وهجومية، ما
يعني أنّ المنحى الدفاعي لقدراتها العسكرية يستخدم لتعزيز قدرتها الهجومية
على التدخل في الشؤون الداخلية للدول المحيطة.
العمل على زعزعة أمن واستقرار الدول العربية عبر استخدام وسائل غير
تقليدية تقوم على إقامة تحالفات مع أقليات مذهبية أو سياسية داخل كل دولة
لتكون منطلقا لتنفيذ السياسة الإيرانية من الداخل العربي، والانتقال من
الحديث المبطّن عن أحقية النفوذ الإيراني في الخليج العربي إلى التدخل
المباشر في العراق ودول مجلس التعاون الخليجي وابتزازها سواءً البحرين أو
الإمارات أو السعودية أو حتى اليمن كما يحصل مؤخرا.
مظاهر الإخلال الإيراني بالتوازن الاستراتيجي في الخليجومن الملاحظ في هذا الإطار، أنّ التوازن الاستراتيجي في الخليج بدأ يتزعزع
في المرحلة الثالثة للإستراتيجية الإيرانية وخاصة بعد سقوط العراق. وترافق
تعاظم القدرات العسكرية الإيرانية مع عدم وجود سياسة واضحة وشفافة لطمأنة
دول الجوار. وعلى الرغم من انّه يحلو لبعض المحللين من العرب القول بانّ
أمريكا وإسرائيل تعمل على التحريض ضد إيران على اعتبارها تخلق تهديدا
مصطنعا لدول الخليج العربية وللدول العربية الأخرى، الاّ أنّ إيران نفسها
لم تقم بأي جهد يذكر لإثبات نواياها السلمية وطمأنة الجيران، بل على العكس
أمعنت طهران بشكل فاضح في إثبات نظرية أنها تشكل خطرا جامحا على الدول
العربية والخليجية تحديدا. ومن مظاهر تنامي القدرات العسكرية الهجومية
لإيران:
1- تعزيز القدرات الهجومية الصاروخية: بذلت إيران جهودا
ضخمة وجبارة منذ الحرب العراقية-الإيرانية فيما يتعلق بتطوير قدراتها
الصاروخيّة البالستية والتكنولوجيا المتعلقة بها وذلك بدعم من دول مثل
كوريا الشمالية والصين وروسيا، حتى باتت تمتلك اليوم القدرة على تطوير
برنامجها الصاروخي الخاص بشكل مستقل وبما يتناسب مع طموحاتها التوسعيّة
المعروفة وسلوكها للهيمنة على المنطقة.
(شاهد المرفق)
وتشير العديد من المصادر إلى أنّ هناك توجه لدى الإيرانيين بتطوير صواريخ
شهاب 5 وشهاب 6 أيضا وان لم يتم تأكيد ذلك فعليا. وتكمن مخاطر هذه
الصواريخ في أنها قادرة على ضرب أي بقعة في شبه الجزيرة العربية، ولا
يقتصر التهديد الإيراني باستهداف القواعد الأمريكية في الخليج حال نشوب
نزاع أمريكي-إيراني أو إيراني-إسرائيلي، وإنما يتعداه إلى إمكانية
استهدافها للمنشآت الحيوية والإستراتيجية الخليجية النفطية أو التابعة
للبنية التحتيّة أو مراكز الاقتصاد والتجمعات السكّانية في هذه الدول.
2- البرنامج النووي: من حيث المبدأ للدول الحق في تطوير
قدرات نووية للاستخدامات السلمية طالما أنّها ملتزمة المعاهدات والمواثيق
الدولية. في التفاصيل، ومن خلال الواقع، لم تثبت التجربة الإيرانية أنها
شفّافة وانّ غرضها تحقيق قدرات نووية سلمية بدءا من إخفاء الموضوع النووي
برمته حين تفاجئ العالم في العام 2003 بانّ إيران تعمل سرّا على تطوير
برنامجها النووي، مرورا باكتشاف حلقات التعامل مع السوق السوداء النووية
إلى بناء وتجهيز منشآت سرية إلى المراوغة التفاوضية، وليس أخيرا إلى
التسريب الذي كشف بتاريخ 6/11/2009 انّ العلماء الإيرانيين قد يكونوا
اختبروا تقنية تعرف باسم "نظام التفجير الضمني المزدوج" التي تسمح عند
إتقانها، بإنتاج رؤوس حربية نووية أصغر حجماً وأكثر بساطة من النماذج
القديمة، كما أنها تحدّ من قطر الرؤوس النووية وتسهّل تحميل رأس نووي على
صاروخ.
أضف إلى ذلك انّ الطموح النووي الإيراني ارتبط بشكل غير مفهوم مع مطالبات
إيرانية متكررة بالاعتراف بها كقوة إقليمية شرعيّة لها حقوقها ومصالحا
(طبعا ستكون في دولنا ولاسيما دول الخليج العربية)، فما العلاقة بين
النووي السلمي والطموح الإقليمي؟ وهو مؤشر آخر على عدم سلميّة التوجه
النووي الإيراني.
لا شك أنّ حصول إيران على سلاح نووي سيعمل على الإطاحة بشكل كامل بالتوازن
الاستراتيجي الإقليمي في الخليج الذي تعمل إيران على زعزعته بشكل دائم
وحثيث منذ احتلال العراق في العام 2003، ويمكن تحديد مخاطر وتداعيات تحول
ايران الى قوة نووية على دول الخليج العربية بما يلي:
تقويض معاهدة منع الانتشار النووي (NPT)، وتسريع
التوجّه لدى العديد من دول المنطقة لامتلاك سلاح نووي خاص بها بما في ذلك
دول الخليج العربية، وبالتالي إطلاق سباق تسلّح نووي في الخليج والشرق
الأوسط، مع ما يفرضه ذلك من استنزاف مالي ومخاطر عسكرية وبيئية من إمكانية
اندلاع حرب نووية في ظل الطموحات الإقليمية الكبيرة والوضع الغير مستقر في
المنطقة والقابل للانفجار في أي وقت.
رفع قدرة الابتزاز (Blackmailing Ability) التي
تملكها إيران تجاه دول الخليج العربية، في ظل قدرتها الدائمة على التهديد
بقوتها النووية أو حتى استخدام القوّة في فرض أجندتها في ظل حيازتها على
رادع نووي يحصّنها من عواقب تصرفاتها ويمنحها القوة على تعزيز سياستها
الهجومية والتدخلية والتخريبية لاسيما في المنطقة الرخوة المتمثلة بدول
الخليج العربي مقارنة بتركيا وإسرائيل.
رفع قدرة إيران على قيامها بحروب بالوكالة (Proxy Wars)تهدد أمن دول الخليج العربية للضغط عليهم بخصوص الاعتراف بدورها ومصالحها
في هذه الدول وفي المنطقة ككل، دون أن يكون هناك قدرة على مواجهتها أو
إجبارها على التراجع أو حتى التفاوض لكونها في مأمن من تحمّل العواقب.
رفع قدرة طهران على القيام بعمليات تضليلية (Covert Operations)مع ما يمكن أن تتضمن إمكانية تمرير المكوّنات النووية إلى جهات طائفية
معينة أو مجموعات سياسية تابعة لها أو خاضعة لنفوذها تدفعها للقيام بهجوم
نووي مفاجئ مجهول المصدر وتتمكّن إيران فيه من التهرّب من المسؤولية ومن
إمكانية تعرّضها لأي رد نووي مدمّر على أساس أنّها لم تقم بأي هجوم نووي
مباشر ولا تعرف من قام بذلك.
3- برنامج الفضاء الإيراني: قامت إيران في الثاني من شهر
مارس 2009 بوضع أول قمر صناعي لها في الفضاء متزامناً مع الذكرى الثلاثين
للثورة. وحمل الصاروخ الإيراني الصنع "سفير2" القمر الصناعي الصغير
والمصنّع محليا "أوميد" إلى الفضاء ليضعه في مدار منخفض بحيث ينجز 15 دورة
حول الأرض خلال 24 ساعة وتجري مراقبته مرتين عبر المحطة الأرضية في كل
دورة. وتكمن خطورة برنامج الفضاء الإيراني بالنسبة لدول الخليج العربية في:
طابعه العسكري: إذ تشير العديد من المعطيات إلى أن البرنامج يحمل
طابعا عسكريا، فوزارة الدفاع الإيرانية تلعب دور الراعي والحاضن لبرنامج
الفضاء الإيراني، إضافة إلى الحرس الثوري، وهذا يعني أن الجهات الداعمة
والممولة والمتحكمة هي جهات عسكرية، وهو ما يلقي بشكوك كبيرة حول الطبيعة
المدنية لبرنامج الفضاء، وهو إذا ما صح يعني إمكانية للتجسس على دول
الخليج العربي والدول الواقعة في دائرة نفوذها عبر تطوير أقمار اصطناعية
تجسسية، وبالتالي فالخطر الإيراني في هذه الحال لا يختلف بأي شكل من
الأشكال عن الخطر الذي تفرضه إسرائيل على هذه الدول، خاصة أن إيران ما
زالت تحتل أراضي عربية وتهدد دولا عربية أخرى بين الحين والآخر، وتعبث
بالأمن الإقليمي بما يخدم مصلحتها.
ارتباطه بالبرنامج النووي: ذلك أنّ العمل عليه جاء بالتوازي مع
التقدم الحاصل في البرنامج النووي للبلاد، ومكمن التخوف هنا أنه في حال
صدقت الشكوك التي تذهب إلى القول بأنه إذا كان هدف إيران من البرنامج
النووي تصنيع قنابل نووية، فإنها ستكون بحاجة إلى صواريخ بعيدة المدى
قادرة على حمل هذه الرؤوس، وهنا يأتي دور البرنامج الفضائي الإيراني حيث
يتم تطوير صواريخ بعيدة المدى بحجّة أن الهدف هو استخدامها لنقل أقمار
اصطناعية مدنية· إذ لطالما اعتمدت العديد من الدول على برنامج الفضاء
لديها كغطاء لتطوير صواريخ بعيدة المدى، خاصّة أن التكنولوجيا المستعملة
في الصواريخ، والتي من شأنها أن تحمل الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء
الخارجي لتضعها في مدارها، شبيهة إلى حد ما بالتكنولوجيا المستخدمة في
الصواريخ البالستية بعيدة المدى القادرة على حمل رؤوس نووية.
4- القدرات اللاتناظرية (Asymmetric Capabilities):وهي ذات طابع هجومي تعمل إيران من خلالها إلى حماية نفسها أولا عبر شبكة
عمل خارج حدودها الداخلية، وعلى تنفي أجندتها التوسعيّة بما يخدم مصالحها
ثانيا، وتشمل عدة مستويات منها:
تعزيز القدرات اللاتناظرية البحرية (Asymmetric Naval Capabilities):وعلى الرغم من امتلاك دول الخليج العربية لقدرات بحرية حديثة ومتطورة
قياسا بنظيرتها الإيرانية، إلاّ أنّ الأخيرة تتفوق بشكل واضح في عدد سفن
القتال الرئيسية المدعومة بـ3 غواصات، وفي امتلاك قدرات غير بحرية غير
تقليدية خطيرة أيضا تضم القوارب السريعة والقذائف والصواريخ المعدّلة
والألغام البحرية والملاحة الجوية والصناعات العسكرية المتعلقة بالهندسة
البحرية والالكترونيات البحرية من أجهزة رادار واتصالات ملاحة ومراقبة
وحرب الكترونية.
وتسعى إيران إلى تعزيز تفوقها في الخليج العربي من خلال زيادة قدرتها
العسكرية لبسط سلطتها، إذ حددت مياهها الإقليمية في الخليج العربي باثني
عشر ميلا بما في ذلك الجزر، شأنها في ذلك شأن الدول الكبرى التي تتوسع في
تحديد هذه المياه ولا تكتفي بالثلاثة أميال التي جرى عليها العرف والقانون
الدولي. كما أقامت قاعدة بحرية جديدة شرق مضيق هرمز الإستراتيجي في ميناء
"جسك" الإيراني الواقع في بحر عُمان لتعزيز مراقبتها العسكرية على مياه
الخليج العربي، في محاولة منها أيضا لتدشين خط دفاعي جديد شرق مضيق هرمز،
بحيث يصبح بإمكانها منع دخول أي وحدة بحرية معادية في المنطقة
الإستراتيجية بالخليج العربي إذا اقتضت الضرورة.
ومكمن الخطورة هنا، تعزيز التوسع الإيراني في الخليج وتأكيد السيادة على
مناطق احتلتها سابقا كالجزر العربية الثلاث التابعة لدولة الإمارات
العربية المتحدة (طنب الكبرى، طنب الصغرى وأبو موسى) إضافة إلى امتلاكها
القدرة على إغلاق مضيق هرمز الاستراتيجي الذي يعبر من خلاله حوالي 40% من
النفط العالمي، أو التحكم فيه ما يعني قدرتها على شل القدرات الاقتصادية
لدول الخليج العربية التي تعتمد على المضيق بشكل أساسي لتصدير إنتاجها
النفطي. وسيكون باستطاعة إيران مهاجمة أي تعزيزات قادمة من خلال قواعدها
العسكرية البحرية المتقدّمة أو حتى استهداف الساحل الشرقي لدول الخليج
العربية بأكمله.
تعزيز القدرات الاستخباراتية والحرب غير التقليدية: لإيران باع
طويل في هذا المجال، وقد أثبتت السنوات القليلة الماضية خلال المرحلة
الإستراتيجية الثالثة التي تحدثها عنها سابقا، بانّ إيران أصبحت تملك جيشا
خارج حدودها في الدول العربية قادر على الدفاع عنها وخوض حروب بالوكالة
(Proxy Wars) لصالحها حين يقتضي الأمر ذلك. ويتولى الحرس الثوري وأفرعه
كقوات القدس إضافة إلى المؤسسات التابعة له والخاضعة مباشرة للمرشد الأعلى
للجمهورية الإيرانية علي الخامنئي الإشراف على تنفيذ السياسة الخاصة بهذا
المنحى، وتشكّل الأقليات الطائفية في الوطن العربي عمادها، إضافة إلى
الحركات الموالية لإيران أو المنسجمة مع توجهاتها. وتؤكد التجربة
التطبيقية لهذه السياسية في 3 دول عربية على الأقل هي لبنان والعراق
واليمن مدى خطورة هذا التوجه ومدى قدرته التدميرية على بنية الدول وعلى
زعزعة استقرارها السياسي وأمنها االداخلي وتوازنها الاجتماعي خاصة مع تبني
إيران لهذه الأقليات وتدريبها وتمويلها وتسليحها وتنصيب نفسها وصيا عليها
أو متحدثة باسمها، وليست دول الخليج العربي بمنأى عن الخضوع لهذا التوجه.
الموقف الخليجي من تنامي القدرات العسكرية الإيرانية الهجوميةتسود حالة من الضبابية والارتجالية الموقف الخليجي إزاء تنامي القدرات
العسكرية الهجومية الإيرانية، إذ لا تتمتع هذه الدول بموقف موحّد جامع أو
رؤية إستراتيجية تطبيقية، ولا يقتصر ذلك على طبيعة الرد من الناحية
العسكرية وإنما في تبني الموقف السياسي أيضا. ويعد ذلك إحدى أكبر الثغرات
في السياسات الدفاعية والخارجية، التي سيكون على دول الخليج العربية
التعامل معها سريعا للعمل على سدّها لمواجهة التحديات الجسيمة التي تفرضها
دول مثل إيران أو إسرائيل في ظل التطورات الإقليمية المتسارعة والخطيرة.
وفيما يتعلق بالموقف الخليجي عموما من تنامي القدرات الإيرانية، يمكن
تسجيل الملاحظات التالية:
التركيز عل الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ البالستيّة: وتقود
كل من الإمارات والمملكة العربية السعودية جهود تكثيف وتطوير الأنظمة
الدفاعية الصاروخية وتأتي بعدها باقي الدول. وتحتل الدولتان صدارة قائمة
الدول في شراء الأسلحة من الولايات المتحدة خلال عام 2008، ويشير تقرير
صادر عن معهد أستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، إلى أن الإمارات احتلت
وللمرة الخامسة على التوالي المركز الثالث في قائمة أكبر مستوردي السلاح
في العالم في 2008 بعد حصولها على 6% من واردات السلاح في العالم خلال
الفترة من 2004 إلى 2008. وبلغت قيمة مشتريات الإمارات في العام الأخير
9.7 مليار دولار، وشهد صفقة شراء نظام الدفاع الصاروخي المتطور (THAAD)
البالغة حوالي 6.5 مليار دولار مع توقع بتسليمه العام 2012، علما أنّ أبو
ظبي تمتلك منظومة الدفاع الصاروخي الجوي المتقدّمة (Patriot PAC-3) بقيمة
حوالي 3.3 مليار دولار. وتمتلك دول الخليج الأخرى أنظمة دفاع صاروخية
متعددة من فئة (Patriot) تعمل على تحديثها وتطويرها بشكل يحد من مخاطر
الصواريخ البالستيّة الإيرانية، لكنها تبقى عديمة الفعالية إذا ما امتلك
إيران السلاح النووي.
تنويع مصادر شراء السلاح: ووفقا لصحيفة "WSJ" الأمريكية، فإن بلدان
الخليج العربية تستورد 50% من أسلحتها من الولايات المتحدة الأمريكية
الآن، و16% من فرنسا و9% من ألمانيا، فيما تبلغ حصة روسيا في واردات بلدان
الخليج العربية من الأسلحة 7%. وتعدّ روسيا لاعبا جديدا على الساحة
الخليجية، إذ انّه وعلى الرغم من أن ورادات السلاح الخليجية من أمريكا
وأوروبا تبقى الحصة الأكبر من مجمل الواردات العسكرية، الاّ أنّه من
الملاحظ وجود توجه بالانفتاح على السلاح الروسي، ولعلّ ذلك يعود إلى رغبة
دول الخليج في الحد من الدعم الروسي لإيران، واستمالتها مقابل شراء أسلحة
بمبالغ كبيرة. ففي العام 2007، زار الرئيس فلاديمير بوتين المملكة
السعودية وتم مناقشة صفقات سلاح بقيمة حوالي ملياري دولار، أبدت المملكة
خلالها الاهتمام بشراء 150 مروحية، 30 هجومية (Mi-35) و120 نقل (Mi-17)
وأكثر من 150 دبابة (T-90s) وحوالي 250 آلية مدرعة وعشرات الأنظمة
الدفاعية المضادة للطائرات. وتحتل الأنظمة الدفاعية الروسية المتطورة أيضا
مركزا مهما في لائحة الأسلحة التي تسعى دول الخليج العربية إلى الحصول
عليها، إذ تبدي المملكة اهتماما متزايدا في الحصول على أنظمة الدفاع
الصاروخي الجوي (S-300) و(S-400) و(Pantsyr-S1). أمّا الإمارات، فقد أبدت
اهتماما كبيرا بالحصول على نظام (Iskander-E) الصاروخي القصير المدى (280
km)، وأيضا بالقذائف المضادة للدبابات.
التوجه نحو برامج نووية: تضمن البيان الختامي للدورة 27 للمجلس
الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربى الذى عقد في الرياض بالمملكة
العربية السعودية في الفترة من 9- 10 ديسمبر/كانون أول 2006 عدداً من
البنود من بينها الدعوة إلى إجراء دراسة جدوى لإقامة برنامج نووي خليجي
مشترك للاستخدامات السلميّة، ومنذ ذلك التاريخ، قامت العديد من دول الخليج
بمواكبة الموقف بإدخال تعديلات تشريعية وهيكلية للاستعداد لتنفيذ برامج
نووية. وتبذل كل من السعودية والإمارات مجهودا كبيرا في هذا الإطار وحققتا
العديد من الخطوات الفعلية باتجاه هذا الخيار، إذ وافق مجلس الوزراء في
مارس/ آذار 2008 على العمل لتطوير برنامج نووي للأغراض السلمية وإقامة
هيئة للطاقة النووية، كما وتوصلت إلى عقد اتفاقات تعاون نووي مع كل من
فرنسا وكوريا الجنوبية وهناك مساعي لتأكيد اتفاق مماثل مع أمريكا خاصة انّ
أبو ظبي ستمنح عقوداً قيمتها نحو 20 مليار دولار، لبناء أول محطات للطاقة
النووية، يمكن أن تنتج بين 4000 و5500 ميغاوات كهرباء بحلول عام 2020.
وعلى الرغم من التأكيد على الطبيعية السلميّة للمشاريع، الاّ أنّ هناك
انطباعا لدى كثيرين انّ هذه التحركات جاءت للرد على النووي الإيراني من
جهة، وللضغط على الدول الغربية لإنهاء المسألة الأزمة النووية الإيرانية
خاصة انّ دول الخليج وفي طليعتها المملكة العربية السعودية من الدول
الداعية إلى جعل المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل.
ثغرات في السياسات الخليجيةعلى الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من دول الخليج العربية لمواكبة
التطور في القدرات العسكرية الهجومية والمخاطر الناجمة عنها، إلاّ أنّ
هناك ثغرات عديدة يجب تدركها وأخذها في عين الاعتبار عند مقاربة الموضوع،
منها:
1- في مجال السياسة الخارجية: تتّصف السياسات الخارجية لدول
الخليج العربية عموما بأنها محافظة ودفاعية بشكل عام ولا تمتلك مبادرات
خلاقة أو النزعة الهجومية والتي تكون مطلوبة في كثير من الأحيان في
العلاقات الدولية. ويؤدي استبعاد هذه النزعة إلى التقوقع في موقف دفاعي
يعطي الآخرين صورة خاطئة توحي بالضعف الشديد، وهو ما يغذي سلوكهم العدواني
ويفتح شهية أطماعهم وتدخلاتهم، ولا يساعد على إيصال رسالة حازمة وحاسمة
لهم، وهو ما تشهده العلاقات الإيرانية-الخليجية حاليا. تتفاوت العلاقات
بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين طهران، إذ يمكن وصف العلاقات القطرية-
الإيرانية والعمانية- الإيرانية بأنها جيدة جدا عموما، أمّا العلاقات
الكويتية- الإيرانية فهي جيدة في وقت توصف فيه العلاقات بين إيران وباقي
دول الخليج العربية بالمتوترة خاصة في عهد نجاد. وينعكس هذا الاختلاف في
العلاقة على طبيعة الرسالة التي تريد دول مجلس التعاون الخليجي إرسالها
إلى إيران، لذلك تنظر الأخيرة إلى هذه الدول بشكل فردي وليس ككتلة واحدة،
وهو ما من شأنه أن يمنح طهران الأفضلية واليد الطولى في التعامل معها، وهو
ما يجب تصحيحه عبر التحرك الجماعي والموقف الموحّد في جميع الظروف.
2- في مجال السياسة الدفاعية: تبذل العديد من دول الخليج
كما سبق وشرحنا جهود ضخمة في تحديث وتطوير قوتها العسكرية، وتملك هذه
الدول قوّة جويّة هجومية ودفاعية ضاربة خاصة الإمارات والسعودية التي بلغت
قيمة مشترياتها العسكرية العام 2008 حوالي 8.7 مليارات دولار، والتي كانت
أتمت سابقا صفقة شراء 100 مقاتلة (Eurofighter Typhoon) بحوالي أكثر من 40
مليار دولار تتضمن الأسلحة والصيانة والتدريب أيضا، وكللك تلقّت الإمارات
أكثر من 80 طائرة مقاتلة (F-16E) خلال الخمس سنوات الماضية. وعلى الرغم من
نسبة الإنفاق العسكري العالية لدول مجلس التعاون الخليجي، إلا انّه من
الواضح أن:
لا تكامل في الإستراتيجية العسكرية ولا توزيع لادوار محددة، فكل
يشتري حسب متطلباته الخاصة. فبعض الدول اتجهت إلى تدويل أمنها باستضافة
قواعد عسكرية أمريكية كقطر وعمان والبحرين، والبعض الآخر يحاول المزج بين
تدويل أمنه وبين الاعتماد على قدرات دفاعية ذاتية كالإمارات التي قامت
باستضافة قاعدة عسكرية فرنسية، وبين السعودية التي تسعى إلى تأمين قدراتها
الذاتية الدفاعية والهجومية.
هناك ثغرة في العنصر البشري للقوات المسلحة الخليجية، اذ تعاني هذه
الدول بشكل عام من مشكلة مستعصية تتمثل بقلّة العدد لاسيما قطر وعمان
والبحرين نظرا لمحدودية عدد السكان وهي مشكلة يجب العمل على إيجاد حل لها.
هشاشة القدرات البحرية: مقارنة بالقدرات الإيرانية غير التقليدية،
إذ يجب العمل على تطوير القدرات البحرية بشكل كبير وعدم الارتهان لقدرة
إيران على إغلاق مضيق هرمز أو التحكم فيه، والعمل على تطوير خطة خطوط
الأنابيب الخليجية لتفادي مضيق هرمز عند الأزمات.
3- في مجال الرد النووي: على الرغم من بوادر المضي الخليجي
في البرامج النووية، إلاّ أنّ هذا الخيار يحتاج إلى وقت طويل من الزمن
يتراوح بين 10 و 15 سنة، كما أنّ خيار المظلة النووية الأمريكية يظل قائما
وان كان حسبما يعتقد كثيرون غير فعّال وغير ايجابي لناحية امن الخليج، لكن
يعتمد ذلك في العموم على حصول إيران على سلاح نووي، إذ لا بد حينها من
إيجاد رادع بديل بغض النظر عن الخيارات المتاحة حينها.