لماذا أصبحت الحكومات والشعوب العربية تتهافت وتتسابق نحو الاهتمام باللغات الأجنبية على حساب لغتنا الأم في هذا العصر الذي سادت فيه العولمة وانفتحت الشعوب على الثقافات الأخرى وزادت أعداد العمالة الوافدة.. فأصبحنا نعيش في عالم بلا حواجز.. مع التهميش الواضح بل والمقصود لطمس هويتنا الثقافية والقومية.. وشن الحرب على لغتنا العربية لمسحها من هذا الوجود.
ولعل إهمال اللغة العربية وبخاصة في المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية في قطر اليوم ساهم في إعطاء الأولوية للغة الانجليزية مع تدني وضعف مستوى الخطابات والمراسلات باللغة العربية في هذه المؤسسات.. كما نلاحظ بجانب ذلك سوء التحدث بالعربية في وسائل الإعلام وبخاصة المرئية منها وبلغة ركيكة مما ترتب عليه ضياع هذه اللغة التي قتلها الوزير ووكيل الوزارة والمدير ورئيس المؤسسة أو الهيئة أو المجلس... فكان حقا علينا نصر هذه اللغة والتحدث عن هذه التجاوزات.. حيث «طفح الكيل»... و«بلغ السيل الزبى» كما قالت العرب في أمثالها، حتى صرخت فينا العربية وقالت بملء الفم «أضاعوني وأيّ فتى أضاعوا».
ومن هنا جاء القرار الصائب لمجلس الوزراء في دولة قطر خلال الأيام القليلة الماضية ليعيد المكانة والهيبة للغتنا التي حاول البعض قتلها وطمسها دون وجه حق لكونها اللغة الرسمية والأولى في الدولة.
في الوقت الذي تتبوأ «اللغة العربية» اللغة الأولى في بعض الدول الإسلامية نجد أن بعض الدول العربية تتهافت نحو الاهتمام باللغات الأجنبية على حساب «العربية» التي ضاعت قواعدها وأصولها الصحيحة في خضم العولمة والانفتاح على الآخر... ومن هنا فلا بد من تفعيل هذه اللغة في شتى جوانب الحياة المعاصرة.
لو أخذنا المؤسسات والهيئات الحكومية والخاصة في المجتمع القطري - أنموذجا - فسنجد ضعف مستوى الخطابات والمراسلات في هذه المؤسسات يأتي في المقدمة.. بجانب تدني مستوى بعض الوزراء - على سبيل المثال - الذين لا يجيدون التحدث لوسائل الإعلام المرئية بلغة عربية سليمة، ومن هنا فالواجب تأهيلهم وتدريبهم على سلامة اللغة، وهذا ليس عيبا.
والمضحك المبكي هنا أن أغلب المراسلات في هذه المؤسسات والهيئات لا يخضع لنشر لغة عربية صحيحة.. وعدم الاهتمام هذا جعلها لغة مظلومة رغم انتشارها في الميادين العلمية والثقافية كافة.
وما من شك أن الإهمال واللامبالاة بالعربية وقواعدها الصحيحة في هذه المراسلات جعلها لغة مهمشة ومهملة.. وهذا التقصير والضعف والتشويه لها أظهرها وكأنها لغة عاجزة في أعين الكثيرين من أبنائها.. لا تستطيع الاستجابة لمتغيرات هذا العصر ومتطلباته.
وفي هذا الزمن نواجه العديد من التحديات.. منها الاهتمام بالعامية على حساب اللغة الفصحى اللغة الرسمية في الدولة.. والتي يجب أن تكون هي لغة الإعلام ووسائله المختلفة.. كما أن تدني مستوى الخطابات والمراسلات في الدولة جعل لغتنا العربية تعيش في حقبة من الظلام والضعف والانحطاط تذكرنا بحقبة الحرب على العربية إبان فترة الاستعمار الأجنبي للبلاد العربية خلال القرنين الماضيين.
ومنذ فترة فرضت دولة الإمارات العربية المتحدة شرطا أساسيا على جميع الدوائر الحكومية باستخدام «اللغة العربية» في جميع المراسلات الداخلية والخارجية بعد فشل تجربة استخدام اللغة الانجليزية التي أحدثت بعض الربكة والفوضى في العمل الإداري.
لقد قمت شخصيا بالاطلاع على أرشيف إحدى الإدارات في الدولة منذ سنوات أثناء إجراء إحدى الدراسات.. وكم أصبت بالصدمة عندما وجدت أن أغلب المراسلات والخطابات التي كانت ترسل من والى هذه الإدارة وبعضها يتصل بالوزير شخصيا.. حيث وجدت الكثير من هذه المراسلات لم تكن تكتب بلغة عربية سليمة، ويقال - كما سمعنا - أن بعض المراسلات قام بكتابتها وصياغتها بعض «الهنود والبنغال» ممن يعمل في الإدارة.. وهذا دليل واضح على التقصير واللامبالاة تجاه العربية.
وهذا المشهد يكاد يتكرر اليوم في كل الهيئات والوزارات والجامعات والمجالس من غير استثناء لعدم استحداث وظائف للمراجعين اللغويين، وهو أمر مهم لأجل المحافظة على لغتنا التي ضاعت في خضم المنافسة الشرسة اليوم مع اللغات الأخرى.
وفي الختام كل الشكر لأصحاب القلوب الغيورة والمحبة للغة الأم.. وشكر خاص لمن وقف وراء هذه المبادرة التي أكدت أنه لا سيادة على اللغة العربية.
«ومن حقنا نحن العرب أن ننعم بجمال لساننا العربيّ المبين، وليس من حقّ أحد أن يفرض علينا لغة غير لغتنا القدسيّة».