رسالة إلي المخابرات العامة المصرية
الإعلام وأسرار الأمن القومي
تابعت الأسبوع الماضي علي التليفزيون الرسمي
برنامج تمت إذاعته بمناسبة الذكري رقم XY علي إنشاء جهاز المخابرات العامة , وقد تابعت
الحلقة التسجيلية التي حاولت أن ترصد او تؤرخ لعمل الجهاز بكل الفزع والخوف علي
مستقبل هذا الوطن , فلقد كان الإخراج والتقديم أقل من مستوي حتي أفلام الهواه ,
مجرد قصاصات من هنا ومن هناك , معظمعها لقطات تسجيلية من أرشيف الإعلام القومي
لمسلسلات وأفلام حاولت أن توثق عمليات المخابرات في صراعها مع العدو الصهيوني خلال
العقود الماضية.
إن الرسالة في الفيلم التسجيلي واضحة , وتريد
ان تؤكد علي دور الجهاز في حماية مصر من تحديات يعلن عنها أقل القليل ويتناولها
الإعلام من منظور لا يختلف كثيرا عن مفهوم إعلانات مساحيق الغسيل وبسكويت الويفر.
وقد يتعجب متلقي هذه الرسالة من نوعية
الإنتقاد أو وموضوعيته , ويسأل ماتحديدا
الذي أفزعك وجعلك تكتب هذه الرسالة ؟
ولكي نجيب عن هذا السؤال , نري أن نطرح واقعة
قرأتها في دراسة تيم هاكلر بعنوان الإعلام وأسرار الأمن القومي والذي أثرت ان يكون نفس العنوان التفسيري
لرسالتي .
"في عام 1983 طلب الرئيس السابق لمصر دعم
الولايات المتحدة الإمريكية المساعدة في عملية مشتركة في ليبيا ,من خلال مساعدة
الطيارين المصريين بمعلومات عن طريق طائرات الأواكس , وأشترط الرئيس أن يكون ويبقي
تدخل الولايات المنحدة سريا " هذه هي الواقعة وما يعنينا هنا هو ما حدث خلال
العام الذي تلي الإتفاق , "فقد تم تسريب الخبر عن طريق السيناتور ليهي
والسيناتور دورنبيرجر والذين هددا بفضح دور الولايات المتحدة في العملية . وحين
علمت الإدارة الأمريكية بأن وكالة أيه بي سي تقوم بإعداد قصة تفصيلية , قام مستشار
الأمن القومي وليم كلارك بمقابلة مسؤلي القناة وأتفق معهم علي تأجيل إذاعة القصة
لمدة 24 ساعة حتي يسبقها بيان توضيحي من الإدارة الأمريكية عن العملية"
إننا نعرف أن التعارض بين الحفاظ علي أسرار
الأمن القومي وبين حق المواطن في المعرفة هو تعارض لا يمكن إيجاد حلول له ولكن دور
أجهزة الأمن القومي يكمن في أن تفهم وتدير بذكاء هذا التضارب والتعارض , حتي نضمن
أن حق المعرفة موجود ويصل للمواطن فينتج مواطنا واعيا وفي نفس الوقت نضمن الحفاظ
علي أسرار الأمن القومي وضرورات بقائه حيا متماسكا.
هذه هي القاعدة التي نخرج بها من الواقعة
سالفة الذكر , فالإعلام يمثل الحق في المعرفة , وحينما تفشل أجهزة إدارة الأمن
القومي في التعامل مع ماكينة حق المعرفة , وتفشل في تحديد ما يمكن ان يصل إليها ,
فهذا يعني بطبيعة الأمور أن تتنحي إدارة الأمن القومي عن دورها الذكي في تعطيل
وصول المعلومات للشعب.
وعودا للحلقة التسجيلية المهينة والتي أرها
أنها أهانت الأمن القومي المصري في تاريخه ومستقبله أكثر مما حاولت ,إن هذه الحلقة
تبين بوضوح العقلية التي عالجت هذه العلاقة , العلاقة بين الأمن وحق المعرفة ,
فقصاصات المعلومات التي وردت , وأبطالها المزيفين من الممثلين ونجوم الفن في
المسلسلات والأفلام, لا تؤسس عقلا واعيا بدور الجهاز الحقيقي وبقدرته الحقيقية علي
صيانة الأمن القومي. ويجب علي من يدير هذا الملف أن يعرف جيدا , أن الرسائل الإعلامية
لابد وأن تؤسس قيما ثابته تبني علي معلومات لا ريب فيها ولا دنس , ولا قص ولا لصق
فيها.
إن تأسيس حق المعرفة للمواطن يعني ببساطة ثقة
المواطن في إدارة العملية الأمنية , ومن يقومون علي إدارتها. وحق المعرفة هذا ليس
سهلا , وإدارته تحتاج لعقول واعية بضرورات الأمن , فحينما نزيف الوعي , ونزرع
الأفكار من دون حقائق , ونبني بيوت العنكبوت , سوف نجد في يوم من الأيام أننا
نحتاج إلي رجال لا وجود لهم وأبطال لا نستطيع أن نجدهم .
لقد هالني وما زلت , كمية الدراسات والأبحاث
التي تنشر يوميا عن الأمن القومي وضرورات وأدوات وطرق الحفاظ عليه علي المستوي العالمي
, وحينما أبحث داخل مكتباتنا العربية , لا أجد إلا قصصا لا تصلح حتي في حبكتها
الفنية أن تكون عملا يحترم , وحتي التراجم التي في مجملها مجهودات لا بأس بها إلا
أنها دائما ما تفتقد القدرة علي التطبيق , فهي تراجم وليست أكثر من ذلك.
ومن أبرز الأمثلة علي هذه الحالة المتردية في
إدارة ملف الوعي وحق المعرفة هو العملية كافير والتي تستحق أعلي درجة من درجات
الإعجاب , ومع ذلك حينما عرضت علي الشاشة عرضت بشكل أخرجها حتي من المنافسة مع
أفلام الدرجة الثالثة.
إن طلبة المدارس الأمريكية في مراحل الدراسة
الأولي "او ما يعادل الإبتدائية" يعلمونهم ما معني وثيقة إعلان الدستور
الأمريكي ويعلمونهم حقوق المواطن في الدستور , ويؤسسون لديهم أسس الأمن القومي
وحقائق الجغرافيا والتاريخ , ويعلمونهم أهم شيء , علي الإطلاق في معايير الأمن القومي الأمريكي , وهي الرسالة
الأمريكية للعالم والقيم اأمريكية , والأخلاق الأمريكية , والمصالح الأمريكية ,
فينشأ لديهم مواطن مختلف , مواطن يعرف , ويملك القدرة علي المعرفة , والإرادة
للإستمرار في طلب المعرفة.
وعلي النقيض تماما , لا نتعلم شيئا لا في
المدارس ولا في الجامعات , ويطلبون من الشباب ان يموت شهداء من أجل وطن لا يعرفه.
متي يصبح الوعي بأمننا القومي قضية أمن قومي
, ومتي يصبح القائمين علي إدارة هذا الوعي مدركين بضرورات و بمتطلبات الحفاظ علي هذا
الأمن.
علاء سعد
خبير نظم معلومات
مرشحا محتملا من الشباب للإنتخابات الرئاسية
( حتي أجد من هو أصلح)