مست تصريحات قائد القوات البحرية المصرية التي كشف فيها عن ـ توقيع مصر اتفاقية مع ألمانيا لبناء غواصتين ألمانيتين حديثتين من طراز209 ـ وترا حساسا للغاية سواء في المانيا او في إسرائيل واشعلت جدلا في البلدين حول تدهور محتمل في العلاقات بينهما,إذ ترسخ في العقل الألماني والإسرائيلي أن التزام ألمانيا المستمر والدائم بأمن إسرائيل يعني بالضرورة ضمان تفوقها العسكري في المنطقة, في حين ان هذه الصفقة كما روجت الأقلام الإسرائيلية وبعض الأقلام الألمانية تهدد هذا التوازن وتضمن للاسطول المصري تفوقا ما علي الأسطول الإسرائيلي!
علي الصعيد الرسمي, سارعت الحكومة الالمانية, كما هو متوقع بنفي التقارير التي تتحدث عن توتر الماني ـ إسرائيل, بل أعرب المتحدث بإسم المستشارة شتفيان زايبرت عن دهشته مما يتردد مؤكدا عدم تغير اي شيء في علاقة المانيا الخاصة بإسرائيل والتزامها بضمان امنها, اما صفقة ال
غواصات نفسها فلم يؤكده ولم ينفها واكتفي بإشارة مقتضبة إلي أن هذه الأمور تناقش علي جدول اعمال مجلس الامن الاتحادي الذي يضم المستشارة ووزيري الخارجية والدفاع وهي هيئة تعقد جلساتها سرا ولا تنشر قراراتها سوي بعد فترة في تقرير مبيعات الأسلحة الذي تصدره الحكومة الألمانية سنويا.
اما إعلاميا فأكدت التقارير الصحفية حدوث توتر في العلاقات بين برلين وتل ابيب بسبب ال
غواصات الألمانية لمصر, ولكنها اختلفت حول وضع الصفقة فمثلا ذكر موقع السياسة الخارجية الألمانية في أحدث دورية له أن مجلس الأمن الاتحادي وافق علي الصفقة في الشتاء الماضي ولكن بشروط, وأنه سيتم تسليم الغواصتين لمصر في عام2016
وهي فترة كافية يكون خلالها النظام المصري الجديد تحت المجهر! بينما ذكرت صحيفة بيلد اشهر صحيفة المانية ـ والتي تصدر عن دار نشر شبرينجر اليهودية- أن الصفقة لم تبرم بشكل نهائي بعد ولهذا تتدخل إسرائيل الآن بكل الوسائل الممكنة للحيلولة دون إتمامها.
ونظرا لما تملكه صحف دار شبرنجر من نفوذ معروف وعلاقات بدوائر صنع القرار في برلين وتل ابيب فقد انتشر في المانيا بسرعة البرق ما نشرته حول الخطر الذي تشكله صفقة ال
غواصات مع مصر علي توازن القوي مع إسرائيل!
ومن أهم الخطوات التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية لعرقلة أو منع إتمام الصفقة المصرية حسب ما نشرته صحيفتا دار شبرنجر بيلد وفيلت وكذلك صحيفة هارتس الإسرائيلية, كانت زيارة رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد لبرلين في الاسبوع الماضي ومباحثاته مع مسئولي وزارتي الدفاع والخارجية وايضا مكتب المستشارية حيث طلب من ألمانيا التنسيق مع بلاده مستقبلا قبل بيع أسلحة إلي الدول العربية وتسعي إسرائيل من خلال الزيارة إلي تشكيل هيئة إستشارية مشتركة( علي غرار ما هو قائم مع الولايات المتحدة) تمنح تل ابيب الحق في الاعتراض علي صفقات السلاح الألمانية للدول العربية, بحيث تضمن إسرائيل دوما تفوق جيشها علي جيوش المنطقة. يضاف إلي ذلك ما نشرته بيلد من تهديدات منسوبة لمسئولين إسرائيليين بأن تل ابيب قد تستخدم نفوذها لدي واشنطن للضغط علي مصر باستخدام ورقة المساعدات الأمريكية... ويبدو أن التحركات الإسرائيلية قد اتت ثمارها حيث توجه وزير خارجية ألمانيا جيدو فيستر فيلة إلي إسرائيل منذ ايام حيث أكد من هناك أن حكومته تراعي مصالح إسرائيل الامنية بشكل شامل في اي قرارات تتعلق بصفقات الأسلحة..
وبعيدا عن التحركات الإسرائيلية لعرقلة صفقة ال
غواصات لمصر فإن لهذه الصفقة بعدا مهما تشير إليه دورية السياسة الخارجية الالمانية التي تقول إن البحرية المصرية تسعي منذ اكثر من عشر سنوات لشراء
غواصات المانية دون جدوي, ولم تحصل مصر علي الضوء الأخضر من برلين سوي في عهد الرئيس محمد مرسي. وهذه ليست المرة الاولي التي تصدر فيها المانيا اسلحة لمصر ولكن المفارقة أن حجم هذه الصفقة وحدها يفوق صفقات السلاح في عهد النظام السابق حيث يقدر ثمن الغواصة الواحدة [ب220 مليون يورو] في حين تقدر صادرات السلاح الالمانية لمصر سنويا خلال العقد الماضي ب25 مليون يورو حسب المركز الدولي للتحول في بون.
ومن هنا يشير التقرير إلي أن الصفقة ذات بعد سياسي بامتياز, فهي من ناحية لن تهدد الأمن القومي الإسرائيلي لأن طراز209 ينتج منذ أربعين عاما ويتم تطويره باستمرار, ومن المؤكد أن الغواصتين ستحسنان من قدرة البحرية المصرية ولكنهما لن تخلا بالتوازن الاستراتيجي إذ أن إسرائيل التي تشن حربا سياسية وإعلامية ضد مصر لديها ثلاث
غواصات من طراز دولفين الأحدث والقادرة علي حمل رءوس نووية.
ولكن المهم في هذه الصفقة حسب التقرير هو إنها تأتي في إطار التحول الملحوظ في سياسة المانيا والغرب عموما المؤيدة حاليا لنظام الحكم الجديد في مصر والساعية للتقارب معه وربطه في تحالفات.