اللواء طيار رضا العراقي – الجزء الاول
التخرج واول سرب قتال
التحقت بكليه الطيران في اكتوبر 1963 وتخرجت سنه 1965 وعمري 19 سنه وكنت من ضمن المرشحين للمقاتلات في الدفعه
17 طيران ، وبعد تخرجنا تم الحاقنا علي وحده تدريب المقاتلات بكبريت ،وكنا 35 طيار مقاتلات من اصل 65 طيار تخرج في هذا العام وهو رقم كبير مقارنه بالسنوات السابقه .
وكانت الدفعه 16 التي تسبقنا لم تستكمل تدريبها بعد في وحده تدريب المقاتلات ، فتم الحاقنا علي قوات الصاعقه للحصول علي دورة في الصاعقه لمده شهر ريثما تنتهي الدفعه 16 من التدريب بوحده تدريب المقاتلات وكنا الدفعه الوحيده التي حصلت علي فرقه صاعقه وكانت فرقه مفيده جدا لنا في الاعاشه في الصحراء والسير الطويل ، واستطعنا الحصول علي تلك الفرقه المرهقه بدون خسائر والحمد لله .
وتدربنا في وحده تدريب المقاتلات في كبريت علي الميج 15 والميج 17 كطائرات مقاتله، وكنا نري طائرات المقاتلات الميج 21 تطير فوقنا ونحن نعرف انها الخطوه القادمه لنا ان نلتحق بالميج 21 ، فكنا نحس بالفخر والحماس لاننا سنطير بتلك الطائرة الرائعه .
وبعد الانتهاء من دورة المقاتلات ، تم تقسيم الطيارين حسب كفاءتهم ، فالاعلي كفاءه الحق علي الميج 21 المقاتله الاولي في مصر ، ومن هم اقل كفاءه تم توزيعهم علي السوخوي 7 والتي كانت جديده في مصر ، وعلي الميج 17 والميج 19 وتلك الطائرات تتطلب امكانيات اقل من الطيار للطيران بها عكس الميج 21 .
وكانت الميج 21 تعتبر طائره ممتازة ، وحتي الان في عام 2010 اعتقد انني يمكنني ان اتحدي اي طائره في العالم بطائرة الميج 21 وخاصه طراز F 13 لو عادتلي كفاءه الطيران وقتما كنت في الخدمه كطيار مقانل
واعتقد ان الميج 21 طائرة يمكنها القيام بأي شئ وخاصه انني طرت علي الميج 21 فترة طويله جدا واستعوبت خبرات وابتكارات لم يقم بها الطيارين السوفيت انفسهم وهم مصنعي الطائرة ، لذلك اقول عن ثقه ان الميج 21 هي احسن طائرة وصلت مصر حتي الان .
وقد استغلننا عيوب تلك الطائرة وتحويلها الي مزايا لنا في صالحنا ، علي سبيل المثال وليس الحصر ،ان مدفع الطائرة به ستون طلقه فقط وهو من عيار 30 ملم ، وذو سرعه ضرب عاليه جدا ، ففي كسر من الثانيه تنتهي طلقات الطائرة بدون ان يحس الطيار ، ووصلنا في التدريب بعد النكسه الي مستوي عال جدا لم يصل له الطيارين السوفيت ، فكنا نقوم بالتدريب بالذخيرة الحيه في تبه ضرب النار علي عمل عدد من الهجمات بعدد 20 طلقه فقط ، فكان المطلوب مستوي تدريب عال جدا لكي استغل كل طلقه في مكانها الصحيح ، عكس طيار الفانتوم والذي لديه حوالي 600 طلقه يمكنه ان يضرب كيفما شاء وبدون حساب للطلقات ، وهذا العيب في الميج 21 استغليناه لصالح مستوي تدريب عال جدا من الدقه والمهارة .
بعد ان الحقت علي الميج 21 بعد تخرجي من وحده تدريب المقاتلات ،بدأت في فرقه تدريبيه علي الطائره الميج 21 في مطار غرب القاهرة تحت قياده الرائد الشهيد حسن القصري والذي استشهد يوم السادس من يونيو 1967 فوق مطار إنشاص ، وكانت فترة ظريفه جدا وبها تحدي كبير ، وكان التحدي هو ان الميج 21 التي وردها الاتحاد السوفيتي لمصر في تلك الفترة كلها طائرات بكرسي واحد ، ولم يتم توريد اي طائرات (ديول) بمقعدين للتدريب ، فكنا نتدرب نظريا ، ونركب الطائره لنحلق بمفردنا ونطبق ما تعلمناه علي الارض ، ومن احداث فترة التدريب علي الميج 21 انه طلب مني تنفيذ طلعه ليليه بالميج 21 من مطار غرب القاهرة ، وكانت السماء والارض سوداء من داخل كابينه الطائره ، ولا فرق بين السماء والارض ، وبعد اقلاعي ، بدأت انظر خارج الكابينه وهو خطأ رهيب ، ففي الطيران الليلي من المحتم ان يكون كل تركيزي فقط علي عدادات الطائرة ، وبدون ان احس بدأت الطائرة في السقوط بدون ان اشعر ، ولفت نظري تصاعد صوت محرك الطائرة دليل علي تسارع الطائره ، وبدأت اشك فيما يحدث فانا لا احس بشئ غريب بينما عدادات الطائره تشير الي ان الطائرة تتجه نحو الارض فبدأت انفذ تعليمات الطيران في تعديل وضع الطائرة ببطء ، وفور اعتدال الطائرة وجدت ان ارتفاعي هو اقل من 100 متر ، وكنت في البدايه علي ارتفاع 4 كيلو ، ومن شده رعبي مما حدث بسرعه وبدون تحكم مني طلبت هبوط اضطراري ، ونزلت وعلي الفور توجهت الي مدرسي شارحا له ما حدث بكل صدق وامانه .
فما كان منه الا ان طلب مني ان اقلع مرة اخري وذكرني بأن اركز علي العدادات ، وكان قراره صائبا ، فلو لم اطر بسرعه لكان تكون عندي عقده من الطيران الليلي ، ونفذت طلعه طيران ممتازة وكما يقول الكتاب بالضبط ، وهذا درس تعلتمه في صغري ونقلته لتلاميذي عندما اصبحت مدرسا فيما بعد ، وهو الا اترك نفسي هدفا لليأس وان احاول في تصحيح اخطائي طوال الوقت .
وبعد فرقه التدريب جاء الوقت لكي نلتحق باسراب القتال ، وكانت الميج 21 تتمركز في 3 مطارات فقط ( غرب القاهرة- إنشاص – ابو صوير ) وكنا نعرف ان قائد سرب إنشاص شديد جدا علي طياريه وعنيف جدا وهو الرائد الطيار علي زين – وكنا نسمع عنه في الكليه انه يضرب طياريه ، وعند تقسيم طياري الميج 21 علي المطارات لم يطلب اي منا الذهاب الي إنشاص خوفا مع علي زين ، فقام القاده بتوزيعنا علي المطارات بالاجبار وفق اماكن سكنا ، وكنت اسكن في مصر الجديده ، فوقع الاختيار علي للالحاق علي سرب إنشاص وهو السرب 12 مقاتلات ، حيث ان المسافه من مصر الجديده حتي إنشاص تقطعها السياره في اربعين دقيقه فقط ، عكس غرب القاهرة او ابو صوير .
واسقط في يدي ووجدت نفسي في سرب إنشاص ، ووجدت ان الرائد علي زين قائد السرب رجل ممتاز وجدع جدا لابعد حد وان السرب به رتب كبيرة تحتم علي قائد السرب الضبط والربط والشده ، لكنها لم تصل لدرجه الضرب كما اشيع عنه .
وكان يوجد سرب اخر ميج21 في مطار إنشاص للطيران الليلي من طراز FL وكانت طائرة بدون مدفع وبصاروخين فقط وبها رادار مداه 8 كيلو ، وكانت تلك هي الطائرة المقاتله الوحيده في العالم بدون مدفع وهو عيب خطير مات بسببه عدد من الطيارين امثال حسن القصري
وكان هدف السرب الليلي هو اعتراض اي طائرات استطلاع معاديه قد تحاول استطلاع ارضنا ليلا .
في مطار إنشاص كنا طيارين صغار ، وسط عدد كبير من الطيارين الكبار الذين سمعنا عنهم في الكليه ، ومن رعبنا من اسماء هؤلاء الطيارين وسمعتهم الكبيرة ، اثر ذلك علي مستوانا
، و في اول طلعه كان علي زين المرعب متواجد معنا، وكان هدف الطلعه التعرف علي الطائرة وعلي منطقه المطار ،وهي طلعه تعارف عاديه ومعروفه لاي طيار مستجد في اي مطار .
وفي تلك الطلعه كنا نعرف ان علي زين يراقبنا في برج المراقبه ، وكان يراقبنا ايضا الضباط الكبار امثال النقيب احمد انور والنقيب احمد شفيق قائد القوات الجويه فيما بعد – والنقيب احمد زيدان – والرائد علي ماسخ والرائد المواوي ابن الفريق المواوي قائد الجيش المصري في حرب فلسطين والرائد احمد نصر قائد القوت الجويه فيما بعد .
فأحسسنا بأن الجميع يراقبنا واي حركه خاطئه ستطيح بنا ، واقلعنا نحن الطيار الجدد وكنا سته طيارين ، ومن شده الرعب ممن يراقبنا ، لم ينفذ اي منا هبوط جيد ، انما كل منا ادي هبوط خاطئ مما ادي الي اصابه اربعه طائرات من السته ، وهو ما اثار غضب الرائد علي زين الذي اتهمنا بأننا تخرجنا من الكليه الجويه خصيصا لتحطيم طائرات سربه .
وبعد ذلك انخرطنا وسط السرب مع الوقت ، واحس الرائد علي زين بان طياري الدفعه 17 دفعه رجاله ، فكنا نقوم بكل العمل الشاق بدون كلل او ملل ، وانعكس ذلك عليه ، فوقف في صفنا ضد الضباط الكبار الذين حاولوا فرض سيطرتهم علينا والحصول علي اجازات علي حسابنا .
رغم النكسه ، كانت هناك بطولات واعمال مجهوله
في الساعه الثالثه عصر 15 مايو 1967 كان اتوبيس السرب علي وشك مغادرة بوابه قاعده إنشاص متوجها الي القاهرة كالعاده كل يوم ، الا انه في هذا اليوم استوقفتنا الشرطه العسكريه وامرتنا بالعوده مرة اخري لمبني السرب ، وبعد عودتنا تسألنا عما يحدث ، وكل الرد بان حالت الطوارئ قد اعلنت ، وعلمنا بعدها بفيلم الحشود الاسرائيليه علي اسرائيل ، وتدرجت سريعا حاله الطوارئ ، وكنا في اوضاع الاستعداد كما تنص التعليمات بدون ان نعرف ماذا سوف يحدث .
كل ما نعرفه عن اسرائيل في ذلك الوقت انها دوله شريرة وعدوه لنا فقط ، لكن اكثر من ذلك لم نكن نعرف شئ عن اسرائيل ، وانا اتحدث عن مستوي المعلومات في نطاق رتبتي فقط في ذلك الوقت .
وللحقيقه والتاريخ أقر هنا ان الطيارين المصريين غير مسئولين عما حدث يوم 5 يونيو ، فالاوامر الصريحه كانت تقييد الطيران يوم 5 يونيو صباحا لانه طائرة المشير في الجو ، وعلي ذلك لم نكن مستعدين للطيران او للدفاع عن المطار .
اما ما اشيع عن الحفله التي تمت في إنشاص في الليله السابقه للهجوم والتي استغلها البعض في الترويج للهزيمه وفشل الطيران المصري ، فالحقيقه غير ذلك تماما ، فانا كنت حاضرا تلك الحفله ولم يكن هناك خمور كما اشيع ، ولم نسهر طوال الليل وحتي الفجر ، فالطيار لديه موعد محدد للنوم لا يمكن تجاوزة .
واذا فرضنا صدق تلك الاشاعات الكاذبه ، فأين كانت بقيه المطارات واين كان بقيه الطيارين ؟
ان كل ذلك ادعاءات كاذبه هدفها تحطيم الروح المعنويه لسلاح الجو المصري بعد النكسه وتحميل الطيران المصري عبء الهزيمه وهو لم يكن صحيحا ، وللاسف لم يخرج احد من رجال السلطه بعد النكسه ينفي تلك التهمه عن الطيران .
سبب النكسه في رأيي ان شخصا ما انزل كل طائرات جمهوريه مصر العربيه علي الارض وجمع كل قاده الجيوش والفرق الميدانيه في مطار تمادا لاستقبال المشير وقت ضربه العدو ، هذا هو سبب النكسه في رأيي .
ولقد حضرت وسمعت بأذني حوار الرئيس عبد الناصر في قاعده إنشاص الجويه وهو يقول للفريق صدقي محمود قائد الطيران المصري (( يا صدقي – احنا هنعمل ضبط نفس – ومش هنبدأ الضربه الاولي )) وكان رد صدقي محمود (( انا لو انتظرت الضربه الاولي – طياراتي هتتكسح ومش هقدر احميها )) وهذه الحقيقه للتاريخ .
وهذا يذكرني بسؤال طيار للمشير عامر في احد الاجتماعات في قاعده إنشاص عن تواجد الاسطول السادس الامريكي بالقرب من سواحلنا وكان رد احد ضباط شعبه العمليات صدمه لنا جميعا عندما رد علي الطيار (( يعني مش هنلاقي طيار دكر فيكم يكون كميكازي ، يخش بطيارته في مدخنه حامله الطيارات ويغرقها )) ذهلت وقتها من ضحاله معلومات هذا الضابط ومن رده المتعجرف المغرور علي هذا السؤال وكان هذا سببا اخرا للهزيمه ، فالجهل يسود الرتب العاليه ، بينما الخبرة والكفاءه لا تجد طريقها للقيادات العاليه .
يوم 5 يونيو كنت في الشارع بالقاهرة ، فقد اغلق الرئيس عبد الناصر مضايق تيران منذ ايام قليله مما استوجب ارسال نصف السرب الي الغردقه لتغطيه قوات المظلات في شرم الشيخ ، وجاء دوري يوم 5 يونيو الي السفر الي الغردقه لاستبدال اثنين من طياري مطار الغردقه ، وتوجهت الي مطار الماظه مع الطيار محمد السيد حسن ، واقلعت بنا طائره اليوشن 14 وبدأت في الدوران بسرعه فوق القاهرة ثم هبطت مرة اخري في هبوط متسرع جدا ، وبدأت الطائرة في الخروج من الممر تجاه الصحراء المحيطه بالممر ، وفتح الباب سريعا وخرجنا فوجدنا سياره تأتي لنا ونحن لا نعرف ما يحدث ، حتي الطيار نفسه لا يعرف ، فقد صدرت له الاوامر بالعوده سريعا لالماظه .
وتوجهنا الي برج المراقبه للاستماع الي تبليغات المطارات ، وعرفت وقتها ان جميع المطارات يتم ضربها في نفس اللحظه .
فكرت ان اعود الي إنشاص لكي احارب ، وركبنا تاكسي متوجهين الي إنشاص ، وقبل المطار بمسافه شاهدنا اعمده الدخان الاسود المعروفه عن احتراق جاز الطائرات ، ودخلنا المطار بسيارة جيب ، فوجدنا المطار يحترق والطائرات المكدسه في الترمك امام بعضها تشتعل الواحده تلو الاخري ، فطائرة واحده تحترق ، فينطلق الصاروخ بها من شده الحراره ليصطدم بطائره اخري امامه وتشعل النيران في صف الطائرات المقابل وهكذا حتي تم تدمير عشرات الطائرات بتلك الصورة ، عدا عدد محدود جدا من الطائرات تم انقاذه يدويا بعد ان تم دفعها تحت النيران الاسرائيليه صوب اشجار الفواكهه المحيطه بالمطار .
كان منظر رهيب بكل المقاييس ، الذعر يجتاح المطار ، جنود تركض في كل اتجاه ، ووصلت تجاه برج المراقبه وشاهدت طائرات الميراج تقوم بالعاب بهلوانيه فوق سماء المطار وهي تهاجم ارض المطار بكل سهوله ويسر ، مما اصابني باحباط شديد مما يحدث .
ووصل سامي فؤاد قائد اللواء ، وكنا وقتها قد اتخذنا سواتر تحت الاشجار خوفا من غارات العدو المستمرة علي المطار ، وكان معي عده الطيران الخاصه بي ، فتقدم مني سامي فؤاد واخذ عده الطيران مني ، وجري تجاه احد الطائرات الموجوده وسط الاشجار في شجاعه نادرة واقلع علي ممر مساعد قصير ، وبدأ في الدفاع عن المطار بيأس شديد ونحن نشاهد المعركه حتي انطلق صاروخ سام 2 مصري من الارض ، ليفجر طائرة سامي فؤاد ويستشهد كأنبل ما يكون ، ايضا استطاع نبيل شكري الاقلاع تحت نيران العدو واسقط طائره ومازال يحتفظ بجزء منها حتي الان .
بالتاكيد حدثت بطولات كثيرة ، لكن حجم الكارثه جعل تلك البطولات تختفي من الاذهان مع ان البطل في النصر لا يختلف عن البطل في الهزيمه فكلاهما يدافع عن الوطن حتي الموت .
في تلك الليله صدرت الينا الاوامر بالبيات في مستشفي الزوامل ، وفي الفجر جاء الينا ضابط
وأبلغنا بان العدو سيستهدف المستشفي في الصباح لان جاسوسا قد ابلغ العدو عن مكان نوم الطيارين ،(وهو ما لم يكن صحيحا بالطبع) فتوجهنا علي الفور في اتوبيس السرب الي فندق في منطقه روكسي فوق محل جروبي ، وبعد قليل توجهنا الي مطار القاهرة الدولي حيث تم جمع كل طياري مصر الاحياء وطائرات مصر السليمه والدفاع الجوي الممكن في هذا المطار
وفي يوم 6 اقلعت أربع طائرات تحت قياده الرائد احمد نصر قائد ثاني السرب وانا نمرة 2 وعلي ماسخ رقم 3 ونبيل عزت رقم 4 ، واقلعنا واتجهنا تجاه سيناء ، وتم توجيهنا الي تشكيل معادي وارتفعنا خلفه لكن الاوامر صدرت لنا بالعوده فجأه، وبدأت طائرات العدو تطاردنا وتم توجيهنا الي تجاه ابو صوير حيث انطلقت صواريخ الدفاع الجوي المصري لتدمر 6 طائرات اسرائيليه من الثمان طائرات التي طاردتنا ، فقد كنا طعما للطائرات الاسرائيليه بدون ان نعرف .
فقد تم اعاده تجميع كتيبه دفاع جوي علي عجل في تلك المنطقه وشاركت في الكمين الناجح
وهذا الكمين يوم 6 يونيو لم يتحدث عنه احد ولم يعرفه احد لانه كان وسط فوضي الحرب ، لكن الرئيس عبد الناصر وجه خطاب شكر لكل الطيارين الذين شاركوا في تلك الطلعه الناجحه لكن وسط تلك الفوضي العارمه لن يلتفت احد لخطاب شكر من الرئيس ، فالهزيمه بدأت تتضح ببشاعه ، وهذا الكمين لم يكن سوي موجه في بحر هائج من الاخبار السيئه .
هناك العشرات من البطولات التي لا يمكن الحديث عنها في تلك الايام السوداء ، لانها ببساطه اختفت وسط الاحداث الداميه التي حدثت خلال وبعد النكسه .
وكان حال مطار القاهرة في تلك الايام داميا ، فالطيارين مكدسين في صالات المطار وسط الفاترينات المحطمه والمهجورة وما تبقي من سلاح الجو المصري مبعثر في انحاء المطار خوفا من ضربها مرة اخري.
وكل عده ساعات نجد زملاء لنا قادمين من مطاراتهم سواء جوا إن امكن او بالسيارات ، لنعرف علي الفور ان مطارهم ضرب هو الاخر وتم اخلائه
وكان هناك اتفاق جنتلمان بين مصر واسرائيل بعدم ضرب العواصم – سواء القاهرة او تل ابيب فخلال حروب 56 و 67 و73 لم تتعرض اي من تلك العواصم للضرب من الطرف الاخر ، لكن تعرضت القاهرة للضرب من قبل الطيران الانجلوفرنسي في عام 56
وفي عام 67 تعرض مطار القاهرة فقط لهجوم ثانوي ولم تتعطل الممرات بسبب هذا الهجوم
لكن تحطم زجاج مباني الصالات فقط
طلعات الفراخ
يوم 7 يونيو غادرت مجموعه من الطيارين الي الجزائر للعوده بطائرات ، وكانت طائرات الجزائر اما جاهزة وحالتها غير جيده او مازالت في الصناديق وتحتاج الي تجميع ، وكانت حركه الطيران في مطار القاهرة في اتجاه واحده – طائرات تقلع تجاه سيناء ولا تعود مرة اخري .
في نفس اليوم دخل علينا علي زين في مكان جلوسنا جميعا ، وكنا نطلق علي المكان الذي نجلس فيه عشه الفراخ ، فالطياروا الميج 21 مع طياروا السوخوي بجوار طياروا الميج 17 والميج 19 والهليكوبتر ، والجميع يجلس اما علي المقاعد او علي الارض ، ونظر الينا جميعا ثم اختارني ومعي زميلي ايهاب ، ونحن من طياري السرب 12 الذي يقوده .
وخارج الغرفه سالنا من الاقدم من الاخر ، وكنا خريجي دفعه واحده لكني اقدم من ايهاب ، فاخبرته بأنني اقدم من ايهاب ، فاخبرنا بوجود قول مدرع للعدو يتقدم علي المحور الشمالي ( القول المدرع هو طابور دبابات العدو التي تتقدم علي طريق اسفلتي او ترابي وتسير خلف بعضها البعض ) وان الاوامر صدرت للطيران بمحاوله تعطيل هذا القول قبل وصوله قرب القناه ، واضاف بأنني سأكون قائد التشكيل في تلك الطلعه .
اندهشت في عقلي من هذا الخبر ، فانا لدي 21 ساعه طيران فقط علي الميج 21 ولا اعرف مهام قائد التشكيل ( الليدر) وما هو المفروض منه ان يقوم به .
فتوجهت مع ايهاب نحو ارض المطار ، فنادي علينا الرائد علي زين مرة اخري ونبهه علينا بأن بالمنطقه كميه مظلات جويه اسرائيليه كثيفه جدا وعلي كافه الارتفاعات تقدر بما يزيد عن 150 طائرة ، وان يجب ان نطير علي اقل ارتفاع ممكن لتفادي الكشف الراداري ، وقتها لم افكر فيما قد افعله مع زميلي ايهاب بصواريخنا في قول مدرع اسرائيلي وفي عدد الطائرات الاسرائيليه المهوله التي تطير فوق سيناء ، وقتها فقط سمعت الامر ونفذته ، فلا وقت للتفكير، فكلماته تحمل ما بين طياتها اننا ذاهبين للموت لا محاله وبدون عائد او نتيجه .
خلال الطريق للطائرة تكلمت مع ايهاب زميلي ، واخبرته بأنني لا اعرف مهام الليدر ، فطلبت منه ان يبتعد مسافه امنه مني وان يطير علي ارتفاع منخفض وان يأخذ حذرة وان يكون مسئول عنه نفسه ، وفور رؤيه الهدف سنضرب الـ 64 صاروخ التي مع كل منا مرة واحده علي اول واخر دبابه في هجوم واحد ، وان نعود باقصي سرعه لمطار القاهرة ، لان طائرات العدو ستعرف مكاننا فورا وتبدأ في مطاردتنا ونحن لا نستطيع ان ندافع عن نفسنا بدون صواريخ جو- جو ، فحموله الطائره كانت مخصصه فقط للهجوم الارضي .
واقلعت من ممر مطار القاهرة ، وبدأت في الدوران تجاه الهدف ، وشاهدت منزلي اثناء الدوران ، وملئني احساس رهيب بأنني لن اري منزلي هذا مرة اخري في تلك المهمه الانتحاريه .
واتخذنا ارتفاع منخفض جدا تجاه الهدف ، وهو طيران منخفض لم نتدرب عليه لكنه الرعب من حجم طائرات العدو المنتظره لنا جلعنا ( نلحس الارض لحسا ) فالمطلوب الا تحس بنا طائرات العدو او راداراته الا بعد ان نكون فوق الهدف لكن نزيد من فرصه عودتنا احياء .
وصلنا تجاه الهدف بتوجيه من مطار ابو صوير وفي صمت لاسلكي تام ، وفوق منطقه الهدف لم نجد شيئا ، وكان البحر امامنا ، فبدأنا في الدوران فوق البحر للعوده ، وعند عودتنا وجدنا القول المدرع للعدو، وكان قد تقدم علي المكان المفترض بحوالي 20 كيلو متر تقريبا ، فبدانا الهجوم كما اتفقنا وضربنا الصواريخ في دفعه واحده ( سالفو) ومن الرعب الذي اصابني في تلك اللحظات رأيت الصواريخ تصيب اول دبابه في دقه تامه وهي ليست بفضل كفاءه مني او شطارة ، انما من هول الموقف وضعت كل تركيزي في الـ 64 صاروخ وفي تنفيذ المهمه للعوده للقاهرة سريعا ، وكذلك فعل ايهاب فأصاب اخر دبابه في القول واستطعنا ان نعطل حركه القول لفترة ما .
وبدأنا في العوده لمطار القاهرة الدولي بأقصي سرعه ، وبدأت تبليغات مطار ابو صوير بوجود طائرات معاديه خلفنا بمسافه 40 كيلو ، وبعد ثواني اصبحت علي مسافه 32 كيلو وبعد فترة وصلت الي 18 كيلو وكانت تقترب منا بسرعه كبيرة ، ونحن علي اقصي سرعه ايضا ، حتي وصلت المسافه الي 12 كيلو ثم انسحبت تلك الطائرات ، ولم يكن ذلك نهايه المهمه ، ففي الدوران حول مطار القاهرة للهبوط ، فتحت مدفعيه مطار القاهرة المضاده للطائرات نيرانها علينا ، فاصابت طائره ايهاب وقفز بالمظله فوق المطار تقريبا ، وكنت تقريبا الطيار الوحيد في ذلك اليوم الذي اقلع وعاد الي المطار ، لكن لم يهتم احدا بعودتي كما لم يهتم احد باقلاعنا ، فلم يكن احد يهتم بنا او بما قمنا به .
خلال تلك الفترة من 6 الي 8 يونيو ، شاهدنا العديد من طائراتنا تقلع من مطار القاهرة ، ولا تعود مره اخري ، ولم نكن نعرف ماذا حدث ، لكننا توقعنا تدمير تلك الطائرات ، فقد كان الجو العام كئيب وبه تعتيم كامل ، ولا احد يعرف ماذا يحدث خارج المطار .
كان قرار تنحي الرئيس عبد الناصر مصيبه بكل المقاييس ، فقد تربينا منذ صغرنا علي ان عبد الناصر هو مصر وهو أبي ، ولا يوجد حاكم اخر لمصر سوي عبد الناصر ، وكانت الكاريزما المميزة لعبد الناصر تشعل الحماس والوطنيه في قلوب وعقول كل مصري وعربي
عندما شاهدنا عبد الناصر يتنحي ، بدأنا جميعا في البكاء بلا استثناء ، فأنكسار الرجل كان واضحا علي شاشه التلفزيون وصوته واضح جدا به الهزيمه ، فأحسسنا انه يتكلم بالنيابه عن كل منا ويتحدث بلسانا ، وكان بجواري العميد مدحت زكي قائد لواء السوخوي ، وكان يبكي هو الاخر ، فاحداث الايام الماضيه بدأت تعود لذاكرتنا مرة اخري ، بعد ان طردها العقل ، وكان انكسار عبد الناصر هو انكسار لنا ، واحسسنا بالضياع ، مثل طفل مات والده واصبح خائفا من مستقبل بلا اب .
بعد ذلك بدأت طائرات الجزائر في الوصول بطيارين مصريين ، وبدأت الامور تتحرك بعد عوده الرئيس عن قرار التنحي ، وبدأت عجله استعاده الروح للقوات الجويه في العمل ، فقد اراد الله لنا هذه النكسه لكي نقف من جديد علي اساس جديد ضمن عمليه اعاده تنظيم علي اسس سليمه حتي وصلنا الي سيموفنيه حرب اكتوبر ، والتي قام فيها كل سلاح بعزف اللحن الخاص به علي نوته واحده ضمن باقي الاسلحه .
ففي حرب اكتوبر راهن الرئيس السادات علي الروح المعنويه للجندي والضابط المصري ورغبته في الانتقام مما حدث في يونيو 67 ، وهو العامل الوحيد الغير قابل للقياس من وسائل العدو التقنيه ، فكم الجنود وانواع السلاح معروفه جدا للعدو ، لكنه لا يعرف قوه الجندي المستخدم لهذا السلاح وكيفيه استبساله في استخدام السلاح ، وهو عامل اهمله العدو في عمل توازن للقوي ، ولولا هزيمه يونيو ما كان هناك نصر اكتوبر ، وما كنا نستطيع ان نحقق الروح العاليه في تنفيذ القتال الرفيع جدا في حرب اكتوبر.
ما بعد الهزيمه
وبعد وقف اطلاق النار في عام 67 ، بدأنا في العوده الي مطاراتنا مرة اخري ، وبدات عجله العمل الجاد في الدوران ، فتم البدء في عمل الدشم للطائرات في كافه المطارات وبدأ مطار المنصوره في الظهور كمطار متقدم ضمن عدد كبير من المطارات
فكان مشروع بناء الدشم هو مشروع مصر الاول في تلك الفترة وكافه شركات المقاولات شاركت في هذا المشروع مما ادي الي توقف اعمال البناء في المدن ، فكل المجهود الرئيسي لشركات المقاولات في المطارات المصريه ، وتلك الدشم هي البطل الاول للقوات الجويه في حرب اكتوبر ، فلم يتم تدمير اي طائرة علي الارض بفضل تلك الدشم التي تحملت قنابل 2000 رطل وهي قنابل كبيرة جدا ، تنفجر في الدشمه ولا تؤثر فيها ، وهنا يبرز التصرف المصري في الابتكار ، وبعد ذلك تم تعميم الدشم المصريه وانواع مشتقه منها في جميع مطارات العالم الحربيه .
في اول ايام بعد العوده الي إنشاص تم بناء دراوي من شكائر الرمل بأرتفاع 3 متر وعلي حرف U اي انها تحيط بالطائرة من معظم الاتجاهات ومن فوقها شباك تمويه ، وتم عمل عدد كبير جدا من تلك الدراوي جزء كبير منها به طائرات هيكليه مصنوعه من الخشب لتشتيت ضربات العدو الجويه المحتمله وكانت الطائرات الهيكليه مصنوعه بالخشب وتحتها برميل وقود لكي يحترق اذا تعرضت الطائره الهيكليه للاصابه مما يجعل الطيار المهاجم يقتنع بانه دمر طائرة حقيقيه ، وكانت تلك الدراوي هي مقدمه لبناء الدشم حيث يستغرق بناء الدشمه الواحده فترة كبيرة ، مما يعني ان الطائرات في حاجه الي حمايه مؤقته حتي الانتهاؤ من بناء الدشم .
أما ممرات الاقلاع والهبوط فتم اطالتها في جميع المطارات ، وتم انشاء ممرات جديده ، وفي إنشاص تم انشاء ممرات سريه لا تظهر من السماء ، ولا يعرفها الا طياروا إنشاص فقط بحكم وجودهم في المطار ، ولو طار طيار مصري من مطار اخر فلن يري هذه الممرات ، وكانت معده للطوارئ لو تم ضرب الممرات مرة اخري في هجوم معادي ،
وكان لمدكور ابو العز دور بارز في اعاده هيكله القوات الجويه المصريه علي اسس سليمه في وقت قصير ، وكان للدعم السوفيتي السريع لمصر دور رئيسي في سرعه تجهيز اكبر عدد ممكن من الطائرات في وقت قصير .
وكانت الطائرات الانتينوف تصل الي مصر من الاتحاد السوفيتي تحمل طائرات ميج 21 مفككه يقوم الفنيين يتجميعها ويطير بها الخبير السوفيتي في طلعه اختبار ، وبعدها تنقل الطائره الي سرب القتال مباشرة بعد ساعات من وصولها الي مصر، فكل طائره تشكل فرقا في ميزان القوي مع العدو ، وكانت الانباء تشير الي ان العدو سيواصل القتال محاولا تطوير نجاحه في احتلال قناه السويس ، وذلك بالعبور الي غرب القناه والتقدم صوب القاهرة ، فكانت كل قطعه سلاح وكل طائرة تشكل فرقا جوهريا لنا ، وكان يجري طلاء الطائرات في البدايه بطلاء السيارات الخاص بشركه النصر لصناعه السيارات ، وكان ذلك مهم جدا لحمايه طائراتنا علي الارض بدل اللون الفضي اللامع للطائرات ، وكانت الطائرات الميج 21 القادمه من تشيكوسلوفاكيا تأتي مموهه وجاهزة .
وفي تلك الفترة بدأ تشكيل لواء المنصوره الجوي الذي انضم الي لواء إنشاص كاول خطوط الدفاع عن الجبهه ، وتم عمل سور سلكي حول مطار المنصورة واطاله الممرات وبناء دشم بعد ان كان عباره عن ممر هبوط فقط ليتحول في بضعه اشهر الي قلعه المنصورة الجويه التي ابليت بلاءا حسنا في الاستنزاف وحرب اكتوبر.
وتم انشاء مطار القطاميه القريب من الجبهه وانشاء مطارات اخري خلفيه لتوزيع الطائرات وغلق مناطق اختراق العدو.
وفي 14 و15 يوليو 1967 انتفضت القوات معلنه عن نفسها ، وانها مازالت موجوده علي الساحه ولم تمت ، فانقضت كل التشكيلات المتاحه من الميج 17 والسوخوي 7 نحو اهدافها في سيناء وسط حمايه من المقاتلات الميج 21
وكلفت بحمايه قوة للعدو في معسكر القنطره شرق ، وكان ضرب هذا المعسكر لهدف نفسي بحت ، فقائد هذا المعسكر هو سيده ، وبه الكثير من المجندات التي تتعمتد اهانه واذلال قواتنا المرابطه غرب القناه في فترة وقف اطلاق النار ، فتلك المجندات تعمدت السباحه في مياه القناه بملابس السباحه الفاضحه وتحيه العلم الاسرائيلي في كل تحرك لهم لاضعاف الروح المعنويه لجنودنا لايصال رساله ان الجيش المصري انهزم من جيش من النساء ، وللحق فان العدو الاسرائيلي جيد جدا في مجال الحرب النفسيه وهو يجيدها تماما ومعسكر القنطرة شرق دليل علي ذلك، لذلك توجهنا لقصف هذا المعسكر في اول فرصه سانحه .
وفي يوم 15 يوليو استطاع تشكيل مصري مكون من عدد من الطيارين منهم فوزي سلامه ومدحت زكي وفريد حرفوش واحمد انور ، تمكن هؤلاء الطيارين في اسقاط 4 طائرات اسرائيليه في معركه جويه فوق السخنه ، وهي معركه اخري لم تؤرخ او تاخذ حقها من الذكر
وبسبب هجمات الطيران المصري 14 و 15 يوليو طلبت اسرائيل وقف اطلاق النار وعمها الذعر من سرعه عوده الطيران المصري للمعركه ، وقد لاحظ الجميع اختلاف روح الطيارين بعد النكسه ، فمن المهم هنا ان اشير ان نسبه عاليه من الطيارين المصريين عادت للتقرب الي الله بعد النكسه وبعد ان عرفت ان الله حق ، وبدات في الصلاه والتقرب من الله ، وظل جزء بسيط من الطيارين علي النقيض ، لكن كانت الاغلبيه وخاصه في سربي تصلي جماعه كل يوم بعد المغرب كل الصلوات جمع تأخير لكوننا طوال اليوم في مهام او في الدشم في كبائن الطائرات علي استعداد للاقلاع .
وفي إنشاص بدات الدشم في الظهور ، وقد اخذ بناء الدشم في المطار عامين كاملين لوقايه كافه الطائرات الموجوده في المطار ، وكان النظام الذي اتبعناه في إنشاص هو وجود خمس دشم علي اول الممر وخمس دشم في اخر الممر هي لطائرات الحاله الاولي المخصصه للطوارئ والاقلاع السريغ ، وفي إنشاص كان لدينا ممرين ، اي انه عليهم في البدايه والنهايه عشرون دشمه بها عشرون طائرة ( منهم 4 طائرات كأحتياطي للست عشر طائرة ) أي انه في ثلاث دقائق فقط تستطيع ست عشر طائرة الاقلاع للدفاع عن المطار او الاشتباك في اي مكان ، وهو ما لم يكن موجودا قبل 67 .
وهناك دشم اخري في ارجاء المطار لطائرات الحاله الثانيه والحاله الثالثه ، لكي يستطيع السرب الجوي الاقلاع كاملا خلال 10 دقائق وهو رقم رائع وقد تم اختصاره ايضا من خلال التدريبات المستمرة .
وتم انشاء مقار سكن الطيارين وغرف القياده والميس واي اماكن اخري للطيارين او الفنيين او المعدات المهمه – كل تلك المباني تم انشاؤها تحت الارض .
وانتهي من قاموس الطيار مصطلح اجازة ، فالحياه داخل المطار بشكل دائم ، وكانت الاجازة الطويله لنا هي عبارة عن 48 ساعه كل 45 يوم ، وخلال تلك الثمان واربعون ساعه يمكن ان يتم استدعائي للعوده للمطار ( وقد حدث ذلك عده مرات لي شخصيا )
فكانت كل حياتنا هي التدريب والطيران في مظلات جويه ( فمن اتلسع من الشوربه ينفخ في الزبادي ) وكنا مرعوبين من تكرار ضربه 5 يونيو ، لذلك كانت لدينا طائرات في الجو طوال ساعات النهار ، اما الليل فكان عباره عن راحه اجباريه لنا ، تلك الراحه يفرضها المجهود الرهيب الذي يبذله الطيار خلال ساعات النهار من استعداد وطيران ، علما بأن المعدل العالمي للطيار المقاتل هو 2- 3 طلعه طيران في اليوم يتبعها يوم تالي من الراحه الاجباريه ، اما نحن فقد كنا نقوم ب 6 – 7 طلعه طيران اثناء توتر الوضع علي الجبهه ، او 5 – 6 طلعه طيران في الايام العاديه .
كل تلك طلعات القتال يضاف اليها واجب تدريب الطيارين الجدد القادمين من الكليه الجويه التي بدأت في تقريغ دفعات سريعه من الطيارين ، فكان واجبنا تدريب هؤلاء الطيارين علي القتال ، وكنا نقلع في مظلات جويه روتينيه ونستغل تلك الطلعات في تدريب من معنا من طيارين جدد ، فلا وقت متاح للتفرغ لتدريبهم .
وللامانه فأن الطيارين القادمين من روسيا كانوا علي مستوي ضعيف جدا ، فكان الروس يدربون الطلبه علي الاقلاع والهبوط فقط اما نحن فيجب ان ندربهم علي فنون الاشتباك الجوي
وكان من الممكن ان ندخل في اشتباك ومعي طيار حديث الخبرة ، وهي مجازفه كان يجب ان نخوضها .
والحمد لله كنا في فترة لم تمر من قبل علي مصر ، وكنا في تحدي اعتقد انه لو مر علي شباب الجيل الحالي فلن يتحملوا الاعباء والضغوط النفسيه التي مرت علينا .
ففي المطار لم يكن لدينا موبايل او تليفون عادي للاتصال بأهلنا كما يتوفر الان ، وكنا نتصل بهم بصعوبه كل فترة ، فقد كنا منقطعين تماما في مطاراتنا ولا ندري من مرض او من مات من اهلنا الا صدفه ، وهم نفس الشئ لا يعلمون عنا شيئا الا من خلال الصحف والبيانات العسكريه وكان القلق يعصف بهم عصفا .
والحمد لله اننا استطعنا ان نصمد ثم ننتصر لكي نسلم مصر لكم مرفوعه الرأس نقيه طاهرة من دنس اي يهودي.
المصدر
http://group73historians.com/%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%B1%D8%B6%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A/