هل يمكن أن تستخدم الولايات المتحدة وحلفاؤها الأسلحة البيولوجية والكيماوية في حربهم على أفغانستان؟ وهل يمكن أن تتعرض الولايات المتحدة نفسها لهجوم بتلك الأسلحة ممن نفذوا هجوم الثلاثاء 11 سبتمبر؟ يبدو في ظل حمى الانتقام والعنصرية الموجودة الآن في العالم أن كل شيء أصبح وارداً؛ فماذا يمكن أن يحدث للبشر عند استخدام مثل تلك الأسلحة؟ هذا ما نحاول معرفته في هذا المقال.
تاريخ استخدام هذا النوع من السلاح يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد حين سمّم الآشوريون آبار عدوهم بمرض أرغوت الجاودار rye ergot، ثم في نفس القرن استخدم "سولون" -من أثينا- عشب الخربق المسهّل لتسميم مياه عدوّه المحاصر. أما في عام 1346 فقد أصيب بعض جنود جيش التتار بمرض الطاعون أثناء محاصرتهم لمدينة "كافا"؛ فما كان من الجيش التتري إلا أن ألقى بجثث هؤلاء الجنود داخل أسوار المدينة المحاصرة؛ وهو ما أدى إلى تفشي المرض داخل المدينة، وبالتالي استسلام المحاصرين.
ويُعتقد أن خروج بعض المصابين خارج أسوار "كافا" كان سبب تفشي الطاعون الذي عُرف بـ"الموت الأسود" عبر القارة الأوروبية في ذلك الوقت.
كما حاول القائد الفرنسي "نابليون" تسميم سكان مدينة "مانتوا" الإيطالية المحاصرة بمرض حمّى المستنقعات.
أما في التاريخ المعاصر، فقد أدى استخدام الغازات السامة أثناء الحرب العالمية الأولى إلى قتل ما يقرب من 100 ألف جندي، بالإضافة إلى ملايين المصابين. وفي عام 1915 عمد طبيب (ألماني-أمريكي) إلى تحضير ما يقرب من لتر محلول به مرض الجمرة anthrax والرعام glanders في معمل أنشأه داخل منزله بمدينة واشنطن الأمريكية بعد تسلّمه للمواد اللازمة لذلك من الحكومة الألمانية. قام الطبيب بالتالي: بتسليم ذلك المحلول إلى بعض العمال في ميناء بالتيمور، والذين قاموا بحقنه في 3000 من الماشية (خيل وبغال وبقر) المتجهة إلى قوات التحالف في أوروبا، وقد قيل: إن مئات الجنود قد أُصيبوا أيضا بسبب هذه العملية البيولوجية.
في الفترة ما بين عام 1972-1983 تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية من إلقاء القبض على عدة مجموعات محلّية تمكنت من تحضير أنواع مختلفة من الأسلحة البيولوجية لاستخدامها في بعض المدن الأمريكية. ثم حدث في عام 1984 أن تمكنت مجموعة دينية محليّة بالفعل -تُسمّى راجنيش- من تسميم "بوفيهات" السلاطة بعدة مطاعم في ولاية أوريجون الأمريكية بمرض التيفويد؛ وهو ما أدى إلى مرض نحو 750 مواطنا أمريكيا.
استخدم الجيش العراقي الأسلحة الكيماوية أثناء حربها مع إيران، كما استخدمها ضد الأكراد، كما استخدمت مجموعة "آوم شنركيو" اليابانية عام 1995 غاز "سارين" السام في مترو أنفاق مدينة طوكيو؛ وهو ما أدى إلى وفاة 12 وإصابة الآلاف.
يُذكر أن الحكومة الكوبية طالبت الأمم المتحدة عام 1997 بالقيام بالتحقيق حول مزاعمها بأن طائرة تابعة للحكومة الأمريكية قد رشّت محاصيلها من النخل بمرض يسمى thrips palmi إلا أن الحكومة الأمريكية نفت قيامها بذلك.
الأسلحة الكيماوية
تقسّم الأسلحة الكيماوية إلى أسلحة تعمل على الأعصاب، وأخرى من شأنها إحداث تبثرات. أشهر الأسلحة الكيماوية العصبية هي "السارين" و"في إكس" VX. تعمل تلك المواد من خلال تعطيل الأنزيمات الموجودة داخل الجسم، والمعروفة بالاستريزس esterases، والتي تمثل "الأسيتيل كولين استريز" أهمها. هذا الأنزيم يتواجد عند نقاط الاشتباك بين الأعصاب؛ ليحلل الأسيتيل كولين ليتمكن من نقل الإشارة العصبية من عصب إلى آخر. في حالة الإصابة بالغازات السامة الكيماوية العصبية يتراكم "الأسيتيل كولين" عند نقاط الاشتباك بدلا من نقل الإشارات من عصب إلى آخر مؤديا إلى حدوث مجموعة من الأعراض، والتي تبدأ بظهور صداع ورشح بالأنف وغثيان وتعتيم في النظر. ثم في حالة الإصابة بكمية كبيرة من الغاز تتوالى الأعراض ليحدث قيء، وعرق غزير، وعدم قدرة على التحكم في البول والبراز، وصعوبة في التنفس، وآلام بمنطقة البطن، وزيادة في إفرازات القصب الهوائي. قد يفقد المصاب وعيَه، ويصاب بتشنجات عامة في جسمه، وتدريجيا يتوقف التنفس وتحدث الوفاة. وقد لا تتطور الحالة إلى الوفاة في حالة الإصابة بكمية غير قاتلة من الغاز السام. هناك العديد من المواد المضادة للسموم، والتي من شأنها إيقاف تطور الحالة مثل الأوكسيم، والتي تتفاعل مع الأسيتيل كولين إستريز المعطلة؛ لتزيل مجموعة الفوسفونيل القادمة من المادة السامة من أجل إعادة تنشيط الأنزيم مرة أخرى. كما أن مادة الأتروبين أيضا من شأنها انعكاس أعراض الغاز على الجسم بالإضافة إلى استخدام المواد المضادة للتشنجات.
أشهر الكيماويات التبثرية هو غاز الخردل. التعرض لقطيرات أيروسولية من هذا الغاز لا تُحدث أية أعراض إلا بعد حوالي 4 ساعات من التعرض، والتي تظهر على هيئة هرش والتهاب في الأنسجة مع إحساس بالاحتراق، ثم تظهر بعد حوالي 24 ساعة بثرات في الجلد ممتلئة بسائل مصفرّ. قد يحدث تحلل ملحوظ داخل الأنسجة، وتستغرق عملية الشفاء من كل ذلك عدة شهور. استنشاق غاز الخردل يؤدي إلى نفس النتيجة داخل الرئة. لا توجد مادة مضادة لغاز الخردل، ولا يملك الطبيب إلا معالجة البثرات باستخدام المضادات الحيوية والقيام بالتنظيف المستمر للمناطق الملتهبة.
الأسلحة البيولوجية
في حين أن الأسلحة الكيماوية من شأنها عمل أضرار جسيمة في المنطقة التي تطلق فيها، إلا أن الأسلحة البيولوجية تُعتبر أكثر ضررا وأشد فتكا؛ فبينما يقل مفعول الأسلحة الكيماوية مع الزمن، يزداد مفعول الأسلحة البيولوجية، كما أن أقل كميات من الميكروب المضر قد تُحدث أضرارا بالغة؛ فعلى سبيل المثال يُعتبر "توكسين البوتيولينوم" فعالا بمقدار 3 ملايين مرة عن غاز "السارين"، كما أنه يقتل قتلا بطيئا عن طريق إماتة خلايا عضلات التنفس. أما في حالة مرض الجمرة، فيعاني المصاب لمدة ثلاثة أيام كاملة حتى يتمكن الميكروب من تدمير رئتيْه وأمعائه. وبإمكان الأسلحة البيولوجية أن تنتشر بسرعة في حالة وجود ظروف بيئية ملائمة، كما أنه بإمكانها تطوير نفسها سريعا لتقاوم الأدوية المعهودة.
أنواع الأسلحة البيولوجية كثيرة قد تُعتبر أهمها الجمرة والحمى المتموّجة brucellosis والكوليرا والطاعون في فئة البكتريا والجدري في فئة الفيروسات والبوتيولينوم والريسين في فئة التوكسينات. تتميز الأسلحة البيولوجية بأنها سهلة الإحراز ورخيصة الثمن في الإنتاج، وتنتشر على مساحة جغرافية واسعة، بالإضافة إلى تسببها في حالة ذعر وسط المواطنين بسبب كثرة حالات المرض والوفاة، كما أن المستشفيات سرعان ما تُصاب بعجز إمكانياتها في مواجهة الأزمة. هذا بالإضافة إلى سهولة هروب مرتكبي الجريمة بسبب عدم ظهور الأعراض إلا بعد أيام.
الحماية من تلك الأسلحة صعبة المنال؛ حيث تحتاج إلى أقنعة وملابس خاصة واقية، والتي لا توفر الأمان إلا لمدة محددة من الزمن. كما أن توفيرها خارج نطاق الجيش بكميات كبيرة صعبة المنال. هذا، مع العلم بأن بكتريا الجمرة مثلا يمكن أن تظل نشطة وقاتلة لما يقرب من 40 عاما؛ وهو ما يظهر قلة الجدوى من الملابس الواقية. أما عن العلاج، ففي حالة عدم التمكن من معرفة نوع السلاح المستخدم بالتحديد، فلا حلّ سوى إعطاء المصابين كميات ضخمة من المضادات الحيوية على أمل أن تؤثر على الميكروب.
أما إذا عُلم أن السلاح هو لمرض الجمرة؛ فيجب إعطاء 2 مليون وحدة من البنسلين في الوريد كل ساعتين للأشخاص المعرضين، إلا أنه في حالة ظهور أعراض مرض الجمرة على المرضى؛ فسوف تحدث الوفاة تقريبا بنسبة 100% من الحالات بصرف النظر عن تلقيهم للعلاج.
يذكر أنه حتى عام 1997وقَّعت 158 دولة على ميثاق الأسلحة البيولوجية والتوكسينات (أي السموم البكتيرية)، وقد تم التصديق على هذا الميثاق في 140 دولة منها. ولم تكن دولة إسرائيل من ضمن الدول الموقعة على هذه الاتفاقية، في حين أن أغلبية الدول العربية قد وقَّعت عليها.
و هنا قد نكون عرفنا ولو القليل عن هذة الاسلحة الفتاكة التى فى رايي قد تكون اشد قسوة من القنابل الذرية