تتزايد المخاوف من عودة الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة في ظل التوتر المتصاعد بينهما.
ما الذي تقدمه موسكو من أسلحة لقائمة من العملاء؟ وهل تستحق هذه المعدات المال الذي يدفع فيها؟ ما هي الخدمات المشبوهة التي تقدمها روسيا ولا يقدمه غيرها؟ ولماذا لن تتمكن روسيا تصدر التصنيف العالمي للدول المصدرة للسلاح؟
في يوليو 2019، هبطت طائرة روسية في أنقرة، تحمل أولى شحنات صواريخ الدفاع الجوي S-400 إلى تركيا، في سابقة لدولة عضو في حلف شمال الأطلسي.
ريتشارد وايز، مدير مركز الدراسات السياسية والعسكرية بمعهد هدسون، "إنهم يعتقدون أنه يمكن أن يحصلوا على نوع من النفوذ ولذلك أعتقد أن هذا هو سبب تدخلهم في تركيا. هم يعتقدون أنهم سيغرون تركيا بهذه الأسلحة لإبعادها عن حلفائها".
استغلت موسكو ميل نظام رجب طيب أردوغان لمعاداة الغرب، وسعيه إلى تكوين تحالف جديد مع كل من روسيا وإيران، في بيعه نظام دفاع جوي لم يتم اختباره في قتال حقيقي من قبل ولا تعرف كفاءة قدراته حتى الآن.
باتريك تاكر، المحرر التقني لموقع Defense One، قال إن "بعضا من أهم الأنظمة الروسية الجديدة مثل صواريخ S-400، لم يتم اختبارها في قتال فعلي. كان للروس موقعان لـ S-400 في سوريا. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قامت بضرب أهداف تابعة لنظام الأسد، فإن المنظومة الروسية لم تستخدم للتصدي للطائرات الأميركية وهذا شيء يدعو للتعجب".
أزمة شراء تركيا لصواريخ S-400، هي مشهد واحد فقط من مشاهد عدة ضمن تصعيد روسي غير مسبوق يقوده فلاديمير بوتين ضد الولايات المتحدة.
تاكر أوضح أن المسؤولين الأميركيين يصفون نوايا بوتين بأنها محاولة لإضعاف الإرادة الدولية والتماسك الغربي عن محاسبة روسيا على أفعالها، وبالتالي فإن التغلب على الولايات المتحدة جزء كبير من تلك الأجندة.
سلوك بوتين المتهور هذا، يستدعي إلى الذاكرة حقبة الحرب الباردة التي انتهت في ديسمبر عام 1992 بتفكك الاتحاد السوفيتي، بعد حوالي نصف قرن من محاولات للتفوق على الولايات المتحدة.
حقبة كان السوفييت يخصصون فيها ما يقارب 20 في المئة من دخل البلاد للإنفاق العسكري، الأمر الذي أدى في النهاية إلى انهيار الاقتصاد ومن بعده الدولة التي كانت قوة عظمى.
أنفق الاتحاد السوفياتي الكثير، كان يحاول منافسة الولايات المتحدة ولكنه لم يستطع ذلك لأن اقتصاده كان محدودا، كما أوضح وايز.
سايمون ويزمان من معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام قال إنه "عندما انهار الاتحاد السوفياتي، كان لديه صناعة عسكرية ضخمة ذهب معظمها إلى روسيا، وفي الوقت نفسه انهار الاقتصاد وبالتالي لم يكن أمام هذه الصناعة الكثير لتفعله. طلبات قليلة جدًا، لذا كانت تكافح من أجل البقاء".
بالإضافة إلى ما ورثته روسيا من أصول الصناعة الحربية، ورثت أيضا قائمة من الزبائن التقليديين للأسلحة السوفيتية. واعتمادا على تصدير السلاح، وبدون شروط مسبقة، لدول أغلبها ذات أنظمة شمولية سيئة السمعة، استمرت الصناعة الحربية الروسية رغم ضعف أرقام التصدير.
وبحسب ويزمان، فإنه خلال عقد التسعينيات كانت صناعة الأسلحة الروسية تعيش على الصادرات، وهي السبب الوحيد وراء استمرارها ووجودها حتى اليوم.
لكن يبدو أن روسيا لم تتعلم الدرس من انهيار الاتحاد السوفيتي، فمنذ مطلع الألفية الثالثة، ومع وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، بدأت روسيا سباق تسلح جديد وغير مبرر مع الولايات المتحدة.
جنون عظمة الرئيس، رفع الإنفاق العسكري الروسي إلى مستوى غير مسبوق، وهو ارتفاع اعتمد على اقتصاد هش قائم بشكل شبه كامل على تصدير النفط والغاز.
وأشار ويزمان إلى "تقلب أسعار النفط والغاز وبالطبع فإن على الدولة التي يعتمد اقتصادها على صادرات النفط أن تغير أسلوبها، فليس هناك ما يضمن الاستمرارية، هذه هي المشكلة والأمر يختلف عن دول أخرى لديها اقتصاد أكبر وأكثر استقرارا".
إلا أن روسيا أجبرت منذ عام 2016، ومع تراجع أسعار النفط والغاز، على خفض إنفاقها العسكري وأصبحت أحلام بوتين في مهب الريح. ولكن بقيت ورقة واحدة، وضع الرئيس كل رهانه اليائس عليها.
وأشار تاكر إلى "أنهم يطمحون لتعويض اعتمادهم الكبير على النفط عن طريق زيادة صادراتهم من الأسلحة، فهم لم يتمكنوا من تصدير أي شيء آخر غيرها. وهذا جزء متزايد مما يصدرونه، لكنه لا يشكل غالبية الصادرات".
وتابع "لذا سيظل هذا الاقتصاد، طالما هو تحت حكم فلاديمير بوتين، اقتصادا محدودا بشكل لا يصدق، لن يكون منافسًا لاقتصاد الولايات المتحدة ولن يكون حتى منافسا لاقتصاد الصين".
في تجارة حجمها حوالي 40 مليار دولار سنويا، تنفرد الولايات المتحدة بالمركز الأول كأكبر الدول المصدرة للسلاح وبنسبة تتجاوز الثلث من حجم المبيعات العالمية.
في المركز الثاني، تأتي روسيا اعتمادا على زبائنها التقليديين مثل الهند والصين والجزائر، وهي جيوش استمرت في استخدام السلاح الروسي من بعد السوفيتي، ليس بسبب كفاءته ولكن بسبب التعود عليه لعقود طويلة.
يقول ويزمان "ورثت روسيا أيضا بعض الأسواق من الاتحاد السوفياتي، حيث كان يتمتع بعلاقات جيدة مع دول مثل الهند. دول اشترت أسلحة روسية مثلما كانوا يشترون الأسلحة السوفيتية"، مشيرا إلى أن "جزءا من هذا لأنه كان تقليدا وجزءا آخر لأن روسيا واحدة من بين دول قليلة لا تضع شروطا لشراء الأسلحة منها، فهي لن تطالب بأشياء مثل حاول أن تكون لطيفا مع شعبك".
لكن روسيا - بوتين الساعية إلى زيادة إنفاقها العسكري، لم ترض بالمركز الثاني ولا بالعملاء الدائمين، وقدمت قائمة طويلة من الأسلحة الجاهزة للتصدير.
تبيع روسيا جميع أنواع الأسلحة، من البنادق إلى الغواصات، ولكن في هذه اللحظة ما يهم المستوردين هو طائرات القتال المتقدمة ومنظومات الدفاع الجوي، بحسب ويزمان.
بتدقيق النظر في الأسلحة الروسية المعروضة، نجد أنها قديمة ولكن بأسماء جديدة. فالمقاتلة Mig-35، هي مسمى جديد ل Mig-29 صاحبة السجل الطويل من الحوادث والتي وصلت إلى 114 حادثة.
الأمر ذاته ينطبق على المقاتلات من طراز Su-35، التي تعتبر مجرد تعديل ل Su-27 والتي دخلت الخدمة في زمن الاتحاد السوفيتي قبل ما يقارب الأربعة عقود.
أما ما يصفه الروس بمقاتلة الجيل الخامس من طراز Su-57، فما زالت قيد التجارب منذ عام 2010.
يؤكد تاكر أن الروس لن يستطيعوا منافسة الولايات المتحدة، خاصة في تصنيع الطائرات، موضحا أن صناعة الطيران الأميركية تحظى بدعم من وزارة الدفاع والشركات الأميركية قادرة على تصدير الطائرات حتى إلى أوروبا.
أما صناعة الطائرات الروسية، فالروس يحاولون الوصول لمقاتلة من الجيل الخامس منذ سنوات عديدة ولكنهم متأخرون جدا في الانتهاء من هذه الطائرة التي يمكن مقارناتها بـ اف 35 الأميركية، وفق تاكر.
في قائمة التصدير الروسية أيضا، الدبابات من طراز T-72 و T-90، وكلاهما لم يقدم جديدا على الأرض في الحرب السورية وتعرضا للإصابة والتدمير.
وعندما قررت روسيا تصنيع جيل جديد من الدبابات، المعروف باسم T-14 Armata، كان تقديمه في العرض العسكري الروسي عام 2015 فضيحة.
"دباباتهم رخيصة وقوية إلى حد ما، لكنها متخلفة بمعايير اليوم " وفق وايز الذي تابع أن الروس "حاولوا صنع طراز جديد، لكنهم لم ينتهوا منه حتى الآن. دبابة من هذا الطراز تعطلت أثناء أحد الاحتفالات العسكرية ولم تستطع الحركة، كان هذا محرجا جدا".
فشلت روسيا في إضافة دول جديدة لقائمة عملائها أو حتى في رفع نصيبها من تجارة السلاح الدولية، والسبب يتلخص في المواصفات المتدنية للمعدات الروسية المخصصة للتصدير. واليوم باتت موسكو مهددة بفقدان عملائها التقليديين كالهند، أكبر مستورد للسلاح الروسي.
فسلاح الطيران الهندي يعاني من الحالة المتدنية لـ250 مقاتلة من طراز Su-30، الطراز الذي سجل تسع حوادث تحطم منذ دخوله الخدمة في الهند عام 2003، وأجبر القيادة على إيقاف التحليق في أكثر من مناسبة.
هذا بالإضافة إلى قائمة طويلة من الأعطال ومشكلات الصيانة وعدم الجاهزية القتالية، الأمر الذي دفع الهند للاتجاه غربا وشراء مقاتلات رافال الفرنسية.
المركز الثاني في قائمة الدول المصدرة للسلاح، الذي لم يرضي روسيا يهتز الآن تحت قدميها. فبالإضافة إلى انصراف الزبائن الدائمين، وحالة الكساد المتصاعدة، تدخل الصين ميدان تجارة السلاح وبقوة.
برأي وايز "سيواجه الروس مشكلة بسبب الصينيين، لأنهم يبيعون بالأساس نفس أنواع الأسلحة السوفيتية المنشأ، لكنهم يفعلون ذلك بأسعار أقل. الأسلحة الصينية ليست فعالة كالأسلحة الروسية، لكنها توازيها ربما بنسبة تسعين في المئة وقد تحتفظ روسيا بالمركز الثاني لكنها ستجد صعوبة في التنافس مع الصين على المدى الطويل من أجل البقاء في هذه الوضعية".
المنافسة على المركز الأول انتهت بالخسارة. فإحصائيات السنوات الأخيرة تشير إلى ارتفاع نصيب الولايات المتحدة من حجم تصدير الأسلحة عالميا بنسبة ستة في المئة، في الوقت الذي انخفض نصيب روسيا بنفس النسبة.
فهل ما زالت موسكو تحلم بصدارة مستحيلة؟
لا يعتقد ويزمان ذلك، لأن "منظومة إنتاج الأسلحة في الولايات المتحدة أكبر بكثير وللولايات المتحدة عدد من الأسواق الكبيرة جدا والمضمونة وأن تحتل روسيا هذه المكانة، هذا يبدو مستحيلاً".
أما تاكر، فيرى أن روسيا لن تتفوق على الولايات المتحدة كأكبر مصدر للأسلحة، إذ تقوم الولايات المتحدة حاليا بتبني سياسة الجديدة تسرع الطريقة التي تستطيع بها بيع الأسلحة في جميع أنحاء العالم، لذا ولحسم الجدل، ستبقى الولايات المتحدة أكبر مصدر للأسلحة في العالم في المستقبل المنظور.
مصدر