ثلاثون سنة.. ونحن بحاجة إلى "كامب ديفيد"
بقلم: عاموس جلبوع
انقضت ثلاثون سنة في نهاية الاسبوع الماضي على اتفاق كامب ديفيد بين اسرائيل ومصر. هذا كان اتفاق السلام الاول بين اسرائيل ودولة عربية، وكانت هذه الدولة الاكبر، الاقوى والاكثر تأثيرا في العالم العربي، دارت معها حروب عديدة وعنيدة للغاية منذ حرب الاستقلال، وجبت خسائر فادحة هي الاكثر في الارواح.
الاتفاق، الذي وقعه في البيت الابيض رئيس الوزراء مناحيم بيغن والرئيس المصري انور السادات وانضم اليهما جيمي كارتر كشاهد، قرر مبادئ الاطار لاتفاق سلام بين اسرائيل ومصر، وبالتوازي ايضا المبادئ لاقامة حكم ذاتي كامل لعرب يهودا، السامرة وقطاع غزة. وكان التوقيع احدى العلامات الهامة في تاريخ دولة اسرائيل الى جانب حرب الايام الستة، حرب يوم الغفران واتفاقات اوسلو.
ادت الى الاتفاقات جملة من السياقات: مصر كانت ملزمة لان تجتاز حربا كي تسترد كرامتها، وفي نفس الوقت ان تعترف بان ثمن الحرب عالٍ جدا ولا يمكن بواسطتها اخضاع اسرائيل وانتزاع التنازلات منها؛ مصر هجرت السياسة العربية العامة وتحالفها مع الاتحاد السوفييتي كي تتفرغ لبناء مصر وتحويلها الى حليف للولايات المتحدة.
اما اسرائيل ففهمت لاول مرة عظمة القوة التي كانت الى جانبها في ميدان المعركة، وفي نفس الوقت اعترفت بقيودها على المستوى السياسي؛ اسرائيل بدأت ثورة فكرية في أن من الافضل سلام مع العدو الاكبر مصر على السيطرة في صحراء سيناء وفي شرم الشيخ. ما ساهم بشكل حاسم في انضاج هذه السياقات لتصبح اتفاقا كانت الزعامة في الدولتين، بيغن والسادات. كل واحد منهما كان ذا قامة، مع قدرة على اتخاذ القرارات، استعداد للسير ضد التيار المحافظ في بلديهما ومع ايديولوجيا واضحة. شيء نادر في زمننا.
حيال الاتفاقات التي فشلت، مثل اتفاقات اوسلو برز بقاء الاتفاق مع مصر. الاتفاق بقي على قيد الحياة رغم الانتفاضة، حرب لبنان، الهجوم على المفاعل النووي العراقي وسياقات عسكرية وسياسية اخرى لاسرائيل. سببان مركزيان لذلك: للدولتين مصلحة اساس عميقة في الالتزام بالاتفاق ولها نسغ فريد من نوعه: الشريك الامريكي الذي يساعد مصر، مثلما يساعد اسرائيل في كل المجالات تقريبا. الماضي لا يدل على المستقبل ولكن يخيل لي انه طالما بقي النسغ - سيبقى الاتفاق على قيد الحياة.
"لا لمزيد من الحروب، لا لمزيد من سفك الدماء"، قال في حينه السادات. عندنا يوجد من يتباهى بالهدوء المؤقت حيال "حماس" او حزب الله. مع مصر يوجد لنا هدوء منذ ثلاثين سنة. هذا هو الربح الاستراتيجي الهائل للاتفاق، الذي منح اسرائيل حرية عمل في المنطقة. الحزامان الامنيان، الى جانب السلام نفسه، هما اثنان: ترتيبات نزع السلاح وتخفيف عدد القوات في سيناء، و200كم تفصل بين اسرائيل والاغلبية الساحقة من الجيش المصري. هذا النموذج ليس قابلا للتطبيق في الجبهة السورية: التهديدات مختلفة تماما والمسافات هزيلة.
السادات سار قبل جيله: الاتفاق كان بداية التسليم العربي بوجود اسرائيل والاعتراف بها. ولكن هو ايضا ما كان مستعدا لان يعترف بحق الشعب اليهودي بسيادة سياسية على قسم من ارض اسرائيل. المفارقة هي ان بيغن بالذات اعترف في الاتفاق بـ "الحقوق المشروعة لعرب ارض اسرائيل (هكذا وصف الفلسطينيون في الاتفاق) واحتياجاتهم العادلة". لا غرو ان السلام مع مصر بقي في حجومه الرسمية باردا من ناحية مضامينه. المصريون لا يحبون اكل الحمص مع اليهود. لدينا الكثير من الشكوى على المصريين، ولكن احترام الاتفاق يجب أن يبقى مصلحة اسرائيلية عليا.
عن "معاريف"