عندما
تتراكم الضغوط الحياتية على الإنسان تصبح مؤذية، فهي تدمّر جهاز المناعة
لديه، ما يؤدي إلى العديد من الأمراض الجسدية والنفسية، لكن... هل الحياة
من دون ضغوط ممكنة؟
الضغوط بنسبة معقولة ضرورية للحياة، ولكي نجعلها
معقولة، يتحتم علينا إيجاد حالة توازن بين الضغوط واللاضغوط، وهذا ما
يستلزم فطنة وتدريبًا واكتسابًا لمقدرة التأقلم التدريجي مع مشاكل الحياة
اليومية. ويبقى السؤال: ما هي الضغوط المعقولة والضرورية للحياة؟ وكيف
يمكننا خلق حالة التوازن المشار إليها؟
كمية الضغوط المناسبةالمقصود
بالضغوط المعقولة والتي يمكن احتمالها، تلك القصيرة الأمد، والمحكومة
بالسيطرة. فعندما نشعر بأننا نسيطر على الموقف، تصبح أي مشكلة قابلة للحلّ،
بغضّ النظر عن ردّات الفعل الفيزيائية التي قد نمر بها. وردّات الفعل
الفيزيائية، هي تلك يحدثها تدفّق هرمونات الضغوط، والتي تفرزها الغدد
الكظرية لدى وصول أدنى إشارة تنبيه أو إثارة إلى الدماغ. وهي تترجم عمومًا
عبر تسارع ضربات القلب واحمرار الوجه وتضخم العضلات نتيجة سرعة سريان الدّم
وتوسّع الشرايين.
إذًا الوقت الذي تستغرقه المشكلة التي نواجهها هو
مفتاح الحلّ وكذلك رؤيتنا الشخصية لها. فإذا ما اعتبرناها تهديدًا، فسوف
تتفاقم من دون شك. ولكن إذا ما نظرنا إليها نظرة تحّدٍ، فإن مقدرتنا على
المواجهة سوف تزداد من تلقاء ذاتها، وتمكّننا من الوصول إلى الحلّ المناسب.
إن
نظرة التحدّي إلى الأمور العالقة تخفف من وطأتها، فهي تمدنا بالحوافز،
الأمر الذي يزودنا العزم والقوة، فتبدو كبائر الأمور في نظرنا صغائر.
ولكن،
إذا شعرنا أن في المشكلة القائمة تهديدًا لنا، فإن إفراز هرمونات الشدة
سيزداد، ما قد يمنعنا من النوم والتفكير، وقد تنهار مقدرتنا على المقاومة،
ونصبح في حالٍ لا نحسد عليها.
متى نصل إلى هذه المرحلة؟تفرز
الغدد الكظرية هرموني الإبينورمزين والنواربينورمزين لدى أدنى شعور
بالخطر، عندها نكون ما زلنا متحفزين للمواجهة، أي في مرحلة البداية. ولكن
حين تضعف مقاومتنا، يبدأ هرمون الكورتيزول بالتدّفق، فتصاب أطرافنا
بالبرودة وعقولنا بالخمول، ونقف عاجزين مكتوفي الأيدي. تعرف هذه المرحلة
علميًا بنقطة الخطر، كونها المرحلة التي يستهدف خلالها هرمون الكورتيزول
جهازنا المناعي ويستنفذ الطاقة الموجودة في خلايا جسدنا، عندها تبدأ
مشاكلنا المرضية بالظهور تباعًا. والأهم أن هرمون الكورتيزول في بداية
تدفّقه يلتصق باللاقطات العصبية الدماغية الموجودة في قرن آمون
(Hippocampus) الأمر الذي يقوي الذاكرة ويحفزها. ولكن في حال استمرار
الضغوط لأمد طويل، فإن هذا الهرمون يقوى، ويتسلل إلى مناطق دماغية أخرى
ويلتصق بلاقطاتها العصبية، الأمر الذي يتسبب مع الوقت بانكماشها، فتضعف
وينقطع التواصل بين المناطق الدماغية، ما يضعف الذاكرة. وعلى هذا الأساس
يبدأ المعنيون بهذا الوضع بفقدان ذاكرتهم وبالتالي القدرة على التواصل مع
محيطهم.
حتى لا نبلغ هذه الحالة غير السوية، يترتب علينا الخلود إلى
الراحة لدى الشعور بعوارض الضغوط الفيزيائية، ما يمكّننا من استعادة
أنفاسنا، بعدها نبدأ بوضع استراتيجية دفاع طويلة الأمد، نحفظ من خلالها
توازننا. والأهم إجراء تدريب ذاتي لتحمّل الضغوط على دفعات، ومحاولة
التغلّب على المشاكل بالعقل والمنطق.
كيف نتمكن من ذلك؟
كما
سبق وأشرنا، يفترض أن نضع مشاكلنا في الميزان، وكذلك مقدرتنا على
الإحتمال، بعدها نختار الوقت المناسب لنبدأ بوضع الحلول على ضوء العقل.
ويؤكد
الباحثون أن لكل منّا مقدرة احتمال خاصة به، وهذا يعود إلى تركيبة جهازنا
العصبي وخلايا أدمغتنا، مع الإشارة إلى أن الأشخاص المعرّضين للقلق
والاكتئاب وسواهما من الاضطرابات النفسيّة، هم معرّضون أكثر من سواهم
للوقوع ضحيّة الضغوط. مع ذلك، يؤكد الباحثون إمكان توصل هؤلاء الأشخاص إلى
تغيير نظرتهم من خلال التدريب على مواجهة الذات والتقليل من رؤية الوجه
القاتم للحياة.
أكثر من ذلك، في حال استبدلنا نظرتنا إلى الضغوط
باعتبارها تحدّيًا، فهي قد تصبح من العوامل الجيدة في حياتنا، إذ أنها
تساعدنا على العمل، وتعزز مشاعرنا الإيجابية وتفجّر طاقاتنا الكامنة، فنصبح
أكثر صحّة وسعادة.
وفي
جميع الأحوال، قد يحصل أن يجد البعض صعوبة في التأقلم، وهذا يعود إلى
الجينات الوراثية التي تتحكّم بتركيبة الدماغ. هؤلاء، ينصحهم الإختصاصيون
باتّباع الإرشادات الآتية:
• تدرّبوا على تحمّل الضغوط قدر المستطاع وحاولوا تقسيم المشاكل الواجب مواجهتها وابدأوا بحلحلتها تدريجًا.
• ساعدوا الغير على حل مشاكلهم فهذا يقوي معنوياتكم ويمنحكم المقدرة على حلّ مشاكلكم.
• حاولوا اكتساب الأصدقاء، وابنوا علاقات اجتماعيّة متينة، فالأصدقاء والمعارف يشكلون دعامة في وجه المصاعب.
• تذكّروا الأشياء الجيدة التي تصادفكم ولا تعيروا الأشياء المقلقة اهتمامًا.
• مارسوا الرياضة وخصوصًا المشي، بشكل يومي، فرياضة المشي تنشّط خلايا الدماغ العصبية.
• إذا ما صادفتكم المصاعب ابتسموا واعتبروها تحدّيًا يستحق العناء.
• كونوا أصدقاء النوم، فالنوم يريح الأعصاب ويقوي المناعة ضد المشاكل الصحية.
• مارسوا التأمل ولا تنسوا الصلاة، فالصلاة تقوي التركيز وتريح النفس.