******
ما أشقى النفوس التي لا تعرف الإسلام و لم تهتد إليه , إن الإسلام يحتاج إلى دعاية من أصحابه و حَمَلته , و إعلان عالمي هائل , لأنه نبأ عظيم , و الدعاية له يجب أن تكون راقية مهذبة جذابة , لأن سعادة البشرية لا تكون إلا في هذا الدين الحق الخالد , (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ).
سكن داعية مسلم شهير مدينة ميونخ الألمانية و عند مدخل المدينة توجد لوحة إعلانية كبرى مكتوب عليها بالألمانية "أنت لا تعرف كفرات يوكوهاما". فنصب هذا الداعية لوحة كبرى بجانب هذه اللوحة كتب عليها "أنت لا تعرف الإسلام , إن أردت معرفته , فاتصل بنا على هاتف كذا و كذا". و انهالت عليه الاتصالات من الألمان من كل حَدَبٍ و صوْب , حتى أسلم على يده في سنة واحدة قرابة مائة ألف ألماني ما بين رجل و امرأة , و أقام مسجداً و مركزاً إسلامياً , و داراً للتعيم.
إن البشرية حائرة بحاجة ماسة إلى هذا الدين العظيم , ليرد إليها أمنها و سكينتها و طمأنينتها (يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
يقول أحد العُبَّاد الكبار : ما ظننت أن في العالم أحدا يعبد غير الله.
لكن (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) ,, (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ) ,, (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ).
و قد أخبرني أحد العلماء أن سودانيا مسلماً قَدِمَ من البادية إلى العاصمة الخرطوم في أثناء الإستعمار الإنكليزي , فرأى رجل مرور بريطانياً في وسط المدينة , فسأل هذا المسلمُ : من هذا؟ قالوا : كافر , قال : كافر بماذا؟ قالوا : بالله , قال : و هل أحد يكفر بالله؟ فأمسك على بطنه ثم تقيَّأ مما سمع و رأى ثم عاد إلى البادية , (فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ).
يقول الأصمعي , سمع أعرابي قارئاً يقرأ (فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ) , قال الأعرابي : سبحان الله , و من أحوج العظيمَ حتى يقسم؟!
إنه حسن الظن و التطلُّع إلى كرم المولى و إحسانه و لطفه و رحمته.
و قد صحَّ في الحديث أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال (يضحك ربنا) فقال أعرابي : لا نعدم من ربًّ يضحك خيراً.
(وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا) ,, (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ) ,, (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ).
من يقرأ كتب سير الناس و تراجم الرجال يستفد منها مسائل مطَّرِدة ثابتة , منها :
1- أن قيمة الإنسان ما يُحسن , و هي كلمة لعلي بن أبي طالب و معناها : أن علم الإنسان أو أدبه أو عبادته أو كرمه أو خلقه هي في الحقيقة قيمته , و ليست صورته أو هندامه و منصبه : (عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الْأَعْمَى) ,, (وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُم).
2- بقدر همَّة الإنسان و اهتمامه و بذله و تضحيته تكون مكانته و لا يعطى له المجد جزافا.
لا تحسب المجد تمرا أنت آكله ...
(وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً) ,, (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ)
3- أن الإنسان هو الذي يصنع تاريخه بنفسه بإذن الله , و هو الذي يكتب سيرته بأفعاله الجميلة أو القبيحة : (وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ).
4- و أن عمر العبد قصير ينصرم سريعا و يذهب عاجلا فلا يقصره بالذنوب و الهموم و الغموم و الأحزان : (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) ,, (قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ).
كفى حزنا أن الحياة مريرة * و لا عمل يرضى به الله صالح
. مقومات السعادة :
قلب شاكر و لسان ذاكر و جسم صابر.
شكر و ذكر و صبر * فيها نعيم و أجر
لو جمعتُ لك علم العلماء و حكمة الحكماء و قصائد الشعراء عن السعادة لَما وجدتَها حتى تعزم عزيمة صادقة على تذوُّقها و جَلْبها و البحث عنها و طرْد ما يضادها "من أتاني يمشي أتيته هرولة".
و من سعادة العبد : كتم أسراره و تدبيره أموره.
ذكروا أن أعرابيا استُؤمن على سرٍّ مقابل عشرة دنانير فضاق ذرعا بالسرِّ و ذهب إلى صاحب الدنانير و ردَّها عليه مقابل أن يُفشيَ السر لأن الكتمان يحتاج إلى صبر و عزيمة : (لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) , لأن نقاط الضعف عند الإنسان كشف أوراقه للناس و إفشاء الأسرار و نقل الأخبار و عَلاقة هذا بموضوع السعادة أن من أفشى أسراره فالغالب عليه أن يندم و يحزن و يغتم.
و للجاحظ في الكتمان كلام خلاَّب في رسائله الأدبية فليعُدْ إليها من أراد و في القرآن : (وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) , و هذا أصل في كتمان السر و الأعرابي يقول : و كتمُ السر فيه ضربة العنق.
******
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د.عبدالله عمران