تكشف وثائق الخارجية الأمريكية، التى تنشرها «المصرى اليوم» عن مراسلات الأيام الأخيرة السابقة على حرب أكتوبر، التى ترسم تفاصيل مشهد الاستعدادات للحرب، وتروى لأول مرة تفاصيل عديدة من مواقف واشنطن والقاهرة وتل أبيب.
وفى هذه الحلقة، تكشف الوثائق عن حالة من التضارب فى تقييم الموقف المصرى ما بين رسائل يبعث بها مسؤول مكتب رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة، تشير إلى سيادة حالة من الهدوء، وأخرى يرسلها وزير الخارجية الأمريكى تتضمن استغاثة من رئيسة وزراء إسرائيل تحذر فيها من هجوم مصرى سورى، عقب ظهر اليوم، قبل أربع ساعات من شن الهجمات فعلياً في يوم 6 أكتوبر 1973.
2 أكتوبر – 01:44
فى رسالة إلى السفارة الأمريكية بموسكو حملت الرقم 1973STATE195400 تحت تصنيف «سرى»، جاء تحت عنوان «تقييم التأهب المصرى والسورى» أن سفارة الولايات المتحدة بتل أبيب وقنصليتها بالقدس تستبعدان أى هجوم محتمل على إسرائيل فى الوقت الحالى.
وتضيف المراسلة أن الجيش الإسرائيلى لا يعير اهتماماً كبيراً لتقارير حول تأهب قوات الدفاع الجوى المصرية، كما أنه يعتقد أن انتشار القوات السورية هو إجراء دفاعى، ولا علاقة له بالاستعدادات المصرية. كما أشار الجيش الإسرائيلى إلى أن ذلك التأهب الزائد هو أمر معتاد فى مصر خلال شهر رمضان.
وتنقل المراسلة عن مصدر أمريكى عاد من دمشق فى 26 سبتمبر، أنه لم يجد أى دليل بشأن وجود تعزيزات، ولكنها قالت إن زعيماً قبلياً فى سوريا قدم تقريراً بشأن «نشاط غريب» للجيش السورى خلال اليومين الأخيرين.
3 أكتوبر – 23:22
أرسل وزير الخارجية الأمريكى رسالة تحمل الرقم 1973STATE197251، أخذت طابعاً سرياً للغاية، إلى سفارة واشنطن بتل أبيب، حول اجتماع مساعد وزير الخارجية الأمريكى «جوزيف سيسكو»، يوم 1 أكتوبر، مع السفير الإسرائيلى بواشنطن «دينيتز»، والذى استعرض فيه الأخير تقييم حكومته للوضع العسكرى الراهن.
وخلال هذا الاجتماع، عبر السفير الإسرائيلى عن قلق بلاده المتزايد بشأن معدات عسكرية جديدة تأتى للعرب من الاتحاد السوفيتى ودول غربية، وأنها ترى تصعيداً فى نوع وكم الأسلحة التى تتلقاها الدول العربية.
5 أكتوبر – 21:39
أرسل وزير الخارجية الأمريكى رسالة تحمل الرقم 1973STATE198874، تحت تصنيف «سرى»، إلى بعثة الولايات المتحدة التابعة للأمم المتحدة بنيويورك، تحت عنوان «تعزيزات مصر وسوريا».
بدأت الرسالة بالحديث عن طائرة تحمل خمسة ركاب قامت برحلات جوية ما بين الاتحاد السوفيتى ودمشق يومى 4 و5 أكتوبر، وطائرة أخرى تحمل أربعة ركاب متجهة إلى القاهرة، إلا أن الخارجية الأمريكية لم تتمكن من معرفة الغرض من هذه الرحلات.
وتناقش الوثيقة أيضاً فى جانب كبير منها حالة التأهب العسكرى المصرية، والتدريبات المكثفة المصممة فى الأساس لتدريب القيادات العليا على مهارات القيادة والتحكم بمشاركة محدودة من وحدات جميع الخدمات.
وقد قللت الوثيقة من احتمالات أن يكون هذا النشاط العسكرى لغرض هجومى، بالنظر إلى المناخ السياسى السائد فى مصر، ووضع القطاع المدنى، وكذلك ضعف المؤشرات الطبيعية، التى تدلل على وجود أى نية لأن تبادر مصر بشن هجمات ضخمة.
5 أكتوبر - 15:07
تكشف المراسلة السرية رقم 1973VIENNA08230، بعنوان «مقابلة كرايسكى مع الوزير المصرى»، والتى أرسلتها السفارة الأمريكية بفيينا إلى وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن وعدد من سفاراتها، عما تناوله لقاء وزير السياحة المصرى إسماعيل فهمى بالمستشار النمساوى برونو كرايسكى، يوم 3 أكتوبر ظهراً، لتسليمه رسالة من الرئيس المصرى السادات.
واختتمت المراسلة بتعليق السفارة الأمريكية بفيينا على توقيت الزيارة، حيث أشارت إلى أنه لم يكن مناسبا، ورغم ذلك رحب بها كرايسكى. وتقول الوثيقة إنه على الرغم من توقعات استغلال الزيارة لإثارة قضية الصراع العربى - الإسرائيلى، فإنها وصفت إجابات الوزير المصرى على الصحفيين بـ«المتحفظة» وقالت إنها جاءت مرضية.
5 أكتوبر - 12:15
تستعرض المراسلة السرية رقم 1973CAIRO02954 من مسؤول مكتب رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة «ريتشارد سميث» إلى وزارة الخارجية الأمريكية وعدد من سفاراتها، أهم ما تضمنته الصحافة الحكومية المصرية، وتحديدا جريدة الأهرام، إثر تهديد «أليعازر»، قائد وحدة شكيد العسكرية الإسرائيلى، يوم 4 أكتوبر للدول العربية، ودعوتها لنشر قواتها على خطوط وقف إطلاق النار.
وتقول المراسلة إن الرد الذى تصدر الصفحة الأولى لجريدة الأهرام هو أن مثل هذه التهديدات لن تخيف مصر، وأن القوات المسلحة المصرية على مستوى عال من اليقظة والتأهب لمواجهة أى عدوان إسرائيلى، كما أشارت الجريدة، فى التقرير ذاته، إلى وجود حالة من التوتر الشديد بين سوريا وإسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، نشرت «الأهرام» الرسالة التى عاد بها «فهمى» إلى السادات من النمسا، ومفادها أن كرايسكى لا يعترف بما يسمى «مشكلة المهاجرين الإسرائيليين»، حيث إن أى مشكلات تتعلق باللجوء السياسى - من وجهة نظره - لابد أن يتم التعامل معها من خلال قرارات الأمم المتحدة والقوانين الدولية المتعارف عليها.
وأفردت المراسلة جانباً كبيراً منها للحديث عن مقال لمحمد حسنين هيكل، رئيس تحرير جريدة الأهرام آنذاك، بعنوان «.. والخطر على الشرق الأوسط».. والتى ركز فيها على العلاقات العربية السوفيتية، محذراً العرب من الاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة. وتقول الوثيقة: «بدأ هيكل مقاله بأطروحة مفادها أن الاتحاد السوفيتى يستهدف أوروبا الغربية ويرمى إلى توطيد قدمه فيها، فيما تستهدف الولايات المتحدة الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن الدول العربية ارتكبت عدداً من الأخطاء أفسدت علاقتها بالاتحاد السوفيتى، فى حين لم يقدم الاتحاد السوفيتى الكثير للدول العربية، بل تبنى سياسات لتسهيل هجرة اليهود إلى إسرائيل، من أجل الحصول على امتيازات تجارية مع الولايات المتحدة، كما سمح للأخيرة بتسليح إيران». وخلص هيكل إلى أنه إذا فشلت الولايات المتحدة فى تنفيذ استراتيجيتها فسوف تستخدم العصا الإسرائيلية لدك العرب على رؤوسهم.
6 أكتوبر – 10:35
أرسل مسؤول مكتب رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة «ريتشارد سميث» رسالة سرية تحمل الرقم 1973CAIRO02960 إلى وزارة الخارجية الأمريكية، وعدد من سفاراتها، وعدد من القادة العسكريين الأمريكيين، يتحدث فيها عن مؤشرات تؤكد سيادة حالة من الهدوء فى مصر، ولخصها كالآتى:
الأنشطة الجوية: لم يلاحظ وجود أى نشاط جوى مريب أو مكثف فى محيط القاهرة حتى الآن.
حالة الكبارى والجسور: حراس الجسور والكبارى فى وضعهم المعتاد، فلم يزدد عددهم، كما أنهم ليسوا فى حالة تأهب.
المستشفى العسكرى بالمعادى: لا توجد به أى حالة طوارئ، أو أنشطة غير عادية.
مؤشرات أخرى: التغطية الصحفية لهذا اليوم 6 أكتوبر تناولت بشكل غير متناغم حالة التوتر العسكرى على الحدود الإسرائيلية، ولم ترد بها أى إشارة إلى استعداد الحكومة المصرية للحرب. وفى الثانية عشرة ظهراً تحدث راديو القاهرة عن رغبة متزايدة لدى الدول الأفريقية فى إنهاء العلاقات مع إسرائيل، دون التركيز على أى حالة توتر داخلى.
6 أكتوبر - 10:15
كان هذا هو عنوان المراسلة السرية للغاية رقم 1973STATE199601، التى أرسلها وزير الخارجية الأمريكى إلى بعثة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة، ليشرح فيها طبيعة الزيارة المفاجئة التى قام بها السفير الأمريكى بإسرائيل «كينيث كيتنج» لتل أبيب.
توضح الوثيقة أن زيارة كيتنج لإسرائيل ولقاءه رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير، جاء بناء على طلبها العاجل، وبحضور السفير الإسرائيلى بواشنطن «دينيتز»، و«مورداخاى جازيت»، من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلى، والمدير العام لوزير الخارجية «إفراهام كيدروم».
ووفق ما جاء فى الوثيقة، فقد بدأت «مائير» حديثها بالقول: «قد نكون فى مأزق»، ولخصت تقريراً يتعلق بتعزيزات عسكرية بين صفوف القوات المصرية والسورية، خلال الأسابيع الماضية، مشيرة إلى أن الحكومة بادرت ببحث الأمر مع الجيش الإسرائيلى الذى رأى أن الوضع ليس بالخطير، وقالت «مائير» إن تقييم الجيش كان دقيقا فى ذلك الوقت، ولكن خلال الـ12 ساعة الأخيرة، أصبح الوضع فى غاية الخطورة. وأردفت «مائير» أن ثمة معلومات من عدة مصادر موثوق بها تؤكد أن سوريا ومصر تخططان لشن هجوم متناسق ضد إسرائيل، عقب ظهر اليوم.
وأشارت «مائير» إلى وجود معلومات تؤكد أن الرعايا السوفيت وبعض المستشارين تم إخراجهم من مصر وسوريا، وهو الأمر الذى فسره البعض بانهيار فى العلاقات الدبلوماسية، إلا أنها لا ترجح هذا التفسير، حيث إنه لايزال هناك بعض المستشارين السوفيت فى سوريا.
وأقرت الوثيقة أن الحكومة الإسرائيلية على علم بمغادرة السفن الحربية السوفيتية ميناء الإسكندرية، وأنه على إسرائيل أن تحاول تخمين الأسباب وراء ذلك التحرك السوفيتى، فى حين أشار مصدر بالاستخبارات الإسرائيلية إلى أن هذا رد فعل سلبى على الهجوم المصرى السورى المحتمل.
وبناء على ما سبق، طلبت «مائير» مساعدة طارئة من الولايات المتحدة لصد أى هجمات تتعرض لها، كما طالبتها بتوصيل المعلومات التالية إلى السوفيت والمصريين على وجه السرعة:
■ إسرائيل لا تخطط لشن هجوم ضد مصر أو سوريا، وقد قامت بتعبئة قواتها، لحماية نفسها حال وقوع هجوم ضدها.
■ إسرائيل على علم بالتحركات العسكرية السورية والمصرية، ولو قاموا بهجوم فسيخسرون الحرب، وإنها لن تقوم بتوجيه ضربة وقائية، وفى الوقت ذاته ستنجح فى الدفاع عن نفسها إذا هوجمت، لكنها تؤكد رغبتها فى تجنب إراقة الدماء.
■ إن إسرائيل يصلها جميع أخبار تطورات الوضع العسكرى فى مصر وسوريا، عبر خطوط اتصال مفتوحة وفورية.
■ إنه رداً على التعزيزات العسكرية، اتخذت إسرائيل بعض الإجراءات العسكرية الاحترازية، ولجأت إلى مخزونها من موارد التسلح.
بالإضافة إلى ذلك أشارت الوثيقة إلى أن السفير الإسرائيلى «دينيتز» سيتجه إلى واشنطن على أول رحلة طيران متاحة، وسيصل غداً على أقصى تقدير. وفى ختام رسالته، أكد وزير الخارجية الأمريكى رغبة «مائير» فى تجنب إراقة الدماء، وأن الولايات المتحدة تستطيع أن تساعدها فى ذلك، متمنيا أن يتم الرد على طلب رئيسة الوزراء فى أقرب وقت.
6 أكتوبر - 12:17
أرسل وزير خارجية واشنطن رسالة سرية رقم 1973STATE199582 إلى كل من السفارات الأمريكية فى عمان، طرابلس، صنعاء، الخرطوم، الكويت، بغداد، بيروت، تل أبيب، جدة، الرباط، تونس، رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة، القنصلية الأمريكية بالقدس، رعاية مصالح الولايات المتحدة بالجزائر، القنصلية الأمريكية بالدار البيضاء، القنصلية الأمريكية فى طنجة، ومركز معلومات بعثة الولايات المتحدة التابعة للأمم المتحدة بنيويورك، وتشير المراسلة إلى ورود معلومات لإسرائيل تفيد بأن مصر وسوريا تخططان لشن هجوم منسق، عبر خطوط إطلاق النار، اليوم، بحلول الظلام، وأوصى الوزير بضرورة البدء سرا فى اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة.
6 أكتوبر – 12:26
أعمال عدائية.. كان ذلك هو عنوان المراسلة رقم 1973JERUSA01068 التى أرسلتها القنصلية الأمريكية بالقدس إلى مركز معلومات سفارة تل أبيب، وزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن، وعدد من سفاراتها وكذلك مكتب رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة وبعثة الولايات المتحدة التابعة للأمم المتحدة بنيويورك.
تشير الوثيقة إلى وصول رسالة هاتفية مشفرة إلى القنصلية من مصدر موثوق به يعمل فى هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، حيث يؤكد فيها المصدر أنه تم كسر قرار وقف إطلاق النار عند المناطق الحدودية فى السويس، والجولان، ولبنان «العرقوب»، وأن ثمة أعمال تراشق بالمدافع والطائرات، إضافة إلى هجمات برية مستمرة، ولم يتبين حتى الآن من البادئ من الطرفين.
6 أكتوبر – 13:10
أرسل مسؤول مكتب رعاية المصالح الأمريكية بالقاهرة «ريتشارد سميث» رسالة سرية رقم 1973CAIRO02963 إلى وزارة الدفاع «البنتاجون»، ووزارة الخارجية الأمريكية بواشنطن، وسفاراتها فى عمان، بيروت، تل أبيب، باريس، والبعثة الأمريكية التابعة للأمم المتحدة، أرشيف سفارة القدس.
وأشارت الوثيقة إلى أن بياناً عسكرياً أعلنته إذاعة القاهرة يفيد بأن القوات الإسرائيلية ضربت الزعفرانة والسخنة، وأن السادات انتقل إلى مقار القيادة العسكرية، ليكون على اتصال دائم بها.
واختتمت الوثيقة بتوصيف حركة الركاب ووسائل النقل والحافلات خلال الساعة 01:00، موضحة أنها كانت طبيعية ولا يوجد تغيير فى وضع حرس الكوبرى.
6 أكتوبر - 13:48
أرسلت القنصلية الأمريكية بالقدس رسالة سرية بعنوان «بدء الأعمال العدائية» حملت الرقم 1973JERUSA01069 إلى مركز معلومات سفارة تل أبيب ووزارة الخارجية الأمريكية وعدد من سفاراتها، لتؤكد أنه وفق مصدر موثوق فى هيئة مراقبة الهدنة التابعة للأمم المتحدة، ووفق معلومات تلك الهيئة، فقد بدأت طائرات الميج السورية إطلاق هجمات جوية الساعة 11:55 بتوقيت جرينتش فى المنطقة المجاورة للقنيطرة، حيث انطلقت فى الوقت نفسه هجمات برية بالقرب من غرب القنطرة «منطقة السويس»، باتجاه الشرق، كما أشارت الوثيقة إلى استمرار النشاط المدفعى والجوى فى القطاعين
المصدر
http://www.almasryalyoum.com/node/1637886