من دروس التاريخ .. العبورمن النكسة الى النصر اعداد: سميحة عبد الحليم
من قلب الإنكسار يمكن أن تولد البطولة ومن حافة الهزيمة يمكن أن يكون النصر ومن رحم نكسة يونيو كان
نصر أكتوبر ..
كانت يونيو 67 ضربة قاسية مريرة لكنها فى المقابل كانت درساً من دروس التاريخ النادرة..كانت ضربة
نالت من قوانا العسكرية لكنها لم تنل أبداً من إرادتنا وعزيمتنا وكانت مقدمة لنصرِ عظيم وتلك هى عبرة
التاريخ .
إنه شريط ذكريات مؤلمة لا نستعيد صوره استعذاباً لجلد الذات، وإنما اعتباراً لقدرة هذا البلد علي مواجهة
الملمات. وتجاوز المحن واستخلاص العبر.
في الذكرى الـ46 لنكسة 1967 والتي احتلت فيها إسرائيل سيناء والضفة الغربية والقدس والجولان السوري،
العرب يعيشون ذكرى النكسة، والاحتلال الصهيوني يحتفل بالنصر. وبدورنا نستخلص الدروس والتى يمكن
ان تكون لبنة نقف عليها لننظر للمستقبل .
وربما واقع الحال الذى نعيشه هذه الايام يستدعى ان نتأمل ملفاتنا القديمة حتى لانكرر الاخطاء
حيث تأتى الذكرى هذا العام وسط أحوال ليست هينة فمصر تعيش في أجواء محنة جديدة تتصل بشريان
المياه العذب الوحيد الذي يغذيها، والفلسطينيون يواصلون تنديداتهم بما آلت إليه أراضيهم، ونعيهم لبلادهم،
فيما انهارت قيم الدولة في سوريا وبرز النظام الحاكم كقوة حاكمة تطحن آلته كل من يقف في وجهها سعيا
نحو عيش أفضل ، كما تتواصل الجرائم التي ترتكب بحق الشعب العربي في العراق .
الدروس المستفادة من الضرورى ان نوظف مالدينا من معرفة وعلم لصالح البحث عن مخارج صحيحة لازمتنا ولا نبحث عن
مآسينا للجلد والحسرة ولكن لاخذ الدروس والاستفادة .
وبقدر ما كانت النكسة في يونيو 1967 مؤلمة ونكراء ، بقدر ما كان للدروس المستفادة منها فضل كبير في
تطوير الجيش المصري وبالذات الدفاع الجوي المصري، ولقد اتسمت هذه الحرب بالدور البارز الذي لعبته
القوات الجوية الإسرائيلية وكان هذا الدور هو التطبيق العملي للاستراتيجية التي يعتنقها العدو، وكان علينا
ونحن نعيد بناء القوات المسلحة بعد النكسة أن نمتلك القوة والوسيلة التي يمكننا بها مواجهة هذه الإستراتيجية.
والسطور التالية تبين ، أننا لم نترك 1967 ونتائجها تمر علينا دون أن نتعلم دروسا ، إنعكست فى "حرب
العبور العظيمة "
فقد تم إنشاء قوات الدفاع الجوي المصري كقوة مستقلة قائمة بذاتها لتصبح القوة الرابعة ضمن القوات
المسلحة المصرية، بعد أن كانت تعتبر جزءاً من سلاح المدفعية ، وكان هذا هو الأسلوب المعمول به في
أغلب دول العالم آنذاك، وعين أول قائد للقوة الرابعة الفريق محمد علي فهمي في 23 يونيو 1969 وسط
موقف بالغ الصعوبة بالنسبة لهذه القوات التي كانت تواجه أقوى وأفضل أسلحة العدو، قواته الجوية .
هذا في الوقت الذي كانت فيه قواتنا الجوية مازالت في مرحلة إعادة التنظيم والتسليح عقب ما تكبدته من
خسائر في نكسة 1967.
وحددت المهمة للدفاع الجوي قبل دخول حرب الإستنزاف وهي "حرمان العدو من تفوقه الجوي" ورغم
بساطة هذه الكلمات التي تعبر عن المهمة فإن ما وراء هذه الكلمات كان عملاً شاقاً ولكنه لم يكن مستحيلا فلم
تكن تنقصنا العقول أو الرجال لتهيئة كل أسباب النجاح لمعركة الدفاع الجوي، لقد كانت المهمة تعني قهر
العدو في أقوى ما لديه، وكانت تعني شل ذراع إسرائيل القوية.
ولم تمض عدة اشهر على إنشاء القوة الرابعة حتى بدأنا الإستنزاف، ثم بدأت الغارات للطيران الإسرائيلي
على الجبهة للقناة ثم على القاهرة في العمق المصري ، ومرت بنا ظروف صعبه ولكنها أبداً لم تكن تثنينا
عن عزمنا ، ولم يكن يدر بخلد أحد بأن هذه القوات خلال شهور قليلة سوف تقف بجدارة في مواجهة أقوى
ما تمتلك إسرائيل وتفخر به وهو قواتها الجوية.
ومرت عمليات العدو الجوية بمراحل متتالية بدأت بمرحلة الجس – من يوليو 1968 إلى 19 يوليو 1969
ثم مرحلة الإستنزاف المضاد – من يوليو 1969 حتى يناير 1970.
ثم مرحلة الضغط العسكري والتصعيد – من يناير إلى مارس 1970.
ولم تكن الطلعات الجوية فى حرب الاستنزاف نهاية العمليات ، فمع التخطيط تم وضع سيناريو كاملاً لكل
التفاصيل بما في ذلك ردود الفعل المحتلمة من جانب العدو وكيفية مواجهتها، وتوقعنا وقتها أن يلجاً
العدوكعادته في عمليات ردود الفعل إلى محاولة مفاجأتنا بإستخدام أحدث الأسلحة التي حصلت عليها القوات
الجوية الإسرائيلية، وكان هذا السلاح في ذلك الوقت هو الصواريخ المضادة للرادار "شرايك" والذي كنا نعلم
بوجوده واستعدينا له وللعميات المنتظرة.
وظلت حرب الاستنزاف تنهك قوى العدو حتى اجهز عليه جنودنا فى السادس من اكتوبر 1973
ليحيلو الهزيمة الى انتصار يعيد الكرامة والامل ..
ان هناك دروس مستفادة من هذه الواقعة التاريخية فى وقتنا الراهن ، وبدون الاشارة للدروس تصبح الكتابة
عن الماضى مجرد تسجيل قد يكون مهم لكنه ممل وغير ملم بالعلاقة بين الماضى والحاضر والتشوق
للمستقبل .
مصدر