وزير الرى الأسبق نصر الدين علام: سدود
أثيوبيا ستقلص حصتنا المائية 9 مليار متر مكعب سنوياً.. وعلينا التفاوض
معهم لوقف البناء واستخدام استثمارات الخليج كورقة ضغط.. وأتوقع تبوير 2
مليون فدان الخميس، 4 أبريل 2013 - 22:15
صورة أرشيفية
كتب ماهر عبد الواحد
حذر الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الموارد المائية والرى
الأسبق من مخاطر بناء أثيوبيا 33 منشأة مائية، ومنها إنشاء 4 سدود كبرى على
النيل الأزرق وهى سد كارادوبى، وسد بيكوأبو، وسد مندايا، وسد بوردر
(الحدود) أو ما أطلق عليه حالياً سد النهضة بعد زيادة سعته التخزينية
لحوالى خمسة مرات عن سد الحدود.
وقال، إن السدود الأثيوبية سوف تتسبب فى حدوث عجز مائى فى حصة مصر المائية
السنوية بحوالى 9 مليار متر مكعب وعجز سنوى مماثل فى حصة السودان، وأن
الكهرباء المولدة من السد العالى وخزان أسوان سوف تقل بحوالى 25%. وتحت
الوضع المائى الصعب لمصر والذى تبلغ فيه الحصة المائية للفرد ما يقرب من
600 متر مكعب فى السنة، أى أقل بكثير من حد الفقر المائى، فإن هذا العجز
المائى الناتج عن السدود الأثيوبية سوف يؤدى إلى تبوير حوالى 2 مليون فدان
من الأراضى الزراعية وعجزاً فى مياه الشرب والصناعة نتيجة لانخفاض منسوب
المياه فى النيل والرياحات والترع وسوف تتأثر أيضاً الملاحة والسياحة
النيلية نتيجة لانخفاض منسوب المياه فى نهر النيل، وسوف يقل إنتاج الطاقة
الكهربائية المولدة من قناطر إسنا ونجع حمادى وتدهور البيئة وازدياد معدلات
التلوث وخلل فى نظام الحياة الطبيعية وتهديد للثروة السمكية فى البحيرات
الشمالية، وزيادة تداخل مياه البحر فى الخزانات الجوفية الساحلية فى شمال
الدلتا وزيادة درجة الملوحة فى هذه الخزانات.
وقال نصر الدين علام، إن المخطط الحالى للسدود الأثيوبية على النيل الأزرق
يعود إلى الستينيات من القرن الماضى، حيث أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية
بعثة من مكتب استصلاح الأراضى الأمريكى وذلك على نفقة الحكومة الأثيوبية،
لدراسة إنشاء سدود على النيل الأزرق ردا على اتفاقية 1959 بين مصر
والسودان، وانتهت عام 1964 من إعداد مخطط يتضمن 33 منشأ مائيا على النيل
الأزرق وروافده،
وأن إثيوبيا قامت بتحديث هذا المخطط من خلال عدة مكاتب استشارية أوروبية
انتهت إلى مضاعفة سعة السدود الأربعة لتصل إلى حوالى 200 مليار متر مكعب أى
حوالى أربعة أمثال التصرف السنوى للنيل الأزرق وتهدف السدود الأثيوبية
لتنمية الاقتصاد الأثيوبى، وإعطاء دور الزعامة لأثيوبيا فى منطقة القرن
الأفريقى وحوض النيل وذلك من خلال إنتاج الطاقة الكهرومائية للاستهلاك
المحلى وللتصدير إلى دول الجوار وإلى أوروبا عبر البوابة المصرية بالإضافة
إلى التوسعات الزراعية.
ومصادر تمويل السدود الأثيوبية متنوعة منها البنك الدولى والصين وبعض
الدول الأوروبية، بالإضافة إلى ما يقرب من 2.3 مليار دولار تأتى لإثيوبيا
من الدول الغربية على شكل منح ومساعدات إنسانية، ويتم استخدام جزء منها
لبناء السدود الأثيوبية.
وعن الوضع الراهن فى التعامل مع هذه القضية، قال نصر الدين، هناك تباين بين
موقف الحكومتين المصرية والسودانية تجاه سد النهضة، ويعود ذلك للفوائد
المباشرة التى ستعود على السودان من السدود الأثيوبية والتى تشمل تقليل
المواد الرسوبية الواصلة إلى السدود السودانية، وزيادة توليد الطاقة
الكهربية منها نتيجة لتنظيم تصرفات النيل الأزرق على مدار العام، وكذلك
حصول السودان على الكهرباء الأثيوبية وهذا أمر هام للسودان خاصة بعد انفصال
الجنوب الغنى بالبترول. ولكن هذه الفوائد لا تعنى أنه ليس هناك أضرار
مباشرة ومؤثرة على السودان، حيث تنص اتفاقية 1959 على أن أى نقص فى إيراد
النهر نتيجة لمشاريع أعالى النيل يتم اقتسامه مناصفة بين مصر والسودان، أى
أن الآثار السلبية للسدود على إيراد النهر لن تقع على مصر وحدها بل على مصر
والسودان معاً إذا ما تم الالتزام باتفاقية 1959.
وقال وزير الرى الأسبق، إن إهمال أفريقيا وحوض النيل أثناء فترة الحكم
السابق، هو السبب الرئيسى للمشاكل مع إثيوبيا وبقية دول الحوض، مما أضعف
موقفنا التفاوضى فى ملف حوض النيل، ولكن من الخطأ حسب رأى نصر الدين علام،
حصر مشاكل ملف حوض النيل فى هذا السبب فقط بدون النظر للجذور التاريخية
لهذا الخلاف والمصالح القومية لدول الحوض، ونستشهد هنا بما حدث فى القرن
الماضى، بعد الإعلان المصرى عن بناء السد العالى والإعلان عن اتفاقية 1959،
بين مصر والسودان، حيث تقدمت أثيوبيا بشكوى إلى الأمم المتحدة ضد
الاتفاقية، وقام الإمبراطور هيلاسيلاسى آنذاك بفصل الكنيسة الإثيوبية عن
المصرية منهياً ترابطاً كنسياً امتد لأكثر من 1600 عام، وبعد استقلال دول
الهضبة الاستوائية فى بداية الستينيات من القرن الماضى، ظهر مبدأ "نيريرى"
أول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال والذى ينادى بعدم الاعتراف بالاتفاقيات
التى تمت أثناء فترة الاحتلال مثل اتفاقية 1929، وعدم الاعتراف بحقوق مصر
والسودان المائية التاريخية وأيدته جميع دول الهضبة الاستوائية
وقبل ثورة 25 يناير بدأ التحرك المصرى المضاد للسدود الأثيوبية فى النصف
الثانى من عام 2010 ، حيث رفضت مصر دراسات الجدوى لهذه السدود لعدم الأخذ
فى الاعتبار الآثار السلبية على دولتى المصب وتم إرسال ملاحظات مصر إلى
سكرتارية مبادرة حوض النيل، وإلى تجمع حوض النيل الشرقى، وإلى الجهات
المانحة والقوى السياسية الدولية، وأجرت وزارة الخارجية عام 2010 حواراً
موسعاً مع الجهات المانحة والقوى السياسية الدولية.
وقال نصر الدين علام، اللجنة الثلاثية المشكلة من خبراء محليين من مصر
والسودان وأثيوبيا وبعض الخبراء الدوليين للتباحث حول سد النهضة الأثيوبى،
تجتمع دوريا منذ سنة ونصف السنة بدون تحقيق أى نتائج إيجابية بينما يستمر
العمل فى إنشاء السد على على قدم وساق فى ظل التصريحات المستفزة للمسئولين
الإثيوبيين بأن هذا السد سيتم بناؤه تحت أى ظرف من الظروف!! ونرى من مجريات
الأحداث أن وقف بناء السد إذا ثبت ضرره لمصر غير وارد فى أجندة هذه اللجنة
الموقرة، وأن أقصى صلاحياتها هو التوصل إلى توصيات بسياسات تشغيلية للسد
وبعدد سنوات تخزين المياه!! وجدير بالذكر أن الاتفاق مع أثيوبيا على سياسة
تشغيلية للسد يضع رقبة مصر تحت رحمة أثيوبيا والمتغيرات الإقليمية
والدولية.
واقترح وزير الرى الأسبق خريطة طريق للتحرك المصرى للخروج من أزمة سد
النهضة والسدود الأثيوبية الأخرى على النيل الأزرق، تبدأ بالمكاشفة الشعبية
لأضرار سد النهضة للحصول على دعم الشعب المصرى، وتوحيد الأطياف السياسية
للدفاع عن مصالح مصر فى أمنها المائى، والتوصل إلى اتفاق مع السودان على
المستوى الرئاسى لتحقيق رؤية مشتركة للبلدين نحو السدود الأثيوبية فى إطار
اتفاقية 1959 والمصالح المشتركة بين البلدين، والاتفاق على بدائل فنية لهذه
السدود الضخمة لا تسبب أضراراً ملموسة لهما مثل السدود الصغيرة أو العودة
للتصميم الأصلى لسد الحدود.
أما الخطوة الثالثة والمهمة فى إستراتيجية الخروج من الأزمة فهى التفاوض
على المستوى الرئاسى ويشمل(مصر والسودان) مع إثيوبيا للوقف الفورى لبناء
السد انتظاراً لما ستسفر عنه توصيات اللجنة الثلاثية.
وقال نصر الدين علام، فى حالة موافقة أثيوبيا على وقف بناء السد فإنه يجب
الاتفاق مع أثيوبيا على تعديل إطار عمل اللجنة لتشمل جميع السدود الأثيوبية
المخطط إنشاؤها على النيل الأزرق، وتشمل أيضا البدائل الفنية الممكنة لهذه
السدود، وعلى دراسة استقطاب الفواقد المائية فى البرك والمستنقعات
المنتشرة فى جنوب أثيوبيا وزيادة إيراد نهر السوباط لتعويض أى نقص فى حصتى
مصر والسودان.
أما فى حالة رفض أثيوبيا وقف بناء السد، يجب التحرك السياسى لمصر والسودان
على المستويين الإقليمى والدولى لعرض الآثار المدمرة للسدود الأثيوبية ووقف
أى مخطط لتمويل هذه السدود ومنع استخدام المنح والمساعدات الإنسانية لبناء
السدود.
بالإضافة إلى إعداد كتيب عن السدود الأثيوبية وتبعاتها السلبية وتوزيع نسخ
منه إلى الجهات المانحة، والقوى السياسية والمنظمات الدولية، ووضعه على
المواقع الإلكترونية لوزارتى الرى والخارجية وهيئة الاستعلامات.
وأشار علام إلى ضرورة التوصل إلى اتفاق مع السودان على مقاطعة سد النهضة
الأثيوبى وعدم شراء الكهرباء الناتجة عنه لتعطيل مخطط إنشائه حيث لا يتوفر
لأثيوبيا البنية الأساسية والشبكات اللازمة لاستيعاب أو نقل معظم كهرباء
هذا السد، ولا يوجد مستخدم آخر لهذه الكهرباء إلا من خلال نقلها عبر أراضى
السودان أو مصر، إلى جانب التحرك المشترك مع السودان لتقديم شكاوى رسمية ضد
أثيوبيا فى الجامعة العربية ومنظمات الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقى
واللجوء إلى التحكيم الدولى.
وأكد علام على ضرورة أن تقوم مصر بتطوير علاقاتها مع دول الخليج العربى
والتنسيق معهم لوقف استثماراتهم الضخمة فى أثيوبيا حتى يتم التوصل إلى حلول
للسدود الأثيوبية، بالتوازى مع تعزيز أواصر التعاون مع دول القرن الأفريقى
وخاصة إريتريا والصومال وجيبوتى وإطلاعهم على مخطط السدود الأثيوبية
وأهدافه، وتداعياته السلبية.
المصدر