سيناء.. من الحـــلم الي الخروج من النفق!
ثابت أمين عواد
هل
تحمل رمال سيناء سحرا, الي جانب سحرها الطبيعي الخلاب, او سرا يحول
دون محاولات توطين البشر ويهدم تعمير الحجر, لقد أنفقنا- في سبيل
تعميرها- من الوقت اكثر من4 عقود ومن الجهد زهاء3 اجيال, ومن المال
مايكفي لتعمير وتوطين مناطق وامم.. فماهو هذا السر او السحر ان وجد, وماهي البدائل والحلول لسيناء التي
نتمني ولم تغب عن خاطرنا- ومازالت وستظل- حلم الوسن واليقظة معا..فالامن
والانفاق وجهان لعملة واحدة هناك اسمها الاستقرار, فلن يتحقق الامن في وجود
الانفاق, وفي المقابل فان استمرار عمل الانفاق يهدر كل جهود استقرار الوطن
ليلقيها في البحر.., وكما يقال عن البداية التي لابد وان تبدأ وتمر تنتهي
ببسط الامن, ومن أجل الخروج من مأزق النفق الذي وجدت سيناء نفسها بداخله
بعد ان كانت تحلم بمستقبل مزهر مختلف, فان غالبية الرؤي ووجهات النظر هناك
تري ان الامن بدوره لن يتحقق ولن يستتب الا بغلق الانفاق بلا استثناء من
والي قطاع غزة ونهائيا, وعودة قوية للدولة للقيام بدورها بالقانون وبآداء
يتناسب مع طبيعة ساكني ومواطني سيناء جبالها ووديانها قبل مدنها.
بناء الثقة وردم الانفاق.. اليوم قبل الغد..
هل نحرث في البحر.. مع بداية العام الحالي اغتبط اهالي سيناء عندما شاهدوا
حفارات عملاقة تتبع القوات المسلحة تصل إلي المنطقة المجاورة لمعبر رفح
البري, لتبدأ مهمتها في اغلاق الأنفاق, ووسط ترحيب المواطنين شرع سلاح
المهندسين في عملية ردم الأنفاق المشتركة مع قطاع غزة بدءا من المنطقة
الواقعة جنوب معبر رفح وحققت تلك الجهود نجاحات ملموسة, كما ساهم الاهالي
في منطقة صلاح الدين برفح المصرية, باغلاق فتحات الأنفاق التي تنتهي في
منازلهم بالرمال والزلط, واثمرت جهود قواتنا المسلحة باغلاق مئات الانفاق,
ومن جانبها أغلقت حكومة حماس الأنفاق المشتركة مع مصر للمساعدة في منع تسلل
أي فلسطيني إلي سيناء, فماذا حدث, ولماذا لم يتحقق الامن وتعود التنمية
المفقودة الي سيناء.
إعادة تخطيط رفح.. ضرورة
ومايجري تحت الارض دائما ماينعكس علي الحياة فوقها, وكأن الانفاق مؤشر
للحياة في سيناء, فعندما بدأت عمليات هدم الانفاق التهبت الاسعار في قطاع
غزة وانخفضت في سيناء, والآن بعد عودة نشاط الانفاق وعمليات التهريب فان
الاسعار عادت لترتفع في سيناء لتنخفض في المقابل بقطاع غزة كما يشير احد
اهالي سيناء اسامة جلبانه, حيث يكشف ان مخاطر وسلبيات الانفاق تتزايد كل
يوم, ويؤكد ان جهود القوات المسلحة المخلصة لتدمير الانفاق لاينكرها احد,
ولكننا نفاجأ وكأننا نحرث في البحر, فلم تتوقف مخاطر الانفاق بل تتزايد
وكأنها تتحدي ماهو فوق الارض, بدليل اننا في العريش كنا نترقب افتتاح بحيرة
البردويل بعد توقف الصيد بها لمدة4 اشهر, وبعد الجهود المضنية لإغلاق
الانفاق فقد فوجئنا بان اسماك البحيرة التي كنا ننتظرها تم تهريبها ليلا
عبر الانفاق الي رفح الفلسطينية لتباع في نفس الليلة في شادر اشتهر بانه
شادر اسماك بحيرة البردويل, وكأن سوق سمك العريش اغلق في العريش لكي يفتتح
في رفح بفلسطين, بل الاكثر غرابة ان الانفاق تشجع علي ارتكاب الجرائم حيث
يجد من ينفذ الجريمة ملاذا آمنا عبر الانفاق حيث يهرب الي الجانب الآخر
ليعود بعد نسيان جريمته.
ويكشف جلبانه بأن التعاطي مع الانفاق, رغم خطورته علي امن مصر, يتفاعل معه
البعض باستخفاف, وبات يشكل الثقافة الحياتية للقلة من أهالي سيناء وفلسطين
في آن واحد, مشيرا الي ان قيام الكثير من الافراد بالذهاب الي الطرف
الآخر( سواء غزة او سيناء) عبر الانفاق بشكل يومي حيث يتناولون العشاء في
غزة والعودة, او يأتي الفلسطينيون للسهر في العريش والعودة في نفس الليلة
وكأن الانفاق اصبحت امرا واقعيا بل مألوفا ومحببا لدي البعض!.
ويطالب اسامة اجهزة الدولة بان تشارك في اعادة رسم وهيكلة وتخطيط المنطقة
الحدودية التي تعلو سطح الانفاق, لأن تلك المنطقة تحتاج الي رؤية وتخطيط
كاشفا بأن الشوارع في تلك المنطقة شمال شرق رفح المصرية- بدأت في الانهيار
كما حدثت تصدعات للمباني و العمارات هناك, كما ان حالات هبوط الشوارع اصبحت
ظاهرة لم نعهدها الا بعد انتشار الانفاق, ويقترح بأن يتم توظيف ظاهرة
انهيار الشوارع وتصدع العمارات عند الحدود هناك وان توضع خطة للنسق
العمراني يضع في اعتباره حساسية المنطقة واهميتها لمصر.
الدوائر الثلاث والاستقرار..
لماذا دائما نرفع ايدينا ونترك كل العبء علي قواتنا المسلحة.. اين دور
الاجهزة المحلية وأين تنسيقها مع الاجهزة الامنية لإعادة السلام الاجتماعي
بين الافراد.. لماذا لاتقوم بدورها المهم في الصلح وإزالة الاحتقان والتوتر
السائد بين كثير من العائلات والقبائل هناك, هكذا يتساءل الشيخ عبدالله
جهامة رئيس جمعية مجاهدي سيناء, ويري ان اجهزة الدولة مازالت غائبة, وعلي
الاقل باستطاعة تلك الاجهزة العمل في التفاصيل هناك وان تبادر وتنشط وسائل
وبرامج التنمية واشاعة روح التعاون والعمل الجماعي المشترك, ويري ان تنفيذ
الوعود من قبل المسئولين التي أعلنوا عنها امام أهالي سيناء يساعد كثيرا في
ازالة الاحتقان هناك, موضحا بأنها قضية فائقة الاهمية لأن المواطن هناك
لايستطيع ان يصدق ان مسئولا يتحدث بغير الصدق,ومازال المواطنون ينتظرون
تنفيذ هذا الوعد, اضافة الي انهاء احكام عن601 مواطن عليهم احكام مدنية
مطالبا بأن من يقضي نصف المدة يمكن الافراج عنه. كما يري جهامة ان
الاستقرار السياسي لابد وان يسبق تلك الجهود, مطالبا بإعادة الدوائر
الانتخابية الثلاث الي سيناء كما كانت في السابق بدلا من دائرة واحدة في
النظام الحالي لأن ذلك امر جوهري في اعادة الاستقرار هناك.
عودة الثقة ممكنة
والأمن أولا واخيرا هو مسئولية الدولة, لأن الدولة هي ارض وشعب وسلطة,
وغياب الامن وتراجع دورة يهدر ركنا من اركان الدولة, هكذا يتحدث في صراحة
نقيب المحامين بشمال سيناء امين القصاص رئيس لجنة الوفد بشمال سيناء,
ويقترح ان تتصالح الدولة مع الناس هناك, ومازالت هناك دائما الفرصة قائمة
لاعادة الثقة بين الدولة والشعب هناك وان يهتم المسؤولين باعلاء قيم الصدق
لدي المواطن والمسؤول علي السواء, ويري ان الامن يسبق الحكم والادارة وبسط
النفوذ والتمكين, ويتساءل كيف نقرأ زيارة رئيس الجمهورية للخارج في الوقت
الذي تتصاعد فيه حدة الازمات الداخلية. ويعتقد نقيب المحامين ان مسألة ترك
الامور معلقة في قضايا خطيرة مثل استشهاد واصابة22 من جنود وضباط قواتنا
المسلحة عند رفح رمضان الماضي, وعدم الافصاح عن نتائج جرائم اخري تهم
المواطنين لايساعد علي بناء الثقة المنشودة بين المواطن والدولة, وبالتالي
سيظل الامن غائبا طالما الثقة مفقودة.
علي الجانب الآخر يقف احد رجال الاعمال في سيناء سليم الشوربجي مطالبا
وسائل الاعلام ورجاله بتبني مبادرة للهدوء والتقاط الانفاس لاننا في مصر
نخوض اول تجربة في الحكم والادارة والديمقراطية وذلك يتسدعي اتاحة وقت كاف
للمسئولين لكي يستطيعوا القيام بدورهم.
ولأن تجربة الديمقراطية جديدة في مصر, وهي لانها تسير بشكل خاطئ ماادي الي
تخريب المؤسسات وتدهور الاقتصاد واوجد ازمات اثارت جدلا لم ينج منها احد
وبالتالي سقطت هيبة الدولة. ويري الشوربجي ان اي فرصة عمل او منصب يحتاج
الي اختبار لفترة6 اشهر, وحاليا فان الفرصة ليست كافية للحكم علي الادارة
الحالية حيث بلغت ظاهرة الاحتجاجات الي قطاع الشرطة وهو امر غير مسبوق مما
أدي الي انهيار الدولة, ويعتقد اننا لابد وان نعطي فرصة كاملة للادارة
الحالية ولايعيبها ان تستعين بمن تراه فلاتوجد عصا سحرية لحل مشكلات تراكمت
علي مدي عقود.
تقطار الشرق السريع هل يبعث الحياة الي سيناء..؟
اعادة انشاء وتشغيل خط السكك الحديدية القاهرة العريش من بين اهم ركائز
بعث الحياة الي ربوع سيناء في الحضر والبادية علي السواء وهو مايراه
الدكتور وهبي عبدالله المدير العام السابق للإنتاج والشئون الاقتصادية
بشمال سيناء, مشيرا الي ان هذا الخط لايشكل مشروعا استثماريا فقط, بل يسهم
ايضا في الربط التجاري البري وإمكانات النقل والتدفق التجاري بين شمال
سيناء وبين محافظات الدلتا, وأيضا هناك امكانات للتدفق السلعي والتجاري
والربط التجاري والبحري بين قارات افريقيا وآسيا وأوروبا.
ويري ان اكتمال الخط الي رفح مرورا بمدن والتجمعات السكانية في شمال سيناء
يسهم في انعاش المحافظة وتيسير سبل الاقامة, ويضيف ان الخط القديم حطمته
اسرائيل, خلال احتلالها لسيناء عام67, بنزع قضبان الخط لدعم تحصيناتها
العسكرية تحسبا لهجمات الطيران المصري.
ويري ان الدراسة لخط القاهرة- العريش وضعت مخططا ضمن المشروع القومي
لتنمية سيناء حتي عام2017 بحيث يمتد الخط في مسارات الي وسط سيناء ثم منها
الي جنوب سيناء, وايضا تخطط المحافظة بالتنسيق مع هيئة السكك الحديدية لمد
خط تجاري من العريش في اتجاه منطقة الصناعات الثقيلة جنوبا لخدمة منطقة
الصناعات الثقيلة لخدمة تسويق وتصدير مجمع صناعات الاسمنت(35 كيلو جنوبي
العريش), اضافة الي مسار آخر يخدم ميناء العريش البحري مع محطة العريش
مايعزز الطاقة التصديرية للإنتاج, ويقترح ان يمتد هذا الخط( العريش-
الميناء البحري) الي بالوظة ليتجه منها الي سيناء شرق التفريعة ببورسعيد
لأن هذا الربط يمكن ان يشكل مثلثا لدعم الطاقة النقلية البرية الرئيسية في
شمال سيناء.
من المعروف ان مسار الخط يبدأ من القاهرة وينتهي عند رفح المصرية بطول400
كيلومتر تقريبا ويعبر كوبري الفردان علي قناة السويس عند نمرة6 بالقنطرة
شرق ويعمل الكوبري بشكل آلي ويفتح الي نصفين للسماح بمرور السفن في غير
توقيت مرور القطار, ويمر علي محطات القنطرة شرق- جلبانه- بالوظة- رمانة-
نجيلة- بئر العبد- حيث توقف ولم يمتد الي العريش والشيخ زويد ورفح بسبب
سرقة القضبان, ويتم حاليا اعادته حتي رفح المصرية كما هو مخطط له. وكان
قطار سيناء جزءا من مسار قطار الشرق السريع الذي كان ينطلق من مصر إلي
أوروبا عبر فلسطين وسوريا وتركيا منذ الحكم البريطاني في بعض تلك المناطق,
وكان قطار سيناء يخدم4 مراكز رئيسية بشمال سيناء هي: العريش, ورفح, وبئر
العبد, والشيخ زويد, بالإضافة إلي وصلة تصل إلي ميناء شرق بورسعيد, ليسهم
بذلك في خدمة التجارة الخارجية.
نبيع الرمال بالمئات لنستوردها زجاجا بالمليارات..
في ميناء العريش البحري لم تكد ترسو سفينة لتفرغ حمولتها من الزجاج القادم
من تركيا حتي تتبعها مركب آخر تقوم بنفس المهمة, وفي العودة تحمل هذه
السفن الرمال البيضاء ومستلزمات مواد البناء الخام الي تركيا أيضا.. هذا
المشهد لاتشارك فيه سفينتان بل عشرات السفر تتقاطر في عرض البحر امام
الميناء تنتظر دورها, أي ان مصر تصدر الرمال من سيناء لتستورده رمالا مصنعة
في هيئة زجاج, هل استغلال الرمال السوداء والبيضاء في صناعة الزجاج
والكريستال والخلايا الشمسية والالكترونية امر مستحيل, لماذ لانقيم في
سيناء ولو مصنعا واحدا للزجاج لكي نوفر مليارات الدولارات ندفعها لاستيراد
زجاج هو في الاصل رمال سيناء البيضاء تم بيعها مقابل مئات الدولارات..
ان رمال سيناء تكتظ بالثروات البترولية والغازية والتعدينية فهي محاطة
بآبار البترول في جنوب سيناء وايضا حقول الغاز في شمالها عند سواحل
المتوسط, واكدت الدراسات أن المجال لايزال متسعا أمام اكتشافات أخري, خاصة
بعد اكتشاف الكبريت في شرق العريش بكميات استثمارية, واضافت الدراسة ان تلك
الثروات غير مستغلة ولو تم استغلالها سوف تحقق ثروة هائلة لمصر, مشددة علي
ضرورة التوسع في إنتاج الملح علي البحر المتوسط في شمال سيناء.
الاتصالات المرئية والمحمولة.. متي تتلافي مسيرة المعوقات..
حرص الدولة علي تضييق الهوة بين الوادي وسيناء لايختلف عليه احد, ومن
الامور البديهية ان يتجه تركيزها الي وسائل الاتصالات والاعلام لكي تقيم
الجسور وتقوي شبكة الوطن مع ابنائه في سيناء باعتبار ان كلا الوسيلتين
الاتصالات والاعلام من اسرع واقوي الوسائل التي تسارع في فرض هيمنة الدولة
وتقوية العلاقة التبادلية بين الدولة والمواطن..الا ان مايحدث هناك من
الصعب تصديقه..
فعلي مدي4 عقود واجهت سيناء ازمتين لاعلاقة لهما بالامن او توفير التمويل
وهما الاولي ضعف شبكة الاتصالات التليفونية خاصة المحمولة, والثانية رداءة
الارسال التليفزيوني هناك ولافرق بين سكان كثير من المدن وكل البادية فان
ضعف الارسال اقام عدل الحرمان من الارسال بالتساوي بين المواطنين.
ولاشك ان تقوية شبكة الاتصالات بسيناء, لايهدف فقط الي منع استقبال
مكالمات إسرائيلية, بل يسهم في اعادة سيناء وجدانيا وماديا الي مصر وهو
المطلب المستمر لاهالي سيناء والذي استجاب له مؤخرا المهندس عاطف حلمي وزير
الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الذي اوضح إن وزارته تعمل حاليا علي تقوية
شبكات الاتصالات بمحافظتي شمال وجنوب سيناء, بالتعاون مع الأجهزة المحلية
بالمحافظتين لمنع استقبال المواطنين مكالمات هاتفية من إسرائيل, وهي ظاهرة
انتشرت مؤخرا في سيناء, والجديد, كما يشير الوزير, أن هناك أجهزة أمنية
بالدولة تمتلك من الأدوات والسياسات ما يمكنها من منع تكرار تلك الظاهرة.
مجاهدو سيناء ومؤشر الانتماء..
رئيس جمعية مجاهدي سيناء(157 عضوا) الشيخ عبدالله جهامة ينبه الي اهمية
تنشيط قيم الانتماء لدي الاجيال الجديدة باعتباره امرا مهما لاستتباب
الاستقرار اذ ينظر الشباب الي الكبار من المجاهدين بذلوا الجهود دفاعا عن
الاوطان, وينبه قيام التأمينات بوقف التأمين علي المجاهد(200 جنيه) منذ شهر
اكتوبر العام الماضي2012 دون ابداء الاسباب, كما ان الدولة منحتهم10 افدنة
في مسار ترعة السلام بموافقة مجلس الشعب في دورتين الاولي عام1999,
والثانية عام2012, فضلا عن موافقات وزراء الزراعة, وحتي اليوم لم تنفذ وعود
الدولة لهؤلاء.
ويشير الشيخ جهامة الي ان قيم الدفاع عن الارض والوطن ليست محل مساومة كم
انها لاتحتاج الي مقابل, ولكن يعتقد جهامة ان تكريم المجاهدين لايتم بقطع
مبلغ200 جنيه لرجال قدموا ارواحهم وشبابهم فداء للوطن, وآن الوقت لكي
يساعدهم الوطن في محنة تقادم الزمن.
مصدر