بسم الله الرحمن الرحيم
تمثل مناقشات الأمم المتحدة، من أجل الموافقة على "المعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة" اختباراً لقادة العالم لمعرفة ما إذا كانوا سيعطون الأولوية للحقوق بدلاً من المصالح الذاتية والأرباح. فبدون معاهدة قوية، سوف يكون دور مجلس الأمن الدولي كحارس للسلام العالمي عرضةً للإخفاق، إذ تملك الدول ذات العضوية الدائمة في المجلس حقاً مطلقاً للاعتراض على أي قرار، بالرغم من أنها أكبر مورد للأسلحة في العالم.
فقد بدأت وفود تمثل أكثر من 150 بلداً جلسة خاصة في الأمم المتحدة بنيويورك تستمر طيلة شهر تموز/ يوليو الحالي بشأن اعتماد معاهدة جديدة لتجارة الأسلحة، بعد أن تمت الموافقة هذا العام على مسودتها، والتي تلزم الحكومات بعدم التصديق على مبيعات الأسلحة للدول التي تستخدمها لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان.
وذكرت صحيفة "الغارديان"، في 2 تموز/ يوليو، أن وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والسويد أصدروا بياناً مشتركاً عشية المحادثات أعلنوا فيه "أنهم سيضغطون من أجل اعتماد معاهدة تشمل أحكاماً قوية في مجال حقوق الإنسان"، وحملوا الأمم المتحدة مسؤولية الاتفاق على معاهدة قوية وفعّالة وملزمة قانونياً لتجارة الأسلحة
ومن خلال ما جرى في العام الماضي، ومازال مستمراً، من استعمال مفرط للقوة من قبل القوى النظامية ضد الإحتجاجات السلمية في معظم الدول العربية، تبرز ضرورة تنظيم معاهدة فعالة لتجارة الأسلحة من شأنها أن تحمي حقوق الإنسان وتوقف نقل الأسلحة إلى أماكن حيث هناك خشية كبيرة من أن تستعمل على الأرجح لارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان أو جرائم دولية.
وتُظهر أبحاث منظمة العفو الدولية أن أغلبية انتهاكات حقوق الإنسان تُرتكب باستخدام الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، على الرغم من الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان بالآليات الثقيلة في الدول التي اجتاحها الربيع العربي.
في الغالب تكون القوات المسلحة وقوات الشرطة رديئة التدريب وغير خاضعة للمساءلة القانونية قياساً بالمعايير الدولية لكي تنتهك حقوق الإنسان. ومن جهة ثانية، تستطيع جماعات المعارضة والعصابات الإجرامية والمدنيون الحصول على الأسلحة بسهولة وإساءة استخدامها على نطاق هائل.
وكي يكون بالإمكان حماية حقوق الإنسان يتعين على الحكومات منع الحصول على الأسلحة بسهولة، وتنظيم استخداماتها القانونية بشكل صارم. كما ينبغي إزالة وتدمير الأسلحة الفائضة وغير القانونية ووضع قيود على الإمدادات الجديدة.
إن ثمة حاجة ماسة إلى وجود "قاعدة ذهبية" في معاهدة تجارة الأسلحة، وفق ما أشارت اليه منظمة العفو الدولية، تشترط على الحكومات "وقف أية عملية لنقل الأسلحة إذا انطوت على خطر حقيقي بأن تلك الأسلحة يمكن أن تستخدم لارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي".
اننا نثمّن لمنظمة العفو الدولية، الى جانب هيئات عالمية أخرى كمؤسسة اوكسفام الدولية والشبكة الدولية بخصوص الأسلحة الصغيرة "إيانسا"؛ جهودها سواء في نقل الوقائع أو عقد المؤتمرات او صياغة التقارير او تنظيم الإحتجاجات في سبيل تحقيق المعاهدة المنشودة.
وفي نظرة مسهبة لواقع الدول الست التي تتحكم بالمفاصل الأساسية لتجارة الأسلحة عبر العالم، نلقي الضوء على مساهمة تلك الدول العظمى في "عمليات غير مسؤولة" لبيع اسلحة الى دول تنتهك علناً حقوق الإنسان، ونتطرق الى مواقف تلك الدول من مسودة المعاهدة في صيغتها المقترحة؛ وفق ما رصدت منظمة العفو الدولية:
-الولايات المتحدة الأميركية: تحتل المرتبة الأولى في الدول المصدِّرة للأسلحة في العالم، وتزوِّد ما يربو على 170 بلداً بالأسلحة. ولها سجل "مختلط" في مجال تعليق إمدادات الأسلحة لأسباب تتعلق بحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، وضعت قيوداً على إرسال الأسلحة إلى كل من ميانمار والصين وسريلانكا وزمبابوي؛ بيد أنها أرسلت أسلحة إلى بلدان أخرى، من قبيل سريلانكا والبحرين ومصر واليمن، حيث يوجد خطر حقيقي من إمكانية استخدام تلك الأسلحة لارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو تسهيل ارتكابها.
لعب تأييد الولايات المتحدة للمعاهدة دوراً حاسماً في الوصول إلى المرحلة الراهنة في عملية التفاوض، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2009، عندما قلبت إدارة أوباما الموقف السابق من معاهدة تجارة الأسلحة، حيث قالت إنها تريد أن ترفع مستوى المعايير الدولية للرقابة على صادرات الأسلحة بحيث تصل إلى مصاف المعايير الأميركية.
غير أن المسؤولين الأميركيين لم يرغبوا تضمين المعاهدة التزامات على الدول بحظر عمليات نقل الأسلحة، حتى في حالة توفر أدلة ذات صدقية على احتمال استخدامها لارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. كما حاجج المسؤولون الأميركيون ضد شمول الذخائر في نطاق المعاهدة بادعاء أن المسألة حساسة للغاية وأنها ستؤدي إلى ظهور مشكلات فنية في التنفيذ.
وبوجه عام، فإن المسؤولين الأميركيين يفضلون وثيقة قصيرة فضفاضة تحتوي على مبادئ عامة "لأخذها بعين الاعتبار"، ولا تنص على تدابير قوية ملزمة.
-روسيا: تُعتبر روسيا ثاني أكبر دولة مصدرة للأسلحة في العالم، حيث بلغت قيمة صادراتها 24 بالمائة من حجم الصادرات العالمية. ويتم ابتياع التقنيات ومنظومات الأسلحة الروسية اليوم من قبل 55 دولة، وسيكون لها تأثير رئيسي في المفاوضات بشأن معاهدة تجارة الأسلحة.
تشمل قائمة الزبائن الرئيسيين لروسيا: الهند، سورية، الجزائر، ميانمار، فنـزويلا، السودان والعديد من الدول الأفريقية. وهي لا تنشر تفاصيل صادرات الأسلحة، ولكن يُعتقد أن 10 بالمئة من مجمل صادرات الأسلحة الروسية تذهب إلى سورية. وكانت روسيا زودت السودان بطائرات مروحية حربية، استُخدمت في الهجوم على المدنيين في دارفور وجنوب كردفان.
ويبدو أن روسيا، شأنها شأن الصين، لا تريد للمعاهدة أن تتضمن قواعد ملزمة بشأن القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. وتقول أن مثل هذه القواعد تُفسَّر تفسيرات ذاتية وأيديولوجية.
وتعتقد روسيا أن التركيز يجب أن ينصبَّ على مراقبة التجارة بهدف الحؤول دون تحويلها إلى سوق الأسلحة غير الشرعي، بيد أن تفاصيل مقترحاتها وآرائها بشأن الشفافية لا تزال أولية.
-الصين: تتخذ الصين موقفاً حذراً تجاه المعاهدة المقترحة، وللمفارقة فإنها لم تنضم حتى الآن إلى أية اتفاقية متعددة الأطراف بشأن صادرات الأسلحة. وقالت إنها تتقبل الحاجة إلى معاهدة تعترف بالحقوق الإنسانية الدولية، ولكن "يصعب الحكم على مثل تلك المعايير بشكل موضوعي". وقد حدثت تدخلات من جانب الصين بهدف تضييق نطاق معاهدة تجارة الأسلحة، بحيث تستثني الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة، بالإضافة إلى عمليات نقل الأسلحة من حكومة إلى حكومة. وتشير التجارب المستقاة من المفاوضات السابقة إلى أن الصين ستحاول تخفيف النص، ثم تقديم اعتراض رئيسي في وقت متأخر.
وكانت البلدان النامية صاحبة السجلات السيئة في مجال حقوق الإنسان، هي الأكثر تلقياً للأسلحة الصينية.ومنها: الجزائر، أنغولا، بنغلاديش، جمهورية الكونغو الديمقراطية، غينيا، مصر، إندونيسيا، إيران، العراق، الأردن، كينيا، ليبيا، ميانمار، باكستان، سريلانكا، السودان، وزمبابوي.
- فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة: وتحتل إحداها باستمرار المرتبة الثالثة أو الرابعة أو الخامسة عالمياً بثبات في قيمة صادرات الأسلحة التقليدية.
ومع أن فرنسا تدعم وضع معايير صارمة لعمليات نقل الأسلحة، فقد زوَّدت ليبيا في عهد القذافي بالأسلحة والذخائر وكذلك مصر وتشاد بالعتاد والعربات المصفحة، كما زوَّدت سوريا بالذخائر في الفترة بين عام 2005 وعام 2009.
وعلى الرغم من أن ألمانيا، بوجه عام، تدعم وضع معايير صارمة لعمليات نقل الأسلحة، فهي زوَّدت اليمن وليبيا في عهد القذافي بالعربات المدرعة، وزودت البحرين ومصر بالأسلحة الصغيرة، كما أرسلت أسلحة وذخائر إلى كل من غواتيمالا والفيلبين.
أما المملكة المتحدة فقد زودت حكومة سريلانكا بالأسلحة، مع أنها على علم بالإجراءات القمعية التي تتخذها تلك الحكومة، بالإضافة إلى تزويد البحرين بالأسلحة الصغيرة.
وقد ساعدت، مع فرنسا، على وضع مدونة الاتحاد الأوروبي، التي أصبحت الآن تسمى "الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي بشأن صادرات الأسلحة"، وهي نقطة الانطلاق في مواقف السياسة البريطانية بشأن المعاهدة.
بيد أنه إذا لم تتوفر أغلبية من الدول التي تدفع باتجاه وضع قواعد قوية، فإن المملكة المتحدة، كما هي الحال بالنسبة لفرنسا وألمانيا، يمكن أن ترضخ لضغوط الولايات المتحدة من أجل تخفيف نص المعاهدة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان من أجل التوافق مع روسيا والصين.
وفي هذا الموضوع، قال سليل شيتي، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية : "كثيراً ما اتضح على مدار العام الماضي أن التحالفات الانتهازية والمصالح المالية تعوق حقوق الإنسان، حيث تتنافس قوى دولية من أجل بسط نفوذها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومن ثم، يجري التشدق بشعارات حقوق الإنسان إذا كانت تخدم مصالح سياسية أو مصالح الشركات، بينما تُنحى هذه الشعارات جانباً إذا كانت غير ملائمة لهذه المصالح أو إذا كانت حجر عثرة في طريق جني الأرباح".
في الخلاصة فإن العالم يقترب من مفترق طرق يتعين على الحكومات عنده أن تقرر أي السبل ستسلك من اجل السيطرة على تجارة الاسلحة التقليدية التي تزداد عولمة باطراد. فقد لاحظ خبراء حكوميون تابعون للأمم المتحدة أن العولمة غيرت من ديناميات تجارة الأسلحة الدولية. وأشاروا الى تعاظم أنواع أنظمة الأسلحة والمعدات ومكوناتها التي تصنع في إطار التعاون أو ضمن مشاريع وتراخيص مشتركة، والى ان معظم الدول المنتجة للأسلحة تعتمد بصورة متزايدة على عمليات لنقل التقانة وتحديثها من مصادر خارجية، ولا تقتصر في ذلك على إنتاجها الأصلي. ما يبرر الحاجة الى سرعة إقرار المعاهدة لتكوين النص الدولي المرجع الذي يُستند اليه في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني.
فإذا ما سمح باستمرار الممارسات الحالية والتغاضي عن عمليات النقل اللامسؤولة للمعدات العسكرية والامنية، وما يرتبط بها من تجهيزات، عبر حدود الدول، فإن ملايين جديدة من الارواح سوف تزهق، ومن مصادر العيش سوف تدمر. وستتواصل الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان لدى أعداد اضافية هائلة من البشر.
للأمانة العلمية منقول
المصدر
والله الموفق والمستعان
الزعيم