السلام عليكم......جثم الاستعمار علي صدر العرب قرونا وأصاب تقدمنا في الصميم وعانينا التأخر علي مدي حقب طويلة من الزمن إضافة لنضالنا الذي استأثر باهتمامنا وحشدنا لأجلة النفس والنفيس علي حساب مجالات الحياة الأخري حتي إذا استخلصنا حريتنا شرعنا في المسير باتجاه التنمية وتعويض سنوات القهر والتسلط ونجحنا في ذلك إلي حد كبير وهو ما تشهد به المقارنة العادلة والقياس المنصف ولدينا مواقع متقدمة وعواصم زاهرة وانجازات باهرة وبمعني اننا في الجانب المادي تفوقنا واجتزنا الكثير من المعوقات والعقبات وان بقيت جوانب هامة ومؤثرة تشكل ثقبا في النسيج العربي ألا وهي التفكك والانفراط وغياب التوحد الذي بموجبه تتوثق الروابط وتترسخ العلاقات ومن خلاله ترسم السياسات التي تترجم قوتنا علي الساحة الدولية فلا ينظر لنا فرادي بل مجتمعين وبما يرتد علينا من الآخرين احتراما وتقديرا واستشعارا بمهابة العرب واقتدارهم وللأسف فان شيئا من هذا لم يستوف ولا يزال العرب قومية مفرغة من التأثير وسقيفه بلا سقفه يتناوشها الريح ليعصف بها فيقوضها.
وعلي الرغم من ان جامعة الدول العربية سبقت هيئة الأمم المتحدة في الظهور كمؤسسة قومية تجمع شمل العرب فان دورها في حسم النزاعات وفض الخصومات خافت وما يصدر عنها من بيانات وقرارات لا يرقي إلي مستوي الحلول ومواجهة التحديات ولا يمكن مقارنتها بالاتحاد الأوروبي المدعوم بآليات عسكرية واقتصادية وسياسية فرضت مقومات الوحدة العملية التي تستمد عنفوانها من "الأوربة" بعد ان تغلبت علي عوامل الانقسام من حيث تنوع المقدرات الاقتصادية والتباينات الثقافية والتاريخية بحيث صار أعداء الأمس أصدقاء اليوم يجمعهم درب واحد ممتد باتجاه مسار واضح نحو المنعة والرخاء وفي أكثر من اشارة إلي ان العرب جعلوا خيرهم لغيرهم وضنوا علي بعضهم البعض إلي حد الشح والتقتير وحتي في الدول حديثة العهد باكتشاف النفط فان العداوات المحلية أشعلت حروبا أهلية ضارية بدعوي اقتسام الثروة أو الانفراد بها ليتشرذم كيان الدولة وتتحول إلي دويلات متنافرة.
وعلي المستوي السياسي تتعدد الفضائل وتتناقض الرؤية وكل يدعي لنفسه حقا علي حساب الآخر وبحيث يغيب الصدق فلا تدري مع من تقف أو تعارض وتتعدد صور التمزق علي خريطة العالم العربي بحيث يبدو للآخرين في اسوأ حال وهناك من يرد ذلك لمؤامرة تحركها يد خفية لتثير الصدام علي المستوي المحلي أو القومي وقد يكون هذا مقبولا في قليله مرفوضا في كثيره خاصة وان الأمم مسئولة عن مصيرها في نطاقها وعن وعي وإدراك بالمنطلق والافق والتمييز بين ما يجدي وما لا يفيد والتعرف علي العدو والصديق وعدم الاستسلام للوصاية أو السماح للقوي الخارجية بالتدخل أو التغلغل لمنطقة القرار وللأسف فان هذا يحدث علي الرغم مما يدعيه البعض من حرية واستقلال علي حين يتيحون عن تراخ لقوي خارجية التواجد والاستغلال.
ان المأزق العربي يكمن في ان العرب وان اعتقدهم الآخرون قوة فذلك أبعد عن الواقع فلكل قطر شأنه وأولوياته التي تسبق قناعته بأنه وحده داخل مكون قومي ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتخطاه إلي السياسات التي ينهجها كل طرف بما يتفق أو يتعارض مع الخط العام حيال واقعنا والمشاكل التي تحاصرنا أو تهددنا وهذا النهج يرتب أرجاء الحل وابطاء الحركة واعتراض المسيرة أو الخلاف والاختلاق مما يهدم ولا يبني أو يبقي.
ومجمل القول ان الإصلاح يستوجب منا توفير الادوات واتخاذ التدابير والاجراءات والاتفاق علي أنساق معلومة ومفهومة وواقعية تجد سبيلها للتطبيق بلا تعليق ولاشك ان عدم الاستقرار يفرض الحذر والتربص ويشيع مناخا من التشكيك وافتقاد الثقة ومعايشة حالة استنفار وتعبئة طول الوقت مما ينعكس علي عملية البناء وصناعة الرخاء التي يهددها النزاع والصراع.
وتشكل المنطقة العربية أحد أكبر الساحات الملتهبة في العالم والحروب فيها تدور رحاها لسنوات متصلة والضحايا هم شعوب المنطقة التي تتعرض للهلاك والانهاك من خلال مواجهات طائشة ولا أحد يدري متي تلوح بادرة السلام والوئام لينعم العرب بالامان المنشود. ان استنطاق التاريخ بقصد استحضار العبرة والعظة يجب ان يكون ماثلا للابصار والبصائر فالنهج الاستعماري لا يزال قائما وان تغير أسلوبه وتلونت صورته وان يمارس دوره بيننا فذلك لتقصيرنا وافتقاد الانتباه والذكاء السياسي خاصة ان لدينا أوراق ضغط كثيرة من ممرات مائية ومحطات تجارية وثروة نفطية وتعدينية وفوائض نقدية ومشروعات استثمارية وأسواق استهلاكية ومصالح ثقافية ورغبة في مد الجسور والتواصل مع الآخر علي نحو تبادلي بندية وان اجتمع العرب علي أسلوب متفق عليه لحل المشاكل وجني المكاسب فيصلون مرادهم ويحققون مطالبهم بشرط عدم ترك أي ثغرة للنفاذ وإضعاف الموقف واستقطاب أطراف واستبعاد أخري فذلك مدعاة للضعف والاختراق.
وأشد ما يصيبنا الاقتتال والتنافر فيما بين أبناء الوطن الواحد والتبرم والضيق بين الاشقاء خاصة إذا اتصل بالتدخل لنصرة فريق علي حساب فريق إذ الواجب ان تتم المصالحة بالمصارحة وعلي مستوي من الشفافية التي تسمو علي الاغراض والمزايدة وبغير استطراد أو استعراض فحالنا محزن ومخز بل ويجسد التخلف والارتداد إلي القبلية الشعوبية والطائفية واستشراء الانانية وضعف ا لحكومات المركزية في مواجهة تيار الانفصال العاتي الذي يهدد أكثر من نصف خريطة الوطن العربي علي حين يلقي بالنصف الآخر في دوائر فض المنازعات وبلا طائل وفي الوقت الذي تبرز فيه الكيانات الكبري والتكتلات العملاقة ينفرط عقدنا ويتوزع القطيع ليكون فريسة سهلة للذئاب الضارية التي لا ترحم ولن تشبع.
وعلي الذين يتعالون علي النصح ولا يعطون للرأي قيمته وللتجربة قدرها ان يحذروا الغرق في الرمال الناعمة حيث لا منقذ ولا مغيث وعلي العرب ان يحمدوا الله علي ما أولاهم من نعمة وان يرعوها ولا يفرطوا فيها وان يعودوا بالفضل علي اخوانهم ممن ضربتهم المحن والنكبات وعلينا الا يغيب عنا كعرب اننا منذ أكثر من قرنين وطأت الحملة الفرنسية عام 1798 أراضينا ونحن محل استهداف ومحط اطماع ليس قطريا بل قومي والمخطط لم يتوقف بل تعدد أدواته وانتقل من حالة وضع اليد كما حدث في فلسطين إلي مرحلة التوغل في الفكر والتدخل في المصلحة ونربأ بأنفسنا من الرضوخ والانصياع والا نكون كالذي يركب سفينة ولا يتحكم في الشراع فمآله الضياع ومن تمام الإيمان الحرص والحذر والاعتصام من الزلل والانقياد والا نلدغ من جحر واحد مرتين والله ولي الصادقين.وشكرا