جزيرة دهلك الاريترية خطر محدق بالأمة العربية بقلم كمال محمد عثمان
تاريخ النشر : 2012-09-28
جزيرة دهلك الاريترية خطر محدق بالأمة العربية
كمال محمد عثمان
غزة هاشم / فلسطين
27/9/2012
لقد بدأت فكرة التغلغل الصهيوني في القارة الأفريقية منذ زمن بعيد في
أذهان المفكرين والسياسيين الصهاينة وكان ذلك قبل قيام دولتهم المزعومة
علي أرض فلسطين الحبيبة. لقد سبق وأن طرح مشروع إقامة دولة صهيونية في
أوغندا بإفريقيا في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897 عملا بأسطورة "دولة
إسرائيل من الفرات إلي النيل", ولما لم تقم دولتهم في إفريقيا, ظلت الفكرة
تراود أصحابها الصهاينة بالعودة إلي القارة السوداء لأنها محط اهتمام
الجميع لأهميتها الإستراتيجية في المنطقة. إن منطقة القرن الإفريقي تحديدا
اريتريا التي تتمتع بموقع هام كونها تطل علي الشاطئ الغربي للبحر الأحمر
وعلي مقربة من مضيق باب المندب, وهي عبارة عن مثلث محصور بين أثيوبيا
والسودان وجيبوتي كما أنها متنوعة التضاريس والمناخ وتمتلك شاطئا يمتد إلي
1000 كيلومتر علي البحر الأحمر, يمتد من " رأس قصار" علي الحدود السودانية
شمالا إلي باب المندب في"رأس أرجيتا" في جيبوتي جنوبا, ويقع في هذا الساحل
أهم موانئ البحر الأحمر وهما "عصب" و"مصوع", كما إنها محاطة بمجموعة كبيرة
من الجزر بلغ عددها حوالي 126 جزيرة أهمها أرخبيل دهلك (Dahlak Islands)
وهو اسم يطلق علي أرخبيل بين اليمن و اريتريا, أي هو تجمع جزر في البحر
الأحمر قبالة الشواطئ الأريرترية بالقرب من مدينة مصوع. إن أكبر الجزر
ال126 هما دهلك الكبرى ونهلق الشهيرتان بصيد اللؤلؤ منذ أيام الرومان وما
زالتا تنتجان كميات كبيرة منهم, والجزر المسكونة وبشكل دائم هي أربعة
ويقطنها من 2500-3000 نسمة يعملون في صيد الأسماك والمرجان واللؤلؤ وتربية
الماعز والجمال واللغات السائدة هي التغريو العفر ولغة الدهالكة, ويمكن
الوصول لهذه الجزر عن طريق ميناء مصوع, ومن أهم جزر أرخبيل دهلك جزيرتا
"فاطمة وحالب" من الناحية الإستراتيجية. لقد ازداد الاهتمام الصهيوني
بمنطقة البحر الأحمر تحديدا بعد حرب أكتوبر عام 1973بعد إغلاق مصر الملاحة
أمام السفن الإسرائيلية لفرض حصار اقتصادي, حينها بدأت إسرائيل محاولاتها
لإيجاد بديل لحل مشكلة الملاحة بالتغلغل في المنطقة للحصول علي جزيرة دهلك
التي تعد أكبر جزر البحر الأحمر أهم المنافذ البحرية في العالم لإقامة أول
قاعدة عسكرية لها خارج حدودها واستمرت في إقامة القواعد العسكرية فأصبح
عددها أربعة وازدادت الأطماع الإسرائيلية في المنطقة وعقدت اتفاقيات مع
الرئيس الاريتري "أسياس أفورقي" واستأجرت جزيرتي "حاليب وفاطمة" الواقعتين
جنوب غرب البحر الأحمر, ومن ثم قام الإسرائيليون ببناء قاعدة عسكرية في كل
منهما ولم تكتف اسرائيل بذلك فحصلت علي جزيرتي "سنتيان وديميرا" المشرفتان
علي مضيق باب المندب الاستراتيجي. تأسيسا لما سبق ما أهمية جزر البحر
الأحمر لإسرائيل؟. يبدو أن اسرائيل لا تريد العودة إلي شبح عام 1973 الذي
أغلقت فيه الملاحة أمامها, فعملت علي أن تتحكم هي بنفسها في الملاحة وألا
تقع تحت رحمة الدول العربية وتهديداتها لتقلب الأمور رأسا علي عقب فبعد أن
كان العرب هم المتحكمون في البحر الأحمر تصبح إسرائيل هي من يتحكم فيه,
وبالتالي تستطيع سفن اسرائيل الحربية تهديد كل من مصر والسودان والسعودية
واليمن. كما إن إقامة قواعد عسكرية لها يوفر الدعم والحماية والتموين
لأسطولها البحري في البحر الأحمر إضافة إلي تسهيل مهمة إجراء تجارب نووية
إسرائيلية في البحر الأحمر, لتبقي إسرائيل بعيدة تماما عن أي خطر أو تهديد
من تسرب إشعاعات نووية قاتلة, وهذا الأمر قام بفضحه عضو الكنيست العربي عبد
الوهاب دراوشة آنذاك, ويري بعض المحللين أنه بإمكان اسرائيل الاستيلاء علي
ميناء بورتسودان وضرب القواعد المصرية وضرب السد العالي جنوب مصر-انطلاقا
من القواعد العسكرية التي أقامتها في البحر الأحمر- متى شعرت بخطر قادم من
مصر, ويري د.عبد الله النفيسي أن اسرائيل استأجرت جزر دهلك من اريتريا
المقابلة لجزيرة فرسان التابعة لمنطقة جازان السعودية وهي أيضا قريبة من
اليمن لاستخدامها كمراعي لموشيها وأنشأت أكبر المصانع لتعليب الأسماك في
أكبر جزيرة في أرخبيل دهلك, وقامت بتدريب يهود الفلاشا في جزيرة رأس
سنتيان. وبالعودة إلي جزيرة دهلك تجمع مصادر دبلوماسية غربية في كل من
أسمرة وأديس أبابا عن وجود طائرات إسرائيلية مجهزة بمعدات تجسس متطورة في
جزيرة دهلك الاريترية, كما يود عدد كبير من الخبراء الإسرائيليين وقوات
خاصة ووحدة من المظليين والكوماندوز وقوات محمولة جوا ومجهزة بالمروحيات
الحديثة وغواصات من طراز "دولفين" الألمانية الصنع التي من شأنها تشكيل خطر
لأمن البحر الأحمر, كما كشفت صحيفة "عال هميشمار" الإسرائيلية عن تواجد
إسرائيلي كثيف في كل من أثيوبيا واريتريا وتنتشر في موانئ اريتريا 6 زوارق
حربية من طراز "دابورا" مهمتها التفتيش والتفقد بشكل دوري ويومي في المنطقة
تجاه جزر "حنيش " اليمنية كما أقامت إسرائيل 6 قواعد استخبارية وشبكة
اتصالات وأجهزة رادار نصبت في جزيرة "زفير" التي تبعد عن اليمن 22 كيلو متر
فقط لمراقبة حركة السفن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن, بالإضافة إلي
قيام إسرائيل بزرع عملاء للموساد في القرن الأفريقي كما نشرت صحف بريطانية
وفرنسية. ما سبق يوضح الخطر المحدق بالدول العربية من هذه القواعد
الإسرائيلية في الجزر الاريترية وأن إسرائيل أصبح لها موطئ قدم سمح لها
مراقبة ورصد نشاطات البحرية العربية والتصنت علي اتصالات العرب كالسعودية
واليمن ودول الخليج ومصر والتشويش عليهم, مما يعني أن الأمن القومي العربي
بات مهددا بشكل مباشر من قبل إسرائيل والتي يمكن القول إنها فرضت سيطرتها
علي مضيق باب المندب والبحر الأحمر كمقدمة لتدويله كما نجحت إسرائيل لحد ما
في سلخ اريتريا عن العرب وساهمت في تعزيز عدم انضمامها للجامعة العربية
بمعني أنها أبعدتها عن عمقها العربي وطمست هويتها العربية والإسلامية, حيث
أن نسبة المسلمين في اريتريا كما تروي بعض المصادر تبلغ حوالي 78% من
السكان وفي رواية أخري أنهم يشكلون من 70-90 % من السكان, كما استفادت
إسرائيل من تطبيع علاقتها مع اريتريا حيث فتحت السوق الإفريقية أمام المنتج
الإسرائيلي, إضافة إلي ضمان إسرائيل لخطوط اتصال بحرية وعسكرية وتجارية من
المحيط الهندي إلي البحر الأحمر, بمعني نجحت إسرائيل تدريجيا بفك العزلة
المفروضة عليها من قبل الدول العربية. أخيرا يتساءل البعض عن موقف الدول
العربية المجاورة لمنطقة البحر الأحمر وما رد فعلها تجاه القواعد
الإسرائيلية وماذا تنتظر ولماذا لم تحاول تبني القضية الاريترية وتساعد
الارتريين علي الخروج من محنتهم لاحتوائهم بدلا من احتضان إسرائيل لهم
لتبدأ بتنفيذ مخططاتها من خلال اريتريا ضد العرب؟ فهل الدول العربية
المجاورة لاريتريا عاجزة عن تقديم المساعدات التي قدمتها اسرائيل لاريتريا
أم إنها تساوقت مع المخططات الامبريالية الصهيونية التي تسعي إلي تفتيت
المنطقة العربية إلي كيانات هزيلة هشة غير قادرة علي الدفاع عن نفسها لتصبح
إسرائيل السيدة الوحيدة في المنطقة والأمر الناهي.
المصدر