نقادة.. قريــة مصريـــة تصـنع الجمــال
رياض توفيق - تصوير: محمد وسيم
منذ
سنوات قليلة وخلال رحلته إلي أوروبا.. التقي زميلنا الفنان الراحل يوسف
فرانسيس صاحب الفرشة الذهبية واللوحات الناعمة, بمجموعة من الأوروبيات
ولأنه كان عاشقا في محراب الألوان والفن الرفيع, فقد بهرته قطع من القماش الحريرية بألوان زاهية ومتناغمة تنساب حول أعناق
الأوروبيات.. ويومها أصر الزميل علي شراء مجموعة من هذه القطع الحريرية
الرائعة.. وكانت مفاجآته مذهلة عندما أخبره بائع هذه التحفة أنها مصنوعة في
مصر.. في قرية صغيرة في أقصي محافظة قنا اسمها نقادة!! وعندما عاد من
رحلته طلب مني أن أذهب إلي هذه القرية لإجراء موضوع صحفي مصور عن صناعة هذه
التحفة التي دفع فيها مبالغ باهظة من العملة الصعبة.
ومنذ أيام ورغم مرور كل هذه السنوات اصطحبت الزميل الفنان محمد وسيم في
رحلة إلي قنا وتذكرت وصية الزميل الراحل وطلبت من اللواء عادل لبيب محافظ
المدينة الذهاب بي إلي هذه القرية التي يخرج منها كل هذا الفن الرفيع.
وعندما وصلنا إلي قرية نقادة لم يكن المشهد متغيرا عن أي قرية في بلادنا..
نفس البيوت الفقيرة المبنية بالطوب اللبن ولا يوجد أي مظهر من مظاهر
الصناعة داخل القرية, ولكن عندما دخلنا البيوت اختلف المشهد تماما.. مئات
من الأقوال تدور بإصرار.. ومئات من الأسر تعمل جميعا في صمت مذهل لإتمام
هذه القطعة الفنية الرائعة وتلتقي في بداية زيارتك للقرية بحكايات تؤكد لك
أن هذه الصناعة يقدر عمرها بآلاف السنين وتمتد إلي عهد الفراعنة, ونظرا
لمشقتها وجلوس الصانع علي النول الذي ينسج هذه القطعة لساعات طويلة فإنه
يقال أنها كانت تفرض علي المحكوم عليه بالسجن أو الإعدام كنوع من الأشغال
الشاقة!. ويطلق عليها الفركة أو كما يقول صناعها صنعة الستر لأنها تستر ولا
تغني, وتتميز بأنها صناعة عائلية يمارسها جميع أفراد الأسرة.. ويصل عدد
الأسر التي تعمل بها حوالي600 أسرة وتوفر حوالي3 آلاف فرصة عمل من السيدات
وكبار السن. وداخل البيت يشرح لك رب الأسرة أن الورشة المنزلية تتكون من
ثلاثة أنوال.. أحدها يصنع الملاءة الإسناوي والثاني للفركة الدرماني
والثالث للشال المنقوش.. أما الخامات فإنها تتكون من خيوط حرير أو غزل
فبران تستورد من الصين أو الهند وخيوط من القطن مصبوغة. وعن طريقة الصناعة
تقول إحدي السيدات تبدأ بصبغ الخيوط في عجمانية من الألومنيوم ثم تبدأ
مرحلة للقيادة الفعالة الخيوط, ثم مرحلة السدوة ثم بعد ذلك تلف الخيوط وتصل
في النهاية إلي مرحلة اللقاية حيث تدخل الخيوط في النير وبعد ذلك في
المشط, ثم بعد ذلك مرحلة التصنيع بالمكوك علي النول ومن العجيب أن المكوك
به ريش حمام صغيرة لا يتم العمل إلا بوجودها ويصبح الإنتاج جاهزا للعرض
والبيع.
وتنتج نقادة وبجوارها قرية الخطارة الفركة الدرماني والسياجية والملاءة
الأسواني( الحبرة) بالإضافة إلي بعض أنواع الاقمشة مثل المبرد. ويتذكر أهل
المنطقة العصر الذهبي للفركة السودانية حيث كانت تصدر إلي السودان وكان
يقدر الإنتاج سنويا700 ألف قطعة فركة كانت قيمتها4 مليون دولار وكانت تجلب
الخيوط من شركة إسكو وشركة مصر للحرير الصناعي بكفر الدوار أما الآن
فتستورد من الصين والهند وقد توقفت تصدير الفركة إلي السودان منذ
نوفمبر1987 وانعكس ذلك علي الحالة الاقتصادية بالمنطقة كلها.. ولذلك فإن
أول مطالب أهل هذه الحرفة والمنطقة بأكملها عودة تصدير الفركة السودانية
إلي السودان.. وهذه الخطوة سوف تحافظ علي هذه الصناعة التراثية ورفع
المعاناة عن المشتغلين بها, وقد كانت تقام الأفراح يوم تصدير منتجات القرية
التي يعمل90% من سكانها في هذه الحرفة, يطلب أهل القرية أيضا من الحكومة
إعادة إنتاج المواد الخام اللازمة لهذه الصناعة في المصانع المصرية حتي لا
تلجأ إلي استيراده بأسعار خيالية من الصين والهند.
ويتحدث أهل قرية نقادة صانعة الجمال في زهو عندما يشرحون لك كيف أن قريتهم
موضوعة علي البرامج السياحية وأنها تستقبل مجموعات من السياحة لمشاهدة هذه
الصناعة التراثية الرائعة.
مصدر