أهم عمليات جهاز الموساد الإسرائيلي.
إغتيال مصمم«مشروع مدفع بابل» تصل قذائفه إلى ألف كيلو متر!
الكاتبين:مايكل بار - زوهار ونسيم ميشال .
العالم الكندي(جيرالد بول) بجانب مدفعه العملاق بابل الكبير-العراق عام1990.
يعتبر نشاط وكالة الاستخبارات الخارجية الاسرائيلية (الموساد) مرتبطا بقوة بأغلب الاحداث التي شهدها الشرق الاوسط، وحملت من الغموض والجدل الكثير لا سيما في العمليات السرية والاغتيالات وشبكات التجسس والتأثير في الانظمة وغيرها.
نستعرض على حلقات احد الكتب التي تناولت هذا الجهاز بتأليف صحافيين اسرائيليين، عرضا معلوماتهما بطريقة روائية فيها من المغامرات والتشويق وسرد احداث امتدت منذ زراعة الجاسوس ايلي كوهين في دمشق، مرورا بتصفية قادة ايلول الاسود بعد عملية ميونخ واختطاف ادولف ايخمان وقصف المفاعل النووي السوري واغتيال علماء ايران النوويين والمحاولة الفاشلة لاغتيال القيادي في حماس خالد مشعل في عمان وفضيحة «ايران غيت» وصولاً إلى اغتيال المبحوح وغيرها.
ويجدر القول، ان الكتاب تجاهل الدور الدموي للموساد ولكنه يمثل وجهة النظر الاسرائيلية، فقد حاول «تمجيد» العمليات القذرة للجهاز او تبرير الاخر منها، الامر الذي تجاهلناه بدورنا، لنكتفي بسرد تسلسل الاحداث مركزين على المعلومات المعهودة على ذمة المؤلفين والتاريخ.يتابع المؤلفان طموح رجلين: الأول يريد تحقيق حلمه بصناعة مدفع عملاق اسطوري، والثاني رغبته بامتلاكه.
جيرالد بول الموهوب الذي حصل على الدكتوراه في سن 23 عاماً كان مسؤولاً عن برنامج بحوث الارتفاعات العليا في جامعة ماكغيل في مونتريال، وحصل من سيدة مسنة زارت كندا، وهي قريبة فريتز راوز نبيرغ مدير التصميمات في شركة كروب الذي توفي، على وثائق تتضمن وصفاً تفصيلياً للمدفع العملاق وطريقة تشغيله.
وسعى بول الى تنفيذ مشروع المدفع العملاق بتمويل اميركي - كندي، واختار جزيرة باربادوس لتصنيعه بمشاركة مئات العمال والفنيين والمهندسين.
وقد تفوق مدفع بول باختبارات القصف بقذفه احمالاً ثقيلة الى ارتفاعات قياسية، وكان يخطط لاطلاق صواريخ من مدفعه يصل مداها الى 4 الاف كيلو متر.
ولاسباب مختلفة، قررت الحكومتان الاميركية والكندية ايقاف تمويلهما للمشروع، وارغم بول عام 1968 على مغادرة بربادوس، وفي هذه اللحظات بدأ يصيبه الاحباط من الاميركيين رغم انه يحمل جنسيتهم الشرفية.
غير انه استمر في مهنته وصنع في البداية مدفعا من طراز سي - جي - 45 وكان الاكثر تطوراً في زمانه، وباعه لاي جهة ترغب في شرائه مثل اسرائيل وجنوب افريقيا والعراق وتحول الى مهرب اسلحة لا رحمة في قلبه. العلاقة مع العراق
في الاثناء، هناك رجل آخر لا رحمة في قلبه ايضاً يتمنى ان يموّل، وبالتالي يستحوذ على المدفع العملاق لهذا الموهوب، وكان العراق في غضون ذلك يخوض حرباً قاسية مع ايران، واشترى مدافع بول التي صنعها في النمسا وجرى تهريبها عبر ميناء العقبة الاردني.
وصدام حسين مثل بول كان لديه شعور عميق بالاحباط بعد قصف اسرائيل لمفاعل تموز النووي، الامر الذي بدّد حلمه لجعل العراق قوة نووية.
مشروع بابل
وعرض بول ان يصنع لصدام اكبر واطول مدفع عملاق في العالم، كما وعد بول بانه من خلال ذلك المدفع سيتمكن صدام من اطلاق اقمار صناعية في الفضاء، واطلاق قذائف لمسافة تبعد اكثر من الف كيلو متر، وادرك صدام انه سيكون في مقدوره ضرب اسرائيل، وقبل عرض بول بترحاب واطلق بول على مشروعه اسم «مشروع بابل».
ووضع بول مخططات مشروع بابل الذي سينتج من خلاله مدفعا طوله 150 متراً ويزن 2.100 طن وبعيار يصل الى متر، ولكن قبل انتاج ذلك المدفع الرهيب، قرر بول جمع وتركيب نموذج اصغر لاختبار قدراته. واطلق على المدفع الاصغر اسم «بابل الطفل»، وذلك بالرغم من ان ذلك الطفل يعد اكبر من جميع اسلافه. فقد كان طول ذلك المدفع 45 مترا، وذهل قائد المدفعية في الجيش العراقي باداء ذلك المدفع. لكن لا يمكن مقارنته بالمدفع الفعلي الذي يجري تصنيعه في الصحراء العراقية. التجهيز في أوروبا
واختار بول ان يضع مدفعه العملاق فوق تل، ووضع كل مكونات اطول واضخم مدفع في العالم على المنحدر. وبعد اختيار الموقع طلب قطع المدفع من عدة مصانع اوروبية للحديد الصلب. وكان المكون الاساسي بالطبع ماسورة المدفع التي قرر بول تجميعها عن طريق عشرات الانابيب الحديدية الضخمة.
وطلب الانابيب من انكلترا واسبانيا وهولندا وسويسرا. وقد تم تمويه الطلبات على انها «اجزاء خط انابيب نفط ضخم». ولان العراق كان خاضعا لعقوبات دولية، ولحظر صارم على استيراد المواد الاستراتيجية، تم تقديم الطلبات باسم الاردن.
وبدأت الانابيب في الوصول. والامر المذهل في هذه العملية برمتها هو ان معظم الدول والشركات ذات الصلة بانتاج الانابيب كانت تدرك تماما بان تلك الانابيب ما هي الا قطع سلاح عملاق فتاك. غير ان مكرهم وجشعهم، الى جانب عدم اكتراثهم بالحروب في منطقة الشرق الاوسط، كان يعني انه لم تكن لديهم مشكلة في التعاون في هذا المشروع. وتم منح تصاريح تصدير لتلك الانابيب، وشحنت على سفن نقل وارسلت الى العراق من دون مواجهة اي مشكلة.
صواريخ بول
وبدأ جيش بول الخاص المشكل من الفنيين والمهندسين في تجميع قطع المدفع، غير ان بول ظل غير راض. فقد صنع للعراقيين مدفعين تلقائيي الاطلاق اطلق عليهما الفاو ومجنون. وقد تم ضم مدفع مجنون فورا الى سلاح المدفعية العراقية. كما وافق بول ايضا على تطوير صواريخ سكود في ترسانة صدام، وتعديل رؤوسها الحربية. وزاد من مداها وادائها. وقد تم استخدام تلك الصواريخ ضد اسرائيل ابان حرب الخليج الاولى.
وقد تخطى بول هنا خطاً. ووفق شهادة ابن بول، فان العملاء الاسرائيليين حذروا والده من مغبة الاستمرار في نشاطاته الخطرة. ورفض بول الاستماع لذلك التحذير. واسرائيل لم تكن وحدها الراغبة في وقف عمل ذلك العالم.
فقد كانت وكالة المخابرات المركزية الاميركية وجهاز الاستخبارات البريطاني يشعران بالقلق، وكذلك الايرانيون الذين لديهم حساب معه. فخلال الحرب الايرانية ــ العراقية استخدم العراقيون مدافع ضد ايران صنعها جيرالد بول. ويبدو ان بول كان لديه الكثير من الاعداء الذين كانوا عازمين على ايقاف مشروعاته.
بداية المطاردة
وبما انه تجاهل تحذيراتهم، بدأ العملاء الاجانب في زيادة نشاطاتهم. ففي خريف عام 1990 اقتحم اشخاص مجهولون عدة مرات شقة بول في ضاحية اوكلي في بروكسل، ولم يأخذ المقتحمون اي شيء بل بعثروا الاثاث وافرغوا الخزائن والادراج، مخلفين مؤشرات واضحة لنوايا زياراتهم. وكان ذلك تحذيرا اخر موجها لبول يقول: كنا هنا، ونستطيع دخول بيتك عندما يحلو لنا ذلك، وربما نفعل ما هو أكثر من ذلك. ومرة أخرى تجاهل بول تلك التحذيرات. وظلت قطع المدفع تصل إليه، وتم تركيبها واحدة بعد الأخرى فوق تلّ قاحل في العراق. ويبدو انه لا شيء سيوقف مشروع بابل، باستثناء أمر واحد.
اغتيال بول
في 22 مارس عام 1990عاد بول الى شقته في بروكسل، وأثناء تفتيش جيبه بحثاً عن مفاتيح الشقة خرج له شخص من عتمة الممر وهو يحمل مسدسا مزودا بكاتم للصوت، واطلق خمس رصاصات على رأسه من الخلف، فسقط أبو المدفع العملاق قتيلاً.
ودخلت الصحافة العالمية في سرد تكهنات حول هوية القتلة. وقال بعضهم انهم ارسلوا من قبل «سي. آي. ايه»، بينما اشار بعض اخر باصبع الاتهام الى الاستخبارات البريطانية (ام آي 6)، وانغولا وإيران، غير ان معظم المراقبين اتفقوا على قيام اسرائيل بذلك. وبدأت الشرطة البلجيكية تحقيقاتها، ولكنها لم تتوصل الى أي شيء ولم يتوصل أي أحد الى قتلة بول.
وبعد وفاة بول توقف فوراً العمل في مشروع المدفع العملاق. وتوزع مساعدوه والمهندسون والباحثون على أنحاء العالم، وكانوا يعرفون قطع ذلك المشروع، غير ان المخطط الرئيسي كان في ذهن جيرالد بول، وهو الوحيد الذي يعرف كيفية تنفيذه. وبالتالي فان موت بول مثّل موتاً لمشروع بابل.
وجاء اغتيال جيرالد بول في وقت تحولات عميقة في جهاز الموساد وطبيعته. فرئيس جهاز الموساد الجديد شبتاي شافيت، العميل المخضرم وجد جهازاً مختلفاً تماماً من الموساد الذي اعتاد عليه عندما تولى إدارته في عام 1989، فهو مقاتل سابق في القوات الخاصة، وبدا انه الرجل المناسب لتلك الوظيفة. وبات الموساد يتولى تدريجياً معظم العمليات الموجهة ضد المخاطر غير العسكرية وغير التقليدية التي تواجه اسرائيل.
المصادر:http://www.alqabas.com.kw/node/754439